يطرح تحقيق صحافي نشره مؤخراً موقع "شكوف" (شفافية) العبري سؤالا يربط ما بين المقترحات والبرامج الإسرائيلية الرسمية المعنوَنة برفع نسبة الطاقة المتجددة على حساب تلك الملوّثة، وبين دور جهات اقتصادية قويّة في عرقلة أو إبطاء تطبيق هذه السيرورة. فهو يسأل: ما الذي يمنع شركة الكهرباء، وهي الجهة المصنِّعة والمزوّدة معاً، من الإفراط في استخدام مصادر الكهرباء الملوثة بدلاً من مصادر الطاقة المتجددة؟
وتكتب الصحافية ياعيل غاتون أن شركة الكهرباء ستواصل السيطرة على مصادر إنتاج الكهرباء لمدة ستة أشهر أخرى على الأقل، على الرغم من أنه كان من المفترض أن تبدأ هيئة مستقلة بالعمل مطلع هذا الشهر وتغيير الوضع. وهناك عدد من المنظمات البيئية التي تطرح تساؤلات تعبر عن الخشية من أن شركة الكهرباء محكومة بتضارب في المصالح قد يؤدي إلى مواصلة الإفراط في استخدام مصادر الكهرباء الملوثة على حساب المصادر النظيفة.
شركة الكهرباء وفقاً لتعريفها الرسمي، هي "شركة جماهيرية" تعمل منذ العام 1923 في إنتاج الكهرباء، نقله وتوزيعه على جميع قطاعات الاقتصاد الإسرائيلي. ويعمل في الشركة ما يقارب الـ 12500 موظف وتقدم خدماتها إلى ما يقارب 2.5 مليون بيت. هي المورد الرئيس للطاقة الكهربائية في إسرائيل. تقوم ببناء، صيانة، وتشغيل محطات التوليد، المحطات الفرعية، بالإضافة لشبكات نقل وتوزيع الكهرباء. تعتبر الشركة الهيئة المتكاملة الوحيدة في إسرائيل في مجال الكهرباء، فهي تولد، وتنقل وتوزع الكهرباء المستخدمة في إسرائيل، وتمتلك الحكومة الإسرائيلية 99.85% من ملكية الشركة وهي واحدة من أكبر الشركات الصناعية في إسرائيل.
يتضح أنه كان من المفترض أن هناك جهة جديدة، هي عبارة عن شركة حكومية إسرائيلية اسمها الرسمي "شركة إدارة الجهاز"، ستباشر العمل وفقا للقرارات لتتولى كافة صلاحيات شركة الكهرباء فيما يتعلق بإدارة نظام مصادر الطاقة، بعد سلسلة من التأجيلات السابقة في التنفيذ. ومع ذلك، وفقا للموقع العبري، يبدو أن شركة الكهرباء ستستمر في السيطرة على الصلاحيات المخصصة لهذه الوحدة لمدة ستة أشهر أخرى على الأقل. وهذا يعني أن الشركة ستستمر في تحديد ما إذا كان سيتم توليد الكهرباء في كل لحظة زمنية معطاة، من مصادر الطاقة المتجددة، أو من محطات الطاقة التي تعمل بالفحم وتقع تحت سيطرتها أو من مصادر أخرى. على الرغم من أن شركة الكهرباء تخضع للتنظيم والإشراف القانونيين، فطالما أن الوحدة تعمل داخلها، فإن المنظمات البيئية تحاجج بأن هذا قد يؤدي إلى وضع ينطوي على تضارب في المصالح.
السياسة الحكومية برمّتها تعاني من خلل في هذه المسألة
فيما يشكّل خلفيّة ذات صلة لهذه المسألة، جاء في تقرير لمكتب مراقب الدولة الإسرائيلية في خريف 2020، تحت العنوان "تطوير مصادر الطاقة المتجددة، وتقليل التعلّق بالوقود"، أن "دولة إسرائيل وضعت أهدافاً طويلة المدى لمجال توليد الكهرباء من الطاقات المتجددة ولتوسيع استخدام السيارات الكهربائية. ولكن تظهر نتائج الفحص أن هناك حواجز تجعل من الصعب تحقيق هذه الأهداف. وقد يؤدي الفشل في تحقيق الأهداف إلى إلحاق ضرر يمكن تفاديه بمجال الطاقة، والمنافع البيئية والاقتصادية الناجمة عن استخدام الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية، بالإضافة إلى الضرر الذي سيلحق بالالتزامات الدولية للحكومة". بمعنى أن المسألة ليست متعلقة بشركة الكهرباء وحدها، وهي تتحمل مسؤولية وفقاً لتحقيق "شكوف"، بل إن السياسة الحكومية برمّتها تعاني من خلل وفقاً لتقارير ودراسات رسمية وأكاديمية.
ويوضح رئيس جمعية "حرس البيت"، يوني سابير، أن "شركة الكهرباء هي أيضاً جهة منتجة، وبناء عليه فهناك خشية من أنها ستفضّل، على سبيل الافتراض، إنتاج الكهرباء من مصادر الطاقة التي تملكها، والتي تشمل أيضاً مصادر إنتاج الطاقة من الفحم، قبل أن تتوجه إلى اقتناء الكهرباء من وحدات كهرباء بملكية جهات خاصة". وعلى الرغم من أنه لا يوجد سبب يهدد اقتصاد الطاقة أو معايير توفير الكهرباء في ظل هذا الوضع، فإنه بموجب المتحدث المذكور تكمن الخشية فقط "في حالة معقدة من تضارب واضح في المصالح وشراء سلع باهظة الثمن وملوّثة، بدلاً من الكهرباء الرخيصة والنظيفة، وبالتالي عدم التزام الشركة بالترتيبات التي وضعها وزير الطاقة، والتي تضع الطاقة النظيفة في أفضلية سابقة لأي مصدر آخر".
ويوضح التحقيق الصحافي أنه حتى ما يقرب من عام مضى، كانت "شركة إدارة الجهاز"، تابعة لشركة الكهرباء وتشكل أحد أكبر أقسامها. وهي تدير مصادر الكهرباء وتقرر في كل مرحلة ما هو مزيج الوقود الذي سيتم استخدامه لتوليد الكهرباء منه، بما في ذلك ما إذا كان من ألواح الطاقة الشمسية أو الغاز أو محطات الطاقة التي تعمل بالفحم. هذه الوحدة مسؤولة أيضاً عن التأكد من تزويد المستهلكين بالكهرباء من أفضل مصدر متوفر، آخذاً بعين الاعتبار عددا من الظروف والشروط من قبيل حالة الطقس ووضع الرياح والوقت الملائم.
على سبيل المثال، في أحد الأيام بعد الظهر، كشف اختبار لمزيج الوقود المستخدم من قبل شركة الكهرباء أن معظم الكهرباء جاءت من مصدر غاز - 66.5%، بينما 19.7% من الكهرباء المولّد جاءت من مصدر للطاقة المتجددة، بما في ذلك الألواح الشمسية، فيما استحوذ الفحم على 13.5% من إنتاج الكهرباء. أما الباقي 0.3% فقد جاء من مصادر أخرى.
كذلك، فوفقاً لهدف تنجيع الطاقة الذي جرى وضعه العام 2008، كان يفترض أن يتم تحقيق هدف تنجيع الطاقة في العام 2020 بواسطة تقليل استهلاك الكهرباء المتوقع هذا العام بنسبة 20%. ولكن لم يتم تحقيق هذا الهدف بشكل كامل مثلما تم إقراره، حيث تم تخفيض الاستهلاك الفعلي للكهرباء في العام 2020 مقارنةً بالاستهلاك المتوقع، لكنه ظل أعلى من الاستهلاك المستهدف. وبهذه الطريقة كان التخفيض الفعلي 7.5% فقط. بالإضافة إلى ذلك، في جوانب خطة تنجيع الطاقة، تبين أن برنامج خفض استهلاك الكهرباء في السنوات 2016-2030 لم يشمل وضع أهداف مرحلية ولا ميزانيات ولا مقاييس ضبط ومراقبة لدرجة الامتثال للأهداف الموضوعة.
بين أوصاف وزارة الطاقة لأهمية المصادر النظيفة وبين الواقع
تتميّز المعطيات التالية التي يمكن قراءتها على موقع وزارة الطاقة، ببعض الطرافة ربما. فهي تؤكّد بكلمات قويّة على إمكانيات الطاقة النظيفة في إسرائيل، لكن واقع التطبيق – الذي تتحمل بنفسها كجزء من الحكومة المسؤولية الكاملة عنه – ما زال بعيداً. وهذا جزء مما جاء هناك: "إسرائيل هي بلد مشمس وذو إمكانية كبيرة لاستغلال الطاقة الشمسية كمصدر للطاقة. نشرت الدولة مناقصات لإنشاء محطتين للطاقة الشمسية في النقب، بقدرة إجمالية تبلغ 242 ميغاواط. بالإضافة لمحطتين بقدرة إجمالية تبلغ 70 ميغاواط، هي أيضاً في النقب، وتتواجد في مراحل البناء المتقدم. بالإضافة إلى ذلك، نتيجة للدعم والتنظيم الحكومي، يزداد في إسرائيل استخدام النُظم الضوئية المنتشرة والمرتبطة بشبكة الكهرباء".
بخصوص طاقة الرياح يقول موقع الوزارة: "لتكنولوجيا الرياح مزايا كثيرة، ومنها أنها قادرة على إكمال ساعات إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية، حسب الطلب. بالإضافة إلى ذلك، فإن توربينات الرياح تُمكن من استخدام الأرض لاستخدامات أخرى. بموجب فحوصات وزارة الطاقة بالتعاون مع خدمات الأرصاد الجوية، توجد إمكانية كبيرة لإنتاج الكهرباء من الرياح في مناطق عدة في البلاد، وخاصة في الجليل وهضبة الجولان" (السورية المحتلة).
أما في مجال ما يعرف بـ"الغاز الحيوي"، أي تدوير النفايات فيقول: "تعمل في إسرائيل اليوم عدة منشآت بأحجام مختلفة، لإنتاج الكهرباء من الغاز الحيوي بتكنولوجيا الهضم اللاهوائي، وبواسطة تجميع الغاز الحيوي المنبعث بصورة طبيعية من مدافن النفايات".
تحمل تلك الأوصاف الواردة أعلاه تاريخ العام 2018، وهو العام نفسه الذي تقرر فيه، كجزء من إصلاح اقتصاد الكهرباء، أن يصبح قسم إدارة مصادر الطاقة شركة حكومية مستقلة، "شركة إدارة الجهاز"، بحيث تكون منفصلة عن شركة الكهرباء. التسويغ الواقف خلف القرار كان كالتالي: من المفترض أن يمنع هذا الفصل نشوء وضع فيه تضارب داخلي في المصالح، حيث تكون شركة الكهرباء هي التي تقرر من أين ستأتي الكهرباء، سواء من محطات الطاقة الخاصة بها، والتي تحتوي على محطات ملوثة، أو من الأفراد والهيئات الخاصة التي تنتج طاقة بديلة ورخيصة، بما يشمل الألواح الشمسية.
لكن وفقاً لمتابعة الموقع العبري فإن هذه العملية التي كان من المفترض أن تنتهي في نهاية العام 2019، مُنحت ثلاث فترات تمديد بسبب عدم رغبة شركة الكهرباء الحكومية في ذلك، وفي كانون الأول الماضي تم تعديل ترخيص الشركة بحيث يمكن تشغيلها جزئياً، ومرة أخرى تم تمديد هذا الترتيب حتى 3 حزيران الجاري. وحالياً، تعمل معظم وحدات "شركة إدارة الجهاز"، باستثناء الوحدة المركزية، في هذا النطاق. ويبدو أن هذه لن تكون المحطة الأخيرة، إذ أن أي طلب لتمديد الوقت يُحدّد بفترة ستة أشهر كحد أقصى، وعند تقديم الطلب الأخير أوضحت الشركة أنه سيكون لديها خيار تقديم طلب تمديد آخر.
جاء في طلب التمديد المقدم إلى لجنة الاقتصاد التابعة للكنيست أنه: "نظراً لأن شركة إدارة الجهاز ليست مستعدة تماماً بعد لتنفيذ نشاطات إدارة الجهاز، فيجب تأجيل الموعد النهائي المحدد في الأمر إلى موعد لا يتجاوز نهاية ستة أشهر أخرى". وبالتالي، "فسوف يظل الترخيص الممنوح لشركة الكهرباء الإسرائيلية سارياً على جزء من نشاط إدارة الجهاز، وبناءً عليه وطالما لم يتم منح هذا الترخيص لشركة إدارة الجهاز على نحو مستقل، ستظل شركة الكهرباء الإسرائيلية حاضرة في جزء من نشاط إدارة الجهاز، بما يخضع للقانون ويوافق معه".
شركة الكهرباء ما زالت قادرة على تكريس الوضع القائم
تجدر الإشارة إلى أن خطة شاملة لاقتصاد الطاقة، سبق أن أقرتها الحكومة الإسرائيلية، تظهر أن هناك وثيقة سياسة حول "أهداف اقتصاد الطاقة" للعام 2030 لكن لا توجد خطة شاملة لاقتصاد الطاقة نفسه، على الرغم من أن وزارة الطاقة حاولت التقدم في العقدين الماضيين. ووجد أيضاً أن الزيادة في حجم إنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة في اتجاه إيجابي، لكن الفحص المقارن للأهداف المحددة – 5% من إجمالي الطاقة المركبة في 2014 و 10% من إجمالي الطاقة المركبة في 2020 - يظهر فجوات 58% و 50% على التوالي. كذلك تبين أنه في بداية العام 2020، كان حجم الكهرباء المولدة من طاقة الرياح حوالي 3.5% فقط من الحصة التي حددتها الحكومة الإسرائيلية.
وقد عقّبت شركة إدارة الجهاز: "شركة إدارة الجهاز، المخوّلة بإدارة وتخطيط قطاع الكهرباء في إسرائيل، تولت مسؤولية تخطيط وتطوير قطاع الكهرباء في وقت مبكر من كانون الأول 2020. تعمل الشركة على استكمال نقل المسؤولية. تم إنشاء شركة إدارة النظام في وقت قياسي تقريباً، مع معالجة التحديات التكنولوجية واللوجستية المعقدة. بالإضافة إلى ذلك، وبسبب تفشي وباء كورونا ونقص ميزانية الدولة وأحداث أخرى لا تتعلق بنا، كانت هناك تأخيرات في استكمال العملية. في ضوء ذلك، طلبنا تأجيل موعد نقل عمليات الإدارة إلى مسؤوليتنا، حتى نتمكن من تسلمها بأفضل طريقة ممكنة".
أما شركة الكهرباء الإسرائيلية فقد عقبت بالقول: "تقوم شركة الكهرباء المستقلة بتنفيذ الإصلاح مع الالتزام الصارم بالجداول الزمنية المحددة. وبناءً على ذلك، في كانون الأول 2020، انتقلت جميع أنشطة النقل والتخطيط والتحميل من شركة الكهرباء إلى شركة إدارة الجهاز، ما يعني غياب جميع أسباب المخاوف الأساسية بشأن نشوب تضارب في المصالح، الواردة في المقال. ومن المتوقع أن ينتقل العمل إلى شركة إدارة الجهاز خلال العام، بما يخضع لاستعدادها لذلك، وعلى أية حال، فإن هذا النشاط ليس له تأثير حقيقي على كيفية دمج أنشطة المنتجين من القطاع الخاص. فهذه تتم وفقاً لأنظمة هيئة الكهرباء والجهات الرقابية الرسمية"، على حد قولها.