المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • كلمة في البداية
  • 1367
  • انطوان شلحت

(*) قبل نحو شهر من الانتخابات الإسرائيلية للكنيست الـ22، التي ستجري يوم 17 أيلول المقبل، بات من الواضح أكثر فأكثر أن التحالف الذي يطرح نفسه بصفته بديلاً لحكم بنيامين نتنياهو، وهو تحالف "أزرق أبيض"، يتبنّى على المستوى السياسيّ الخطاب والخط اللذين يميزان اليمين الشعبوي والاستيطاني.

وهذا ما شفّت عنه مثلاً جولتان قام بهما أقطاب هذا التحالف أخيراً في كل من غور الأردن ومنطقة الحدود مع قطاع غزة. وفي هذه الجولة الأخيرة دعا هؤلاء إلى الحرب قبل أي شيء آخر.

وخصصنا في هذا العدد من "المشهد الإسرائيلي" ملفاً خاصاً حول هوية تحالف "أزرق أبيض" استعدنا فيه أيضاً بعض مواقف أحد أقطابه، وهو رئيس حزب "تلم" وزير الدفاع الأسبق موشيه يعلون، والتي يعتبر فيها أن العملية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين "مُجرّد وهم كاذب"، بالإضافة إلى إضاءة موسعّة قدّمها أحد الناطقين بلسان هذا الحزب بشأن دوافع إقامة هذا التحالف وبرنامجه السياسي.

ومهما تكن بنود هذا البرنامج السياسي، فمن الأهمية بمكان إشارة صاحب هذه الإضاءة إلى ما يلي:
أولاً، يرد في البرنامج ليس فقط أن الجولان السوريّ المحتل هو جزء من إسرائيل إلى الأبد، وإنما أيضاً وعلى نحو غير مسبوق أن الجولان ليس موضع تفاوض. وتنبغي الإشارة إلى أن مثل هذا الموقف لم يُعلن من جانب أي حكومة في إسرائيل من قبل.

ثانياً، يتحدّث البرنامج الانتخابي عن القدس الموحدة تحت السيادة الإسرائيلية. كما يتحدّث عن "غور الأردن الإسرائيلي".
ثالثاً، يتحدث عن الالتزام تجاه الكتل الاستيطانية في الأراضي المحتلة منذ 1967 وتجاه استئناف البناء فيها. وللتوضيح: التعريف المُستخدَم في البرنامج الانتخابي لا يتحدث عن "الكتل الكبيرة"، وإنما عن "الكتل الاستيطانية".

رابعاً، ثمة تعهّد في البرنامج بأن لا يتكرّر الانسحاب من جانب واحد، وتعريف للانفصال (عن قطاع غزة) بأنه خطأ يُحظر تكراره. وهو لا يشمل فكرة "تبادل مناطق (أراض)"، والتي تعني، في قراءة الكاتب، الاعتراف المبدئي بالخط الأخضر حدّاً للدولة والانسحاب من مناطق تحت السيادة الإسرائيلية (محتلة) كتعويض عن ضم كتل استيطانية في أراضي الضفة الغربية إلى إسرائيل.

إلى ذلك، يؤكّد الكاتب نفسه أن مهمة تحالف "أزرق أبيض" الرئيسة تتمثّل بإعادة ترميم ما أسماه "التيّار الصهيوني المركزيّ" الذي يصفه بأنّه "ديمقراطي رسمي" نظراً إلى أن قيمة الرسمية "تتعرّض إلى هجوم شامل، من جانب نتنياهو ومريديه". وبذا يصل إلى بيت القصيد الذي يمكن أن نستنتج منه أن المعركة الأساس تدور حول ترتيب البيت الداخلي، بل يؤكد أنه في القضايا الخارجية والأمنية هو غير بعيد عن نهج نتنياهو وطريقه، ويحترم ويقدّر جداً عمله ونجاحاته في هذا المضمار.
وبقدر ما يعكس هذا الكلام مسألة انعدام البديل الحقيقي لنتنياهو من ناحية جوهرية في سياق الانتخابات الوشيكة، فهو يشي بماهية ما يمكن اعتباره بمنزلة إجماع إسرائيلي راهن، ولا سيما في محور السياسة الخارجية. وهو إجماع مدجّج برضى أغلبية الجمهور الإسرائيلي، كما يظهر في نتائج آخر استطلاعات "مؤشر الصوت الإسرائيلي" والتي منحت نتنياهو تدريجاً مرتفعاً في مجالات: تحسين وتطوير مكانة إسرائيل الدولية، وتعزيز القوة العسكرية الإسرائيلية، ومعالجة التحدي الإيراني ومواجهته، وتحسين الاقتصاد الإسرائيلي ورفع مستواه.

وبطبيعة الحال لا يجوز الفصل بين ما يستجد على صعيد السياسة الإسرائيلية الخارجية وبين آخر التطورات في الساحة الإقليمية منذ نحو عقد من الزمن. وكذلك بين هذه المستجدات وما يحدث على المستوى الدولي، وفي مقدمة ذلك تسلم دونالد ترامب مقاليد الإدارة في البيت الأبيض الأميركي. وربما يتعيّن هنا أن نلفت النظر إلى أن آخر المقاربات الإسرائيلية اليمينية بهذا الشأن تشدّد على أن ترامب ومستشاريه الأبرز جون بولتون (مستشار الأمن القومي) ومايك بومبيو (وزير الخارجية) متعاطفون مع إسرائيل، لكنهم يعتبرونهاـ أولاً وقبل أي شيء آخر ـ حليفاً متميزاً في مساهمته للأمن والصناعات الأمنية والمدنية في الولايات المتحدة. وعلى عكس الرئيس السابق باراك أوباما، يرى هؤلاء الثلاثة في إسرائيل ثروة وليس عبئاً تطيل الذراع الاستراتيجية الأميركية وتساهم في استقرار الدول العربية الحليفة لها. وخلافا للفكرة السائدة، يدرك هؤلاء أن علاقات الولايات المتحدة ـ إسرائيل لا تشبه شارعاً أحاديّ الاتجاه، ينقل الموارد إلى دولة محتاجة، وإنما هي بمثابة شارع ثنائي الاتجاه لفائدة متبادلة، يعود على الولايات المتحدة بمردود سنوي يعادل مئات أضعاف ما تستثمره في إسرائيل سنوياً.

 

المصطلحات المستخدمة:

باراك, تلم, بنيامين نتنياهو, موشيه يعلون

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات