المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

أكدت صحيفة "هآرتس" في افتتاحية أنشأتها يوم الفاتح من تشرين الأول الحالي أن إسرائيل تعتبر شريكة في حملة التطهير العرقي التي قامت بها أذربيجان مؤخراً ضد السكان الأرمن في إقليم ناغورنو كاراباخ. وكتبت الصحيفة تقول: "بعد أكثر من مائة عام على مذابح الأرمن في الإمبراطورية العثمانية، لجأ أبناء هذا الشعب الصغير إلى الهروب مرة أخرى من هول الاحتلال والقمع".

  

وأضافت الصحيفة: غير أن أذربيجان لم تكن وحيدةّ في هذه الحرب البشعة، فقد زوّدت إسرائيل جيشها بأفضل أنواع السلاح المتقدّم الذي أتاح إمكان عملية التطهير العرقي لذلك الإقليم. وشمل ذلك: صواريخ أرض- أرض، وطائرات هجوميّة مسيّرة من دون طيّار، وقذائف صاروخيّة موجّهة، ومنظومات دفاع جويّة، ومدافع، وقاذفات، وأنظمة لتحسين الدبابات، وبنادق من طراز "ساعر"، وسفناً حربيّة، وصواريخ ضد الدبابات، وطبعاً منظومات سايبر وتجسّس.  

وسبق أن أشرنا إلى أنه في سياق إجمال العام 2022 الذي انقضى، لم تخفِ إسرائيل احتفاءها بازدياد صادراتها العسكرية والأمنية وتسجيلها نسبة قياسية غير مسبوقة نتيجة توقيع عددٍ من الصفقات الضخمة، وذلك على خلفية عودة العالم إلى سياسة سباق التسلّح. وفي إطار هذا، كان هناك إقرار بوجود عاملين رئيسيين حفّزا هذه السيرورة: الأول، "اتفاقيات أبراهام" لتطبيع العلاقات مع دول عربية، والثاني، الحرب المستمرة في أوكرانيا. فتلك الاتفاقيات التي وقعتها إسرائيل قبل أكثر من عامين مع الإمارات والبحرين والمغرب، رفعت التصدير الأمني الإسرائيلي إلى دول المنطقة، وفي العام 2021 بلغت المبيعات لدول الخليج نحو 7% من إجمالي الصفقات. وكُشف أيضاً أن إسرائيل باعت منظومات دفاع متطوّرة من طراز "باراك" و"سبايدر" للإمارات، وأن المغرب وقعت صفقة للتزوّد بصواريخ "باراك".

وتسبّب تصاعد تهديد المُسيّرات الإيرانية وخصوصاً في ساحات القتال في أوكرانيا، واتساع الهجمات الجوية الروسية، برفع قيمة منظومات الدفاع الجوية التي تنتجها إسرائيل في أوروبا أيضاً، ما مهّد الأرضية لألمانيا ثمّ لـ13 دولة من دول حلف شمال الأطلسي ( الناتو)، وفنلندا التي ليست عضواً في هذا الحلف، للانضمام إلى مبادرة "حماية السماء الأوروبية" من أجل بناء غلاف دفاع جوي مشترك، وفي إطار هذه المبادرة قررت ألمانيا التسلح بمنظومة الدفاع الجوي الإسرائيلية "حيتس 3". وفي البداية نشر عن صفقة بقيمة 2 مليار دولار، لكن بعد انضمام الدول الأخرى فإن مبلغ الصفقة يُقدّر بنحو 3 مليارات دولار. وانتظرت الصفقة الضوء الأخضر من واشنطن الذي جاء أخيراً. وتم توقيع الصفقة، الأسبوع الماضي، خلال زيارة قام بها وزير الدفاع الإسرائيلي الحالي يوآف غالانت إلى ألمانيا، وهي تعتبر الصفقة الأكبر التي تعقدها الصناعات الأمنية الإسرائيلية على مدار تاريخها كله.

ووفقاً لما قاله المدير العام للصناعات الجوية الإسرائيلية، بوعاز ليفي؛ "يدور الحديث حول أفضل الفترات بالنسبة لهذه الصناعات الجوية... وهي تزيد مبيعاتها من فصل إلى آخر وبلغت نحو 3.6 مليارات دولار حتى الربع الثالث من العام 2022، ما يعني الاقتراب من معدل مبيعات سنوية يبلغ 5 مليارات دولار، وهو إنجاز استثنائي للغاية".

وبحسب ما أكدت الدكتورة ليران عنتيبي، مديرة برنامج "التكنولوجيا المتقدمة والأمن القومي" في "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، فإن مجال الدفاع الجوّي سيواصل احتلال مكان آخذ بالتصاعد في ضوء تغيّر التهديد الجوي في العالم، والنشر المتزايد لوسائل بسيطة ورخيصة وفي متناول اليد مثل المسيرات الانتحارية والحوامات، إلى جانب التهديدات الكلاسيكية. ونوهت على نحو خاص بأن إيران تنتج مُسيّرات هجومية بكميات كبيرة، وهذه يتم إطلاقها بصليات من العراق واليمن في اتجاه أهداف في الخليج مثل منشآت نفط ومطارات وسفن. وتكلفتها منخفضة جداً، 20 ألف دولار لكل واحدة، ولكن الضرر الذي تتسبب به كبير كما حدث في منشآت نفط "أرامكو" في السعودية، والدمار الكبير الذي ألحقته روسيا في أوكرانيا عندما بدأت تستخدم المسيرات الإيرانية منذ عام، في تشرين الأول الماضي.

حيال هذا كله، لا بُدّ من إعادة التذكير بأن إسرائيل تُعتبر واحدة من أكبر الدول المصدرة للأسلحة في العالم، ولكنها خلافاً لمعظم الدول لا تتقيّد بقرارات ومعاهدات دولية تمنع تصدير الأسلحة والخبرات الأمنية إلى أنظمة يُحظر التعاون معها وتفرض عليها عقوبات. ويعمل في هذا المجال عدد كبير من الإسرائيليين، بينهم ضباط جيش، يحظون بمعاملة متساهلة من وزارة الدفاع الإسرائيلية حتى حيال خرقهم القرارات الدولية. ووفقاً لما يؤكده المحامي إيتاي ماك، وهو خبير في مجال حقوق الإنسان وأبرز ناشط من أجل زيادة الشفافية والإشراف العام على التصدير الأمني الإسرائيلي، فإن التصدير الأمني هو "أمر مقبول وجميع الدول تفعل ذلك، ولكن المشكلة هي أن إسرائيل، اليوم، ضالعة في أماكن كثيرة، قررت الولايات المتحدة وأوروبا منذ فترة أن تمتنع عن التصدير الأمني إليها... وهذه دول ليست ديمقراطية وبعضها ديكتاتوريات تقتل وتنهب وتقمع مواطنيها". وأضاف ماك أنه يوجد في إسرائيل عدد قليل من الشركات الأمنية العملاقة، وتوجد أكثر من 300 شركة تعمل في مجال تصدير الأسلحة والخدمات الأمنية، أقامها أشخاص من أجل جني أموال طائلة، "وجميع هذه الشركات تعمل تحت مظلة وزارة الدفاع الإسرائيلية، التي تصدّق على عمل الشركات".  وأوضح آلية تصدير الأسلحة والخدمات الأمنية، حيث تصل إلى إسرائيل ميزانيات من دول وجهات معنية بشراء أسلحة، ووزارة الدفاع تقرر لمن تمنح تراخيص تصديرها "وكيفية توزيع الكعكة"، إذ إن قسماً من المصدرين هم ضباط كبار في الجيش وموظفون سابقون في وزارة الدفاع وسياسيون سابقون.

وفضلاً عن قدرات الصادرات الأمنية الإسرائيلية، فإن ما يجعلها مطلوبة على نطاق واسع أنها تُباع من دون أي قيود، بما في ذلك إلى أنظمة استبداد ظلامية. ويؤكد أغلب الناشطين من أجل زيادة الشفافية والإشراف العام على التصدير الأمني الإسرائيلي، أن كل الحكومات الإسرائيلية تتبع منذ سبعينيات القرن الفائت سياسة واحدة في هذا الملف، تتجسّد بشراء مؤيدين في أرجاء العالم من طريق تزويدهم بالسلاح الفتّاك. وأول من انتهج هذه السياسة كانت حكومات توصف بأنها "يسارية"، فمثلاً في فترة ولاية حكومة إسحق رابين الثانية كانت إسرائيل ضالعة في تشيلي والأرجنتين وكذلك في رواندا والبوسنة والهرسك، وهي أماكن ارتُكبت فيها جرائم رهيبة ضد المدنيين. كما أن جميع الذين عملوا في هذا المجال هم جنرالات كبار ينتمون تاريخياً إلى مباي، الحزب الذي أسس إسرائيل وحكمها حتى العام 1977 ومنه انبثق حزب العمل الحالي؛ حيث كان هناك جنرالات انتقلوا إلى السياسة وآخرون ذهبوا إلى الصناعات الأمنية، وبذا فإن اليد الواحدة كانت تقوم بتبييض اليد الأخرى.

ولإجمال كل موضوع التصدير الأمني وتجارة السلاح في إسرائيل يكفي أن نترجم عنوان تعليق محلل الشؤون الأمنية يوسي ميلمان حياله، والذي ظهر قبل فترة ليست بعيدة في صحيفة "هآرتس" وجاء فيه: "هنا تُباع أسلحة، من دون قيود وبلا ضمير!".

المصطلحات المستخدمة:

هآرتس, باراك

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات