خلال الأشهر الأخيرة، ومن وراء ظهر وسائل الإعلام المستَلَبة عند قدميّ بنيامين نتنياهو، تتراكم وتتكدس سُحُب العنصرية الظلامية، تخرج من مخابئها وترسل ألسنة من النيران العنيفة في أنحاء مختلفة من البلاد، على جانبي الخط الأخضر. ولا تحظى هذه الأحداث سوى بتغطية موجزة فقط، إن كانت تحظى بها أصلاً، لكنها تبقى على الدوام كأنها مجرد نقاط متفرقة على مسطح ضبابي، منزوعة عن أي سياق تماماً.
شكل قرار المدعية العامة في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، فاتو بنسودا، كما نشرته يوم الجمعة الأخير، تطوراً غير مسبوق وعلى درجة عالية من الأهمية والخطورة في تاريخ الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني، من حيث أنه يطلق الطلقة الأولى في مسار من المرجح أن يؤدي، في نهاية المطاف، إلى التحقيق في ارتكاب دولة إسرائيل جرائم حرب ضد أبناء الشعب الفلسطيني في المناطق الفلسطينية المحتلة منذ حزيران 1967 ـ الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وقطاع غزة.
تجري بعد غد الخميس، 26 كانون الأول الجاري، الانتخابات لرئاسة حزب الليكود. وعلى الرغم من أن نتيجة الانتخابات شبه محسومة لصالح بنيامين نتنياهو ضد منافسه غدعون ساعر، إلا أنها تعد الانتخابات الجديّة الأولى، إن صح التعبير، منذ العام 2005، ولربما بالإمكان القول إنها الانتخابات الأكثر سخونة منذ العام 1993.
إلا أن نتنياهو لا يكتفي بالفوز المضمون، لأنه يطمح لأغلبية حاسمة، لا تقل عن الثلثين، في حين أن ساعر يريد من هذه الانتخابات كسر احتكار نتنياهو لحزب الليكود. وفي كل الأحوال، فإن هذه الانتخابات ستكون بدء عهد جديد في الليكود، تعود فيه الصراعات لتكون علانية، منها ما هي في مواجهة رئيس الحزب نتنياهو.
يبدو أن تحالف الليكود مع أحزاب اليمين الاستيطاني متماسك للغاية، بسبب التقاء مصالح متشعب، إن كان على المستوى السياسي، أو على مستوى علاقة الدين بالدولة. ولا توجد أي مؤشرات لتفكك هذا التحالف، الذي يهدف إلى حصد 61 مقعدا برلمانيا، من دون الحزب "العاق" في هذا المعسكر، "يسرائيل بيتينو"، بزعامة أفيغدور ليبرمان. ولكنه هدف يبدو شبه مستحيل، وفق الظروف القائمة حتى اليوم. وهذا ما تؤكده المعطيات على أرض الواقع، والتي يسعى الليكود لتغييرها لصالحه.
قالت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية إن مجهولين يشتبه بأنهم من عصابات "تدفيع الثمن" اليمينية المتطرفة ارتكبوا مؤخراً جرائم كراهية ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة منذ 1967 وداخل الخط الأخضر 4 مرات خلال 10 أيام، كان آخرها في حي الخلايلة في القدس الشرقية يوم الخميس الماضي، حيث قاموا بإعطاب إطارات 18 سيارة في الحي وخطوا شعارات معادية للعرب على جدران البيوت تهدد السكان الفلسطينيين. وقبل ذلك وقعت جرائم مماثلة في قرية منشية زبدة العربية البدوية بالقرب من حيفا وفي حي شعفاط في القدس الشرقية.
كما كان متوقعاً، قوبل إعلان المدعية العامة في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، فاتو بنسودا، أنها وجدت مسوّغات قانونية لفتح تحقيق شامل في جرائم حرب محتملة ارتكبتها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية بردود فعل إسرائيلية غاضبة جداً، مستنكرة ومنددة، لكن متخوفة أيضاً، سواء على الصعيد الحكومي الرسمي أو على الصعيد السياسي ـ الحزبي، من مختلف أطياف الخارطة السياسية الإسرائيلية.
الصفحة 169 من 324