أظهر تقريران جديدان عدة مؤشرات في مجتمع الحريديم. الأول يدل على لجم التكاثر الطبيعي، الذي هو من الأعلى في العالم، وقد ظهر هذا من خلال لجم الزيادة السنوية في أعداد طلاب الصف الأول ابتدائي. والتقرير الثاني أظهر ارتفاعا كبيرا في سن الزواج في مجتمع الحريديم، الذي كان يتميز حتى قبل سنوات بارتفاع نسبة زواج القاصرين، إلى أن تم سن القانون الذي يحظر الزواج دون سن 18 عاما، إلا في حالات استثنائية.
ويقول بحث أجري في مركز "شوريش" للأبحاث الاقتصادية الاجتماعية، إنه بين العامين 2000 و2009، كانت نسبة ارتفاع أعداد تلاميذ الحريديم، في الصف الأول ابتدائي، 2ر4% سنويا. بينما نسبة الارتفاع السنوية في جهاز التعليم الرسمي العام تلامس الصفر- 3ر0%. أما بين العامين 2009 و2016، فقد هبطت النسبة السنوية لدى الحريديم إلى 3ر3%، بينما ارتفعت النسبة في جهاز التعليم العام سنويا إلى 1ر3%. وقد تقاربت نسبة الزيادة بين الجهازين، على الرغم من أن معدل الولادات لدى الأم العلمانية الإسرائيلية هي 6ر2 ولادة، مقابل معدل يتراوح ما بين 5ر6 إلى 7 ولادات للأم من جمهور الحريديم.
وفي جهاز التعليم الديني الصهيوني ارتفعت الوتيرة في الزيادة السنوية من 2ر1% بين العامين 2000 و2009، إلى 2ر3% بين العامين 2009 و2016. وهذا يدل أيضا على زيادة التشدد الديني لدى هذا التيار في إسرائيل، الذي كان في سنوات مضت تتغلغل فيه عدة تيارات دينية، ليبرالية واصلاحية، بينما الآن يطغى عليه التشدد الديني، ومن انعكاساته ارتفاع معدل الولادات للأم الواحدة إلى حوالي 5ر4 ولادة. ويشار هنا إلى أن التيار الديني الليبرالي والاصلاحي نسبته عالية (نسبيا) بشكل خاص بين الأميركان اليهود، إذ أن الغالبية الساحقة من الأميركان اليهود هم من العلمانيين.
أما في جهاز التعليم العربي، وفي الفترتين الزمنتين، فقد هبطت وتيرة الزيادة السنوية من 3% سنويا إلى 2ر1%. وهذا انعكاس واضح للتراجع الحاد في معدل الولادات لدى العرب، من حوالي 5 ولادات للأم الواحدة في سنوات التسعين الأولى، إلى 2ر3 ولادة في الفترة الحالية.
ويقول تقرير لمركز "طاوب" نشر قبل نحو عام، إن التنقلات بين أجهزة التعليم هامشية جدا، ولا يمكنها أن تؤثر على وتيرة الزيادة، بقصد أن يكون تلاميذ من عائلات علمانية يدرسون في مدارس دينية، أو العكس. ولكن من جهة أخرى، تجدر الإشارة إلى أن جهاز التعليم الخاص بحركة "شاس" للحريديم الشرقيين، كان يعلم أيضا في الصفوف الابتدائية تلاميذ من عائلات ليست متدينة من اليهود الشرقيين، نظرا للدعم الذي تحظى به العائلات. وحسب التقديرات فإن هذه الشريحة من العائلات الفقيرة باتت تبتعد عن جهاز تعليم "شاس"، أيضا مع تحسن أوضاعها الاقتصادية، والسعي لتعليم أبنائها في جهاز تعليمي متنوع.
كما يقول تقرير "طاوب" إنه في حين كانت التقديرات أن يشكل التلاميذ "الحريديم" والعرب، في الصف الأول ابتدائي، بعد سنوات قليلة جدا، نحو 50% من اجمالي التلاميذ، فقد تبين أنه في العام قبل الماضي 2016، شكل هؤلاء التلاميذ من الجمهورين معا 43% من اجمالي تلاميذ الصف الاول ابتدائي، مقابل نسبة 6ر46% في العام 2007.
لكن يشار هنا إلى أن في هذه النسب المئوية أيضا نسبة من الصعب تقديرها من تلامذة الصف الأول ابتدائي في القدس المحتلة منذ العام 1967. والدمج بين المجموعتين هما لكونهما خارج الحركة الصهيونية، رغم تقاطب وتعارض المواقف بين المجموعتين. وقبل سنوات عديدة ثارت ضجة بعد نشر تقديرات تقول إنه بعد عقدين أو ثلاثة، ستكون نسبة العرب والحريديم معا أكثر من 50%، ما يعني بالنسبة لإسرائيل أن 50% من السكان خارج الحركة الصهيونية.
وحسب التقديرات شبه الرسمية، فإن نسبة الحريديم من اجمالي السكان في إسرائيل تتراوح ما بين 5ر11% إلى 12%، من دون القدس المحتلة منذ العام 1967. وهذا يعني أيضا أن نسبتهم باتت اليوم 15% من اجمالي اليهود الإسرائيليين المعترف بيهوديتهم. لكن في تحليل لتقارير أخرى تكلمت عن أعداد الحريديم مستقبلا، نجد أن نسبة الحريديم باتت حاليا تتجاوز 13% من اجمالي السكان، وأكثر من 16% من اجمالي اليهود الإسرائيليين. فقد قال تقرير طرح في الصيف الماضي على جدول اعمال مجلس الاقتصاد الوطني الإسرائيلي، إن أعداد "الحريديم" ستزداد حتى العام 2040، بنسبة 77%، وهي نسبة تقل عن توقعات ابحاث أخرى، بينما الجمهور العلماني اليهودي سترتفع أعداده بنسبة 35%، أما العرب فإن نسبة تزايدهم ستكون 56%.
وبناء عليه، فإن نسبة الحريديم من اجمالي السكان ستصل إلى 20% في العام 2040، ونسبة 26% من اجمالي اليهود الإسرائيليين، إذ تبلغ نسبة تكاثر الحريديم حوالي 8ر3%، وبعدهم نسبة التيار الديني الصهيوني- 8ر2%، أما نسبة تكاثر اليهود العلمانيين فهي في حدود 4ر1%. بينما نسبة تكاثر العرب تراجعت في السنوات الأخيرة إلى 4ر2%، بعد أن كانت في سنوات سابقة، أكثر من 4ر3%.
تطورات في مجتمع الحريديم
ويرى البروفسور دان بن دافيد من مركز الأبحاث "شورش" أن من أسباب تراجع معدل الولادات لدى الحريديم، أو جموده، كتعبير أدق، هو الضائقة الاقتصادية الاجتماعية لدى هذا الجمهور، الذي يعيش حياة تقشفية إرادية، بموازاة التطور المتزايد في هذا الجمهور، الذي ترتفع فيه نسبة من يسعون إلى الدراسة في المنهاج الدراسي العام، وليس الديني الضيق، وتأهيل أنفسهم للانخراط في سوق العمل، على الرغم من أن تقريرا للخبير الاقتصادي في وزارة المالية الإسرائيلية، صدر قبل اربعة أشهر، قال إن كل برامج الحكومة لتحفيز جمهور الحريديم للانخراط في سوق العمل، لم تحقق النتائج المتوخاة.
فقد تبين أن نسبة انخراط الحريديم في سوق العمل لم تتعد 51%، مقابل حوالي 54% قبل عامين، ومقابل حوالي 88% لدى الجمهور العام. ورغم ذلك تبقى النسبة أعلى مما كانت عليه في العام 2000، في حدود 40%. وكانت الحكومة قد وضعت في العام 2012 هدفا لأن تكون النسبة في العام 2020 في حدود 63%، وهذا ما بات يبدو صعب المنال كليا. ويقول تقرير الخبير الاقتصادي إن هذه النسبة من الممكن أن تتحقق في العام 2030، شرط أن تكون محفزات لجمهور الحريديم للخروج إلى سوق العمل.
ويمتنع رجال مجتمع المتدينين المتزمتين "الحريديم" عن الانخراط في سوق العمل العام لأسباب دينية، بعكس نساء الحريديم، اللاتي ينخرطن في سوق العمل بنسب أكبر. وترى المؤسسة الإسرائيلية الحاكمة أنه مع التزايد الكبير لجمهور الحريديم، بسبب نسب التكاثر العالية جدا، 8ر3% سنويا، فإنهم يشكلون عبئا اقتصاديا، وأن عدم انخراطهم بالنسب القائمة لدى الجمهور الواسع بات ينعكس على وتيرة النمو، وهذا تأثير مرشح ليزداد أكثر مستقبلا. وتُضاف إلى هذا الحياة التقشفية لدى الحريديم، إذ أنهم ليسوا جمهورا استهلاكيا بالمفاهيم العصرية لاستهلاك الفرد، وهذا ليس نابعا فقط من كونهم شريحة فقيرة.
وعن التطورات الديمغرافية الحاصلة في مجتمع "الحريديم"، فقد أظهر تقرير آخر للمعهد الإسرائيلي للديمقراطية، ارتفاع معدل أعمار من يُقدمون على الزواج في هذا المجتمع الذي معروف عنه ارتفاع نسبة المتزوجات القاصرات، مقارنة مع باقي اليهود الإسرائيليين، حتى أنه تم سن القانون الذي يمنع الزواج دون سن 18 عاما، إلا بحالات استثنائية.
وحسب تقرير المعهد، فإنه حتى العام 2004 كان 61% من الحريديم حتى سن 25 عاما، متزوجون، وقد هبطت النسبة حاليا إلى 44%. وحسب المراقبين والمحللين، فهذا يدل على ارتفاع نسبة الذين يقبلون على التعليم ما بعد المدرسة، بمعنى التعليم العالي، أو التأهيل المهني.
ويرى التقرير أن نسبة من الحريديم تواصل حياة العزوبية، حتى عندما تصل إلى سن 30 عاما. فقد وجد التقرير أنه ما بين العامين 2004 و2006، كان 4ر77% من شبان الحريديم، من عمر 20 عاما وحتى 30 عاما، متزوجين، وقد هبطت النسبة في العام الماضي 2017 إلى 69%. واللافت بشكل خاص هو ارتفاع سن الزواج لدى الشابات من الحريديم، فحتى قبل سنوات قليلة، كانت 81% من شابات الحريديم من عمر 20 إلى 30 عاما متزوجات، وهبطت النسبة في السنوات الثلاث الأخيرة إلى 6ر67%.
ويقول التقرير إن هذه التغيرات في معدلات سن الزواج تعكس تغيرات جارية في مجتمع الحريديم. ويقول د. غلعاد ملآخ، مدير قسم الحريديم في معهد الديمقراطية، "إنه قبل سنوات لم تكن للشاب أو الشابة من الحريديم امكانية التوجه إلى التعليم العالي أو المهني، ولذا فإن الخيار كان واضحا، وهو الزواج في سن مبكرة. أما اليوم فإن الامكانيات باتت عديدة، وليسوا قليلين الذين يقررون التوجه إلى معاهد التعليم العالي لتحصيل لقب جامعي، ومن ثم ايجاد عمل مناسب وجيد، وهذا ما جاء على حساب خيار الزواج المبكر".
وتقول مختصة في تقرير لصحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية الإسرائيلية إن هذا التطور الحاصل يشير إلى أن التغير ليس فقط لدى الأجيال الشابة لدى الحريديم وإنما لدى أهاليهم، الذين عادة ما يحفزون أبناءهم على الزواج المبكر، بل نسبة عالية منهم باتت تشجع أبناءها وبناتها على التوجه إلى مسار التعليم العالي أو التأهيل المهني، كي يكونوا قادرين على رفع مستوى معيشتهم، في الوقت الذي تصل فيه نسبة من هم تحت خط الفقر لدى الحريديم إلى حدود 52%.
ويقول د. ملآخ إن التغير الأبرز في انخراط الحريديم في سوق العمل نجده لدى النساء، ففي العام 2003 كانت نسبة نساء "الحريديم" العاملات 50%، وارتفعت النسبة في العام الماضي إلى 70%. إلا أن النسبة بين الرجال تراجعت في العام الماضي، كما ذكر هنا سابقا، إلى 51%، مقابل 54% قبل ثلاث سنوات.