عاد الموضوع الإيراني ليطغى على الأجندة الإسرائيلية، وعلى نحو رئيس بتأثير التصريحات التي أدلى بها رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي، الجنرال أفيف كوخافي، خلال المؤتمر السنوي لـ"معهد أبحاث القومي" في جامعة تل أبيب، وأكد فيها أن عودة الولايات المتحدة، في إثر تسلم إدارة جديدة سدة الحكم فيها، إلى الاتفاق المبرم مع طهران في العام 2015 والذي انسحبت منه إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بضغوط من إسرائيل، ستكون بمثابة خطأ فادح وخطوة ذات عواقب وخيمة إقليمياً وعالمياً. وهي تصريحات جرى تفسيرها بأنها تنطوي على رسالة مباشرة إلى الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن، من جهة، فضلاً عن كونها تتماشى مع جوهر السياسة التي يتبعها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بل ويحاول أن يجعلها درّة تاج هذه السياسة، من جهة أخرى.
ولن نستغرق كثيرا في ما استغرق فيه كثير من المحللين، ومؤداه أن كوخافي تجاوز حدوده بإطلاقه تلك التصريحات التي اشتملت في الوقت عينه على تلميح بأن إسرائيل قد تُقدم على مواجهة إيران عسكرياً بشكل مباشر، خصوصاً وأن تحليلات أخرى أشارت إلى أن هذا هو أساس موقف قائد الجيش حيال الاتفاق النووي المذكور، وقد حرص على أن ينقله إلى الإدارة الأميركية الجديدة من خلال القنوات المباشرة المعهودة بين المؤسستين الأمنيتين في البلدين، ما يعني أن المجاهرة به على رؤوس الأشهاد وإن للمرة الأولى لا يحمل أي مباغتة لهذه الإدارة.
وبالرغم من أننا لن نستغرق في هذه الجزئية، التي استند إليها كثيرون كي يبرهنوا على أن كوخافي ينفخ في بوق نتنياهو، فإننا سنكرّر أن ما يسمى بـ"الملف الإيراني" سيكون أحد أبرز موضوعات الخلاف بين الحكومة الإسرائيلية والإدارة الديمقراطية الجديدة في الولايات المتحدة والتي يُنظر إليها في إسرائيل بوصفها استمراراً لإدارة الرئيس السابق باراك أوباما، عرّاب هذا الاتفاق في حينه.
ولا بُدّ من أن نضيف أن الخلافات بين هذه الإدارة والحكومة الإسرائيلية من المنتظر أن تنسحب على موضوع آخر، وإن لم يكن في صدارة الأجندة في الوقت الحالي في البلدين، وهو قضية فلسطين. ومنذ الآن يمكن ملاحظة أن إدارة بايدن ستستقوي ضمن هذه الخلافات، في حال نشوبها، بموقف بعض أطياف الجالية اليهودية في الولايات المتحدة ولا سيما تلك المنضوية تحت لواء منظمة "جي ستريت". واستباقاً لهذا الاستقواء بدأ اليمين الإسرائيلي بشنّ هجوم كاسح على هذه المنظمة بتحميلها تبعات ما لا تحمله من أجندات وغايات سياسية، على غرار تأييد الرواية التاريخية الفلسطينية، ومناهضة الصهيونية التي باتت موازية لجريرة معاداة السامية، حتى في عرف بعض الجهات الأوروبية. وهذا ما يشف عنه مقال الدبلوماسي الإسرائيلي السابق ألان بيكر، الذي ارتأينا أن يتوقف عنده أحد مقالات هذا الأسبوع كنموذج فاقع لذلك الهجوم اليميني على المنظمة المذكورة وعلى أي مقاربات نقدية لسياسة إسرائيل من طرف يهود الولايات المتحدة في سياق الاستئناف على الاحتلال والاستيطان في أراضي 1967، حتى وإن كان ذلك من منطلقات لا تقف على الضدّ من قواعد الفكر الصهيوني وثوابت السياسة الإسرائيلية.
بين هذا وذاك ما زال المشهد المتعلق بخريطة القوائم التي ستخوض الجولة القريبة من الانتخابات الإسرائيلية العامة، الرابعة خلال عامين، والتي ستجري يوم 23 آذار المقبل، ضبابياً إلى حدّ كبير. ومن المتوقع أن يتضح حتى قبل نهاية هذا الأسبوع مع انتهاء المهلة الرسمية لتقديم قوائم المرشحين لهذه الانتخابات، ما قد يحمل مؤشرات من شأنها أن تتيح إمكان استشراف السيناريوات الأكثر واقعية للائتلاف الحكومي المقبل. ومع ذلك يمكن القول، من دون مغالاة، إنه مع اقتراب هذه الجولة الانتخابية يتأكد أكثر فأكثر أنها ستدور بالأساس حول استمرار حكم نتنياهو أو وضع حدّ له، لا حول استمرار حكم اليمين أو عدمه، كما سبق أن نوهنا هنا أكثر من مرّة.