"من وجهة نظر مَن يرغب في تعميق المشروع الاستيطاني وتوسيعه في الضفة الغربية وليس معنياً بحل دولتين لشعبين لإنهاء الصراع، اعتُبرت حركة حماس حلاً ممتازاً. فقد اعتقد اليمين في إسرائيل أنه، مع حماس، بالإمكان إدارة الصراع على نار هادئة، إذ لن تطلب هذه الحركة الدخول في مفاوضات لأنها غير معنية بالمفاوضات، فكم بالحري وهي تُعلن جهاراً أن هدفها هو القضاء على دولة إسرائيل، فكيف ستجري مفاوضات معها؟... إن هذه الرؤية، التي تقوم على الاعتقاد بإمكانية احتواء الصراع، انهارت واختفت من العالم صبيحة يوم السبت السابع من تشرين الأول"!
في اليوم الثاني لمعركة طوفان الأقصى، تناقلت بعض وسائل الإعلام خبراً مفاده أن جهة ما حذّرت إسرائيل من أن المقاومة في قطاع غزة تخطّط لهجوم وشيك قبل أيام. صحيح أن هذا الخبر لم يكشف عن طبيعة هذه التحذيرات، أو أية تفاصيل حول هذه المعلومات التي نُقلت لإسرائيل، إلّا أنها أثارت بعض الشكوك- على الأقل لدى بعض الإعلاميين والمراسلين العسكريين في إسرائيل- لا سيّما أن صوابية هذه المعلومة تعني أن سيناريو "القصور الاستخباراتي" الذي سبق حرب أكتوبر- "حرب يوم الغفران" 1973 تكرّر مرة أخرى في العام 2023، رغم أن هذه اللعنة لم تُغادر النخب الأمنية والعسكرية منذ ذلك الحين. في أعقاب ذلك، خرج بنيامين نتنياهو في كلمة مصوّرة نفى فيها أن تكون إسرائيل تمتلك أية معلومات حول الهجوم، أو أن أي جهة أبلغتهم بنية المقاومة تنفيذ عملية من قطاع غزة. لكن، تبيّن بعد عدّة أيام أن ما أدلى به نتنياهو غير صحيح، وأن هناك بعض المؤشرات والتحذيرات كانت قد نُقلت بالفعل إلى المستويين الأمني والعسكري في إسرائيل عبر جهة لم يتم تحديدها لكن لم يتم التعاطي معها بجدّية إسرائيلياً؛ حيث لم تلجأ الأخيرة إلى رفع مستوى الجهوزية ولا حتى إعلان حالة التأهب على الحدود تحسبّا لهجوم مُحتمل. في هذه المساهمة، نُلقي الضوء على أبرز المُعطيات التي نشرها بعض المحللين العسكريين للصحف العبرية في أعقاب تصريح المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي الذي أكّد فيه أنه بالفعل كانت هناك إشارات وصلت لإسرائيل حول هجوم وشيك، أو مثيرة للشكّ حول وجود شيء ما غريب، لكنها لم ترتقِ لمستوى المعلومة الاستخباراتية.
في كل مستوطنات غلاف غزة توجد "لجان شعبية مسلحة" تتشكل من مستوطنين متطوعين من أصحاب الخلفيات القتالية. هذه اللجان تدعى "فرق إنذار" أو بترجمة حرفية "فرق تأهب". وأحد أهم الانتقادات الموجهة إلى المنظومة الأمنية، هي أن الجيش قام بسحب الأسلحة من "فرق الإنذار" الموجودة في مستوطنات غلاف غزة قبل عامين، بحجة محاربة تجارة السلاح. وفرق الإنذار (بالعبرية: "كيتوت كونينوت")، هي فرق عسكرية مسلحة تتشكل من سكان المستوطنة نفسها وتضم متطوعين أصحاب مهارات عسكرية، ويتمثل دورها في سد الفجوة الزمنية التي تنشأ منذ لحظة الإعلان عن هجوم في المستوطنة وحتى وصول الجيش، ومن ثم مساعدة قوات الأمن بعد وصولها والعمل تحت إمرتها.
شكل الهجوم المباغت الذي نفذته حركة حماس إلى جانب فصائل فلسطينية أخرى، صبيحة يوم السبت السابع من تشرين الأول (2023)، على مستوطنات "غلاف غزة"، صدمة هائلة أصابت المجتمع الإسرائيلي ومنظومة الأمن الاسرائيلية، والتي تبيّن لاحقا أنها كانت تلقت إشارات حول وجود تحذيرات بإمكانية وقوع "حدث كبير"، بالذهول وحالة من عدم القدرة على استيعاب أبعاد الحدث وتداعياته، خاصة في اللحظات الأولى التي بدا فيها أن الجيش الاسرائيلي قد فقد السيطرة على مستوطنات وبلدات الغلاف المحيطة بقطاع غزة، والقريبة منه بعد أن تمت السيطرة عليه من قبل آلاف المسلحين، وما تخلل ذلك من عمليات قتل وخطف واحتجاز أسرى، وخوض اشتباكات استمرت عدة أيام قبل أن يعلن الجيش بشكل رسمي عن تمكنه من استعادة السيطرة على الحدود، وتصفية أو اعتقال كل من لم ينجح في الفرار والعودة إلى قطاع غزة.
افتتح الكنيست هذا الأسبوع دورته الشتوية، التي من المفترض أن تستمر حتى نهاية آذار المقبل، 2024، أو مطلع الشهر التالي، وكان من المتوقع أن تكون دورة ساخنة جدا، على مختلف الصعد، وحتى ظهور خلافات داخل الائتلاف المتماسك، إلا أن تشكيل حكومة طوارئ- حرب، في نهاية الأسبوع الماضي، برئاسة بنيامين نتنياهو، وبانضمام كتلة "المعسكر الرسمي"، بقيادة بيني غانتس، لغرض إدارة الحرب الدائرة، وتنتهي مع إعلان نهاية حالة الحرب، من شأنها أن تشل العمل البرلماني، وتوقف تشريعات حساسة، مختلف عليها مع الشريك الجديد. ورغم ما يظهر من حالة توافق، فإن الخطوط المركزية لهذه الحكومة، من شأنها أن تؤدي إلى خلافات لاحقة.
طغت صيحات الانتقام على كل ما عداها من أصوات في الشارع الإسرائيلي، وانخرط الجميع تقريباً من وزراء وأعضاء كنيست، وضباط الجيش وقادة الأحزاب المشاركة في حكومة بنيامين نتنياهو وقوى المعارضة، إلى الضباط المتقاعدين والمحللين السياسيينِ ورؤساء السلطات المحلية وناشطي وسائل التواصل الاجتماعي، في الدعوات للرد بقوة غير مسبوقة، من أجل القضاء على حماس، وعلى غزة، والرد على ما وصفته المصادر والأوساط الإسرائيلية عينها بالهزيمة المرّة ويوم الإذلال والمهانة والعار الوطني.
الصفحة 44 من 324