المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

ليس مبالغة القول في معرض التعقيب على النتائج النهائية لانتخابات الكنيست الـ22، التي جرت يوم 17 أيلول الحالي، إن نجاح القائمة المشتركة كان بمثابة الرهان الانتخابي الأكثر نجاحاً في هذه الجولة، حيث حصلت على نحو 80 بالمئة من أصوات الناخبين العرب، وتسببت برفع نسبة تصويت هؤلاء الأخيرين إلى 60 بالمئة بعد تراجعها إلى 49 بالمئة في انتخابات نيسان الماضي. كما ارتفع التمثيل العربي من 10 مقاعد في انتخابات نيسان إلى 13 مقعداً في انتخابات أيلول.

في الوقت عينه فإن أكثر الرهانات الخائبة في هذه الانتخابات وضوحاً هو رهان رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وتمثّل فحواه في الحصول، عبر الجولة الثانية من الانتخابات، على 61 مقعداً على الأقل لمعسكر اليمين- الحريديم من دون حزب "إسرائيل بيتنا" بزعامة أفيغدور ليبرمان، اعتماداً على مقاربة نتائج انتخابات نيسان، حيث حصل هذا المعسكر من دون ليبرمان على 60 مقعداً، وأهدرت قوائم يمينية لم تتجاوز نسبة الحسم نحو 290 ألف صوت. وقد اعتقد نتنياهو أنه من خلال توحيد قوائم اليمين الاستيطاني من جهة، وزيادة نسبة التصويت في قواعد اليمين التقليدية من جهة ثانية، وضرب تمثيل ليبرمان بين المصوتين الروس من جهة ثالثة، سيضمن لنفسه ائتلافاً حكومياً مع شركائه الطبيعيين.

وقام نتنياهو بين الجولتين بما يلي:
أولاً، ضم قائمة "كولانو (كلنا)" برئاسة وزير المالية موشيه كحلون، والتي حصلت في انتخابات نيسان على 4 مقاعد، إلى الليكود.

ثانياً، عقد اتفاقاً مع حزب "زهوت" (هوية) برئاسة موشيه فيغلين، والذي حصل على نحو 80 ألف صوت في انتخابات نيسان، ينص على انسحاب هذا الحزب من الانتخابات ودعم الليكود.

ثالثاً، شجع إقامة تحالف "يمينا" (إلى اليمين) الذي يضم قائمة تحالف "اتحاد أحزاب اليمين" التي حصلت في انتخابات نيسان على خمسة مقاعد، وقائمة "اليمين الجديد" برئاسة نفتالي بينيت وأييلت شاكيد والتي لم تتجاوز نسبة الحسم ولكنها حصلت على نحو 140 ألف صوت.

رابعاً، صعّد حملة التخويف من الصوت العربي بواسطة سلسلة من التصريحات ضد المجتمع العربي، بغية تحفيز التصويت في صفوف قواعده الانتخابية التقليدية.

خامساً، صرف ملايين على الدعاية الانتخابية في صفوف الناخبين الروس لضرب حزب ليبرمان، زاعماً أن هذا الأخير يتحالف مع اليسار ويخون قواعده الروسية اليمينية.

وكشفت نتائج الانتخابات عن فشل رهان نتنياهو هذا، وتراجع تمثيل الليكود من 35 مقعداً إلى 31 مقعداً. وفي واقع الأمر فإن التراجع أكبر من ذلك، فالليكود بعد انضمام حزب كحلون إليه أصبح بحيازته 39 مقعداً، وبانضمام فيغلين الذي حصل على أصوات توازي مقعدين بات لديه في حساب الأرقام الجافة 41 مقعداً.
كما أن رهان نتنياهو على أن يعزّز تحالف "يمينا" من تمثيله مُني بالفشل، فهذا التحالف بحساب الأرقام الجافة بناء على نتائج انتخابات نيسان، كان يجب أن يحصل على 9 مقاعد، ولكنه حصل على 7 مقاعد.

وفي التحصيل الأخير حصل معسكر اليمين- الحريديم من دون حزب ليبرمان على 55 مقعداً، في حين حصل في انتخابات نيسان على 60 مقعداً.

ويمكن القول إن فشل رهان نتنياهو يعود إلى عدة أسباب مركزية، أبرزها: تحريضه على المجتمع العربي والذي ساهم بكيفية ما في رفع نسبة التصويت في صفوف الناخبين العرب؛ نجاح ليبرمان في الفوز بثلاثة مقاعد من اليمين، ولا سيما من جمهور الليكود، الذي يعتبر أن مسألة الدين والدولة مهمة ويجب أن تحتل مرتبة متقدمة في سلّم الأولويات وأن الليكود تقهقر فيها أمام الأحزاب الدينية؛ حالة السأم العامة في صفوف قطاعات يمينية تقليدية وليبرالية من جرّاء سيطرة نتنياهو على حزب الليكود وانتهازيته المفرطة في استغلال القوة السياسية التي يملكها في ديوان رئاسة الحكومة من أجل الدفع قدماً بمصالحه الخاصة.

وفيما يتعلق بليبرمان لا بُدّ من أن نعيد التذكير بأنه قام بإفشال تأليف الحكومة في إثر انتخابات نيسان 2019، ودعم إجراءات تقديم موعد الانتخابات، في سبيل تغيير نتنياهو والذي يعتبر ليبرمان بأنه أخفق في معالجة "ملف قطاع غزة"، وخضع للمتدينين، وكذلك بسبب رغبته في العودة إلى جمهوره بخطاب جديد- قديم يركز على سؤال الدين والدولة بعد التراجع المستمر لحزبه في دورات الانتخابات السابقة.

وحمل ليبرمان في هذه الانتخابات أجندة علمانية، وكان شعاره أنه سيقف سداً منيعاً "أمام دولة الشريعة (الهلاخاه)". ويتعين أن نفهم هذا التوجه لدى ليبرمان وإفشاله إقامة حكومة يمينية في نيسان، ورفضه الحالي الانضمام إلى معسكر اليمين برئاسة نتنياهو، من خلال واقع تغييب المسألة الفلسطينية عن الانتخابات الإسرائيلية، فالموقف من هذه المسألة يوحّد معسكر اليمين ويُصعّب على قوائم يمينية إفشال تشكيل حكومة يمين، ولكن تغييبها وتهميشها أديّا إلى إعلاء شأن سؤال الدين والدولة، وهو موضوع لا تتفق عليه كتل اليمين. وبالوسع القول إن تبني نتنياهو الأجندة الدينية، على غرار احتضانه للأرثوذكسية اليهودية، ورفضه تشريع قانون التجنيد ببنود لا تتفق مع مواقف الأحزاب الدينية المتزمتة، وغيرهما من القضايا، ساهمت في دفع ليبرمان إلى خارج الائتلاف الحكومي، من دون أن نقلل في الوقت ذاته من أهمية عامل الضغينة الشخصية بين الرجلين، حيث اتهم ليبرمان نتنياهو بأنه أفشله في منصب وزير الدفاع، واتهمه أيضاً بمحاولة إفشاله في مسيرته السياسية عموماً منذ فكّ التحالف الذي كان بينهما في انتخابات 2013.

واستناداً إلى نتائج الانتخابات بمقدورنا أن نشير إلى أن رهان ليبرمان أيضاً كان ناجحاً، فهو من جهة عزّز من تمثيله في الكنيست من 5 مقاعد إلى 8 مقاعد، ومن جهة أخرى أضعف معسكر اليمين، ناهيك عن تراجع تمثيل الليكود في الكنيست، وتحوّل ليبرمان إلى الرقم الصعب في معادلة تشكيل الحكومة الإسرائيلية المقبلة.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات