من أعلى الدرجة السابعة في السلم، وبيده لاصق بُنيّ بين يديه، أوضح شفتاي دلمدغوس الوضع العائلي الحساس. "أنا متأكد 100% من أنه لن يقع هنا شيء وأنه ليس هناك ما نخافه، لكنني أسدّ كل شيء، واشترينا أيضًا معدات وطعامًا بمئات الشيكلات، كل ذلك لكي تكون – هي - هادئةً بعض الشيء".
والمقصود بـ "هي"، نحاما دلمدغوس، زوجته، التي تهتم منذ أسابيع بتزويد شقتهم في رمات غان بكل ما يلزم – الأطقم الدفاعية (علب الكمامات)، صناديق من قناني المياه المعدنية، علب غذاء محفوظ، حقيبة إسعاف أولي وغيرها - ولكن منذ أن فرض جورج بوش إنذاره الأخير، فإنها تتحدث عن ضغط غير محتمل.
"الموضوع الآن رسمي"، أعلنت دلمدغوس، "عدتُ إلى 1991، إلى الذكريات عن الصواريخ التي وقعت هنا في الجوار. لدي تخوفات، وقلق، ورعب، أنا غير هادئة". وهي تخشى ألا تحافظ الغرفة التي أطمتْ بحرص، مع كل النوايا الحسنة، على سلامة البيت لوقت متواصل. فبينما تضغط هي لترك رمات غان والتوجه شمالا مع زوجها، وإبنتهما ووالدها، إلى مكان الاستجمام المحفوظ لهم خصيصًا، على شاطئ الطنطورة، يصر هو على البقاء في البيت. "قلت لها ‘معًا سنعيش، ومعًا سنموت‘"، يقول ضاحكًا. قبل مساء يوم أمس، وبعد الانتهاء من مهمة الأطم، وافق الاثنان على ليلة "هدنة"، واعترفا بأن "الجدال سيتجدد غدًا".
بعد ذلك بوقت قليل، إلى جانب قسم "منتوجات الحرب" في شبكة "هوم سنتر" في بني براك، إزداد الإزدحام. وكما في محطات توزيع الكمامات التابعة لقيادة الجبهة الداخلية في المنطقة، وكما في مراكز بيع مشابهة أخرى، سادت هناك أمس حركة نشطة، القليل من الضغط، ولكن لم يَسُدْ الفزع.
التبرير الأكثر شيوعًا الذي يرويه الُمشترون، الذي دفعهم للوصول إلى هنا، هو "إذا لم يجلب الفائدة فإنه لن يجلب الضرر". شيري وغيلات، اللتين جاءتا من تل أبيب، تلغيان مطلقًا أي إحتمال في أن تحميهما قطع النايلون، لكن "الضغط الاجتماعي يؤثر"، كما قالت شيري. "أنا أعرف على الأقل أنني قمت بما استطعت، وسأمنح ذلك الفرصة كأقل ما يمكن"، تقول صديقتها.
ويتجول ألون ترايسطمان، نائب مدير الفرع، مع الزبائن بين جبال أسطوانات "بولياتيلان" والسكاكين الحادة، بين الورق اللاصق وبالونات إطفاء الحرائق، بين المراحيض الكيماوية وبين اللامبات، بين البدلات الواقية وبين "منتوجات الحرب" الأخرى. ويختبئ وجه المُرشد من خلف مكياج ثقيل، يرسم عليه "لوغو" الشركة. "هذه فقط من أجل ‘عيد المساخر‘"، يعتذر، "لكن لو هدّأ ذلك من روع أحدهم - فَعال العال".
نائب المدير يبلّغ عن ضغط. "نحن نُفرغ رزمة كبيرة وراء الأخرى، ونبعث بسيارة وراء الأخرى. لدينا مشكلة مع لامبات الطوارئ التي بيعت اليوم بالمئات". "نعم"، يتنهد، "في الأمر بعض من عدم الراحة، أننا نكسب من الوضع، لكنننا ملزمون بأن نكون مستعدين".
بعد مضي يوم على صدور توجيهات قيادة الجبهة الداخلية بأطم الغرف، بلّغت شبكات التسويق عن إرتفاع بمئات النسب المئوية في المبيعات. وحقًا، في الكثير من الحوانيت في مركز البلاد تكشفت رفوف علب الطعام المحفوظ في ساعات ما بعد الظهر وتبقى في أقسام الخبز الفتات فقط؛ وبلّغوا في الأكشاك في رمات غان عن حركة نشطة من جمهور المدخنين، وأتى عدد غير قليل إلى دكان البذورات، "المُحمّص من بغداد"، في مركز المدينة. وحتى لو بدا الضغط على وجوه بعض الزبائن، كان هناك من اهتم دائمًا بتبديده، مثل ذلك الشخص في "هوم سنتر" الذي وضع في عجلته كمامة للحيوانات (890 شيكلا) وتسلى جهارًا بالتفكير "في أن أضع الكلب في داخلها، أم أضع حماتي".
ومع ذلك، بلّغوا في مركز "عران" (مساعدة نفسانية أولية) عن ورود إتصالات كثيرة من مواطنين قلقين. وفي الأسابيع الأخيرة، روى المدير العام دافيد كورن، أنه كلما تحولت التقارير عن الحرب الوشيكة إلى كثيفة أكثر، كلما إرتفع عدد المتصلين إلى 300 إتصال يومي، في المعدل، وأمس وصل الرقم إلى أكثر من 400. "موضوع الخوف حاضر اليوم أكثر"، يقول، "وبُعد عدم الوضوح أكبر بكثير، وهذا يتلاءم بالطبع مع الذكريات الجماعية من الحرب السابقة".
ويروي كورن أن التوجهات التي يتلقاها متطوعوه مرارًا وتكرارًا "تتطرق للسؤال حول ما يجدر فعله وما لا يجدر، في الحياة اليومية. الشعور بين الناس هو أن البيت هو المكان الصحيح ليمكثوا فيه، وهم يترددون بشأن تغيير السلوك الاعتيادي للحياة". والضائقة، كما تتضح من المراكز الهاتفية التابعة لـ "عران"، متعلقة بحسب رأيه بكون "البلاغات التي تخرج عن المستويات المخوّلة هي مبلبلة بعض الشيء: من جهة يطلبون التزود وأطم الغرف، ومن جهة ثانية يقولون ‘لن يحدث شيء‘. الناس مبلبلون جدًا".
ولكن في أقسام من "غوش دان" (منطقة تل أبيب) لم يسمعوا البتة عن البلبلة والذعر، بعد ظهر أمس، في المقاهي الممتلئة في المدن، وحتى في مركز بني براك، التي كانت هدفًا في العام 1991. في مركز المدينة، عند زاوية شارعي "يروشلايم" و"رابي عكيفا"، سُمعت أصوات إنفجارات، ولكنها أتت من الألعاب النارية، ومن حولها مشى الناس بهدوء، متنكرين، يحملون سلات مزينة فيها بعض الحلويات. وخلافا لمحطات توزيع الكمامات المكتظة في تل أبيب ورمات غان والقدس، بقيت المحطة في بني براك شبه خالية طيلة اليوم. "الآن، يفضل الجميع أن يثملوا إحتفاءً بـ ‘المساخر‘، وألا يأتوا إلى هنا"، أوضح جندي ضجِرٌ عند مدخل المحطة.
(يوسي فيرطر/ هآرتس 19/3، ترجمة: "مـدار")