المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • كلمة في البداية
  • 4647
  • انطوان شلحت

تطالعون في هذا العدد من "المشهد الإسرائيلي" أبرز الاستخلاصات التي توصل إليها تحقيق جديد أعدّه "مولاد ـ مركز تجديد الديمقراطية" في إسرائيل، يؤكد فيه من ضمن أمور أخرى أن سلم الأولويات القومية لدى حكومة بنيامين نتنياهو الحالية يشي بأن المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة فوق أي شيء، وبلغة كاتب التحقيق "فوق أمن مواطني إسرائيل، فوق حماية وتأمين البلدات الإسرائيلية في منطقة الحدود مع قطاع غزة، فوق تعزيز وتطوير الأطراف النائية، فوق التعليم في داخل حدود الخط الأخضر... فوق كل شيء"! (طالع ص 5).

كما يقول تحقيق "مولاد" إنه "منذ سيطرة اللوبي الاستيطاني، الممثل في حزبي الليكود والبيت اليهودي، على كعكة الميزانية الإسرائيلية العامة، أصبح سكان يهودا والسامرة (المستوطنون اليهود في الضفة الغربية) ينعمون بتمييز للأفضل في جميع مجالات الحياة تقريبا ـ على حساب سكان الأطراف في إسرائيل طبعا ـ بينما لا يرتدع ممثلوهم في الكنيست والحكومة عن استخدام أي وسيلة، بما في ذلك الكذب والتهديد، لابتزاز المزيد من أجلهم"!
وإلى جانب نشر هذه الاستخلاصات، نوهنا بتحقيق سابق أجراه "مركز مولاد" حول نشاطات "وحدة الاستيطان" العاملة في إطار "الهستدروت الصهيونية العالمية" التي تعتمد ميزانيتها على أموال إسرائيلية عامة، يثبت بالاستناد إلى معطيات ووقائع حديثة أن هذه "الوحدة" أضحت بمثابة "الخزينة الخاصة والسرية لليمين الاستيطاني" التي تستخدمها الأحزاب المتماثلة مع المشروع الاستيطاني في المناطق الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967، وفي مقدمها حزبا "البيت اليهودي" و"يسرائيل بيتينو (إسرائيل بيتنا)"، بهدف دفع وتعزيز مشاريع الاستيطان والتوسّع في أراضي الضفة الغربية، وتوطيد القاعدة السياسية والأيديولوجية لهذا اليمين الاستيطاني في سائر أنحاء إسرائيل.

ولا شك في أن الحكومة الحالية تنجح في الدفع قدمًا بسلم أولوياتها القومية المذكور، لا بفضل إجراءاتها فحسب بل أيضًا في ظل انعدام أي معارضة جادّة لها، كما يشير الأديب الإسرائيلي أ. ب. يهوشواع، في سياق مقابلة مطولة أجرتها معه صحيفة "معاريف" الإسرائيلية ونشرتها يوم 19 حزيران الجاري، وتطرق خلالها إلى جملة من قضايا الساعة الملحة في إسرائيل وفي ما يختص بالعلاقة بينها وبين الشعب الفلسطيني، سواء في الضفة الغربية وقطاع غزة أو في داخل إسرائيل نفسها (طالع أبرز مقاطع المقابلة ص 7).

وينحي يهوشواع باللائمة على "اليسار الإسرائيلي" ويصفه بأنه انهزامي مشيرًا إلى أن الطاقة الأساسية لدى أوساط هذا اليسار تحولت نحو الفعل الثقافي والأنشطة الثقافية التي صار يعتقد أن بإمكانه استنفاد نشاطه السياسي فيها، أي صار يعتقد بأنه "يقوم بواجبه" بمجرد عرض بعض القصص أو المسرحيات أو الأفلام عن الفلسطينيين.

ومثل كثيرين غيره، يلفت يهوشواع إلى أنه ليس هناك شيء اسمه إخلاء (للمستوطنين) بأي ثمن، فيقول: "حتى الأكثر تطرفا من بين أوساط اليسار لا يعرفون كيف بالإمكان إخلاء مئات آلاف من بيوتهم. لقد أصبح هذا مستحيلًا. بعد صدمة إخلاء 8000 شخص من غوش قطيف (مستوطنات قطاع غزة)، كانوا عالقين هناك بصورة غير معقولة في قلب مليون فلسطيني في قطاع غزة، من الصعب التصديق بأنه من الممكن فعل الشيء نفسه في يهودا والسامرة (الضفة الغربية)".

ما يقوله هذا الأديب بصدد المستوطنات يعيد إلى الأذهان استنتاجات فكرية سابقة أشارت إلى أن الصراع الداخلي في إسرائيل حول مستقبل الأراضي المحتلة منذ 1967 حُسم منذ مدة لصالح المستوطنين.

ورأى بعض أصحاب هذه التقديرات أنه على الرغم من أن معظم الإسرائيليين على استعداد للتسليم بإقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، وفقًا لنتائج استطلاعات الرأي العام بهذا الخصوص، فإن الدولة التي يقصدونها لا تختلف كثيرًا عن "السلطة الفلسطينية الحالية"، سواء من الناحية الجغرافية، أو من الناحيتين السياسية والعسكرية.

ولعل أكثر ما يدل على هذا القصد هو أن أقلية من بين الإسرائيليين وفقًا لاستطلاعات الرأي ذاتها، تؤيد إجلاء مئات آلاف المستوطنين من الضفة الغربية، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من قواعده العسكرية في غور الأردن، وإقامة خط حدود جديد في القدس، وتحويل المناطق المحتلة إلى بلد يستوعب مئات الآلاف من اللاجئين وخصوصًا من مخيمات لبنان.

وادعى أحد كبار المعلقين في "يديعوت أحرونوت" أن رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق أريئيل شارون استوعب هذا الأمر على نحو جيد، ولذا فإنه بواسطة إبراز الصعوبة الكبيرة التي واجهت عملية إجلاء بضعة آلاف من المستوطنين في قطاع غزة (في إطار خطة الانفصال عام 2005) أظهر للعالم كافة الصعوبات الأكبر التي من المتوقع مواجهتها في حال الإقدام على عملية إجلاء تشمل أعدادًا تفوق عدد أولئك المستوطنين بعشرات الأضعاف!.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات