المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • كلمة في البداية
  • 1367
  • أنطوان شلحت

لا بُدّ من القول إن الملامح الراهنة لإسرائيل في ظلّ الحكومة الحالية الأكثر يمينيّةً قوميّاً ودينيّاً كانت شبه متوقّعة حتى لا نقول شبه حتميّة. وقد كان تشكّل هذه الملامح الشغل الشاغل لنا في "مركز مدار" منذ أعوام طويلة، سواء من خلال ما نشرناه من مواد في ملحق "المشهد الإسرائيلي"، أو عبر سائر منشورات المركز ولا سيّما التقارير الإستراتيجية السنوية. كما كان تشكّلها موضع اهتمام الكثير من الجهات البحثية وكذلك الباحثين الأفراد في المجتمع الإسرائيلي، حيث قام بعض هؤلاء بتأمل تعاقب الوقائع وتحوّلات الحلبة السياسية، فيما استغرق بعضهم الآخر في تحليل ظواهر مادية تراكمت عبر الأعوام، وفيها ما ينطوي على قرائن ومعطيات تكفي لكي يتمكن المعنيون من صوغ تصوّرات حول تعاقب تشكيل المجتمع الإسرائيلي البشريّ. وعند هذه النقطة بالذات ينبغي أن نشير إلى أن كثيراً من هذه التصورّات يستند إلى معلومات إحصائيّة وعلى أساسها يتم بناء استنتاجات، يقول أصحابها إنه بمجرّد ذلك لا تفتقر تنبؤاتهم حول اتجاهات المجتمع الإسرائيلي إلى "شرعيّة علميّة".

لكي ننمذج على ما نقول، ومن خلال استعادة ما ظهر في "المشهد الإسرائيلي" تحديداً، ننوّه على سبيل المثال إلى الدراسة التي أعدّها طاقم "معهد سياسة الشعب اليهودي" (أسسته "الوكالة اليهودية")، على أعتاب مؤتمره السنوي للعام 2017، وأجمل فيها أحدث التغيرات في الدول الغربية وخلفيتها وما تعبّر عنه، واتجاهات تأثيراتها المحتملة على مستقبل إسرائيل واليهود في العالم، كما حاول استشراف تأثير التطورات الحاصلة في إسرائيل على ماهية تعامل العالم الغربي، وعلى جوهر الملامح المستقبلية لإسرائيل، ربما في المدى المنظور. وفعلت الدراسة تلك المحاولة الأخيرة، التي تهمنا في هذا السياق، من طريق تحليل سيرورتين متصلتين من ناحيتي المبنى والمعنى:

  • الأولى، سيرورة ازدياد قوة اليمين ونفوذ ما وصفتها بأنها القومية الدينية في إسرائيل، في إشارة إلى تيار الصهيونية الدينية؛
  • الثانية، سيرورة التغيرات الديمغرافية التي طرأت على إسرائيل.

وهما سيرورتان تواترتا في إسرائيل بالتزامن مع إعداد الدراسة.

ووفقاً لما تشير إليه الدراسة، يتمثل أحد جوانب السيرورة الثانية في تغيّر تركيبة السكان اليهود في إسرائيل بموجب مستوى التديّن، إلى ناحية تزايد عدد اليهود الحريديم (المتشددين دينياً) والمتدينين في مقابل ضعف الوسط المحافظ، وتضاؤل أعداد العلمانيين.

والنتيجة الأبرز المترتبة على تداخل هاتين السيرورتين، مثلما تؤكد الدراسة، تتجسّد في تعزّز النظرة التي تميل إلى رؤية أن دولة إسرائيل ينبغي أن تعكس "المصلحة اليهودية" فوق أي مصالح أخرى. وبلغة الدراسة "تسعى الصهيونية الدينية إلى إعادة بلورة أساس الصلاحية الفكرية- الأخلاقية الذي تم بناء مؤسسة القانون الإسرائيلية عليه، وأن تغرس في هذا الإطار تعبيراً أكبر عن المبادئ المستمدة من عالم الديانة والتراث اليهوديين، بدلاً من المبادئ المستمدة من العالم العلماني - الليبرالي - الكوني".

 وتسجل الدراسة أن الصهيونية- الدينية تسعى إلى تنفيذ مسعاها هذا من خلال كتلة "البيت اليهودي" (التي كانت تمثل تيّار الصهيونية الدينية في ذلك الوقت) وشخصيات دينية بارزة في حزب الليكود الحاكم، كما أنها تحاول تحقيق نفوذ كبير من خلال التأثير على السلكين الحكومي والإعلامي وقيادة الجيش الإسرائيلي، الذي بات الضباط المتدينون أكثر حضوراً في صفوفه. وتسعى الصهيونية- الدينية إلى الاستيطان في مناطق الضفة الغربية وضمها إلى إسرائيل.

بطبيعة الحال ثمة سيرورات أخرى شهدتها إسرائيل في الفترة المُشار إليها وقبلها، تدعم النتيجة السالفة وتكرّسها. ومن المهم التذكير بأننا دأبنا على قراءة اثنتين منها هما: أولاً، ما يحدث في حلبة الإعلام حيث يواصل زعيم اليمين بنيامين نتنياهو من خلال موقعه السياسي، على نحو هوسيّ، مسعاه الرامي إلى بسط سيطرته الشخصية على مجمل وسائل الإعلام في إسرائيل، العامة والتجارية، بغية تدجينها بما ينسجم مع رؤاه وتوجهاته السياسية، وأيضاً بما يخدم مصالحه الشخصية الفردية، وفي مقدمها مصلحة بقائه شخصياً على رأس الهرم السياسي؛ ثانياً، ما تشهده وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية في ظل توليها من طرف نفتالي بينيت، رئيس "البيت اليهودي"، من جهود محمومة لفرض رواية الصهيونية الدينية على مناهج التعليم في إسرائيل.

ومما جرى تأكيده في ذلك الحين، أنه من البديهي أن ما يقوم به اليمين الإسرائيلي في كل ما يتعلق بتغيير ملامح إسرائيل، يستند إلى فائض القوة الذي أصبح يمتلكه منذ أن تربّع على سدّة الحكم وتسبّب رويداً رويداً بانزياح كل الخارطة السياسية الحزبية نحو اليمين. وينعكس فائض القوة هذا، بصورة جليّة، في الممارسات التي يقوم بها اليمين في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 1967، كما تدل على ذلك دعوات قادة المستوطنين إمّا إلى إخضاع الإدارة المدنية إلى سلطتهم بعد اتهامها بعدم الحؤول دون "تمدّد التجمعات السكنية الفلسطينية في مناطق ج"، أو إلى حلّها.

كي نكمل دائرة ما نريد أن نستعيده لا بُد من إضافة ما كتبناه بهذا الشأن عبر مقولتين على النحو التالي:

  • إن ما تؤكده دراسة "معهد سياسة الشعب اليهودي" فيما يخصّ الصهيونية الدينية وتطلعاتها السياسية، لا يعني من ناحيتنا أكثر من أن هذا التيّـار يرغب في أن يضع بصمتـه على المشروع الصهيوني وأن يصوغه على نحو أشدّ فظاظة من المشروع الصهيوني التقليدي، الفظّ والعدواني أصلاً.
  • قد تبدو كثير من المعطيات التي قام طاقم هذا المعهد بتجميعها في الدراسة المذكورة، معروفةً للقاصي والداني. مع هذا ففي مجرّد تجميعها بهذه الكثافة، وقراءتها داخل حقل الدلالات المرتبطة بملامح المستقبل، ما يتيح إمكان التعاطي معها كرزمة واحدة ضمن مجال تعريـة صورة إسرائيل الراهنة وما تُحيل إليه، بما في ذلك في نطاق علاقتها المباشرة مع مجتمعها الذي يدقّ لها الطبول. كما أن هذه المعطيات من شأنها أن تعين كل معنيّ بتشخيص واقع أمسى قائماً وغير خافٍ. ومن نافل القول إن مثل هذا التشخيص يوضّح ما الذي يقف أمامنا ويتعيّن التعامل معه ومواجهته الآن وفي المستقبل.

تُظهر القراءة الآن لما نُشر في الماضي البرنامج الشديد الطموح الذي كان يعدّه اليمين الإسرائيلي المتطرّف لمثل هذه اللحظة حين تصبح سانحة كما هي الآن.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات