عكس قرار بنك إسرائيل المركزي القاضي بخفض طفيف للفائدة البنكية بنسبة 0.25% (رُبع بالمائة)، حالة القلق من التباطؤ الاقتصادي، الذي تشهده السوق الإسرائيلية في الأشهر الثلاثة الماضية، في ظل العدوان على قطاع غزة، والناجم بشكل كبير عن قلق الجمهور من المستقبل الاقتصادي؛ وقد حذر البنك من أن كلفة الحرب ستكون أعلى من المتوقع، ودعا حكومته إلى انتهاج سياسة مسؤولة في إدارة الميزانية العامة. وفي سياق متصل قال تقرير رسمي إن الفقر في العام 2022 بقي مستقرا مقارنة بالعام 2021، ولكن في تفاصيله، يظهر أن الفقر تراجع بين اليهود وارتفع بنسبة طفيفة بين العرب، رغم ارتفاع نسبة انخراطهم في العمل، وانخفاض معدلات الولادة، بمعنى تقلص حجم العائلات العربية، وهو مقياس أساس في توزيع مدخول العائلة على عدد أفرادها، وبالتالي احتساب مستوى معيشة الأفراد على أساسه.
منذ بداية "المناورة البرية" الإسرائيلية في قطاع غزة في نهاية تشرين الأول 2023، كان لافتاً مشاركة العديد من الجنود من حملة الجنسيات الأجنبية في الجيش الإسرائيلي، استناداً إلى بعض المقاطع التي انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي شكّلت توثيقاً مصوراً لهؤلاء الجنود في قطاع غزة وهم يتحدثون باللغتين الإنكليزية والفرنسية وغيرهما. وقد تم تناول الأمر في الغالب في إطار ما يعرف بالجنود المرتزقة بدون أن تتم الإشارة إلى حقيقة هذه الظاهرة. في هذه المساهمة نحاول تسليط الضوء على هذه الظاهرة بكافة جوانبها وجذورها، بالإضافة إلى أبرز المعطيات التي يمكن الحصول عليها حول مشاركة هؤلاء الجنود في الحرب الحالية والقوانين الناظمة لها في الجيش والأدبيات العسكرية الإسرائيلية.
ما زالت مسألة تعطل فرع البناء في إسرائيل إلى حد كبير وبدرجة عالية تشغل العديد من الجهات ذات الصلة، وفي أولها الحكومة. وقد صدر عن مركز الأبحاث والمعلومات التابع للكنيست مؤخراً بحث بعنوان "تأثير حرب السيوف الحديدية على قطاع البناء"، وقال معدوه إن البحث أعِد قبيل جلسة خاصة في لجنة الداخلية وحماية البيئة حول موضوع "انخفاض صفقات الأراضي بسبب وضع الحرب وإسقاطات ذلك على احتياطي وأسعار الدور على المديين، المتوسط والطويل".
مع اقتراب الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة من دخول الشهر الرابع، وفي ظل غياب أية إنجازات عسكرية واضحة في ما يتعلق بأهداف هذه الحرب التي وضعتها إسرائيل لنفسها (القضاء على حركة حماس واستعادة المخطوفين الإسرائيليين)، تتزايد الشكوك حول رغبة إسرائيل في تحويل الكارثة الإنسانية- غير المسبوقة- التي أحدثتها بفعل القصف والاجتياح البري والتهجير القسري الداخلي في قطاع غزة، لـ "ميزة/ أفضلية" في ظل محدودية نسبية للتفوق العسكري والاستخباري في إحداث تفوق حقيقي على الأرض.
تزايدت في الفترة الأخيرة الأنباء الإسرائيلية التي تتحدث عن اندلاع صدامات بين وزير الأمن القومي المكلف بالمسؤولية عن الشرطة وحرس الحدود ومصلحة السجون، إيتمار بن غفير، وبين قادة الجيش ووزيرهم، على خلفية دعم بن غفير المطلق لكل عنصر عسكري أو في الشرطة، يرتكب جرائم، يتم توثيقها بالأشرطة، وتنشر في وسائل الإعلام وشبكات التواصل، حتى تزايد الحديث في الأجواء الإسرائيلية عن أن بن غفير وفريقه يتسببان بأضرار إعلامية فادحة لإسرائيل في الخارج. إلا أن الغائب عن هذا الصدام، بحسب ما ينشر من تقارير إعلامية، هو رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، الذي من المفترض أن يكون منحازا إلى الجهاز الرسمي، وأن يدعم قادته، وهذا ما يعزز الاستنتاج بأن نتنياهو يرى في بن غفير حامية سياسية له ثابتة حتى بكل ثمن، إلا إذا وجد بديلا له، ولكن هذا ليس مضمونا على ما يبدو لنتنياهو حاليا.
نقدم في ما يلي ما يشبه الحصاد لتحولات المشهد الإسرائيلي منذ هجوم 7 أكتوبر. وكنا قدمنا في المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية- مدار، طوال أيام الحرب، العديد من التقارير ونشرناها بشكل دوري. في هذه الورقة، نقوم بتجميع أهم الاستخلاصات التي رشحت عن هذه التقارير، وتركيزها في تسعة محاور رئيسة سيتم تناولها تباعا: 1) لماذا يعتبر هجوم 7 أكتوبر حدثا تأسيسيا يدفع إلى تحولات داخل دولة إسرائيل؛ 2) كيف تدير إسرائيل الحرب، وماذا تريد؟ 3) كيف تتفاعل قضية الأسرى الإسرائيليين؛ 4) كيف تتفاعل قضية الفشل الأمني الإسرائيلي وتعكس ظلالها على مجريات الحرب؛ 5) ردود الفعل الدولية حول إسرائيل والحرب؛ 6) صناعة الرأي العالمي والخطابات التضليلية؛ 7) مصير السلطة الفلسطينية وحل الدولتين على ضوء مجريات الحرب؛ 8) إلقاء الضوء على تحولات مهمة أخرى تحصل تحت الرادار في ساحة الضفة الغربية، 9) تأثير الحرب على الفلسطينيين في الداخل.
الصفحة 44 من 337