ستظلّ الأنظار متجهة إلى يومي انتهاء مهلة تقديم القوائم الانتخابية التي ستخوض الانتخابات للكنيست الإسرائيلي الـ24 التي ستجري يوم 23 آذار 2021، وهما يوما 3 و4 شباط المقبل، وعندها قد تُتاح إمكانية الحديث حول السيناريوهات المتعلقة بالائتلافات الحكومية التي من شأن تلك الانتخابات أن تؤدي إليها، وحول احتمالات النجاح في تأليف حكومة إسرائيلية جديدة، تحل محل حكومة بنيامين نتنياهو الخامسة الحالية. ومع ذلك بات من الأسرار المفضوحة أن استراتيجيا نتنياهو، في ما يرتبط بخارطة تلك القوائم، تقوم على أساس الحفاظ على مكانة حزب الليكود الذي يتزعمه كأكبر حزب بفارق كبير عن الحزب الذي يليه من جهة، وتقوم من جهة أخرى على محاولة تذرير التحالفات الحزبية المنافسة له.
ووفقاً لما تؤكد عليه أوساط مقربة من نتنياهو، كان خيار هذا الأخير في الآونة الأخيرة وحتى هذه الجولة الانتخابية هو الحفاظ على ليكود كبير في مقابل حزب موازٍ من معسكر الوسط- يسار. وبهذه الطريقة اعتاد إيجاد توتر يحثّ من خلاله أنصار اليمين على التصويت لمصلحة الليكود على حساب الأحزاب الأخرى.
غير أنه في الانتخابات القريبة ليس أكيداً وجود حزب كهذا في المعسكر المذكور، ومن هنا ستكون الاستراتيجيا مختلفة: ليكود كبير وأحزاب كثيرة صغيرة ومتوسطة من حوله. وبالرغم من أن التوزع على الكتل قد لا يغيّر الكثير بخصوص الائتلاف المقبل، لكن بالنسبة إلى حزب صغير سيكون من الأسهل عليه أن يختار طرفاً والانضمام إلى الحكومة، من الانجرار إلى انتخابات إضافية والاختفاء نهائياً. ولئن عمل نتنياهو إلى الآن على تفكيك معسكر الوسط- يسار، كما نجح حيال تحالف "أزرق أبيض"، فإنه يوجّه جلّ جهده في الوقت الحالي نحو تفكيك القائمة المشتركة وتفكيك تحالف "يمينا"، ولم تتضح، حتى كتابة هذه السطور، نتيجة هذا الجهد الذي لا يزال في ذروته.
كذلك من المتوقع أن تبقى الأنظار مشدودة إلى واشنطن بعد أن تسلمت سدّة الحكم في الولايات المتحدة إدارة ديمقراطية جديدة برئاسة جو بايدن، هناك تلميحات كثيرة إلى أنها ستكون بمثابة استمرار لإدارة الرئيس السابق باراك أوباما، الذي فرض على نتنياهو قبول "حل الدولتين" للصراع مع الفلسطينيين وإن على المستوى التصريحي، وساهم في تعطيل مخططات استيطان كولونيالية في الضفة الغربية، وكان معارضاً لنهج نتنياهو بالنسبة إلى الملف النووي الإيراني، ولرؤيته لأزمة الشرق الأوسط، وغيرها من قضايا ومسلكيات عبرت عن التوتر بين الرجلين في المنهج والتصرّف إزاء قضايا مختلفة، وذلك بالرغم من أن أوباما لم يقلّل في الوقت ذاته من تعهده بحماية أمن إسرائيل والتزامه بتفوقها.
وإلى أن تنجلي وجهة إدارة بايدن حيال إسرائيل المرتبطة على نحو خاص بالملف النووي الإيراني، وقضية فلسطين، تشير توقعات معظم التحليلات الإسرائيلية إلى ما يلي:
أولاً، ثمة احتمال بأن تخيّم سحابة سوداء على العلاقات بين هذه الإدارة وحكومة نتنياهو في ضوء وقوف الأخير علناً إلى جانب الرئيس السابق دونالد ترامب والحزب الجمهوري والتعامل معهما كما لو أنهما امتداد لليمين في إسرائيل ومع الحزب الديمقراطي كما لو أنه امتداد لـ"اليسار" فيها، ما تسبّب باهتزاز مكانة إسرائيل كموضوع إجماع لدى الحزبين الكبيرين في الولايات المتحدة. وقد اتسع نطاق الاستياء من ترامب خلال الفترة القليلة الماضية على خلفية الهجوم على مبنى الكابيتول في واشنطن، وبات يشمل أوساطاً من الحزب الجمهوري أيضاً. في هذا الشأن هناك انتظار لماهية ما سينطوي عليه موقف بايدن في مقابل محاولات إسرائيل التأثير في سياسة الولايات المتحدة حيال الملف الإيراني خصوصاً، وفي منطقة الشرق الأوسط عموماً. وتُطرح مقاربة مفادها أن بايدن، الذي كان نائباً للرئيس عندما قام نتنياهو بإلقاء خطاب أمام الكونغرس في العام 2015 بهدف إحباط الاتفاق النووي الإيراني الذي أبرمه أوباما، يمكن "أن يغلق الباب" أمام محاولات إسرائيل هذه.
ثانياً، في المقابل يتم التنويه بأن بايدن ونائبته كامالا هاريس ينتميان إلى التيار المؤيد لإسرائيل في الحزب الديمقراطي الأميركي. فالأول سبق أن صرّح في الماضي بأنه "صهيوني" وبأنه "لا ينبغي بالمرء أن يكون يهودياً كي يكون صهيونياً". أما هاريس فقد جاهرت بأنها تتمسّك بآراء مماثلة ليس فقط لكون زوجها يهودياً، كما أنها بادرت إلى تجنيد معارضة في مجلس الشيوخ ضد قرار أوباما الامتناع عن التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2334 الذي صودق عليه يوم 23 كانون الأول 2016 ونصّ على مطالبة إسرائيل بوقف الاستيطان في أراضي الضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية، وعلى عدم شرعية إقامة إسرائيل للمستوطنات في الأراضي المحتلة منذ العام 1967، واعتبر قراراً تاريخياً لأن معظم مشاريع القرارات ضد إسرائيل كانت تُرفض باستخدام الولايات المتحدة حق الفيتو، وكانت هذه هي أول مرة لا تلجأ فيها الولايات المتحدة إلى هذا الحق، مما جعله قراراً ساري المفعول بعد إقراره من غالبية الأعضاء.