أصدرت جمعية "جيشاه - مسلك" (مركز الدفاع عن حرية الحركة) هذا الأسبوع تقريراً جديداً بعنوان "لم نجد داعياً للتدخل"، قالت إنه يوفّر تحليلاً قانونياً لعشرة قرارات حكم بارزة صدرت عن محاكم إسرائيلية خلال العقد الماضي، تتناول حقوق سكان قطاع غزّة القابعين تحت الحصار الإسرائيلي.
وجاء في التقرير: تظهر مراجعة جمعية "جيشاه - مسلك" لسلسلة قرارات الحكم الإسرائيلية صورة قاتمة، حيث تصادق المحاكم بشكل شبه أعمى على مواقف النيابة الإسرائيليّة، وتمتنع عن التطرّق إلى التوازن الذي يتوجب على الدولة مراعاته بين احتياجاتها الأمنية وبين الحقوق العامة لسكان قطاع غزّة. كما تجاهَلتْ المحاكم في قراراتها أحكام القانون الدولي، وهو الإطار القانوني الوحيد الذي يقدّم أدوات قضائية للدفاع عن حقوق الإنسان الخاصة بسكان غزة. وبذا، فإن المحاكم الإسرائيلية تسهم في الانتهاك الفظ للحقوق الأساسية لسكان غزّة، وعلى رأسها الحق بحرية الحركة والتنقل.
ومن الاستخلاصات الأساسية التي يفضي إليها التقرير، أنه على مر سنوات الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة، امتنعت المحكمة العليا الإسرائيلية من النظر في الواجبات المفروضة على إسرائيل تجاه سكان غزة، بناء على القانون الدولي – قوانين الاحتلال وقوانين حقوق الإنسان، رغم أن هذا هو الأمر الأساسي الذي كان ينبغي عليها فعله، على ضوء كون إسرائيل لا تزال تسيطر على جوانب كثيرة في حياة سكان القطاع عبر السيطرة الشاملة على طرق الوصول إليه والخروج منه. وعملياً، فقد قامت المحكمة العليا بإعفاء إسرائيل بشكل شبه كامل من أي واجب قانوني تجاه سكان غزّة. وحتى اليوم، فإن المحكمة العليا لا تقوم بتوفير حماية للحقوق الأساسية لسكان القطاع، حتى حين يكون تحقيق هذه الحقوق متعلقاً كلياً بإسرائيل.
وفي الكثير من الحالات التي لم يجد فيها القضاة "داعياً للتدخل" في السياسات الإسرائيلية المقيّدة، برروا الأمر بحجة أن الواجبات الملقاة على إسرائيل تجاه سكان غزة هي "واجبات إنسانية فقط"، كالواجب بمواصلة تزويد غزّة بالكهرباء والوقود، ولم يقم القضاة بتفصيل آماد هذه الواجبات وكيفية تطبيقها. وقد تم الحفاظ على هذه الضبابية على مدار السنوات، باستثناء حالة وحيدة، عندما تلاءمت حماية السكان مع المصلحة السياسية الإسرائيلية، وذلك في التماس قدمته جمعية يمينيّة (المنتدى القضائي من أجل أرض إسرائيل، 2009) ضد قرار الحكومة السماح للسلطة الفلسطينية بنقل أموال من الضفة الغربية إلى قطاع غزة لدفع معاشات موظفيها في غزّة.
وحتى عندما ارتأى قضاة المحكمة العليا أنه من الواجب توجيه انتقاد للدولة، فقد اكتفى هؤلاء بتوصيات ليّنة وغير مُلزِمة، بتقديم تسهيلات لسكان القطاع. فعلى سبيل المثال، عندما صادق قضاة المحكمة العليا على "سياسة الفصل"، التي تمنع لم شمل العائلات المقيمة في غزّة مع أبناء نفس العائلة المقيمين في الضفة الغربية، فقد أوصى القضاة بتقديم تسهيلات في إجراءات الإقامة الدائمة في الضفة الغربية (في إطار التماس قدمه هموكيد: مركز للدفاع عن الفرد عام 2012)، وهي توصيات لم يتم تنفيذها حتى اليوم. أما في الالتماسات التي انتقدت الحظر الإسرائيلي الشامل المفروض على خروج الطلاب والطالبات الجامعيين من قطاع غزّة للدراسة في الضفة الغربية، فقد أوصى قضاة المحكمة العليا الدولة بتشكيل "لجنة استثناءات"، لم يجر تشكيلها بعد.
وقد كانت بعض الاستثناءات في سياسة المحكمة العليا بعدم الدفاع عن حقوق الإنسان الخاصة بسكان غزّة، وجاء ذلك فقط في إطار التماسات إدارية قُدِّمَت بناءً على قانون حرية المعلومات، حيث ألزمت المحكمة الدولة ببلورة نهجها في قرارات إدارية علنية، أو بنشر معلومات كان قد تم إخفاؤها عن عيون العامة قبل البت في تلك الالتماسات ("جيشاه – مسلك"، 2009).
وقالت الجمعية إنه بعد مرور ما يزيد على العقد من الزمن من فشل سياسة فرض الحصار الإسرائيلية على قطاع غزّة، آن الأوان كي تستخدم المحاكم الإسرائيلية صلاحياتها وتتدخل في هذه السياسات بشكل لا يتيح لإسرائيل التنصّل من مسؤولياتها القانونية تجاه سكان القطاع، وآن الأوان لكي تقوم هذه المحاكم بحماية حقوق الإنسان العامة الخاصة بسكان القطاع.