بقلم: أفيشاي بن حاييمبعد أقل من شهر ونصف الشهر، وفي صبيحة التاسع والعشرين من يناير 2003، سيصحو زعماء "شاس" على واقع جديد. في الإنتخابات السابقة للكنيست، فاجأت "شاس" الطبقة السياسية بحصولها على 17 مقعدا، بينما سيعد حصول الحركة في الإنتخابات البرلمانية القريبة على عشرة مقاعد بمثابة نجاح كبير. ولكن حتى لو أخذنا بنظر الإعتبار الوضع الاسرائيلي الأمني الصعب القائم منذ عامين ونصف العام، فإن الأمر ما يزال يعد واحدا من الإخفاقات السياسية الكبرى في تاريخ اسرائيل.
هناك خمسة أخطاء رئيسية أفضت إلى هذا التدهور الحاد في وضع حزب "شاس"، الذي احتفظ في فترة الكنيست الحالية بقوة قوامها 17 نائبا في الكنيست، وخمسة وزراء وأربعة نواب وزراء.
* الخطأ الأول
في 17 أيار 1999 شارك أكثر من 436 ألفا من مواطني إسرائيل في تظاهرة الإحتجاج الشرقية الأصعب منذ اقامة اسرائيل، والتي تعتبر "أخطر" بكثير من أحداث "وادي الصليب" عام 1959. وكذلك "أخطر" من مظاهرة "الفهود السود" أوائل السبعينات. فقد ذهب هؤلاء إلى صناديق الإقتراع وصوتوا لصالح حزب وضع على رأسه وفي صلب حملته الإنتخابية زعيما سياسيا أدين بتهم خطيرة، وقد صبت "شاس الرسمية" المياه الباردة على تظاهرة الإحتجاج هذه ورضخت للإنذار الذي وضعه رئيس الوزراء السابق إيهود باراك، الذي طالب بتنحية الزعيم المُدان، أرييه درعي، عن رئاسة الحركة. رحبت زعامة "شاس" الحالية وزعيمها الروحي الحاخام عوباديا يوسيف بالمطالبة بتنحية درعي وتنازلت عن أعظم هدية يمكن لحركة احتجاج (و "شاس" تعد في نظر ناخبيها على الأقل بمثابة حركة احتجاج) الفوز بها: زعيم "بريء" في السجن. وإذا كان ذلك ليس كافيا، فإن "شاس" خسرت بتخليها عن درعي، أهم كنوزها الإنتخابية على الإطلاق وأحد أفضل رجال الدعاية الذين عرفتهم السياسة الإسرائيلية.
* الخطأ الثاني
يعزو كثيرون التراجع في قوة "شاس" إلى تغيير طريقة الإنتخابات، والإنتقال من التصويت ببطاقتين إلى التصويت ببطاقة واحدة. جدير بالتذكير أن أرئيل شارون انتخب في شباط 2001 لمنصب رئيس الحكومة بأغلبية ساحقة. وقد وقفت "شاس" خلال معركة الإنتخابات المذكورة، بكامل قوتها إلى جانب شارون، حيث دعا الحاخام عوباديا يوسيف بنفسه من على كل منبر للتصويت لصالح شارون وإسقاط باراك. انتخب شارون وفرحت زعامة "شاس" التي راحت تغازل رئيس الحكومة الإسرائيلي الجديد، الذي قاد فور انتخابه مبادرة نحو تغيير طريقة الإنتخابات. سبق انتخاب شارون مناورة سياسية من جانب "شاس" منعت بنيامين نتنياهو من التنافس ضده. رئيس حركة "شاس" إيلي يشاي، الذي وقف وراء هذه المناورة السياسية التي كان لها الفضل عمليا في وصول شارون لمقعد رئاسة الحكومة، أغفل ضرورة دعم "شاس" لشارون بعدم تغيير طريقة الإنتخابات، وهو ما كان يحرص عليه الزعيم السياسي السابق للحركة أرييه درعي في أي اتفاق يبرمه باسم الحركة.
هناك ملاحظة أخرى في شأن تغيير طريقة الإنتخابات. فعلى الرغم من الإفتراض المنطقي القائل بأن تغيير طريقة الإنتخابات يؤدي إلى انتقال مصوتين من الأحزاب الصغيرة إلى الحزبين الكبيرين، إلا أن "شاس" هي الحزب الذي يتوقع تضرره وتراجع عدد مقاعده جراء تغيير طريقة الإنتخابات.
* الخطأ الثالث
جاءت تنحية درعي من زعامة "شاس" مصحوبة بتصريحات عن "شاس" أخرى جديدة، أكثر "مأسسة" و "استقامة"، لكن ذلك لم يسعف "شاس"، حيث أظهر استطلاع "يديعوت أحرونوت" نهاية الإسبوع الماضي (20 ديسمبر) أن "شاس" كحزب تعتبر في نظر الجمهور من أكثر الأحزاب فسادا في إسرائيل. ففي السنوات الثلاث الأخيرة واصلت "شاس" تورطها على هذا الصعيد، غير أن القضايا التي تورط فيها الوزيران شلومو بنيزري وآشر أوحنا لم تستغل كما حصل في "قضايا درعي" التي أثارت الخواطر وتحولت كل لائحة اتهام فيها إلى لائحة حقوق ترجمت في نهاية المطاف إلى لغة مقاعد لصالح "شاس". ويتضح أن ثمة جمهورا كبيرا في البلاد تأثر بسحر "شاس" القديمة الملاحقة، المناوئة للمؤسسة، وأنه مستعد للسير بسرور وراء حملة "إنه بريء".
إلى ذلك فإن الزعيم الروحي لـ "شاس" الحاخام عوباديا يوسيف، لم يسهم في تغيير الصورة التي تبجحت "شاس" الجديدة بها. على العكس، فقد عاش الجمهور الإسرائيلي خلال السنوات الثلاث الأخيرة سلسلة تفوهات قاسية وردت على لسان الحاخام يوسيف..
وهكذا صارت "شاس" تتأرجح بين صورة جديدة ونقية لا وجود لها من جهة، وبين كونها لم تعد حزبا احتجاجيا، يجيز المحرمات ويناضل بلا هوادة من أجل الفقراء والمعدومين، من جهة أخرى.
* الخطأ الرابع
هذا الخطأ لا تتحمل مسؤوليته زعامة "شاس" الجديدة، وإنما الزعيم المطاح به بالذات، أرييه درعي. كان بمقدور درعي، لو كان شعار"الثورة الشرقية - السفاردية" يهمه حقا، تجاوز موضوع كرامته الشخصية والقبول طوعا بإقالته أو تنحيته. علاوة على ذلك، كان باستطاعة درعي، منذ أن اتخذ الحاخام عوباديا قراره بتفضيل إيلي يشاي رئيسا للحركة، الوقوف خلف يشاي بل وتنصيبه بنفسه في هذا المنصب. لكن درعي اختار طريق الغضب والإستنكاف، ونأى عن التدخل بتقديم النصح لـ "إيلي يشاي" في موضوع طريقة تغيير الإنتخابات على سبيل المثال، كما شن الموالون له طوال الثلاث سنوات ونصف حملة انتقامية ضد "يشاي" والمقربين منه، لا بل أن الموالين لدرعي يواصلون حتى في هذه الأيام حملتهم ضد "شاس" الرسمية وهم يتمتمون بعبارة "سيعود الحاخام أرييه درعي.. سيعود".
أحد شبيبة "تنظيم" درعي قام مؤخرا بتوزيع صور أجريت لها إعادة مونتاج، تظهر فيها المرأة القوية في "شاس"، يهوديت يوسيف (زوجة ابن الحاخام عوباديا) وهي تجلس في مؤتمر صحفي إلى جانب رئيس الحركة إيلي يشاي والوزير شلومو بنيزري. ولما سئل الناشط المؤيد لدرعي عن سبب قيامه بذلك أجاب قائلا: "أريد أن أعذبهم مثلما يعذبونه..". وأوضح موالٍ أبرز في "تنظيم" درعي قائلا: "يجب تحطيمهم.. لقد غدروا بزعيم الجمهور السفاردي، هذه خطيئة لا يمكن التكفير عنها..".
* الخطأ الخامس
هذا الخطأ يكمن في المجال النفسي. فعلى الرغم من تصريحات "شاس" عن "الثورة"، إلا أن هذه الثورة لم تكن حقيقية قط. صحيح أن "شاس" لا تأل جهدا في المساعدة بحل المشكلات البسيطة للناس المعوزين، لكنها توظف القليل من الجهد في سبيل تمرير تشريع اجتماعي ذي أهمية يؤدي إلى إحداث تغيير جذري في الوضع. حتى أن محط تباهي الحركة وتفاخرها الكبير، شبكة "معيان هحينوخ هتوراني" (نبع التربية التوراتية)، لا تعدو كونها شبكة تعليم متواضعة تضم أقل من 30 ألف طالب، وفي المقابل فإن عدد الطلاب الشرقيين الذين يتعلمون في مؤسسات التعليم الحريدية الأشكنازية يزيد عن العدد المذكور في شبكة تعليم "شاس".
كان من المفروض بـ "شاس"، وفقا لسيناريو الموالين لدرعي، خوض معركة الإنتخابات القريبة وهي تحتل خانة إحدى الحزبين الكبيرين. لكن هذا السيناريو عديم الأساس على ما يبدو، فاليوم بات من المتوقع تحول المقعدين اللذين فصلا بين "شاس" و "الليكود" في الأنتخابات البرلمانية السابقة إلى عشرين مقعدا.
أحد التفسيرات لذلك يكمن في حقيقة أن "شاس" حددت أهدافها فور إقصاء درعي، حيث صرح كبار المسؤولين في زعامة شاس الجديدة، أن حصول الحركة على ما بين ستة إلى تسعة مقاعد سيكون مرضيا من وجهة نظرهم.
من المرجح أن تلاقي زعامة شاس الجديدة نجاحا في هذا الهدف الغريب المتمثل في هبوط عدد مقاعد الحركة في الكنيست المقبلة.
"يديعوت أحرونوت"
(ترجمة: سعيد عياش - "مدار")
المصطلحات المستخدمة:
يديعوت أحرونوت, باراك, الفهود السود, الليكود, الكنيست, رئيس الحكومة, بنيامين نتنياهو