المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1339

عقد يومي 29 - 30 كانون الثاني الماضي المؤتمر السنوي الحادي عشر لـ"معهد دراسات الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، بمشاركة سياسيين، وعسكريين، وإعلاميين، وخبراء، من الحقل السياسي- الأمني، من إسرائيل والعالم.

وقالت وثيقة تلخيصية صادرة عن هذا المعهد الأسبوع الفائت، إن هناك خلاصة عامة من النقاش الذي دار في المؤتمر، مثل تلك التي برزت العام الماضي، هي أن "الميزان الاستراتيجي العام لإسرائيل إيجابي، وهي تُعتبر قوة عظمى إقليمية، مع قدرات عسكرية تفوق قدرات خصومها وأعدائها".

 

وتابعت الوثيقة:

امتازت السنة الأخيرة بتوثق العلاقات بين البيت الأبيض والحكومة الإسرائيلية، إذ تتطابق وجهة نظر إدارة دونالد ترامب مع وجهة نظر الحكومة الإسرائيلية بشأن التحديات في الشرق الأوسط، وفي مقدمتها اعتبار إيران المشكلة الإقليمية المركزية؛ وتقيم القدس علاقة استراتيجية وثيقة جداً مع موسكو؛ وتنظر الدول العربية البراغماتية إلى إسرائيل كصديق محتمل أكثر مما ترى فيها عدواً، وشريكاً في كبح جهود إيران لتحقيق نفوذ إقليمي واسع؛ كذلك فيما يتعلق بالموضوع الفلسطيني، وبخلاف الماضي، فإن تهمة الجمود السياسي لا تُوجَّه حصرياً إلى إسرائيل.

مع ذلك لا أساس للافتراض أن ميزان التهديدات والفرص في البيئة الاستراتيجية لإسرائيل، وما يحمله من صفات إيجابية واضحة لمصلحتها، يمكن أن يستمر وقتاً طويلاً. علاوة على ذلك، وكما أجاد رئيس الأركان غادي أيزنكوت في وصفه، فإن "هوامش أمن" إسرائيل ضيقة. ويقصد بذلك أنه على الرغم من الاحتمال الضئيل لحدوث تغيير جوهري في البيئة الاستراتيجية، وفي وضع إسرائيل الأمني، فإن إسرائيل لا تملك هامشاً واسعاً للمناورة والحركة، عندما تحدث انعطافة على إحدى الجبهتين، الشمالية أو الفلسطينية، ولذا يجب الاستعداد بمرونة كبيرة للرد على عدد من السيناريوهات المطروحة على جدول الأعمال.

ومن بين مجموعة القضايا التي جرى درسها في المؤتمر، برز عدد منها بصورة خاصة، واعتُبر التحدي الأساسي الذي تواجهه دولة إسرائيل بعد مرور سبعين عاماً على قيامها.

إيران: من الخطر النووي حتى الجبهة الشمالية

قالت الوثيقة إن التحدي الأبرز في الوقت الراهن هو تطلُّع إيران إلى تعزيز نفوذها في الشرق الأوسط، بواسطة تطوير قدرة نووية، وتطوير صواريخ بعيدة المدى، وتوجيه عمليات عسكرية، وسياسية، وحكومية وغير حكومية. وبعد المقاربة الهجومية للرئيس ترامب ضد إيران، وانتقاداته العنيفة ضد الاتفاق النووي الذي دخل حيز التنفيذ قبل عامين، ارتفع إمكان خروج الولايات المتحدة من الاتفاق، وهذه خطوة لا ترغب فيها إسرائيل، إذ على الرغم من سيئات الاتفاق فهي لن تستفيد من إلغائه في هذه المرحلة. فالخروج من الاتفاق يمكن أن يعيد إيران إلى تطوير سريع لقدرة نووية، وأن يولّد أيضاً ردة فعل إقليمية واسعة، إلى حد الوصول إلى سيناريو مواجهة شاملة بين إسرائيل وحزب الله كما شدد على ذلك عضو المجلس الوزاري المصغر، الوزير يوآف غالنت.

في مقابل ذلك، فإن الخيار المفضل بالنسبة إلى إسرائيل، كما جرى اقتراحه أكثر من مرة من قبل خبراء المعهد، هو بلورة اتفاقات ثنائية بين إسرائيل، والولايات المتحدة، والدول الأوروبية المشارِكة في الاتفاق، هدفها منع إيران من تطوير صواريخ بعيدة المدى، وكبح تمددها الإقليمي. ويبدو أن الأوضاع نضجت لهذا الأمر وسط الدول الأوروبية أيضاً. في هذا السياق، جرى طرح فكرة بلورة استراتيجية ثنائية تقضي بمواصلة محاربة الإرهاب السلفي - الجهادي في الدول الإسلامية، ومحاربة القاعدة، وفي المقابل، كبح النفوذ السلبي لإيران في الشرق الأوسط، بقيادة الولايات المتحدة ومشاركة أوروبا، وإسرائيل، والدول العربية السنّية البراغماتية. إن تجنيد الدول الأوروبية من أجل عملية في هذا الاتجاه أمر ممكن إذا استبعد الرئيس ترامب عن جدول الأعمال إلغاء الاتفاق النووي مع إيران، وأيضاً إذا اعترفت أوروبا بإسرائيل "كرأس حربة" للغرب في المواجهة مع الظواهر المتطرفة المتمثلة في الإرهاب الجهادي والسياسي.

ويشكل نشاط إيران في سورية وفي لبنان، بواسطة حلفاء أو فروع، تهديداً ملموساً لإسرائيل. ويشير المزاج العام السائد، وخاصة لدى حكومة إسرائيل، إلى اعتبار هذا التهديد ملحاً وأساسياً في خريطتها الاستراتيجية، وذلك بعد أن تحولت الجبهة الشمالية، في سورية ولبنان، في السنة الأخيرة، إلى جبهة واحدة غير منفصلة، وإلى أرض خصبة لتمركز وجود عسكري لإيران وفروعها في المنطقة. إن حزب الله هو القوة الإيرانية المتقدمة الرئيسة. صحيح أنه، منذ العام 2006، يوجد ردع متبادل بينه وبين إسرائيل، لأن المصلحة في المحافظة على الهدوء القائم تتغلب على اعتبارات أُخرى يمكن أن تؤدي إلى حدوث مواجهة جديدة. لكن، إذا استمرت إيران في السعي إلى توسيع سيطرتها وتعميقها بالقرب من حدود إسرائيل، فإن المواجهة يمكن أن تحدث في أي مرحلة من المراحل. إن الرد على الهجمات الإسرائيلية التي تهدف إلى منع إقامة بنية تحتية لتركيب صواريخ في لبنان، تنطوي على إمكان تصعيد أكبر كثيراً من الهجمات المنسوبة إلى إسرائيل التي تجري في الأراضي السورية.

تدل المواجهة الإسرائيلية في الجبهة الشمالية منذ العام 2011، تاريخ نشوب الحرب الأهلية في سورية، على سياسة عاقلة وعلى تعاون وثيق بين المستوى السياسي والمستوى العسكري، الذي يمكن أن ننسب إليه جزء كبير من الفضل في الاستقرار المستمر في هذه الجبهة. إن العمليات العسكرية في إسرائيل المنسوبة إلى إسرائيل، والتعاون الأمني بين إسرائيل وروسيا، والحذر من التورط في القتال الدائر ما وراء الحدود، كل هذا أثبت أنه سياسة صحيحة. وفي المقابل، قلصت سياسة عدم التدخل تأثير إسرائيل في بلورة صورة سورية في اليوم التالي لانتهاء الحرب الأهلية. ورداًعلى التطورات في هذه الجبهة، يتمحور عمل إسرائيل في السنة الأخيرة على منع تمركز إيران وفروعها في سورية، ومنع تعاظم قوة حزب الله في لبنان. لكن كما سبق ذكره، تنطوي هذه السياسة على احتمال تصعيد نتيجة سلسلة من عمليات ورد عليها، بالإضافة إلى احتمالات تقديرات غير صحيحة تتعلق بسلوك إيران، وحزب الله، وحتى روسيا. واقترح نفتالي بينيت عضو المجلس الوزاري المصغر في الخطاب الذي ألقاه في المؤتمر توسيع مجال عمليات إسرائيل بصورة تتخطى حزب الله، وتدفيع الثمن لفيلق القدس والحرس الثوري الإيراني، الخلية التي تنشط بين طهران ودمشق وبيروت. وفي رأيه، وحدها عملية جريئة ضد إيران، "رأس الأخطبوط"، ستخلق ردعاً كافياً، وستؤدي إلى انسحاب أذرعها الطويلة في المنطقة إلى الوراء.

في هذا الشأن أيضاً، على الرغم من الأهمية التي أُعيرت للجبهة الشمالية، التي تضم الجبهة السورية والجبهة اللبنانية، ووصف الحرب المقبلة بـ"حرب الشمال الأولى"، فإن جزءاً مهماً من الحديث تركز على الجبهة اللبنانية، وعلى مصطلحات حرب لبنان الثالثة ضد المعقل الإيراني في لبنان حزب الله. وفيما يتعلق بمواجهة مستقبلية قد تنشب مع حزب الله، عرض وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان والوزير بينيت خطاً واضحاً، وكثيرون يشاطرونهما الرأي: تحميل الدولة اللبنانية المسؤولية عن أي عملية تنطلق من الأراضي اللبنانية، الأمر الذي يعني أن إسرائيل ستدفّع لبنان الثمن في المواجهة مع حزب الله، بصفته رب البيت، ويتحمل المسؤولية عن حزب الله.

وفي هذا الموضوع برزت في المؤتمر وجهتا نظر مختلفتان للإدارة الأميركية، إذ شرح المسؤول عن الشرق الأوسط في وزارة الخارجية السفير ديفيد ساترفيلد، السياسة الأميركية الراهنة التي تدعو إلى تعزيز الجيش اللبناني والدولة اللبنانية، كسبيل إلى إضعاف حزب الله. وفي المقابل، ادّعى السفير نيثان سالاس، المسؤول عن محاربة الإرهاب في وزارة الخارجية، أن الجيش اللبناني هو أداة في يد حزب الله، لذا لا فائدة من تقويته.

طُرحت وجهة نظر أُخرى تتعلق بالمواجهة في الجبهة الشمالية، وهي قدرة الجبهة الداخلية الإسرائيلية على تحمُّل الضربات، واستمرارية أداء أجهزة الدولة الحيوية في حال حدوث مواجهة عسكرية.

ومن المتوقع أن تشكل الجبهة الداخلية الهدف الأول بالنسبة إلى حزب الله وشركائه الذين تعمل إيران على تزويدهم بمنظومات صواريخ أرض - أرض دقيقة ومتطورة، وهي غير مستعدة حالياً كما هو مطلوب لمواجهة هذا الحجم من الأضرار.

الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني

وتطرقت الوثيقة إلى الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني فكتبت: على خلفية الجمود السياسي المستمر، فإن التطورات المتعلقة بساحة الصراع، التي حدثت مؤخراً، زادت حدة الخلاف بين الطرفين وعدم الثقة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. وأدى اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل إلى صبغ الإدارة الأميركية بصبغة الوسيط غير النزيه، وقد جرّ ذلك رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إلى رد حاد. وتبدد توقُع أن تتوصل الإدارة الأميركية إلى تحقيق "صفقة العصر" لحل الصراع، بسبب عدم الإيمان بإمكان تحريك عملية سياسية فعّالة حالياً، وأي اقتراح أميركي يُظهر اقتراباً من مواقف إسرائيل سيحشر الفلسطينيين في الزاوية، وربما سيدفعهم أيضاً إلى طريق العنف. من جهة أُخرى، يمكن أن يشجع الرفض الفلسطيني، وتحميل الفلسطينيين تهمة عدم وجود أمل سياسي، من يطالب بالضم في الحكومة الإسرائيلية على فرض وقائع على الأرض. فقد دعا وزير الأمن الداخلي غلعاد إردان إلى الدفع قدُماً نحو خطوات ضمّ في الضفة الغربية، وكخطوة أولى أشار إلى معاليه أدوميم. لذا، من غير المستبعد أن تقترح إدارة ترامب، في محاولتها استعادة صورتها كوسيط موضوعي، على الفلسطينيين بادرات حُسن نية لإعادتهم إلى طاولة المفاوضات، مثلما منحت إسرائيل بادرة الاعتراف بالقدس كعاصمة لها، وفي موازاة ذلك قررت تقليص المساعدة المقدمة لمنظمة الأونروا، التي تعمل على إدامة مشكلة اللاجئين الفلسطينيين إلى الأبد. ومن بين الأفكار التي طُرحت في نقاشات المؤتمر، بهدف التخفيف من الجمود السياسي، الاعتراف بدولة فلسطينية ضمن حدود موقتة، بحسب المرحلة الثانية من خريطة الطريق.

وقدّم ممثلو الحكومة الإسرائيلية الذين تحدثوا في المؤتمر، أجندة واضحة مفادها أن التقدم السياسي في الموضوع الفلسطيني ليس مطروحاً اليوم على جدول الأعمال، ولا فائدة من خطوة مهمة في ظل عدم وجود شريك لدى الطرف الثاني. ويُعتبر الرئيس عباس رئيساً ضعيفاً وكمن انتهى دوره، فكيف بالأحرى بعد أن عارض حق قيام دولة اليهود في الخطاب الذي ألقاه مؤخراً في اجتماع المجلس الوطني الفلسطيني.

ومع ذلك، تعتقد حكومة إسرائيل أن في الامكان الدفع قدُماً نحو علاقة سياسية علنية مع الدول العربية السنّية، التي تبحث عن تعاون مع إسرائيل ضد تهديدات مشتركة، وخصوصاً إيران. وبحسب وجهة النظر هذه، من الصائب استخدام مصالح الدول العربية من أجل خلق ضغط على الفلسطينيين للعودة إلى المفاوضات من دون شروط مسبقة، وفي الوقت عينه، الدفع قدُماً نحو نظام إقليمي لا يكون مرتبطاً بحل الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني.

تجدر الإشارة إلى أن ضيوفاً من دول عربية وخبراء في العالم العربي شاركوا في المؤتمر، دحضوا التقدير القائل إن إسرائيل قادرة على الدفع قدُماً نحو علاقات رسمية مع دول عربية سنّية من خلال الالتفاف على العملية السياسية مع الفلسطينيين.

لكن في الوقت عينه، برز في الجانب الآخر صوت الذين يعتقدون أن الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني هو المشكلة الأخطر التي تواجهها إسرائيل حالياً، ولذا يجب اتخاذ خطوات فورية لمواجهتها، وخصوصاً للمحافظة على دولة إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية. وليس فقط أنه لا يمكن التوصل إلى نظام إقليمي من دون حدوث تقدم في الموضوع الفلسطيني، بل إن نية عدم اتخاذ قرار سيجعل إسرائيل تتدهور نحو واقع الدولة الواحدة بين نهر الأردن والبحر أيضاً. وفي رأيهم، يُعتبر الانفصال عن الفلسطينيين أمراً حتمياً، سواء باتفاق أو عبر خطوات مستقلة، من خلال المحافظة على مصالح إسرائيل الأمنية الحيوية. وأي خيار آخر سيقوض أسس إسرائيل الديمقراطية والأخلاقية والأمنية.

وخُصّص اهتمام خاص خلال النقاشات لقطاع غزة، الذي يقف على حافة الانهيار. فاتصالات المصالحة بين "حماس" والسلطة الفلسطينية وحركة "فتح" عالقة، وعلى الرغم من عدم وجود مصلحة لدى الطرفين في تصعيد الوضع، فإن للأزمة الانسانية ديناميتها الخاصة، وسيشكل التدهور نحو معركة عسكرية في غزة ضربة قاضية للقطاع. وقد أجرى المعهد مؤخراً بحثاً عن الوضع في القطاع أشارت نتائجه إلى حاجة ماسة من أجل الدفع قدُماً نحو جهد دولي وإقليمي مشترك لإعادة بناء قطاع غزة، في مقابل وقف "حماس" بناء قوتها.

الجبهة الداخلية

وفيما يتعلق بالجبهة الإسرائيلية الداخلية ورد في الوثيقة: في السنوات الأخيرة، استوعبت إسرائيل أن الجبهة الداخلية هي أساس مهم في الأمن القومي للدولة، وأن وحدة المجتمع هي حجر الزاوية في صموده في مواجهة التحديات الخارجية. وخلال نقاش هذا الموضوع برز انطباع أنه في الفترة الأخيرة اختل التوازن بين الطابع اليهودي وبين الطابع الديمقراطي للدولة، وأنه تجري عمليات لإضعاف حراس الديمقراطية، وبينهم محكمة العدل العليا، وسائل الإعلام، والجيش، والشرطة، وأن حدة خطر تداعي اللُحمة التي توحد المجتمع الإسرائيلي آخذة في الازدياد. إن مسائل علاقة الدين بالدولة، والعلاقة بالآخر، وحقوق الأقليات، وسلطة القانون، وحرية التعبير، ومعضلات أُخرى هي موضوع خلاف بين جماعات متعددة في المجتمع، إلى حد يمكنه أن يقوض القاسم المشترك الذي تستند إليه الدولة، الذي نشأ منذ قيامها، وكان بمثابة عُرف غير مكتوب بين مواطنيها.

وضمن سياق الجبهة الداخلية، وعلى نحو له صلة بمسألة الوحدة الاجتماعية، جرى نقاش بشأن الجيش الإسرائيلي والتحديات التي يواجهها. يحافظ هذا الجيش على تفوقه في مجال بناء القوة واستخدامها، لكن برز تباعد بين قيَمه وبين القيم التي توجّه أجزاء واسعة من الجمهور، على الرغم من كونه يحظى من قبل الرأي العام بالتعاطف الأكبر بالمقارنة مع مؤسسات الحكم الإسرائيلي. حالياً، يلاقي الجيش الإسرائيلي صعوبة في أن يكون "بوتقة صهر" اجتماعية، كما كان في العقود الأولى للدولة، ويتعين عليه أن يكيف نفسه وفق التغيرات التي طرأت على المجتمع، وأيضاً وفق التغيرات المطلوبة في العقيدة العسكرية والاستراتيجيا الأمنية. لقد تضمنت وثيقة استراتيجيا الجيش الإسرائيلي التي نُشرت سنة 2015، وجرى تحديثها مؤخراً، وجهات نظر إيجابية وأخرى سلبية. النظرة الإيجابية هي أن الجيش الإسرائيلي وضع لنفسه إطاراً نظرياً ومحدثاً يعمل في ضوئه، ويتدرب من خلاله على القيام بمهماته. وفي المقابل، فإن جوهر صوغ هذه الوثيقة يشير إلى مشكلات وثغرات ناجمة عن عدم تحديد المستوى السياسي لعقيدة أمنية منهجية وأهداف واضحة. هذا الوضع ليس جديداً في إسرائيل التي ليس لديها عقيدة أمنية رسمية منتظمة، لكن بعد التغييرات الهائلة التي طرأت على بيئتها الاستراتيجية، تبرز الحاجة إلى صوغ عقيدة أمن قومي على المستوى السياسي، تنفذ إلى المستوى العسكري وليس من ناحية المستوى العسكري إلى السياسي.

 خلاصة الوثيقة

 وجاء في خلاصة الوثيقة:

تعتز إسرائيل بإنجازاتها خلال السبعين عاماً التي مرت على قيامها، ووضعها الاستراتيجي هو أفضل ما عرفنا. ومع ذلك، لا يمكن الخلود إلى الراحة والاعتماد على القوة العسكرية للجيش. والمطلوب عمل سياسي من أجل الدفع قدُماً نحو مستقبل دولة إسرائيل كدولة يهودية، وديمقراطية، وآمنة وأخلاقية.

إن تحليل مجموع التحديات التي تم بحثها في المؤتمر، وجزء أساسي منها جرى تلخيصه هنا، يكشف ترابطاً وثيقاً بينها: من أجل مواجهة تطلُع إيران إلى زيادة نفوذها في المنطقة، يتعين على إسرائيل أن تبني تعاوناً مع أطراف من داخل المنطقة ومن خارجها، ضمن إطار جهد مشترك. إن التقدم في الموضوع الفلسطيني، وكذلك التخلي نهائياً عن المطالبة بإلغاء الاتفاق النووي بين المجتمع الدولي وإيران، سيتيحان لإسرائيل بلورة ائتلاف دولي واسع النطاق لكبح النفوذ الإيراني السلبي في الشرق الأوسط، وفي الوقت عينه، كبح تطوير صواريخ بالستية، وتوزيع سلاح متطور على فروعها في المنطقة.

يقود الخط الذي يجمع بين كل هذه النقاط إلى واشنطن. إن كبح إيران لن يتحقق من دون عمل تقوم به الولايات المتحدة. وأيضاً استئناف العملية السياسية مع الفلسطينيين وتوسط مع دول عربية سنية يفرض تدخُلها. لكن فيما يتعلق بالمسائل الداخلية – الإسرائيلية (الخطة المتعلقة بحائط المبكى مثلاً)، أو بمسائل يهودية بحتة (صعود العداء للسامية في شتى أنحاء العالم الغربي)، من المهم الاستعانة بعلاقات إسرائيل بالولايات المتحدة، وخصوصاً علاقتها بالجالية اليهودية الأميركية.

وعلى الرغم من العلاقة الخاصة بالولايات المتحدة والارتباط بها في مجالات معينة، كان لإسرائيل وما يزال لديها مجال لتحرك مستقل نحو مستقبل أفضل. قبل كل شيء، آن الأوان للتخلي عن مصطلح "التهديد الوجودي"، الذي يستخدمه كثيرون لدى مناقشة التحديات التي تواجهها دولة إسرائيل. إن إسرائيل هي حقيقة قائمة تتمتع بمزايا استراتيجية كبيرة، وبناء على ذلك، يجب التعامل مع كل تهديد بحسب طبيعته، وبحسب الخطورة التي ينطوي عليها، وليس كأنه يمسّ جوهر وجود إسرائيل (ينطبق هذا على التهديد الإيراني أيضاً). علاوة على ذلك، يجب علينا أن ندرك أن الذي سيضمن السير نحو المسار المطلوب هو البحث عن فرص تدفع إسرائيل قدُماً في المرحلة المقبلة من وجودها، قبيل أن نصل إلى 100 عام على وجودها. إن الغموض في أهداف إسرائيل المستقبلية وتأجيل القرارات الصعبة يمكنهما أن يقوّضا المزايا الاستراتيجية.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات