المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
من مظاهرة ضد الجريمة في مجد الكروم (أرشيفية)  (عن "عرب 48")
من مظاهرة ضد الجريمة في مجد الكروم (أرشيفية) (عن "عرب 48")
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1218
  • هشام نفاع

نشرت الحكومة الإسرائيلية الشهر الماضي خطتها لما أسمته "معالجة ظواهر الجريمة والعنف" في المجتمع العربي للأعوام 2022-2026، وتقول منذ بداية نص الخطة إنها عملياً بمثابة استمرار لقرار الحكومة من شهر كانون الثاني 2006 بشأن محاربة الإجرام المنظم، وقرار الحكومة من شهر نيسان 2016 بشأن تحسين مستوى الأمن الشخصي في "الوسط العربي" وتعزيز الأمن في القدس، وقرار الحكومة في كانون الثاني 2019 بشأن توسيع النشاط لتقليص ظاهرة العنف في العائلة والمخولة بها وزارة العمل، وكذلك قرار الحكومة من العام الماضي في شهر تشرين الأول 2020 بشأن نشاط الحكومة للتطوير الاقتصادي لدى "المجموعة السكانية للأقليات" للأعوام 2016- 2020، وقرار الحكومة في شهر تشرين الثاني 2020 بشأن بلورَة خطة لمنع وتضييق العنف في العائلة، وقرار الحكومة من شهر آذار 2021 لمعالجة ظواهر الجريمة والعنف في المجتمع العربي وتعزيز المجتمع العربي في إسرائيل، وقرار الحكومة من شهر تموز 2021 بشأن إقامة طاقم تنفيذي للتنسيق بين نشاطات ووزارات الحكومة بشأن المجتمع العربي، وكذلك قرار الحكومة في آب 2021 بشأن الخطة الخماسية للمجتمع العربي، وقرار الحكومة في الشهر نفسه من هذا العام 2021 بشأن لجنة الوزراء بخصوص المجتمع العربي في مقابل "ازدياد حدة أحداث القتل ومحاولات القتل في المجتمع العربي والأهمية التي تُوليها الحكومة لتعزيز حكم القانون والحَوْكمة".

أهداف الخطة تجمع بين العديد من القرارات بينها: الإنفاذي الإجرائي والاقتصادي والاجتماعي، فتشمل تفكيك منظمات الإجرام وتقليل ظاهرة الجريمة والعنف في المجتمع العربي، وتقليص الوسائل والأدوات الاقتصادية التي بحوزة منظمات الجريمة. كذلك، "رفع مستوى الأمان الشخصي لدى مواطني إسرائيل عموماً وسكان النقب والمواطنين والسكان العرب خصوصاً"، على حد ما ورد في نص الخطة. هناك أيضاً هدف "التقليل الجدي" حسب الوصف لعدد قطع السلاح غير القانونية لدى مواطنين في المجتمع العربي، وزيادة ثقة الجمهور في جهاز إنفاذ القانون.

يجري الحديث أيضا عن "زيادة التعاون والمشاركة لممثلين في المجتمع العربي بمن فيهم رؤساء سلطات محلية عربية وبلديات ومدن مختلطة، من أجل تطبيق الخطة وذلك لتعزيز المجتمع العربي وتقوية المناعة المجتمعية لمواجهة ظواهر العنف في الحيّز المحلي ومواجهة ظواهر العنف والجريمة".

الخطوط العامة التنفيذية تتحدث عن تحسين إنفاذ القانون بواسطة زيادة حضور عناصر إنفاذ القانون ذات الصلة في الشارع العربي. في المرحلة التالية تتحدّث الخطة عن الحاجة إلى إبعاد المجتمع أو شرائح منه بالأحرى، عن دوائر الجريمة ومنع التدهور والانضمام إليها، وهو ما يتضمن معالجة البنى التحتية الاقتصادية التي تستند عليها منظمات الإجرام، وخلق أطر للتعليم والتشغيل وتأهيل شبان عرب من أجل دمجهم في مسار حياة معياري، ومعالجة العنف في مؤسسات التعليم وفي صفوف الشبيبة. هذا يفترض أن يتم بمرافقة ومساعدة السلطات المحلية العربية للتقليل من ضغط الجهات الاجرامية عليها وزيادة الحَوْكمة في مناطق نفوذها.

10% - هو كل هدف الخطة لتقليل الجرائم في العام 2022

تُعدّد الخطة عدداً من الأهداف العينية التي تسعى لإنجازها، كالتالي: تقليل عدد حوادث القتل بنسبة 10% في العام 2022 قياساً بالعام 2021. وسيتم تحديد الأهداف المكمّلة في نهاية العام 2022؛ حل وكشف ملفات عنف خطيرة، تشمل جرائم قتل ومحاولات قتل وإطلاق نار ومحاولات إطلاق نار وحيازة أسلحة، بنسبة 10% أكثر مما هو الحال اليوم؛ زيادة بنسبة 10% في معالجة ملفات الاتجار بالأسلحة وحيازتها خارج القانون؛ زيادة تقديم بلاغات وشكاوى للشرطة بنسبة 5% خلال ثلاث سنوات، بما يشمل التوجهات إلى هاتف الطوارئ المركزي، من قبل المجتمع العربي.

هناك حديث أيضاً عن زيادة الشعور بالأمان لدى المواطنين العرب والسعي لمساواة الشعور بالأمان كذلك القائم بين المواطنين اليهود. والمقياس الأساس سيتحدد في العام 2022 من قبل وزارة الأمن الداخلي استنادا إلى استطلاع سيجري في هذا الشأن، وفي ضوء ما سيسفر عنه ستتحدد أهداف زيادة الشعور بالأمان في السنة التالية 2023 ثم السنوات التالية، وهكذا.

بخصوص الشباب خارج الأطر الثابتة من جيل 18- 24 حددت الخطة هدف زيادة عدد الشبان في هذه الشريحة بـ 15 ألف شاب ضمن أطر تشغيل وتأهيل وتعليم وتعليم عال. وهناك أيضا هدف تأهيل سجناء مسرّحين عرب من خلال زيادة بنسبة 30% لعددهم في خطة للرعاية من قبل سلطة تأهيل السجناء، قياساً بما هو اليوم.

ستعطى الصلاحية لنائب وزير الأمن الداخلي ليكون بمثابة المركّز الإداري لعملية طوارئ تمتد لمدة نصف سنة، يتم في إطارها وضع مكافحة الجريمة في المجتمع العربي كأولوية من قبل الوزراء، وخصوصا وزارات الأمن الداخلي، العدل، المالية، الداخلية، الرفاه والأمان الاجتماعي، ووزارات أخرى حسبما تتطلب الحاجة. ستشمل عملية الطوارئ هذه تركيز جهود لإجراءات إنفاذ القانون وفقا للسياسات التي تحددها تلك الأجهزة والمستشار القانوني للحكومة من أجل معالجة قضايا مثل "أخذ الخاوة ومحاربة منظمات إجرام". هذا الأمر سيترافق بتعديلات قانونية وفقا لما يتطلبه الأمر.

من ناحية حجم ميزانية هذه الخطة للسنوات 2022- 2026 فإن ميزانيتها الشاملة هي 2.4 مليار شيكل، يتم توزيعها بشكل متساوٍ على كل واحدة من السنوات التي تتضمنها حيث أن نصف هذا المبلغ سيكون من ميزانيات الوزارات العامة، والنصف الآخر من وزارة المالية يخصّص لهذه الوزارات مثلما تحدّد في قرار سابق. وسوف يتم تحديد ميزانيات محدّدة هادفة.

تنوّه الوثيقة إلى أنها تسري على "السكان العرب في بلدات المجتمع العربي، بلدات البدو في الشمال والبدو في الجنوب، بلدات الدروز والشركس، وكذلك السكان العرب في المدن المختلطة ما عدا القدس".

 توصية للجيش بتعزيز حماية معسكراته ومراقبة الأسلحة فيها!

من ناحية وزارة الأمن الداخلي، تشمل المهمات الملقاة عليها زيادة حضور الشرطة في الشارع العربي بشتى أشكال إنفاذ القانون، من خلال تحسين الخدمات والاستجابة للمجتمع العربي، مكافحة الجريمة المنظمة والخطيرة، تقليص ظواهر إجرامية مركزية وخصوصاً حيازة السلاح غير القانوني. من بين البنود التي يشير إليها هذا القسم من الخطة، يجري الحديث عن إقامة محطات شرطة جديدة بعضها في النقب وتفعيل موديل "مدينة آمنة" في مدينتين مختلطتين، وفقا لرؤية العمل البوليسي الذي يدمج منظومات تكنولوجية متقدمة بموجب خطة السلطة الوطنية للأمن المجتمعي. ووزارة الأمن الداخلي تكلّف بتمويل مزيد من المفتشين في وحدات التفتيش البلدية في سلطات محلية.

هناك بند ينص على ما يلي: "تكثيف نشر الكاميرات والوسائل التكنولوجية في السلطات المحلية ذات الصلة، بما في ذلك مدن مختلطة، في إطار خطة السلطة الوطنية للأمن المجتمعي لتوسيع نشر الكاميرات، وفقا لما تقرّره وزارة الأمن الداخلي وهذا كله وفقا لفحوصات وخلاصات مهنية".

في المجال الاقتصادي تتحدث الخطة عن القيام بـ 70 عملية مشتركة لوزارة الأمن الداخلي ووزارة العدل فيما يتعلق بالأهداف المشتركة التي تضعها الشرطة ونيابة الدولة للعام 2022. هنا تتحدث الخطة عن وجوب تقديم طلبات حسم نهائية فيما يتعلق بـ 70% من الممتلكات التي تقبض عليها الشرطة من أيد جنائية خلال سنة. والنجاح في إحراز تقدّم بنسبة 75% في قرارات المحاكم بشأن مصادرة ممتلكات. وزيادة بنسبة 5% كل عام في قيمة الممتلكات التي تصل المرحلة النهائية للبت فيها. كذلك، تعمل الأقسام الاقتصادية في الشرطة في مجال منع تبييض الأموال وهناك تحديد لأرقام معينة يجب على الشرطة إنجازها.

تتحدث الخطة أيضا عن تقوية منظومة إنفاذ القانون وتوسيع وتقوية الاستجابة العملانية للشرطة من خلال تقوية وحدات حرس حدود، وفي غضون ذلك القيام بعمليات مختلفة محددة "لمعالجة الجريمة الخطيرة والإخلال بالنظام". وكذلك تعزيز وحدات الاحتياط لحرس الحدود "من أجل استخدامها عند الحاجة كجزء من الاستعداد المطلوب لإحداث إخلال بالنظام". (هنا يبدأ خلط صريح بين مسائل جنائية وأخرى سياسية).

بخصوص السلاح غير القانوني تحدّد الخطة هدف العمل بشكل منظوماتي ومنسّق من أجل تقليص الظاهرة، بين عدة جهات منها: الشرطة وجهاز الأمن العام (الشاباك) والجيش ووزارة العدل ونيابة الدولة ووزارة المالية وسلطة الضرائب ووزارات وهيئات أخرى. في هذا الشأن سيتم تقديم توصيات لاحقا خلال 30 يوما من نشر هذه الخطة ويفترض بالشرطة أن تقدم خلال 60 يوما خطة عمل لتطبيق إجراءات ونظم لضبط محاولات تهريب سلاح غير قانوني في الحواجز العسكرية حول القدس. وتتحدث الخطة أيضا عن تفويض الجيش بزيادة التطبيق الكامل لخطته متعددة السنوات لتعزيز الحراسة في قواعد ومعسكرات الجيش، حيث يتم تخزين أسلحة والحفاظ على هذه الأسلحة وتعزيز الرقابة على استعمالها. وتلقي الخطة على الجيش مهمة إعداد خطوات عملية لتسريع تنفيذ هذه البنود. للتذكير: تقارير رسميّة أقرّت أن كماً كبيراً من السلاح مصدره السرقة من معسكرات الجيش.

تتضمن الخطة جوانب أخرى، بعضها تم تحديده وبعضها لم يُحدّد بعد، بشأن الخطوات غير المتصلة بالجريمة مباشرة، مثل تحسين ظروف التعليم والعمل للشباب العرب من جيل 18- 24. والاهتمام بشرائح شبابية أقل عمراً يفترض أن تكون في أطر تعليمية أو تعاني من مشاكل داخل هذه الأطر (سيتم التطرق إلى هذا الجانب في مقال منفصل).

خلط معلن بين مواجهة الجريمة وقمع العمل السياسي!

ما تجدر الإشارة إليه هو الخلط بين مواجهة الجريمة وبين مواجهة ما تسميه الخطة باللغة الرسمية "أعمال الشغب"، وهذا بمثابة خلط بين الجنائي والسياسي. فهناك حديث عن تفعيل وحدتي "حرس حدود" ضمن مواجهة الجريمة لكن يُشار بصراحة إلى أنهما ستُفعّلان لمواجهة ما تعتبره الخطة "أعمال شغب"، وذلك في إشارة ضمنية إلى مظاهرات واحتجاجات سياسية ووطنية للمواطنين العرب الفلسطينيين في إسرائيل. هذا الخلط هو فخ أو حتى أكثر من ذلك ضمن هذه الخطة، لأنه يعني استغلال وضع بشع قائم من ناحية تفشي الإجرام من أجل تحقيق أهداف سياسية للسلطة وللمؤسسة على حساب ميزانيات يفترض أن تخصّص لمعالجة ومواجهة ومكافحة الجريمة.

على سبيل المثال، فيما يتعلق بنشر الكاميرات قالت مصادر في الشرطة لعدة وسائل إعلام عبرية إن "المدينتين المختلطتين" اللتين سيتم تكثيف نشر الكاميرات ووسائل المراقبة والتتبع الإلكترونية فيهما، هما عكا واللد بالذات. هذه الجهات تتحدث بشكل مباشر وواضح عن أن ما شهدته المدينتان خلال "هبة الكرامة" في أيار 2021 التي تزامنت مع العدوان الاحتلالي على قطاع غزة، هو ما دفع بالأجهزة ذات الصلة إلى اختيار هاتين المدينتين تحديداً لزيادة الرقابة والتتبع التكنولوجي فيهما سواء بواسطة الكاميرات أو وسائل أخرى.

مصادر أخرى في الشرطة قالت لعدد من وسائل الاعلام العبرية إنها ستكثف الكاميرات في اللد وعكا أشبه بما تم في البلدة القديمة في القدس. وهذا معناه تفعيل آليّات الاحتلال في عكا واللد ضد المواطنين العرب. كذلك، فقد اعترف المدير العام لوزارة الأمن الداخلي تومار لوتان بأن الكاميرات ستوضع هناك أيضا بسبب "الخشية من أحداث قومجية في هاتين المدينتين". ويرى أن "الكاميرات هي الضمان العملاني لحالات يتم فيها تسرّب الجريمة إلى المجال القومجي" على حد تعبيره. المقصود هنا الحالات المعدودة التي استُخدم فيها السلاح خلال هبة الكرامة. كذلك فإن جهات في الشرطة تحدثت بشكل واضح عن أن اختيار عكا واللد تحديداً جاء لاعتبارات أمنية.

هذا المثال يوضح بشكل مباشر أن الخطة الموضوعة التي جاءت تحت عنوان مكافحة الجريمة أي مكافحة منظمات إجرام، تخلط ما بين هذا الجانب التي قصرت وتقاعست فيه السلطات وأجهزة إنفاذ القانون وأولها الشرطة، وبين تخطيطٍ غير خفيّ لتعزيز وسائل قمع ضد تحركات احتجاجية ومظاهرات سياسية الطابع للمواطنين العرب الفلسطينيين في إسرائيل مستقبلاً. والملاحظ أن هذا الجانب لا يجري الحديث عنه بالمرة ولا تتطرق إليه جهات عربية وأخرى "يسارية" تشيد بهذه الخطة، التي حتى لو تضمنت جوانب جديّة للمعالجة المباشرة وغير المباشرة لقضية الجريمة، فإن تطرُّق واضعيها في وثيقتها المكتوبة إلى قمع العمل الاحتجاجي والنشاط السياسي للمواطنين العرب، بل وضعه في سياق مكافحة الإجرام، هو أشبه بخطة مبيّتة لاستخدام الوسائل والأموال التي يتم إقرارها وتوجيهها لمواجهة الجريمة، لكي تقمع وتضرب الحقوق الأساس في التعبير وفي العمل السياسي والتحرّك السياسي وفي التنظّم السياسي للفلسطينيين مواطني دولة إسرائيل.

 

المصطلحات المستخدمة:

اللد

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات