المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1018
  • برهوم جرايسي

قال تقرير جديد للقناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي، في نهاية الأسبوع الماضي، إن توصيات وحدة التحقيق في الشرطة، بشأن ملفي شبهات الفساد ضد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، قد تصدر بعد ثلاثة أشهر، رغم سلسلة التقارير على مر العام الماضي، التي كانت تتحدث عن قرب صدور التوصيات، لتتبعها توقعات بانتخابات مبكرة. إلا أن هذا كان أمرا متوقعا، رغم التقارير الصحافية، استنادا إلى تجارب السنوات الأخيرة، ولذا فإن "الجديد" اليوم، هو الحديث عن انتخابات مبكرة في العام المقبل 2019، وليس خلال الجاري، ولكن كل الاحتمالات تبقى واردة.

 

وكنا قد استعرضنا في عدد "المشهد الإسرائيلي" الصادر يوم 22 آب 2017، الأسباب والمقومات التي تجعل توصية الشرطة، ومن ثم توصية المستشار القانوني للحكومة، أبعد بكثير مما كانت تذكره الصحافة الإسرائيلية في حينه، استنادا لتجارب السنوات الأخيرة، وبالذات ما جرى مع من بات وزيرا للدفاع، أفيغدور ليبرمان، الذي امتدت التحقيقات معه لسنوات طوال، لينتهي الأمر بلائحة اتهام هامشية جدا. ولم يمنعه حكم الغرامة من الاستمرار في حياته السياسية. وأيضا في قضية فساد العشرات من ناشطي حزبه، التي تفجرت في الشهر الأخير من العام 2014، ليتم تقديم لوائح اتهام بشأنها بعد مرور 32 شهرا.

وقد تفجرت أولى قضايا الفساد ضد نتنياهو في الشهر الأخير من العام قبل الماضي 2016. ومنذ بدء التحقيقات لتشمل لاحقا ملفين، كانت التقارير تتحدث عن تحقيقات قصيرة المدى، وستصدر توصيات بلوائح اتهام ضد نتنياهو، ليضطر إلى الاستقالة من منصبه، وحتى هناك من توقع نزوله عن المسرح السياسي. وبالإمكان رصد ثلاث أو أربع محطات خلال العام الماضي، كانت فيها التقارير الإعلامية ساخنة، وتتحدث عن قرب شديد لصدور توصية بتقديم نتنياهو للمحاكمة.

وقلنا في حينه إنه "بعيدا عن الضجة الإعلامية، والعناوين الصاخبة، يجب الانتباه إلى أن كل هذه القضايا ما تزال في أوج التحقيقات في الوحدة الخاصة في الشرطة، ولم تقل أية جهة إن التحقيقات شارفت على الانتهاء، ما يعني أن هذه القضايا ستحتاج لعدة أشهر على الأقل، في جهاز الشرطة، حتى يتم الانتهاء من التلخيصات والتوصل إلى الاستنتاجات. وفي حال أوصت الشرطة بتقديم لوائح اتهام ضد نتنياهو، فإن الأمر سينتقل فورا إلى المستشار القانوني للحكومة بصفته المدعي العام الأعلى، وهناك لا يوجد سقف زمني يلزم المستشار فعلا بالبت في توصية الشرطة، رغم وجود أنظمة كهذه أو تلك"، ولكن كما رأينا في قضية ناشطي حزب "يسرائيل بيتينو"، السابق ذكرها هنا، فإن الأمر احتاج 32 شهرا حتى تقديم لائحة الاتهام.

وأشرنا في حينه كذلك إلى وجود تباين شديد في كيفية التعامل مع سياسيين من الجناح اليميني المتطرف، وبين سياسيين آخرين، مثلما جرى مع رئيس الحكومة السابق إيهود أولمرت في العام 2008، فقد اضطر للاستقالة في غضون أشهر قليلة جديدة، منذ أن تفجرت قضية التحقيقات في قضايا فساد. وللمفارقة، فإنه تمت تبرئته من القضايا التي استقال بسببها، بينما تمت ادانته في قضايا أخرى ظهرت لاحقا. في حين أنه في قضية أفيغدور ليبرمان، كما ذكر هنا، كان الوضع مختلفا كليا. وهذا يطرح علامات سؤال حول من يمسك بخيوط جهازي الشرطة والنيابة.

ونشير مجددا إلى أن نتنياهو ليس أولمرت الضعيف، وبالتأكيد أيضا أنه ليس أقل شأنا من أفيغدور ليبرمان، فنتنياهو اليوم مسيطر على مقاليد السلطة بشكل غير معهود في العقود السبعة الماضية لأي رئيس حكومة إسرائيلية، وما من شك في أن أذرعا عدة ستعمل على اغراق دوائر القرار في النيابة في أبحاث قد تستمر فترة طويلة تكون كافية لينهي فيها نتنياهو ولايته الحالية على الاقل، بعد أكثر من عامين، وهذا الكلام قيل هنا قبل سبعة أشهر.

وأيضا في تقرير "المشهد الإسرائيلي" ذاته، كنا قد شرحنا الأسباب والمقومات، التي تبعد مسألة الانتخابات المبكرة، طالما لم تظهر أوضاع جديدة، تحفز على التوجه لانتخابات مبكرة، وأن القرار النهائي بصدور تقديم لوائح اتهام ضد نتنياهو هو بيد المستشار القانوني للحكومة، الذي سيطلب وقتا غير محدود، حتى يبت بتوصيات الشرطة في حال صدورها. ولكن العام الجديد 2018 يعج بالأحداث والمناسبات، وأبرزها احتفال إسرائيل بمرور 70 عاما على قيامها، إذ سيرغب نتنياهو بأن يكون رئيس وزراء بكامل الصلاحيات، ليقود هذه الاحتفالات، وليس في ظل انتخابات مبكرة، تشوش عليه الاحتفالات. وثانيا أنه في خريف العام الجاري ستجري انتخابات الحكم المحلي، البلدية والمجالس القروية، وهذا ما يستدعي تجاوز تلك الفترة.

الوضع القائم اليوم

حتى الآن تجري التحقيقات مع نتنياهو في ملفين فقط، يتعلقان به شخصيا، وهما ملف قضية "الهدايا" من أثرياء كبار، أبرزهم أرنون ميلتشين (الملف 1000)، والثاني ملف قضية احتواء صحيفة "يديعوت أحرونوت" (الملف 2000). ولكن حتى الآن لم تبدأ التحقيقات معه في ملف قضية شراء الغواصات الألمانية العسكرية، التي تكشفت فيها قضايا رشاوى وفساد ضخمة، تورط بها الاشخاص الأقرب لنتنياهو ودائرة منصبه (الملف 3000)، وملف قضية شركة الاتصالات الأرضية شبه الرسمية، التي تم بيع أسهمها لصديق نتنياهو الخاص، وكما يبدو فيها أيضا قضية فساد (الملف 4000).

في المقابل، فإن الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في مدينة تل أبيب قبل ستة أسابيع، تشهد تراجعا في زخمها، كما ظهر هذا في مظاهرات يوم السبت الماضي، وهذا استمرار للتراجع في يوم السبت الذي سبقه، على الرغم من أن هذه المظاهرات التي يشارك فيها الآلاف، موجهة ضد كل مظاهر الفساد في حكومة نتنياهو، إذ أن التحقيقات تطال أيضا ثلاثة وزراء: وزير الداخلية آرييه درعي، ووزير الرفاه حاييم كاتس، ووزير الطاقة يوفال شتاينيتس، رغم أن الأخير لا يبدو متورطا مباشرة بقضايا فساد. ويضاف لهم من كان حتى قبل ثلاثة أسابيع رئيسا للائتلاف الحاكم، النائب دافيد بيطان، الذي يبدو أن طريقه نحو قفص الاتهام باتت قصيرة.

وما يزال نتنياهو يحظى ببيئة دافئة في الائتلاف الحاكم، وفي حكومته، إذ لا يلقى ضغوطا من أي حزب أو وزير يطالبه بالتخلي عن منصبه، خلافا لما جرى مع أولمرت في حينه، لا بل إن كل مركبّات الائتلاف تجتهد للحفاظ على استمرار ولاية الحكومة، من خلال تسديد "احتياجات" كل واحد من الأحزاب، مثل الإقرار بالقراءة التمهيدية لقانون فرض الإعدام على المقاتلين الفلسطينيين، الذي يلقى معارضة واسعة النطاق لدى الأجهزة المهنية، العسكرية والاستخباراتية والقضائية، لينضم اليهم يوم الأحد الماضي، الحاخام الأكبر لليهود الشرقيين، يتسحاق يوسيف، ابن مؤسس حركة شاس، عوفاديا يوسيف. وهذا القانون هو تطبيق لأحد بنود شروط ليبرمان للانضمام إلى الحكومة.

والقانون الثاني هو القانون الذي يشدد من أنظمة منع فتح المحال التجارية أيام السبت، الذي تطالب به الأحزاب الدينية، ويعارضه ليبرمان. وقبل هذين القانونين، أقر الكنيست القانون الذي يحظر على وحدة التحقيق في الشرطة اصدار توصيات في ملفات تتعلق بمنتخبي الجمهور، وهو القانون الذي أراده نتنياهو، ولكنه لن يسري عليه في الملفين الجاري التحقيق فيهما.

والمؤشر الآخر هو أن وزير المالية موشيه كحلون، بالتنسيق والتوافق مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، يسعيان لتمرير مشروع الموازنة العامة للعام المقبل 2019، في الدورة الصيفية المقبلة، على أن يتم اقرار الميزانية بالقراءة الأولى مع نهاية الدورة الشتوية، في منتصف شهر آذار القريب. وهذا موعد غير مسبوق في تاريخ الحكومات الإسرائيلية، والهدف هو ابعاد الأزمات التي قد تنشأ حول الميزانية، عن سنة الانتخابات 2019، وفق المدة القانونية للحكومة. إذ بموجب قانون الميزانيات الجديد فإن الكنيست يقر ميزانية لعامين، إلا إذا كان أحدهما ستجري فيه الانتخابات البرلمانية، وفق القانون، فحينها يتم اقرار ميزانية لعام واحد.

 الانتخابات المبكرة

 يعني استبعاد صدور توصيات الشرطة إبعاد صدور توصيات المستشار القانوني للحكومة إلى وقت أبعد، رغم أنه في حال صدرت توصيات ضد نتنياهو من الشرطة، فهذا سيزيد الضغوط عليه أكثر. وحتى لو هرب إلى مسار انتخابات مبكرة، فإنه سيخوضها تحت تهديد محاكمته فعلا، وهذا ما سيُضعف قوته الانتخابية.

وثانيا إن تحقيق مركبّات الحكومة مكاسب حزبية من خلال سن قوانين، وتطبيق سياسات وتمويل مشاريع تسعى لها، سيجعلها معنية أكثر بالحفاظ على الحكومة القائمة لتحقيق ما هو أكثر.
ولكن نتنياهو فاجأ الحلبة السياسية مرتين بالتوجه إلى انتخابات مبكرة، بناء على حساباته الشخصية، كما جرى في العامين 2012 و2014. وما يزال احتمال أن يسارع لحل حكومته، قبل صدور توصيات الشرطة، واردا جدا، اعتقادا منه أن توصيات كهذه لن تصدر وهو في أوج حملة انتخابية كي لا تؤثر عليها. وكنا قد أشرنا في عدد "المشهد الإسرائيلي" الصادر يوم 19 كانون الأول 2017، إلى أن نتنياهو قد يستثمر الخطاب السياسي الصادر عن البيت الابيض في الاسابيع الأخيرة، كورقة سياسية يخوض على أساسها الانتخابات.

ويبقى السؤال متى؟

لقد علمت التجربة أن كل انتخابات برلمانية مبكرة تجري بعد ستة اشهر تقريبا من يوم التصريح بالإعلان عن حل الحكومة والكنيست. وهذا بسبب أنظمة ينص عليها قانون الانتخابات الذي يفرض حدا أدنى من الوقت، في حدود 4 أشهر، ويضاف اليه وقت اضافي تتفق عليه الأحزاب الكبرى. وبناء على هذا، فإنه إذا لم يعلن نتنياهو عن حل حكومته، حتى نهاية الشهر الجاري، فإن احتمال اجراء انتخابات مبكرة في أوائل الصيف المقبل، بمعنى شهر حزيران، ستكون ضعيفة جدا، رغم أن نتنياهو قد يكون معنيا بإجراء الانتخابات في أوج شهر رمضان المبارك، اعتقادا منه أن هذا سيساهم في تراجع نسبة مشاركة العرب في التصويت يوم الانتخابات.

والمحطة الثانية هي احتمال انتخابات في الخريف، على أن يجري تأجيل الانتخابات البلدية إلى شتاء 2019، كما جرى في العام 1988، حينما ستكون أمام نتنياهو فرصة ليتخذ قراره، بعد انتهاء الدورة الشتوية في منتصف آذار المقبل.

وإذا ما تخطى نتنياهو كل هذا، فإن الانتخابات ستجري في بحر العام 2019، وقد تكون مبكرة ببضعة أشهر عن موعدها القانوني في نهاية تشرين الأول من ذلك العام.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات