المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
تظاهرة في تل أبيب داعية للعمل على إعادة الأسرى يوم 15 الجاري. (أ.ف.ب)
  • كلمة في البداية
  • 45
  • أنطوان شلحت

لا بُد من القول إن ما يجري تداوله في إسرائيل بشأن مستقبل الحرب ضد قطاع غزة وما آلت إليه من نتائج حتى الآن، في ظل عدم الوضوح الذي يحيط بسير مفاوضات الهدنة أو وقف إطلاق النار، يشي بما يلي من استنتاجات، والتي بوسعها أن تُحيل إلى الصورة العامة باعتبارها، بكيفية ما، تحصيل حاصل تجميع الجزيئات المتفرقة:

أولاً، حسم المعركة مع حركة حماس ما زال بعيد المنال، بل ثمة من يؤكد أنه غير ممكن. وهذا الاستنتاج غير مقتصر على اللواء في الاحتياط إسحق بريك، الذي التصق به نعت "نبيّ الغضب" في إبان هذه الحرب، وكرّر مؤخراً تأكيد أن الجيش الإسرائيلي لا يستطيع بوضعه الحالي البقاء وقتاً طويلاً في المناطق التي احتلها من قطاع غزة، ولا يمتلك القوة الكافية من أجل تفجير مئات الكيلومترات من الأنفاق (موقع قناة التلفزة الإسرائيلية 12، 12/3/2025)، بل يتعدّاه إلى مسؤولين عسكريين وأمنيين سابقين ناهيك عن محللين في الشؤون الأمنية والعسكرية من الصعب حصرهم.

وللنمذجة على ذلك يكفي الاستشهاد بما كتبه الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية ("أمان") ولـ"معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، اللواء في الاحتياط عاموس يدلين، الذي جزم بأنه مع نهاية المرحلة الأولى من صفقة التبادل ومفاوضات إطلاق سراح بقية المختطفين، لم تحقق إسرائيل هدفَي الحرب المركزيَّيْن في قطاع غزة وهما: إعادة جميع المختطفين الإسرائيليين، الأحياء منهم والأموات، وتفكيك حُكم حماس (موقع قناة التلفزة الإسرائيلية 12، 11/3/2025). كما أكد الوزير الإسرائيلي السابق إفرايم سنيه، وهو أيضاً لواء في الاحتياط وشغل منصب نائب وزير الدفاع وحالياً أحد أعضاء إدارة حركة "قادة من أجل أمن إسرائيل"، أنه في الشهر السابع عشر للحرب لا تزال حماس هي العنصر المسيطِر على قطاع غزة، وفي الوقت عينه شدّد على أن المسؤول عن ذلك هو رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الذي رفض بشدة معالجة "اليوم التالي"، ومستقبل إدارة غزة والسيطرة عليها بعد الحرب ("يديعوت أحرونوت"، 11/3/2025). كذلك أكد المحلل العسكري لصحيفة "معاريف" آفي أشكنازي أنه ما زال من الصعب على إسرائيل التوصل إلى حسم في غزة، غير أنه أرجع ذلك بالأساس إلى وجود مختطفين إسرائيليين لدى حماس (12/3/2025).

ثانياً، يعتبر الرئيس الأميركي دونالد ترامب إسرائيل دولة واقعة تحت الوصاية، وفي المقابل فإن إسرائيل تتقبل ذلك بخنوعٍ تامٍ. وهذا ما أكده البروفيسور يوسي شاين، الرئيس السابق لقسم العلوم السياسية في جامعة تل أبيب، الذي أضاف أنه لم تعد هناك دبلوماسية أو سياسة إسرائيلية مستقلة، وبتنا "ننتظر ما سيقوله ترامب، أو توجيهات من مبعوثه الخاص ستيف ويتكوف" (موقع قناة التلفزة الإسرائيلية 12، 10/3/2025). وبحسب قراءته فإنه في ظل هذه الوصاية و"الاطمئنان" إلى أن ترامب سوف "يحمينا من إيران"، كما يردّد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وشركاؤه، يمكن التفرّغ للقضاء على من يصفهم بأنهم "الأعداء من الداخل"، وهم أولاً رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك)، ورئيس المحكمة العليا، والمستشارة القانونية للحكومة. كما يمكن الحفاظ على الحكومة، ومنح اليهود الحريديم (المتشددون دينياً) الأموال، وتمرير قانون يجيز لهم استمرار التهرب من الخدمة العسكرية في صفوف الجيش الإسرائيلي.

أما محلل الشؤون الإقليمية والعربية في صحيفة "هآرتس" تسفي برئيل فيشير إلى أنه صحيح أنه توجد في إسرائيل حكومة وبرلمان منتخبان، ويوجد فيها أيضاً رئيس دولة، ولكن دائماً ما كانت القرارات المصيرية التي تتعلق بوجودها وأمنها واقتصادها تتطلب اتفاقا وتنسيقاً مع واشنطن. وهو يؤكد أن كل ما يجري في الآونة الأخيرة ويتعلق بهذه المجالات الثلاثة- الوجود والأمن والاقتصاد- لا يطرح جديداً لأن إسرائيل تعتمد، منذ عشرات الأعوام، على المساعدات العسكرية والاقتصادية التي تحصل عليها من الولايات المتحدة (13/3/2025).

ثالثاً، في ضوء التهديدات الإسرائيلية المتواترة باستئناف الحرب في قطاع غزة، تؤكد تحليلات إسرائيلية كثيرة أن قيام إسرائيل باستئناف الحرب سيؤدي، وفي الأغلب، إلى موت المختطفين الإسرائيليين الذين ما زالوا أحياء في الأسر لدى حركة حماس، وفي الوقت عينه لن يؤدي إلى تفكيك حُكم الحركة في القطاع.

ووفقاً لما يؤكده عاموس يدلين في مقاله السالف، هناك مَن يدّعي أن احتلال القطاع برمّته وتفكيك بنى حركة حماس وسلاحها بالتدريج هما هدفان واقعيان. وحتى لو كان هذا صحيحاً، فإن خطوة كهذه ستحتاج إلى كثير من الوقت، وستكون منوطة بأثمان ثقيلة على صعيد حياة الجنود الإسرائيليين والموارد الاقتصادية والعسكرية والقدرة على التركيز على التحديات والجبهات الأُخرى، مثل السلاح النووي الإيراني، وهي أيضاً ستُلحق الضرر بمكانة إسرائيل في العالم، وسيتم تأجيل استنفاد الفرص المتاحة أمامها وفي مقدمها "فرصة التطبيع". وحتى لو تم تجاهل هذه الأثمان، "فمن الواضح أن إسرائيل ستغرق في وحل غزة أعواماً عديدة، بحسب التوقعات، وخصوصاً إذا لم تقُم ببناء سلطة بديلة من سلطة حماس".

في سياق متصل يؤكد إفرايم سنيه في مقاله المذكور أعلاه، أنه في حال اختيار إسرائيل سبيل السيطرة العسكرية على السكان الغزّيين فسوف يشكّل ذلك عبئاً "يُنهك الجيش الإسرائيلي، ويُنهك حياتنا، وسيحوّل الموارد، ويمنع الإعداد للتحديات الأمنية الأُخرى". 

رابعاً، تستمر في هذه الأثناء ضغوط إسرائيلية داخلية من أجل إعادة المختطفين.  ولعلّ أكثر ما يوحّد أصحابها هو إجماع على مسألتين: الأولى، أن المختطفين الإسرائيليين، ولا سيما الأحياء منهم، هم الورقة الأقوى لدى حركة حماس ما دامت الحرب ليست منتهية. والثانية، أن عودة إسرائيل إلى القتال ستشكل خطراً كبيراً على حياتهم، وكذلك فإن مثل هذا الخطر ماثل من بعض الإجراءات التي تقوم بها إسرائيل إزاء القطاع مثل وقف تزويد محطات تحلية المياه في غزة بالكهرباء. 

في ضوء ذلك، ينوّه عدد من هؤلاء بأنه على الرغم من أن مهمة إعادة المختطفين هي الأكثر أهميةً، فإنها ليست قضية قائمة بحد ذاتها، ومن أجل تحقيقها يجب اتخاذ خطوة مركّبة تشمل من بين أمور أخرى إنهاء الحرب.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات