المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • كلمة في البداية
  • 1421
  • انطوان شلحت

(*) أصبحنا على بُعد أسبوع واحد من الانتخابات الإسرائيلية العامة في جولتها الثانية للعام الحالي، وبغض النظر عن النتائج التي ستسفر عنها وتشكّل الأساس الحقيقي لتأليف الحكومة الجديدة، فإن أجندة المعركة الانتخابية التي جرت على أعتابها حملت في ثناياها وعلى نحو ملحوظ تصعيداً في السياسة التي تتطلع إلى ضمّ الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 1967، بحيث أنه ليس من المبالغة توقع أن تكون مدرجة في جدول أعمال الفترة المقبلة.

وهذا ما تقصدنا التركيز عليه في العدد الحالي من "المشهد الإسرائيلي"، الأخير قبل الانتخابات، استمراراً لما سلطنا الضوء عليه بهذا الشأن في الأعداد السابقة أيضاً. وذلك بدءاً من تصريحات رئيسة قائمة تحالف "يامينا" التي أشارت فيها إلى أن اليمين الإسرائيلي لديه فرصة كبيرة لضم مناطق ج في الضفة الغربية خلال فترة وجود الرئيس الأميركي دونالد ترامب في سدة الحكم ومروراً بنتائج آخر استطلاع لـ"مؤشر الصوت الإسرائيلي"، الذي أظهر أن نحو نصف الجمهور اليهودي في إسرائيل يؤيد ضم مناطق ج في الضفة الغربية ووضعها تحت السيادة الإسرائيلية، بجعلها جزءاً رسمياً من حدود دولة إسرائيل!. وليس انتهاء برأي أحد أساتذة العلوم السياسية في جامعة بار إيلان والباحث في "مركز بيغن ـ السادات للدراسات الاستراتيجية" المعبّر عن مقاربة اليمين الإسرائيلي، والذي يقول فيه إنه ينبغي على إسرائيل أن تبقي على سيطرتها على الجزء الأكبر من مناطق ج في أي تسوية سياسية مستقبلية.

وبالعودة إلى استطلاع "مؤشر الصوت الإسرائيلي" لا بد من لفت النظر إلى أن الجمهور اليهودي المؤيد لضم مناطق ج يتوزع على النحو التالي: 63% منهم من المصوتين لأحزاب اليمين الإسرائيلي، 34% من المصوتين لأحزاب "الوسط" و12% من المصوتين لأحزاب "اليسار"!

وبناء على ذلك يمكن الاستنتاج بأن هذا الموقف عابر لـ"المعسكرات" الإسرائيلية.

ولئن كنا في العدد السابق أفردنا ملفاً خاصاً للإضاءة على مواقف تحالف "أزرق أبيض" السياسية، نظراً لكونه القوة التي تطرح نفسها كبديل لحكم اليمين وبنيامين نتنياهو، وأظهرنا اقتراب هذه المواقف من مقاربات اليمين فيما يتعلق بالمسألة الفلسطينية والتسوية السياسية، ففي هذا العدد تناولنا المواقف السياسية لتحالف "المعسكر الديمقراطي" بين حزبي ميرتس والحزب الجديد "إسرائيل ديمقراطية" الذي أسسه الرئيس السابق للحكومة الإسرائيلية إيهود باراك.

ويتعيّن أن نشير إلى أنه بالرغم من أن حزب "إسرائيل ديمقراطية" هو واحد فقط من مركّبات ثلاثة تشكل، معاً، تحالف "المعسكر الديمقراطي" سوية مع حزب ميرتس و"الحركة الخضراء" برئاسة عضو الكنيست ستاف شافير التي انشقت عن حزب العمل، فإن باراك يتولى، في إطار الحملة الانتخابية لهذا التحالف الثلاثي، المسؤولية المباشرة عن "الملف السياسي"، بينما يهتم رئيس ميرتس الجديد، نيتسان هوروفيتس، بملف "الدين والدولة" أساساً، فيما تتولى شافير المسؤولية عن "ملف المناخ والبيئة". وبناء على هذا، أصبح باراك، عملياً، بمثابة "الواجهة السياسية لحزب ميرتس"! حتى أنه لم يجد غضاضة أو حرجاً في القول، في لقاء معه ضمن "مؤتمر المؤثِّرين" (يوم 5 أيلول الحالي)، إن "المعسكر الديمقراطي يقف إلى يمين حزب العمل"! مما أربك أوساطاً واسعة جداً من قيادات حزب ميرتس نشطائه ومصوتيه، والتي تموضع هذا الحزب إلى يسار حزب العمل على الدوام وتعتبره "اليسار الحقيقي في إسرائيل".

ويشكل ما طرحه باراك من برنامج في "الموضوع السياسي - الأمني" دليلاً آخر على تبنّي خطاب اليمين في الساحة السياسية الإسرائيلية. فهو يقول إن على إسرائيل أن تسعى لانفصال عن الفلسطينيين وتشجيع "تسوية إقليمية شاملة" (مع الإمارات العربية المتحدة، والسعودية، ومصر، والأردن، والفلسطينيين، برعاية أميركية وربما دولية). وفي إطار التسوية الإقليمية الشاملة سيجري درس القضية الفلسطينية بكل أبعادها، من خلال مفاوضات مع السلطة الفلسطينية. وهدف المفاوضات سيكون حل الدولتين. وإذا ما تبيّن أنه من الصعب التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين، تواصل إسرائيل السيطرة الأمنية على كل الأرض، لكنها تعمل بدعم سياسي أميركي لوضع حدود بينها وبين الفلسطينيين تضمن مصالحها الوطنية من خلال المحافظة على خيار الانفصال إلى دولتين. والحدود التي ستضعها إسرائيل ستدافع عن مصالحها الأمنية وتحافظ على أغلبية يهودية صلبة لأجيال عديدة. وستشمل هذه الحدود كتل المستوطنات غوش عتسيون، معاليه أدوميم، غفعات زئيف، وغوش أريئيل- كدوميم، وطبعاً الأحياء (المستوطنات) اليهودية في القدس الشرقية، والمستوطنات المحاذية للخط الأخضر ومواقع استراتيجية خاصة. وداخل هذه الحدود سيكون هناك نحو 83 بالمئة من المستوطنين الذي يعيشون وراء الخط الأخضر. وتحتفظ إسرائيل بـ"المسؤولية الأمنية الشاملة" في كل المناطق حتى نهر الأردن، طوال الوقت المطلوب. وتضم إسرائيل بدعم أميركي، كتل المستوطنات والمناطق داخل الحدود التي تضعها. وفي الوقت ذاته تعلن رسمياً أن ليس لديها مطالب إقليمية في المناطق الواقعة وراء خط الحدود، وأن الأراضي في هذه المناطق ستسمح، عندما يحين الوقت، بقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة، لكن منزوعة السلاح، إلى جانب إسرائيل. والتفصيلات ستحدد في المفاوضات إذا بدأت وعندما تبدأ. وتواصل إسرائيل الدفاع عن مواطنيها (مستوطنيها) في كل مكان، لكنها تسن "قانون استيعاب، إخلاء، وتعويض- طوعي"، يضمن مستقبل المستوطنين الذي يختارون إخلاء المنطقة الواقعة ما وراء الحدود، والانتقال إلى كتل المستوطنات أو إلى إسرائيل نفسها.

لا حاجة لتعقيب مفصّل على كل بند من هذه البنود، ربما باستثناء الإشارة إلى نقطتين مركزيتين:
الأولى، أن باراك يتبنى مقاربة نتنياهو بشأن التسوية الإقليمية الشاملة كطريق لتسوية المسألة الفلسطينية وليس العكس، كما أنه يتبنى جوهر مقاربته الأمنية؛
الثانية، أن رئيس الحكومة السابق يشدّد على وجوب عدم الانسحاب إلى خطوط 1967 ويتبنى مقاربة الضم.

ولعلّ الخلاصة المطلوبة هي أنه لا توجد معارضة حقيقية لحكم الليكود واليمين في إسرائيل، وأساساً في المجال السياسي.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات