ازداد الحديث في إسرائيل خلال العقد الأخير عن أنها تواجه صراعات داخلية عميقة تهدّد وجودها، وتعيد أغلب الكتابات هذه الصراعات إلى الاستقطاب الداخلي الشديد على خلفية الصراع الديني- العلماني والشرقي- الأشكنازي الذي انضفر أيضاً في الصراع الأيديولوجي بين معسكري اليمين الجديد الشعبوي الذي يقوده بنيامين نتنياهو ويجمع تحت مظلته المتدينين من التيارات الاستيطانية المتزمتة والحريديم وتيارات واسعة من الشرقيين، ومعسكر وسط - يسار علماني يغلب عليه طابع أشكنازي وينضوي تحت مظلته بالأساس أبناء الطبقات العليا والوسطى من سلالات "المؤسسين" الذين يرفعون راية "المؤسساتية" و"الدولانية" ويحلمون بإعادة إسرائيل "إلى مجدها" الذي يقصد به إجمالاً فترة هيمنة حزب "مباي" في عقودها الأولى، على الرغم مساعيهم الحثيثة لنزع صفة "ورثة" مباي عنهم والابتعاد قدر الإمكان عن ربطهم به.
لا شكّ في أن قراءة ما صدر عن أغلب محللي الشؤون الأمنية في إسرائيل بشأن آخر المستجدات المتعلقة بما يوصف بـ"الملف النووي الإيراني"، من شأنها أن تعطي انطباعاً قويّاً بوجود شبه إجماع في صفوفهم على أن إيران قطعت شوطاً بعيداً في كل ما يتعلق بإنتاج قنبلة نووية، وأن طريقها إلى إنتاجها باتت الأقصر منذ أن هجست بهذا الأمر منذ نحو عقدين، وهذا في حال أنها قررت امتلاك سلاح نووي.
سبق أن نوهنا، قبل ثلاثة أسابيع، بأن ثمة أموراً كثيرة تطفو على سطح السجالات في إسرائيل على أعتاب معركة انتخابات عامة مبكرة أخرى، هي الخامسة خلال أقل من أربعة أعوام، موضحين أننا سنتوقف عند أمرين منها تطرقنا إليهما كثيراً في الماضي، وهما: الأول، بعض جوانب الأزمة التي تسم الأحزاب في إسرائيل، وهي الجوانب التي تتراوح بين ما يمكن توصيفه بأنه "فتنة الطغيان"، وزعزعة البنية الاجتماعية للأحزاب. والأمر الثاني هو جوهر المعسكرات السياسية المتنافسة في هذه الانتخابات، والذي سنخوض فيه في هذا المقال بعد أن استوفينا ما يمكن أن يُقال حتى الآن حيال الأمر الأول، في إطار كلمة الفاتح من شهر آب الحالي.
ثمة أمور كثيرة تطفو على سطح السجالات في إسرائيل على أعتاب معركة انتخابات مبكرة أخرى، هي الخامسة خلال أقل من أربعة أعوام، ومنها سنتوقف عند أمرين سبق لنا أن تطرقنا إليهما:
الأول، بعض جوانب الأزمة التي تسم الأحزاب في إسرائيل، وهي الجوانب التي تتراوح بين ما يمكن توصيفه بأنه "فتنة الطغيان"، وزعزعة بنية الأحزاب الاجتماعية.
(*) ما زال الأديب الفلسطيني غسان كنفاني يقضّ مضجع إسرائيل بعد خمسين عاماً على استشهاده الذي صادفت ذكراه في يوم 8 تموز الحالي.
وقد تجلّى الأمر، من بين وقائع عديدة، في سلوك إدارة المكتبة الوطنية الإسرائيلية التي سارعت إلى إصدار أمر بشطب "بوست" ظهر في صفحتها الناطقة باللغة العربية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، كتبه على ما يبدو موظف (عربي؟) توهم للحظة بسعة صدر الديمقراطية الإسرائيلية التي ما زالت تتواتر التقارير بشأن كونها ديمقراطية ظاهرية، جوفاء، وكان آخرها تقرير "زولات" الذي تقرأون مادة عنه في مكان آخر.
الصفحة 18 من 48