المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
حكومو بينيت – لابيد: بدايات ملغومة. (إ.ب.أ)
حكومو بينيت – لابيد: بدايات ملغومة. (إ.ب.أ)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 963
  • برهوم جرايسي

 تبدأ الحكومة الإسرائيلية الجديدة أسبوعها الأول في مواجهة الكنيست، مع أغلبيتها الهشّة، بمطبات ليست سهلة. سيكون هناك بداية اقتراح لحجب الثقة عن الحكومة، بادرت له كتلة الليكود، وثانيا، التحدي حول قانون حرمان العائلات الفلسطينية من لم الشمل، وهو تمديد سنوي لسريان قانون مؤقت منذ العام 2003، إذ يهدد الليكود وفريقه بمعارضة القانون، ما يعني سقوطه. من ناحية أخرى، فإن كتلتي الحريديم تشنان هجوما غير مسبوق بحدته ومضمونه ضد الحكومة الجديدة، وتجاهلتا كل إشارات أقطاب الحكومة، بشأن استعدادهم للتعاون مع كتلتي الحريديم، مع إبقاء الباب مفتوحا لهما، إذ أعلنت الكتلتان مقاطعتهما للحكومة ومستشاريها.

ومن المفترض أن تعرض كتلة حزب الليكود يوم الاثنين من هذا الأسبوع، اقتراح حجب الثقة عن الحكومة، بعد أسبوع واحد من بدء عملها. وبموجب القانون، فإن الحكومة تتشكل بأغلبية عادية في الكنيست، ولكن إسقاط الحكومة يتطلب أغلبية عددية لا تقل عن 61 نائبا من أصل 120 نائبا، وأن تكون هذه الأغلبية متفقة في ما بينها على هوية رئيس الحكومة البديل، في حال تم حجب الثقة عن الحكومة. إلا أنه كما يبدو، فإن الليكود لن يحصل على تأييد أكثر من 53 نائبا، لأن كتلة القائمة المشتركة لا يمكنها تأييد حجب الثقة الذي يطرحه الليكود، لسببين: مضمون حجب الثقة، وثانيا أن المرشح البديل هو بنيامين نتنياهو. فقد جاء في اقتراح الليكود، لتبرير حجب الثقة، أن "الحكومة بتشكيلتها الغريبة، ضعيفة وليست ناجحة، ففي اليوم الثالث لعملها، لم تنجح في تمرير تمديد سريان قانون لم شمل العائلات، لمنع منح مواطنة لمئات آلاف الفلسطينيين، والمتسللين غير الشرعيين، وهو الأمر الذي سيصفي الدولة اليهودية. وسبب آخر، هو أننا وشركاءنا في اليمين الحقيقي، سنعمل كل ما في وسعنا لإسقاط هذه الحكومة الخطيرة، في الفرصة السانحة الأولى"، حسب النص الحرفي المترجم لاقتراح الليكود.

أمام هذا، وحسب التقديرات، فإن كتلة القائمة المشتركة المعارضة، ولها 6 نواب، ستنسحب من جلسة التصويت، تعبيرا عن معارضتها لليكود والحكومة الجديدة في آن واحد، وبهذا فإن اقتراح الليكود سيسقط، ويكون هذا أيضا تجاوزا لأول عقبة أمام الحكومة.

العقبة الثانية الماثلة أمام الحكومة في الأيام المتبقية حتى نهاية حزيران الجاري، هي تمديد سريان مفعول القانون المؤقت الذي يحرم آلاف العائلات الفلسطينية من لم الشمل، وهي عائلات في إسرائيل والقدس المحتلة، التي أحد الوالدين فيها من الضفة وقطاع غزةK وهو قانون تم سنّه كأمر مؤقت لأول مرة في العام 2003، ويجري تمديده سنويا في شهر حزيران، ودائما لديه أغلبية فورية. إلا أن الليكود أعلن أنه سيعارض تمديد القانون، في إطار سعيه لمحاربة الحكومة، لكن هذا القانون سيلقى معارضة في الائتلاف أيضا. فعلى الأقل حتى الآن، قيل إن كتلة "القائمة العربية الموحدة" تريد معارضته رغم أنها جزء من الائتلاف، كما أن نائبين من كتلة ميرتس ولربما أكثر، أعلنا أنهما سيعارضان القانون، وهما موسي راز وغابي لاسكي، وليس واضحا ما سيكون موقف نائبين عربيين في كتلتي ميرتس والعمل.

إلا أنه حسب التقدير، فإن تهديدات كتلة الليكود ستسقط في لحظة الحسم، لأن عدم تمديد سريان هذا القانون العنصري، سيعني فتح المجال أمام آلاف طلبات لم الشمل، ولن يكون ما يمنع هذا، طالما لا يوجد قانون يحرم حق لم الشمل.

كذلك فإنه في الأيام المقبلة، ستواجه الائتلاف إشكالية في تشكيل اللجان البرلمانية العادية، بسبب كبر حجم الحكومة، 28 وزيرا و6 نواب وزراء، من أصل 61 نائبا، بمعنى أن عبء العمل البرلماني سيقع على حوالي 26 نائبا، من دون رئيس الكنيست، وسيكون عليهم الانتشار في اللجان البرلمانية لضمان أغلبية لصالح حكومتهم. وفي الأسبوع الماضي استقال 14 وزيرا من عضوية الكنيست، وانضم بدلا منهم نواب جدد، من قوائم أحزابهم في الانتخابات الأخيرة، في مسعى لتخفيف الضغط على العمل البرلماني للائتلاف الحاكم. كذلك قرر الائتلاف الحاكم في رئاسة الكنيست، منع طرح مشاريع قوانين خاصة حتى منتصف شهر تموز المقبل، بهدف تخفيف عبء مواجهة المعارضة، لكن هناك شك بشرعية قرار كهذا، إذا ما تم طرح التماس ضد القرار أمام المحكمة العليا. ما يقلق الائتلاف هو مبادرات لقوانين خاصة، عنصرية وداعمة للاحتلال والاستيطان، قادرة على اختراق الائتلاف الحاكم وتحقيق أغلبية لها، ما يثير قلاقل بين أطراف الحكومة.

خلفيات معارضة الحريديم الحادة

مع تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، وبعد منحها الثقة، برزت المعارضة الحادة لكتلتي المتدينين اليهود المتزمتين (الحريديم): شاس ويهدوت هتوراة، وليس فقط بمجرد إصدار بيان، وإطلاق تصريحات حادة ضد المشاركين في الحكومة، وإظهار التصاق أشد بحزب الليكود ورئيسه بنيامين نتنياهو، بل وصل الأمر إلى حد توقيع نواب الكتلتين على وثيقة تعهد في ما بينهما بعدم التعامل مع مستشاري الحكومة الجديدة الذين سيهتمون بشؤون الحريديم، حتى لو كان المستشارون من أبناء طوائف الحريديم.

القضية التي قد تطفو على السطح، هي مطالب أحزاب علمانية في الائتلاف الحاكم بسن قوانين تقوّض قوانين الإكراه الديني، وبضمنها قوانين السبت، واحتكار شهادات الحلال اليهودي، وصولا إلى السماح بإبرام عقود الزواج المدني، وكل هذه جوانب مهمة لدى الحريديم، سنأتي عليها، لكن هناك ما هو أهم: الخوف من تقليص الميزانيات لمؤسساتهم إضافة لقضية التجنيد في الجيش. في هاجس كتلتي الحريديم حكومتان: الأولى برئاسة أريئيل شارون، مطلع العام 2003 وحتى ربيع العام 2006، التي بقيت فيها كتلتا الحريديم خارج الائتلاف، وهي الحكومة التي تقلصت فيها مخصصات الحريديم، وبضمنها أيضا مخصصات العائلات عن أولادها دون سن 18 عاما، وهي مخصصات تشكل رافدا ماليا مهما لعائلات الحريديم، بسبب كثرة الأولاد لديهم. وحكومة بنيامين نتنياهو، 2013- 2015، التي تم فيها استثناء كتلتي الحريديم كشرط لدخول كتلتي "يوجد مستقبل" و"البيت اليهودي" ("يمينا" حاليا) للحكومة، ومعهما كان حزب "إسرائيل بيتنا" الذي كان في تلك الدورة ضمن تحالف برلماني مع الليكود. في تلك الحكومة بالذات، كانت الضربة الأقصى لجمهور الحريديم، بمؤسساتهم الدينية والتعليمية، والمخصصات التي يتقاضاها طلاب المعاهد الدينية، ومنهم من يمضي سنوات طويلة جدا في المعاهد، ويعتاش مع أسرته على المخصصات الاجتماعية، والحديث يدور حول عشرات الآلاف.

ما يقلق كتلتي الحريديم، هو أن الجهات المركزية في حكومة 2013- 2015، التي كان يترأسها نتنياهو، هي العصب الأقوى في الحكومة الجديدة: حزب "إسرائيل بيتنا" بزعامة أفيغدور ليبرمان، وهو صاحب الصوت الأعلى لمحاصرة ميزانيات الحريديم، وهو الآن يتولى وزارة المالية؛ وحزب "يوجد مستقبل" برئاسة يائير لبيد، وهو حزب علماني كليا؛ وأيضا حزب "يمينا" الذي رئيسه نفتالي بينيت هو رئيس الحكومة.
في المفاوضات لتشكيل الحكومة الجديدة تحدثت أطراف عدة عن رغبتها في إبقاء الباب مفتوحا أمام كتلتي الحريديم، وبالذات كتل "يمينا" و"أمل جديد" و"أزرق أبيض" وحتى "يوجد مستقبل"، رغم أن الاتفاقيات الخاصة لهذه الكتل تتضمن بنودا تطالب بتقليص حجم الإكراه الديني في الحياة العامة.

في ما يلي، مخاوف الحريديم من الحكومة الجديدة، وهي دوافع صرختهم العالية ضدها:

**ضرب الميزانيات الخاصة التي تتلقاها مؤسسات الحريديم الدينية والتعليمية، وأيضا المخصصات الاجتماعية التي يتلقاها طلاب المعاهد الدينية، ويجري الحديث عن مليارات الشواكل سنويا كمبلغ إجمالي.
**إتمام سن قانون التجنيد العسكري الالزامي لشبان الحريديم، بموجب مشروع القانون الذي صاغه الجيش، وأقره الكنيست بالقراءة الأولى في شهر تشرين الثاني 2018، وهو ينتظر القراءة النهائية، وتتحفظ منه كتلتا الحريديم، وتطالبان بتعديلات عليه لزيادة حجم الإعفاءات من الخدمة العسكرية.
**سن قانون أو أنظمة تُفرض على مدارس الحريديم بتدريس مواضيع أساسية، يرفضها الحريديم، وخاصة الرياضيات، واللغة الإنكليزية، عدا المواضيع العلمية المحظورة كليا. فطلاب مدارس الحريديم يتعلمون رياضيات بدائية، وكل هذا بدوافع دينية.
**سن قانون يضع حداً لاحتكار إصدار شهادات الحلال، مثل أن يكون من صلاحية حاخامي المدن إصدار شهادات حلال، وأيضا جهات دينية خاصة. بينما يريد الحريديم الاستمرار في احتكار المؤسسات الدينية القطرية الرسمية، وتلك التابعة لهم، في إصدار الشهادات، ليس فقط كوسيلة لتشديد السطوة على الحياة الدينية ومنها الحياة العامة، بل أيضا لأن عملية إصدار شهادات الحلال العبري، مكلفة جدا، وتدر مليارات سنويا على خزينة المؤسسات الدينية التي من صلاحيتها إصدار هذه الشهادات.
**إلغاء الكثير من القيود على حركة السبت العبري، الذي يبدأ مع غروب شمس يوم الجمعة، وينتهي مع ظهور نجوم الليل، مساء يوم السبت، مثل السماح بتسيير مواصلات عامة، وإلغاء صلاحية وزير الداخلية بإلغاء قرارات مدن وبلدات يهودية تقرر تسيير مواصلات عامة. وأيضا توسيع مجال فتح المحال التجارية في المدن اليهودية وإلغاء الكثير من القيود.
**سن قانون يسمح بالزواج المدني، وأيضا الاعتراف بعقود الزواج التي تبرمها طوائف دينية إصلاحية.
**سن قانون يلغي إشكاليات من لا تعترف المؤسسة الدينية بيهوديتهم، وتمنعهم من إبرام عقود زواج دينية يهودية.
**سن قانون يسمح بزواج مثليي الجنس، وقانون آخر يسمح لهم بالتبني، والاعتراف بهم عائلات كباقي العائلات.

كل هذه قضايا واردة بغالبيتها الساحقة في اتفاقيات الائتلاف التي أبرمتها الكتل المشاركة في الحكومة مع حزب "يوجد مستقبل". وعلى الرغم من أن الاتفاق بين كتل الائتلاف بتأجيل القضايا الخلافية، إلى ما بعد مرور عام على تشكيل الحكومة، إلا أنه بالنسبة للحريديم، فإن مسألة الميزانيات، وقانون التجنيد العسكري، وإلزام مدارس الحريديم بتعليم مواضيع أساسية، ليست موضع خلاف بين كتل الائتلاف، لهذا فإن تطبيقها قد يكون واردا قريبا.

من خلف كل هذا، تدور معركة خفية بين الحريديم ومؤسسة الحكم ككل، بما فيها الأحزاب من غير الحريديم، وهي السعي لكسر جدران مجتمع الحريديم المنغلق على نفسه، لينخرط في الحياة العامة، وبالذات في سوق العمل بالنسبة الطبيعية، والتخلص من المليارات التي تدفع سنويا على شكل مخصصات اجتماعية لعشرات الآلاف الذين هم في جيل العمل، ولا ينتجون شيئا.

وحسب تحليل للكثير من إحصائيات إسرائيل، بات من الواضح أن الحريديم يشكلون ما لا يقل عن 14% من إجمالي السكان، من دون الفلسطينيين في القدس، والسوريين في الجولان الذين يرفضون الجنسية الإسرائيلية. هذا يعني أنهم باتوا يشكلون أكثر من 17% من إجمالي اليهود الإسرائيليين، وهذه نسب آخذة بالارتفاع بوتيرة عالية. وكلما زادت أعداد الحريديم ونسبتهم من بين السكان، وخاصة بين اليهود، فإن هذا يزيد قلق المؤسسة الحاكمة، والأحزاب من غير الحريديم، لأن زيادة العدد في الوضع القائم، يعني زيادة العبء المالي على الموازنة العامة، خاصة وأن جمهور الحريديم ليس جمهورا منتجا بالكم المطلوب من ناحية، ومن ناحية أخرى، ليس جمهورا مستهلكا، بموجب مفاهيم الاستهلاك الرأسمالية العصرية. كل هذا، وفق سلسلة عديدة من الأبحاث، يساهم في محاصرة نمو الاقتصاد الإسرائيلي.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات