المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
حكومة بينيت: "الاختبار الأميركي" قادم.  (إ.ب.أ)
حكومة بينيت: "الاختبار الأميركي" قادم. (إ.ب.أ)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1199
  • برهوم جرايسي

 سارعت الحكومة الإسرائيلية الجديدة، منذ أيامها الأولى، إلى إظهار بوادر تحوّل في العلاقة مع البيت الأبيض برئاسة جو بايدن، وكان هذا سعيا متبادلا بين الجانبين، بعد سنوات حُكم بنيامين نتنياهو التي عكّر فيها العلاقة مع الحزب الديمقراطي الأميركي. إلا أن مؤشرات صدام مفترض بدأت بالظهور، بعد إعلان رئيس الحكومة نفتالي بينيت وشريكه يائير لبيد رفضهما إعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية، وقرار إسرائيلي جديد بالدفاع عن شركة التجسس الإلكتروني الإسرائيلية NSO. وفي المقابل دعا معهد تابع للوكالة الصهيونية الحكومة الإسرائيلية إلى تحسين العلاقات مع مجموعات أميركية يهودية، دخل نتنياهو معها في مسار الصدام في السنوات الأخيرة.

القنصلية الأميركية

كما هو معروف فإن قضية إعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس المحتلة، التي تقدم الخدمات للجمهور الفلسطيني، وأغلقها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، عادت إلى الواجهة مع دخول الرئيس الحالي جو بايدن إلى البيت الأبيض، خاصة وأن مجموعة ضاغطة في الحزب الديمقراطي الأميركي تطالب بإعادة فتح القنصلية. وقد قوبل الطلب بمعارضة إسرائيلية فورية، من رئيس الحكومة في حينه بنيامين نتنياهو.
وصحيح أن بايدن وإدارته لم يطرحا حتى الآن هذا المطلب بقوة على جدول أعمال العلاقات مع الحكومة الإسرائيلية، إلا أن وُجهة الحكومة الإسرائيلية الحالية باتت أوضح في الأيام الأخيرة، حينما أعلن رئيس الحكومة نفتالي بينيت، ومعه شريكه في رئاسة الحكومة، وزير الخارجية يائير لبيد، عن رفضهما إعادة فتح القنصلية في القدس المحتلة.

وقال بينيت في مؤتمر صحفي وبجانبه لبيد: "لا مكان لقنصلية أميركية تخدم الفلسطينيين في القدس، نحن نعبّر عن موقفنا باستمرار وبهدوء، من دون إحداث مشاهد درامية. وأنا آمل أن يتم فهم الموقف: القدس هي عاصمة دولة إسرائيل فقط".

وقال لبيد: "إذا كان الأميركان يريدون فتح قنصلية في رام الله فلا مشكلة لدينا مع هذا، لأن السيادة في القدس هي لدولة واحدة، دولة إسرائيل".

التحدي الذي سيكون أمام الحكومة في الفترة القريبة، هو مشروع القانون الذي بادر له عضو الكنيست من الليكود، نير بركات، من كان رئيسا لبلدية الاحتلال، ويمنع القانون فتح ممثلية دبلوماسية في القدس المحتلة، تهدف لخدمة من هم ليسوا مواطني إسرائيل، حسب النص، والهدف منه منع إعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس المحتلة، التي كانت تخدم الفلسطينيين. وانضم إلى هذه المبادرة 35 نائبا من كتل اليمين الاستيطاني في المعارضة. وتم إيداع مشروع القانون رسميا في الكنيست يوم 11 تشرين الأول الماضي، وبحسب نظام الكنيست، يجب أن يمر 45 يوما حتى يجوز لعضو الكنيست طرح مشروع قانون بادر له، إلا إذا صادق الكنيست على فترة أقل، في ظروف استثنائية. وهذا يعني أنه سيكون متاحا للنائب بركات طرح مشروع القانون بعد 25 تشرين الثاني الجاري. وفي هذه الحالة، فإن المعارضة لا ترتكز على أغلبية الائتلاف الهشة، 61 نائبا من أصل 120، بل ستعارض مشروع القانون أيضا كتلة "القائمة المشتركة" ولها 6 نواب التي هي كتلة معارضة، ما يعني أن الفجوة ستتسع بين معارضي القانون ومؤيديه. ونادرة هي الحالات التي وافقت فيها الحكومة على مبادرات تأتي من صفوف المعارضة، تهدف إلى تقويض حركة الحكومة السياسية. وعلى الأغلب فإن الحكومة ستعلن معارضتها لهذا القانون، من باب أن هذه السياسة التي تتبناها، ولا حاجة لقانون كهذا من شأنه أن يؤزم العلاقة مع البيت الأبيض. ولكن ليس واضحا إلى أي مدى سيلتزم نواب الائتلاف من كتل اليمين الاستيطاني بموقف إدارة الائتلاف ليعارضوا مشروع القانون، في حال رفضته الحكومة.

في المجمل، ليس واضحا حتى الآن، مدى جدية الإدارة الأميركية في هذه المرحلة، في فتح الملف الساخن، لأنه على ضوء المواقف الإسرائيلية المعلنة، فإن هذا سيكون مسارا صداميا بين الجانبين، في حال تعاظمت الضغوط في أروقة الكونغرس على إدارة بايدن لطرح موضوع القنصلية مجددا.

شبكة التجسس الديجيتالية

مسار التصادم الثاني المفترض متعلق بشركة السايبر الهجومية NSO الإسرائيلية، التي تبين أن أحد برامجها، "بيغاسوس"، متورط في عمليات تجسس، تورطت بها أنظمة حُكم، وجهات أخرى، وكانت وسيلة ساهمت في ارتكاب جرائم، أو اعتداءات على حقوق الإنسان، ما أثار ضجة في عدد من دول العالم، ومن بينها الولايات المتحدة الأميركية.

وفي الأسبوع الماضي، قررت وزارة التجارة الأميركية فرض عقوبات على شركة NSO، ومعها شركة كنديرو الإسرائيلية هي الأخرى. وجاء القرار على خلفية سلسلة من القضايا التي تورطت بها الشركتان، وخاصة NSO والتي بحسب تقارير متورطة مع الحكومة الإسرائيلية في تعقّب نشطاء حقوقيين فلسطينيين.

وكانت وزارة التجارة الأميركية قالت في بيان سابق لها، إنه تمت إضافة هاتين الشركتين الإسرائيليتين إلى قائمة الشركات التي تعمل ضد مصلحة أمن واشنطن القومي، بسبب أدلة على تطويرهما وتقديم برامج تجسس إلى حكومات أجنبية، وقد استخدمت للإضرار بالمسؤولين الحكوميين والصحافيين ورجال الأعمال والنشطاء والأكاديميين وموظفين في السفارات. وبحسب البيان: "لقد مكّنت هذه الأدوات الحكومات الأجنبية من ممارسة القمع العابر للحدود، وهي ممارسة للحكومات الاستبدادية لإسكات المعارضين، ما يهدّد النظام الدولي".

وفي الأسبوع الماضي، أعلنت الحكومة الإسرائيلية أنها لن تترك شركة NSO وحيدة في هذه المواجهة. وحسب تقارير صحافية، ومنها ما ورد في صحيفة "نيويورك تايمز"، فإن إسرائيل تعتزم استخدام جهودها بالضغط على الولايات المتحدة لرفع العقوبات التي فرضتها على الشركة، وإن إسرائيل ستبلغ الإدارة الأميركية، بأن أنشطة الشركتين "ذات أهمية كبيرة للأمن القومي لكل من إسرائيل والولايات المتحدة".

وقال المحلل الإسرائيلي والخبير في الشؤون الاستخباراتية، رونين بيرغمان، في مقال له في صحيفة "يديعوت أحرونوت" في الأسبوع الماضي، إن الأمر أكبر من أن يكون خلافا مع شركة تجسس ديجيتالية، فالحكومة الإسرائيلية توصلت إلى استنتاج بضرورة التجنّد وشن معركة لإلغاء القرار الأميركي، بإدراج شركة NSO في قائمة الجهات التي تنشط بشكل معارض للمصلحة الوطنية الأميركية. وحسب بيرغمان، فهذا ليس مجرد تجنّد من أجل شركة تجارية، وإنما معركة تدور حول أمور حساسة جدا، متعلقة بأمن إسرائيل.

وقال المحلل ذاته إنه في جلسات الأبحاث الإسرائيلية طُرحت سلسلة من التخمينات حول دوافع القرار الأميركي، فهناك من قال إنه رد على قرارات الحكومة الإسرائيلية بالبناء في المستوطنات، أو بسبب المعارضة الإسرائيلية لإعادة فتح القنصلية في القدس، وأيضا كي تعرض الإدارة الأميركية نفسها أمام مراكز حقوق الإنسان، بأنها لا تستخف بقضايا حقوق الإنسان، خلافا لتعامل إدارة دونالد ترامب معها. كما من بين التخمينات أن القرار الأميركي رد على قرار الحكومة الإسرائيلية بوصم ست جمعيات فلسطينية بما يسمى "الإرهاب"، وأن جهات في الإدارة الأميركية ليست مقتنعة بالتبريرات الإسرائيلية لقرارها. وهذا كله يعني أن الفترة المقبلة ستوضح أكثر طبيعة العلاقة مع الإدارة الأميركية، التي وُصفت بأنها فترة "انفراج" مع الإدارة من الحزب الديمقراطي، بعد أن عكّرها على مدى سنوات بنيامين نتنياهو، وذلك بانحيازه المكشوف والحاد لصالح الحزب الجمهوري.

العلاقة مع المجموعات الأميركية اليهودية

تجدر الإشارة إلى أن سنوات حُكم نتنياهو الـ 12 المتواصلة خلّفت رواسب عديدة أيضا مع مجموعات ومنظمات أميركية يهودية من عدة جوانب، أبرزها انحياز نتنياهو إلى الموقف الديني المتشدد في إسرائيل، ضد التيارات الإصلاحية اليهودية المنتشرة بكثافة في الولايات المتحدة الأميركية، في سلسلة مسائل يهودية دينية، من بينها عدم الاعتراف بمسار التهويد الذي تجريه الطوائف الإصلاحية، وكذلك طلب مجموعات دينية إصلاحية بالسماح بأن يكون لها حيز خاص بها للصلاة قبالة حائط البراق عند المسجد الأقصى المبارك، المسمى في القاموس الإسرائيلي "الحائط الغربي" للهيكل المزعوم، وأيضا طلب تخصيص مساحة لصلاة النساء اليهوديات من التيار الإصلاحي.

كذلك فإن مجموعات سياسية أميركية يهودية، وخاصة تلك المؤيدة للحزب الديمقراطي، انتقدت أداء نتنياهو على الساحة الأميركية منحازاً للحزب الجمهوري، ما شجع المجموعات المناهضة للسياسات الإسرائيلية في الحزب الديمقراطي لتتلاقى مع مجموعات مؤيدة لإسرائيل ولكنها تعارض نتنياهو، وتتهمه بالتسبب بالضرر للحزب الديمقراطي.

ويشار هنا إلى أنه حسب استطلاع "معهد بيو" الأميركي قبل عام من الآن، فإن 75% من الأميركان اليهود صوتوا لصالح جو بايدن، مقابل 21% لدونالد ترامب، في حين أن استطلاع منظمة "جي ستريت" الأميركية اليهودية، قال إن تأييد اليهود لبايدن بلغ 78%، مقابل 21% لدونالد ترامب. وقال الاستطلاعان إن هذا التأييد نابع من النظرة للحزب الديمقراطي بأنه يتبنى مواقف أكثر ليبرالية، مقابل مواقف يمينية متشددة يتبناها ترامب وفريقه.

وفي تقريره السنوي الصادر في الآونة الأخيرة، دعا "معهد سياسة الشعب اليهودي"، في الوكالة اليهودية الصهيونية، الحكومة الإسرائيلية الجديدة، برئاسة نفتالي بينيت، إلى إصلاح العلاقات مع هذه المجموعات اليهودية في الولايات المتحدة الأميركية.
ويقول رئيسا مجلس إدارة المعهد، المستشار الرئاسي الأميركي الأسبق دينيس روس، وستيوارت أيزنشتات، في مقدمة تقرير المعهد السنوي، إن هناك قلقا متزايدا بشأن حالة العلاقات مع المجتمع اليهودي الأميركي، ومع المجتمع في الولايات المتحدة بشكل عام، في مواجهة القوة الصاعدة في الجناح التقدمي للحزب الديمقراطي، الذي لديه آراء انتقادية للغاية بشأن إسرائيل.

ويرى الكاتبان أن التقلبات في الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية، الناجمة عن جائحة كورونا، من شأنها أن تغيّر في المزاج العام في الولايات المتحدة، نحو تقبّل التعددية، وقيم المساواة، وهذا قد ينعكس في تعميق حالة الاستقطاب بين الأميركان اليهود، على ضوء تزايد أعداد المتدينين المتزمتين، الحريديم، من جهة، وتزايد أعداد الذين يصفون أنفسهم بأنهم ليسوا أتباع الدين.

ويتوقف التقرير السنوي، كما كل التقارير التي بدأت تصدر منذ العام 2004، عند الهوية اليهودية لدى الأميركان اليهود، ويؤكد التقرير على اتساع الفجوة الثقافية بين المجموعات اليهودية، وخاصة لدى الأجيال الشابة، التي منذ سنوات عديدة، تدل التقارير على ميلها نحو العالم المفتوح، وابتعادها عن الأطر الدينية اليهودية، والمؤسسات اليهودية والصهيونية، إلا أنه مع تزايد أعداد الحريديم في الولايات المتحدة، فإن الخلافات تحتد.

ويرى التقرير أن على الحكومة الإسرائيلية بكافة أجهزتها، العمل على منع، أو لجم، حالة الاستقطاب بين اليهود في الولايات المتحدة. وقال إنه حسب استطلاعات أخيرة، فإن اليهود من غير المتدينين لديهم التزام أقل تجاه المؤسسات اليهودية، و"التضامن اليهودي- اليهودي"، حسب التعبير، في حين أن اليهود المتدينين، وخاصة الحريديم، يتشددون أكثر دينيا وتمسكا بالشرائع الدينية اليهودية.

وتشير الدراسة التي أجراها "معهد بيو" والوكالة اليهودية إلى تراجع في علاقة الشباب اليهود غير المتدينين في الولايات المتحدة بإسرائيل، وهذا التراجع ناتج عن عوامل كثيرة، ليست كلها تحت سيطرة الحكومة الإسرائيلية، والعديد منها لا يمكن للحكومة معالجته. ومع ذلك، فإن هذا التراجع يعود أيضا إلى صورة إسرائيل التي نشأت، بسبب طبيعة الحكومات في العقد الماضي، والمقصود حكومات بنيامين نتنياهو.

ويحذر التقرير من أنه إذا استمر تعمق توجهات الأجيال الشابة، فسوف يزداد الاستقطاب وستزداد صعوبة التعاون مع المجتمع اليهودي في الولايات المتحدة. ويمكن لإسرائيل أن تلعب دورا في مساعدة المجتمع الأميركي اليهودي في تحديد سبل تغيير هذا الاتجاه، وتجنب الخطوات التي تؤدي إلى استقطاب أعمق. و"من المفيد الاستفادة من تشكيل حكومة جديدة من أجل حوار متجدد مع مجموعات معظمها ليبرالية في يهود أميركا"، بحسب تعبير التقرير.

ويوصي التقرير الحكومة الإسرائيلية بصب جهود أكثر في تنمية العلاقات مع كافة المجموعات اليهودية، التي منها ما قد يتأثر بالتغيّرات السياسية الحاصلة في الولايات المتحدة، مع عودة الحزب الديمقراطي إلى البيت الأبيض، وما رافق هذا من تغيرات في التوجهات بشأن القضايا في الشرق الأوسط، وأولها القضية الفلسطينية، وكيفية التعامل مع إيران.

وعلى صعيد علاقة إسرائيل بالحزبين الأميركيين، الديمقراطي والجمهوري، يرى التقرير أن حالة الاستقطاب السياسي في الولايات المتحدة، تشكّل، بحسب ما وصفه التقرير، "خطرا استراتيجيا على إسرائيل والشعب اليهودي". وأضاف: "لا ينبغي تجاهل تكثيف الأجواء المناهضة لإسرائيل في الكونغرس، والضغط الذي يمارسه الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي على الرئيس لتشديد المواقف تجاه إسرائيل في مختلف القضايا".
وجاء أيضاً أن على الحكومة الإسرائيلية تحسين العلاقة مع الحزب الديمقراطي، في إشارة ليست مكتوبة إلى تضرر هذه العلاقة إبان حكومات نتنياهو.

ويوصي التقرير الحكومة الإسرائيلية باستيعاب المتغيرات في سياسة البيت الأبيض، مقارنة مع سياسات إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، ولذا "يجب تجنب الخطوات التي من شأنها إشعال فتيل الاضطرابات في الجانب الفلسطيني قدر الإمكان، ويجب متابعة الحوار البنّاء مع السلطة الفلسطينية"!

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات