المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

قبل حوالي اسبوعين، كانت الكنيست الحالية (الـ 16) تهم، للمرة الأولى، بالتصويت على اقتراح لحجب الثقة عن حكومة شارون الجديدة، قدمته كتلتا "شاس" و "يهدوت هتوراه". في تلك اللحظات تواجد في قاعة الكنيست اكثر من مائة عضو كنيست، بينهم رئيس الحكومة الاسرائيلية وعدد من الوزراء. ولكن عضو الكنيست يعقوب ليتسمان (يهدوت هتوراه) ركض، في الحظة الأخيرة، نحو الميكروفون المثبت في زاوية القاعة ليعلن، بنصف ابتسامة: "اود ان اعلن انني اسحب ترشيحي لرئاسة الحكومة".


صدمة كبيرة اصابت الحاضرين في القاعة. رئيس الكنيست رؤوبين ريفلين اعلن: "امامنا هنا مسألة جدّ مثيرة". وكان من الصعب عليه ان يقرر ما اذا كان يتوجب اجراء التصويت ام لا، بعد الاعلان المفاجىء من ليتسمان. رئيس الائتلاف البرلماني، عضو الكنيست غدعون ساعر (ليكود) لفت انتباه الوزراء واعضاء الكنيست الى ان قواعد اللعبة في ما يتعلق باقتراحات حجب الثقة تغيرت مع التعديل الذي اجري على قانون أساس: الحكومة. فالقانون ينص على "حجب ثقة بَنّاء"، يتطلب تأييد 61 عضو كنيست على الأقل، كما كان في السابق أيضا، ولكنه يلزم بالمقابل بعرض مرشح بديل لمنصب رئاسة الحكومة ويطلب من رئيس الدولة تكليف ذلك المرشح، بعد موافقته على الترشيح خطياً، بتشكيل حكومة جديدة.

ليس ثمة شك في ان العمل البرلماني في اسرائيل يشهد في السنوات الأخيرة تدهورًا في أهمية وهيبة اداة حجب الثقة عن الحكومة. ذلك يعود، اساسًا، الى كثرة استخدام هذه الأداة وكثرة الاقتراحات المقدمة لحجب الثقة عن الحكومة، فضلاً عن ان مناقشاتها مملة ونتائجها معروفة سلفاً. في الكنيست الماضية قدمت 129 اقتراحا لحجب الثقة عن الحكومة. ليس فقط اعضاء الكنيست انفسهم لا يتعاملون مع الموضوع بجدية، بل وسائل الاعلام ايضًا، التي تبدي لا مبالاة واضحة ونادرًا ما تنشر عن المناقشات وإجراءات التصويت. اليوم، تستطيع كتل المعارضة ("العمل" و "شاس") تقديم اقتراحات لحجب الثقة كل اسبوع، وفقط الكتل الصغيرة (وبضمنها العربية) مقيدة في عدد هذه الاقتراحات التي تستطيع تقديمها.

"قضية ليتسمان" انتهت بمغادرة الوزراء واعضاء الكنيست القاعة دون اجراء تصويت على الاقتراح، لكنها حددت (من حدة) مدى اللامعقولية والسخف في مجرد موافقة عضو كنيست على ترشيح نفسه، بينما يعرف الجميع انه لا يملك اي قدرة على تشكيل حكومة. عضو الكنيست ساعر يقول ان هذه القضية تحتم اعادة التفكير في اداة حجب الثقة ووظيفتها البرلمانية. "غاية القانون هي اقامة حكومة جديدة. عضو الكنيست ليتسمان لجأ الى الخدعة لإنهاء القضية، وهو ما يتعارض مع جوهر القانون وغاياته. كذلك عضو الكنيست عزمي بشارة ينوي تقديم اقتراح لحجب الثقة عن الحكومة وعرض نفسه مرشحاً لرئاسة الحكومة، اليست هذه مجرد ألاعيب لا غير؟".

عضو الكنيست ساعر اجتمع، الاسبوع الماضي، مع رئيسة كتلة حزب العمل في الكنيست، عضو الكنيست داليه ايتسيك، وعرض عليها التنسيق والعمل المشترك لتعديل القانون بحيث يتطلب تقديم اقتراح حجب الثقة جمع تواقيع 61 عضو كنيست على الأقل. "لن ابادر الى اي خطوة في هذا الموضوع قبل التشاور مع ممثلي الكتل الاخرى، لكن ينبغي علينا التوصل، معاً، الى الحل الصحيح الذي يضمن وقف ظاهرة تحقير اداة حجب الثقة"، يقول ساعر. "قد لا يتطلب الحل تواقيع 61 عضو كنيست، وانما 40 أو 50 فقط. لكن هذا الوضع الذي تهدر فيه الكنيست وقتاً ثمينًا كل يوم اثنين بمناقشة اقتراحات عديمة الجدوى والأمل لحجب الثقة، بدلاً من مناقشة مشاريع قوانين جديدة، هو وضع مخطوء".

إرباك الحكومة

رئيس الكنيست رؤوبين ريفلين، زميل ساعر في كتلة الليكود، يخالفه الرأي. "انا اعارض بشدة طلب جمع تواقيع 61 عضو كنيست للتمكن من تقديم اقتراح لحجب الثقة عن الحكومة. ذلك ان لهذه الأداة قيمة واهمية تفوق القدرة على اسقاط الحكومة. الآباء المؤسسون للكنيست اقروا بأن سلاح حجب الثقة هو سلاح المعارضة. انه احد الأسلحة القليلة جدًا المتاحة للمعارضة في مواجهة الإئتلاف المتماسك. ومن المحظور علينا القول ان تقديم اقتراحات حجب الثقة هو امر غير جدير وغير ذي جدوى".

ويقول ريفلين، بلهجة انتقادية تجاه ساعر، انه "لو جلس سكرتير الحكومة السابق ثلاثة ايام في المعارضة، لتغيرت نظرته كلياً لهذا الموضوع. في الكنيست الـ 15 درجت، كرئيس لكتلة الليكود، على تقديم اقتراح اسبوعي لحجب الثقة عن الحكومة، باستثناء الفترات التي كان يتغيب فيها رئيس الحكومة آنذاك ايهود براك في مهمات رسمية خارج البلاد. وكان شارون يقول لي: لستُ رجل خطابة، لماذا علي تسويغ اقتراحات لحجب الثقة كل اسبوع طالما ليس لدينا أي امل في تجنيد اغلبية لتأييده؟ وكنت اجيبه: "عليك ان تلقي خطابا كل يوم اثنين، لأننا اذا لم نتكلم فسوف نتلاشى".

ريفلين يقول ان ليتسمان "ارتكب فعلة لا يجوز القيام بها، وتنطوي على استغلال سيء لأنظمة الكنيست. كل من يوقع على رسالة يعلن فيها استعداده لعرض نفسه مرشحًا لرئاسة الحكومة، ممنوع ان تكون يده خفيفة على القلم، لأن في ذلك مخالفة ادبية. ربما كان هناك مجال لفحص امكانية فرض عقوبات معينة على عضو كنيست كهذا وعلى كتلته البرلمانية، بواسطة اضافة بند جديد الى الدستور ينص على ان الكتلة التي تقدم اقتراحاً لحجب الثقة وتعرض مرشحًا من طرفها لرئاسة الحكومة ثم تتراجع عن ذلك في اللحظة الأخيرة، تحرم من حق تقديم اقتراحات حجب الثقة لمدة شهرين. ينبغي اتخاذ اجراءات عقابية، وليس اقتلاع الشجرة الدمقراطية التي نجلس عليها".

عضو الكنيست ليتسمان رد باستهجان على اقتراح ريفلين فرض عقوبات وقال: "انها خدعة برلمانية مشروعة". والى ذلك، قال ليتسمان ان كتلته تنوي تقديم اقتراح لتعديل قانون اساس: الحكومة، يلغي الحاجة الى عرض مرشح بديل لرئاسة الحكومة. "انها فكرة غير موفقة"، قال ليتسمان.

عضو الكنيست داليه ايتسيك قدمت قبل اسبوعين اقتراحًا لحجب الثقة عن حكومة شارون، واقترحت في اطاره تكليف رئيس حزب العمل عمرام متسناع بتشكيل حكومة جديدة. لكن اقتراح حجب الثقة الغي استجابة لطلب عضو الكنيست ساعر، بسبب الأوضاع. وتعتقد ايتسيك ايضاً ان اقتراح ساعر بشأن تواقيع 61 عضو كنيست "سيصادر من يدي الكنيست الأداة الرئيسية لنقد الحكومة". وتقول انه ينبغي عدم التسرع في فرض قيود على تقديم اقتراحات حجب الثقة عن الحكومة "لأن وظيفة المعارضة هي ان تحاول، كل الوقت، اسقاط الحكومة. واذا لم يكن بالامكان اسقاطها، فارباكها على الأقل".

لكن ايتسيك ايضا غير راضية اطلاقا عن الوضع الحالي. "البند الخاص بحجب الثقة البناء يبدو لي كحادثة سير تشريعية. انه، برأيي، خطأ رهيب يجعل حجب الثقة امرًا سخيفاً يربك الكنيست، ولذا يجب الغاؤه والعودة الى النص السابق الذي يلزم بتأييد 61 عضو كنيست لاقتراح حجب الثقة من اجل اقراره".

رئيسة كتلة ميرتس في الكنيست، عضو الكنيست زهافه غلئون، تقول ان "من يقترح اشتراط تقديم اقتراح لحجب الثقة بجمع تواقيع 61 عضو كنيست انما يدعو عملياً الى افراغ هذه الأداة من أي مضمون. انها سلوك يميز استبداد الأغلبية مقابل الأقلية". وتضيف انه اذا ارادت الحكومة التعامل بجدية مع هذه الأداة، فعلى رئيس الحكومة ان يتفرغ للجلوس في قاعة الكنيست طوال مناقشة اقتراحات حجب الثقة والاصغاء الى تسويغات المعارضة لطلب استبداله. الحضور الشحيح في مناقشات اقتراحات حجب الثقة هو الذي يفقدها جديتها واهميتها. كما تعتقد غلئون انه لا يجوز تحديد عدد اقتراحات حجب الثقة التي تستطيع كتل المعارضة تقديمها. "ميرتس، مثلاً، يحق لها الآن تقديم ثلاثة اقتراحات كهذه في كل دورة، وهذا غير كاف، بالتأكيد".

مرة واحدة كل دورة

موقف رئيس الكنيست السابق ابراهم بورغ (العمل) مختلف تماماً. فهو يعتقد انه يجب تقديم اقتراح لحجب الثقة فقط حين تتوفر لدى المعارضة امكانية حقيقية لاسقاط الحكومة، وليس الاستمرار في نهج تقديم اقتراحات حجب الثقة اسبوعياً، مما يؤدي الى تسخيف هذه الأداة. "ينبغي المحافظة على هذه الأداة باعتبارها سلاحا غير تقليدي، يتم استخدامه مرة واحدة في كل دورة او مرة واحدة في السنة، وفقط حين تتوفر امكانية تجنيد 61 عضو كنيست لتأييده. في السنوات الأخيرة تحولت اقتراحات حجب الثقة الى وسيلة للتعبير عن الآراء واسماع الانتقادات من جانب المعارضة تخجاه الحكومة". ويرى بورغ انه "من اجل تمكين المعارضة من التعبير عن آرائها استحدثت طريقة تخصيص ساعة يوجه خلالها اعضاء الكنيست من المعارضة اسئلة مباشرة الى الوزراء الذين يقومون بالرد عليها فورًا. هذا هو احد الصمامات لتخفيف التوتر".

المستشار القضائي السابق للكنيست، المحامي تسفي عنبار، يعتقد هو الآخر ان "اقتراح حجب الثقة ليس شأناً تكتيكياً، وانما هو شأن جوهري. والوضع الذي نشهده في السنوات الأخيرة، حيث يتم تشويش جدول اعمال الكنيست اسبوعيًا باقتراحات عديمة الأمل لحجب الثقة ولا فرق بينه وبين الاقتراحات العادية لجدول الأعمال، ينبغي ان يتغير لأنه ليس من اجل هذا اوجد اقتراح حجب الثقة. يجب ان نتذكر ان حجب الثقة يجب طرحه فقط عندما تتوفر للمعارضة اغلبية حقيقية ضد الحكومة".

(غدعون ألون ("هآرتس" ـ 24/3) الترجمة العربية: "مـدار")

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات