المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1921

تواصل اللجان المختصة في الكنيست الإسرائيلي مناقشة ما أصبح معروفا باسم مشروع قانون "فقرة التغلب" لإعداده وطرحه على الهيئة العامة للكنيست للتصويت عليه وإقراره، نهائيا، بالقراءتين الثانية والثالثة ليصبح نصا قانونيا ملزما في دولة إسرائيل.

 

وكانت الهيئة العامة للكنيست قد أقرت مشروع القانون المذكور بالقراءة الأولى، يوم 7 أيار الجاري، غداة إقراره بالإجماع في "اللجنة الوزارية لشؤون التشريع"، التي تترأسها وزيرة العدل أييلت شاكيد (من حزب "البيت اليهودي").

و"فقرة التغلب" هذه هي تعديل للمادة رقم 8 من "قانون أساس: كرامة الإنسان وحريته" والمادة رقم 4 من "قانون أساس: حرية العمل"، والتي اصطلح على تسميتها "فقرة التقييد" ـ تقييد الكنيست وحريته المطلقة في سن قوانين تتعارض مع حقوق إنسان أساسية يضمنها قانونا الأساس المذكوران بشكل خاص، بمعنى: تخويل المحكمة العليا الإسرائيلية صلاحية إلغاء قانون ما، أو بنود عينية من قانون، في حال توصلت المحكمة إلى كونه "قانونا غير دستوري" (أو "بندا غير دستوري") لتعارضه مع نصوص في قانوني الأساس وتعديه على حقوق إنسان أساسية، بصورة غير تناسبية.

ورغم أن المحكمة العليا لم تستخدم صلاحيتها هذه ولم تمارسها إلا بصورة حذرة وجزئية جدا منذ سنّ قانونيّ الأساس المذكورين في العام 1992، إلا أن سنّ "فقرة التغلب" هذه يأتي لوضع حد حتى لهذا الاستخدام الجزئي والمحدود الذي اختارت المحكمة العليا اعتماده في ممارسة صلاحيتها القانونية في إلغاء قوانين غير دستورية ولسدّ الباب أمام أي استئناف على ما يمكن أن تشرّعه الأغلبية البرلمانية ـ السياسية من قوانين تضيّق رقعة الحقوق، تنتهكها وتتعدى عليها، وخاصة على خلفية أجواء التطرف والعنصرية المتصاعدة في داخل إسرائيل.

ولتحقيق هذا الغرض، يتضمن مشروع القانون الجديد (يمكن تسميته: "قانون التغلب على حقوق الإنسان الأساسية") ثلاثة بنود مركزية، هي: أولا ـ يستطيع الكنيست إعادة سنّ أي قانون تقرر المحكمة العليا إلغاءه على خلفية تعارضه مع "قانون أساس: كرامة الإنسان وحريته". ثانيا ـ من أجل (إعادة) سنّ قانون ألغته المحكمة العليا، يحتاج الكنيست إلى أغلبية 61 عضو كنيست (فقط!)، أي أغلبية عادية جدا، تكون متاحة لأي ائتلاف حكومي عادة. ثالثا ـ القانون الذي يجري سنّه من جديد يكون ساري المفعول لمدة أربع سنوات ويشار في نصه، صراحة، إلى أنه يسري بالرغم من "قانون أساس: كرامة الإنسان وحريته"!

وخلافا لـ"قانون أساس: حرية العمل"، الذي يضمن حقا عينيا محددا (حرية اختيار المهنة ومجال العمل)، فإن "قانون أساس: كرامة الإنسان وحريته" يشكل، في الواقع القانوني والقضائي الإسرائيلي، ما يمكن اعتباره "ميثاق حقوق الإنسان" غير المكتمل في دولة إسرائيل، إذ يضمن ـ سواء في نصه الصريح أو في التفسيرات القضائية التي أضافتها المحكمة العليا ـ الحقوق الأساسية الأكثر أهمية في النظام الديمقراطي، ومن بينها: الحق في الحياة، الحق في المساواة، الحق في الحرية، الحق في حرية التعبير، الحق في التظاهر، الحق في الكرامة الشخصية الحق في حرية الحركة والتنقل، الحق في الخصوصية وغيرها.

أما فيما يتعلق بالإشارة إلى أن القانون "سيكون ساري المفعول لمدة أربع سنوات"، وهو ما يُقصد به الزعم بأن القانون العيني الذي (سوف) يتم سنه "بالرغم من قانون أساس: كرامة الإنسان وحريته" وبما يتناقض معه سيكون "قانونا مؤقتا" ولفترة زمنية محدودة، فهي لا تعدو كونها محاولة للتضليل ولذر الرماد في العيون. وهذا ما تؤكده التجربة السابقة في التعديل الذي أدخله الكنيست على "قانون أساس: حرية العمل"، إذ تضمن مثل هذه الإشارة، أيضا. ولكن، حين اقترب موعد انتهاء مفعول هذا التعديل (بانتهاء السنوات الأربع)، سارع الكنيست إلى إدخال تعديل آخر على القانون نص على أن "انتهاء مفعول القانون بعد أربع سنوات لا يسري على قانون جرى سنه خلال السنة الأولى من سنّ فقرة التغلب"، مما أدى عمليا إلى تمديد مفعول القانون إلى أجل غير مسمى. وهو الأمر الذي قد يحصل، على نحو مؤكد، في حالة مشروع القانون الحالي.

وعلى هذا، فمن الواضح أن مشروع القانون الجديد يأتي لإفراغ قانون الأساس هذا من مضمونه ولتجريده من مكانته الدستورية التي كانت محفوظة له حتى الآن، بما يفتح الأبواب على مصاريعها أمام الأغلبية الائتلافية (المتاحة تماما ودائما ـ 61 عضو كنيست!) لسنّ أي قانون ترغب فيه لضرب أية حقوق تراها "زائدة عن الحاجة" أو أن قطاعات معينة من المواطنين في البلاد لا تستحقها، دون أن تبقى أية كوابح أو عوائق، قانونية وقضائية، يمكن أن تقف في طريق هذه الأغلبية البرلمانية وأن تحول دون فرض أيديولوجيتها في نصوص قانونية ملزمة.

وفي محاولة لدحض ادعاءات الائتلاف اليميني الحاكم في تبرير مسعاه المحموم لسن "قانون التغلب" هذا، نشر "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" بعض التوضيحات الضرورية عن "فقرة التغلب"، أكد فيها أن المحكمة العليا الإسرائيلية لم تلغ، منذ تأسيسها وحتى اليوم، سوى 18 قانونا فقط، بينما لم تلغ المحكمة ذاتها خلال دورة الكنيست الحالي سوى 4 قوانين فقط، وذلك خلافا لأحد ادعاءات اليمين الحاكم المركزية بأن "المحكمة تلغي قوانين بالجملة". وبالمقارنة مع المحاكم العليا (أو الدستورية) في دول أخرى، وجد "المعهد": خلال الفترة المذكورة نفسها (منذ 1992 حتى اليوم)، ألغت المحكمة العليا في ألمانيا 206 قوانين، في كندا 46 قانونا، في إيرلندا 36 قانونا وفي الولايات المتحدة 50 قانونا جميعها قوانين فيدرالية.

وأوضح "المعهد" أيضا أن "المحاكم العليا في غالبية الدول الديمقراطية مخولة صلاحية إلغاء أي قانون يتعارض مع نصوص الدستور"، وهو ما تفعله المحكمة العليا الإسرائيلية في حال تعارض نص قانوني مع أحد قوانين الأساس (التي تشكل، معا، "نصوصا دستورية" في غياب دستور مكتوب لدولة إسرائيل حتى الآن!).

كما أوضح "المعهد" أيضا أن قانوني الأساس المذكورين، اللذين سنهما الكنيست في العام 1992، "رفعا إسرائيل درجة وضمّاها إلى نادي الدول الديمقراطية التي توفر الحماية الدستورية لحقوق الإنسان الأساسية، وهي التي لم تكن مضمونة أو محمية من قبل". وعليه، فسيكون من الخطل والشذوذ تراجع إسرائيل عن هذا الوضع بينما تتقدم معظم الدول الديمقراطية نحو تبني تسويات تضمن الحماية الدستورية المتينة لحقوق الإنسان الأساسية.

ويرى "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" أن الوضع الأفضل والأمثل هو وضع دستور لدولة إسرائيل "أو، على الأقل، سن قانون أساس: التشريع، بحيث يلقي واجبات جدية، واضحة ومحددة، على الكنيست لدى إقدامه على سن قوانين جديدة، مقابل تخويل المحكمة العليا صلاحية إلغاء أي قانون غير دستوري شريطة أن تقوم بذلك هيئة موسعة من القضاة قوامها 9 قضاة على الأقل. ويشكل هذا التوازن، بين ما هو مسموح للكنيست وما هو مسموح للمحكمة، سر نجاح النظام الديمقراطي ومن المحظور الإخلال به من طرف واحد"، كما يقول "المعهد".

وردا على ادعاءات اليمين الحاكم بأن "القضاة غير منتخَبين ولا يحظون بثقة الجمهور"، ذكّر المعهد للديمقراطية بأن "مؤشر الديمقراطية" الأخير، للعام 2017، بيّن أن المحكمة العليا تحظى بثقة 56% من الجمهور في إسرائيل، مقابل 26% فقط يثقون بالكنيست، كما أن 58% يعارضون نزع صلاحية المحكمة العليا بإلغاء قوانين أقرها الكنيست، مقابل 33% يؤيدون ذلك.

وفي الرد على ادعاء اليمين الحاكم بأن "المحكمة العليا مكونة من طغمة من القضاة تمارس الاستبداد"، قال "المعهد" إن "استبداد الأغلبية الحاكمة هي النتيجة التي علينا، نحن الجمهور الواسع، الخوف والقلق منها، بينما المحكمة العليا محدودة ومقيدة جدا في صلاحياتها". وأوضح أنه لولا المحكمة العليا، لأمكن الكنيست وأغلبيته البرلمانية (الحكومية) سن أي قانون وهنا يبرز دور المحكمة العليا في حماية الضعفاء والأقليات وحقوقها من طغيان الأغلبية.

 

المصطلحات المستخدمة:

الكنيست

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات