الصراعات الحالية في حركة "ميرتس"، خلفياتها والقوى الفاعلة في إطارها والنتائج المترتبة عليها، كانت موضوع تقرير موسع كتبته الصحافية الإسرائيلية سارة ليبوفيتش ـ دار ونشر تحت عنوان "يساريون بلا كرامة" في العدد الأخير من مجلة "ليبرال"، وهي مجلة شهرية متخصصة في السياسة (الحزبية ـ الداخلية)، الإعلام والثقافة، تأسست في بداية العام 2014 وصدر العدد الأول منها في أيار العام ذاته.
يحدد التقرير ثلاثة معسكرات مركزية متصارعة في حركة/ حزب "ميرتس" هي: "معسكر الحُمُر" بقيادة عضو الكنيست إيلان غيلئون، "معسكر الخُضر" بقيادة رئيسة الحزب، عضو الكنيست السابقة زهافا غالئون، و"معسكر البنفسجيين" بقيادة عضو الكنيست تمار زاندبرغ. وإضافة إلى هذه المعسكرات الثلاثة المركزية، ثمة معسكران إضافيان هما "المعسكر التل أبيبي" بقيادة عضو بلدية تل أبيب ـ يافا ميطال لهافي، و"معسكر الكيبوتسات" بقيادة آفي دابوش.
ومن أبرز مميزات الصراع بين هذه المعسكرات الجديدة، كما تقول الكاتبة، أنه "يقزّم الصراعات الحادة التي شهدتها الحركة سابقا"، وخاصة بين المعسكرين الأساسيين اللذين قادهما كل من شولاميت ألوني، مؤسسة حركة "راتس" ثم زعيمة "ميرتس" لسنوات طويلة، ويوسي سريد، الذي انتقل من حزب "العمل" إلى حركة "ميرتس"، ذلك أن "الصراعات كانت تدور في الماضي بصورة لبقة وعلى أنغام الموسيقى الكلاسيكية، بينما هي تدور اليوم على رؤوس الأشهاد وبأعلى الأصوات"، كما يصفها عضو الكنيست السابق من "ميرتس" أفشالوم فيلان.
وينقل التقرير ما يقوله "ناشط قديم ومركزي، عضو في مؤتمر ميرتس"، كما يصفه، بأنه "خلال السنتين الأخيرتين، منذ انتخابات الكنيست الأخيرة، يشعر كثيرون جدا من أعضاء الحزب ونشطائه أن ليس ثمة في ميرتس أي شيء آخر سوى الخصومات الشخصية والشجارات العنيفة. لا اختراق إلى الأمام ولا تغيير. الحزب يقفز موضعيا، دون أي تقدم إلى أي مكان، والكل مشغول بالحروب الداخلية".
"ميرتس" ـ الوحدة واختلاف الصراعات
تأسست حركة "ميرتس" في العام 1992 باتحاد ثلاثة أحزاب هي: "راتس" برئاسة شولاميت ألوني، "مبام" برئاسة يائير تسبان و"شينوي" برئاسة أمنون روبنشطاين. لكنّ الوحدة بين هذه الأحزاب الثلاثة لم تلغِ ولم تغيّب الخلافات الإيديولوجية بينها ـ بين الليبراليين من "راتس" و"شينوي" من جهة أولى، وبين الاشتراكيين من "مبام" من جهة ثانية. وقد حافظت الحركة الجديدة على مبدأ المحاصصة في مختلف هيئاتها ومؤسساتها، إذ جرت العادة على انتخاب تلك الهيئات والمؤسسات وفق مفتاح حزبي، على أساس القوة النسبية لكل واحد من الأحزاب الثلاثة المشاركة.
غير أن مبدأ المحاصصة هذا شهد تراجعا تدريجيا ومتواصلا خلال السنوات الأخيرة حتى تلاشيه واختفائه نهائيا، لتحل محله صراعات معسكراتية تجاوزت التقسيمات والخلافات الإيديولوجية وغيّبتها. وكان من أبرز علامات هذا التحول وانعكاساته فشل أية محاولة للدخول إلى قائمة "ميرتس" الانتخابية والفوز بموقع فيها (ولو في مواقع غير مضمونة حتى) في انتخابات الكنيست المتتالية خلال السنوات الأخيرة، إذا لم تكن (المحاولة) جزءاً من صفقة بين المعسكرات المتصارعة. وعلاوة على الحالات الفردية العديدة التي تؤكد هذا النهج الجديد، إذ فشل كثيرون (نشطاء وشخصيات سياسية واجتماعية) في الفوز بموقع ضمن قائمة "ميرتس" الانتخابية لعدم انخراطهم في "المنافسة المعسكراتية"، تنقل الكاتبة ما يتناقله نشطاء وأعضاء "ميرتس" فتقول: "يمكنكم أن تسألوا أي ناشط في ميرتس عن كيفية التقدم والتدرج في سلم الحزب المكتظ بدرجة كبيرة، ليشرح لكم كيف أصبحت المعسكرات أداة التحليق ووسيلة الارتقاء المركزيتين".
"إيديولوجية البرايمريز" و"الطغمة"!
تؤكد كاتبة التقرير أن الصراعات التي تعصف بحركة "ميرتس" الآن هي "صراعات شخصية، صراعات على مواقع القوة والسيطرة، تخلو من أية نقاشات إيديولوجية"! وأن "الإيديولوجية الوحيدة السائدة في ميرتس اليوم هي طريقة البرايمريز"! وتشير إلى أن بعض أعضاء إدارة ميرتس الذين حاولوا إثارة وطرح نقاشات إيديولوجية في جلسات الإدارة "تم إسكاتهم تماماً"!
من جهته، قال أفشالوم فيلان، عضو الكنيست السابق عن "ميرتس"، إن "ثمة عدائية وكراهية عميقتين بين المعسكرين... القرار في أية مسألة يتحدد حسب سؤال واحد وحيد هو: هل الشخص (الذي يطرح المسألة) هو معنا أم ضدنا؟"! وأضاف: "كلا الطرفين يتجاهلان، في صراعهما هذا، حقيقة مركزية واحدة: إنهما يكبدان "ميرتس" ضررا فادحاً قد يحول دون تجاوزها نسبة الحسم فيبقيها خارج الكنيست تماما، ما سيضمن عودة بنيامين نتنياهو واليمين إلى سدة الحكم".
أما يائير تسبان، أحد قادة "مبام" سابقا وأحد مؤسسي "ميرتس" الذي أشغل عضوية الكنيست عنها لسنوات عديدة ومثّلها في حقيبة وزارية أيضا، فيعبر عن "غضب وقلق شديدين مما يجري في حركة ميرتس هذه الأيام". ويقول: "جيل القيادة السابق في "ميرتس" عرف كيف يتجاوز الخلافات في الآراء دون أن يجعل من أي خلاف على أي موضوع حرباً كونية ودون أن يكسر القواعد والأصول المرعية.... إنها المرة الأولى التي يحدث مثل هذا الأمر في ميرتس، بما يهدد بانفجار كبير في هذه الحركة". وألقى تسبان باللائمة والمسؤولية عما يحدث على رئيسة الحزب الحالية، زهافا غالئون، التي اتهمها باعتماد "نهج عدواني استبدادي أوصل الحركة إلى هذه النقطة الحرجة".
وبينما تؤكد غالئون، أيضا، أن "ثمة هنا معركة قد تنتهي بموت ميرتس"، ترى أن "الحرب سببها رفض بعض الأشخاص التنازل عن القوة الهائلة التي يتمتعون بها في داخل الحزب. كل همّهم هو المحافظة على ما لديهم من مناصب ووظائف ومفاتيح سيطرة"! وتوضح: "النقاش الحقيقي هنا هو حول فتح صفوف الحزب سعياً إلى إنعاشه، وذلك من خلال انتخابات تمهيدية مفتوحة أمام الجميع، بمن في ذلك شخصيات وأوساط من خارج ميرتس نفسها. هذا يهدد النظام القديم في ميرتس، لأن أي تغيير يهدد مكانتهم ومواقعهم، ولذلك يحاولون عزلي وإقصائي"!
إيلان غيلئون، أيضا، يرى الخطر نفسه الذي يتهدد حركة "ميرتس" بمجملها، إذ يقول: "سيحرقون النادي (الحزب) كله في سعيهم المحموم لتشويه صورة غيلئون واسمه"! لكنه يؤكد أن معارضته تغيير طريقة البرايمريز وجعلها انتخابات تمهيدية مفتوحة ـ كما تريد غالئون ـ سببها "أن أصحاب رؤوس الأموال والمقتدرين فقط هم الذين سيستطيعون التنافس في مثل هذه الانتخابات، الفوز بها وحسم نتائجها"!
من الدلائل التي تسوقها الكاتبة على حقيقة هذه الصراعات وكونها "شخصية على مواقع القوة والسيطرة"، أن عدداً غير قليل من أعضاء "مؤتمر ميرتس" (المخول صلاحية انتخاب رئيس الحزب، إدارته وقائمة مرشحيه لانتخابات الكنيست) هم من أبناء عائلات أعضاء الكنيست من "ميرتس" ومقربيهم، مما جعل بعض أعضاء المؤتمر وأعضاء "ميرتس" عموماً يصفونه (المؤتمر) بأنه "طغمة"! ومن بين الأقارب أعضاء المؤتمر: زوجة إيلان غيلئون وأبناؤه الأربعة؛ زوج زهافا غالئون وأحد أبنائها، إضافة إلى مستشارها الشخصي يسرائيل كوهن الذي "نجح" هو أيضا بضم ثلاثة من أفراد عائلته إلى عضوية المؤتمر؛ وكذلك أقرباء لأعضاء الكنيست تمار زاندبرغ، عيساوي فريج وميخال روزين.
الاحتلال والفوارق الطبقية والقلق الوجودي
يرى رئيس "ميرتس" السابق وعضو الكنيست والوزير السابق عنها، حاييم أورون، الذي أعلن دعمه لموقف زهافا غالئون، أن "مصيبة ميرتس الآن أن كل شيء فيها شخصي. كلها خلافات شخصية وصراعات قوة، بعيدا عن أية خلافات إيديولوجية". ويؤكد أن "الخلافات الشخصية تتغلغل إلى جميع مفاصل الحياة والنشاط والقرارات في الحزب وتسيطر عليها".
ومع ذلك، تنقل كاتبة التقرير عن إيلان غيلئون، العضو في "مبام" سابقا، قوله إن جلّ ما يهمّه ويشكل "مرجعيته الفكرية الاشتراكية" هو "الفوارق الطبقية، توزيع الموارد وخفض مستوى القلق الوجودي الذي يساور المواطنين في إسرائيل". ثم يوضح قائلا: "إذا كان هنالك من يتحدث عن احتلال، فثمة في نظري احتلال متنور واحد هو: ضرورة (إعادة) احتلال دولة إسرائيل وإعادتها إلى أصحابها الشرعيين ـ المواطنين". وفي سياق حديث له مع طلاب من قرية بيت جن الجليلية خلال زيارة قاموا بها إلى الكنيست، قال غيلئون إن "مكيف الهواء في المنزل والطعام في الثلاجة أكثر أهمية، بكثير، من خطر القنبلة النووية الإيرانية". وهو المعنى ذاته الذي كان عبر عنه في نقده لرئيسة "ميرتس"، غالئون، حين وصف توجهها بأنه "غزة تورز"، أي أنها "تفضّل الفلسطينيين واللقاءات مع الرئيس (أبو مازن) على شؤون بلدتها وناسها"!
أما زهافا غالئون، فتسخر من التوجهات "الطبقية، الاشتراكية" التي يحاول غيلئون شدّ "ميرتس" نحوها: "ميرتس لن تكون مبام. مصوتو مبام ماتوا واختفوا ولا يمكن العثور عليهم إلا في المقابر. ثمة هنا صراع على توجهين. هم يريدون ميرتس أكثر اشتراكية وأكثر انغلاقا، بينما أنا أريد ميرتس التي تتحدث عن إنهاء الاحتلال، عن مكانة العلمانيين وحقوق الإنسان. فالنضال من أجل مجتمع عادل لا ينتهي بالنضال الاجتماعي ـ الاقتصادي فقط. يجب إنهاء الاحتلال وضمان مكانة العلمانيين وحقوق الإنسان".
حزب صهيوني أم لا؟
في خضم الصراعات والنقاشات الشخصية المذكورة، كانت بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية قد تناقلت، في أواخر شهر تشرين الأول الأخير، نبأ نشره مراسل صحيفة "مكور ريشون" اليمينية، يشاي فريدمان، لكنه لم يحظ باهتمام كبير وواسع ولم يثر ما كان متوقعا من الأصداء والتفاعلات. فقد نشرت الصحيفة المذكورة أن "حزب ميرتس أسقط كلمة صهيوني من برنامجه، وفق ما أكدته مصادر رسمية في الحزب"!
ونقل مراسل الصحيفة عن الناطقة بلسان حركة "ميرتس"، ماي أوسي، قولها إنه "في ميرتس أعضاء صهيونيون وغير صهيونيين، ولذلك فهي لا تستطيع تعريف نفسها بأنها حزب صهيوني".
ورداً على هذا النشر، أصدرت رئيسة "ميرتس"، زهافا غالئون، بيانا خاصا رفضت فيه "باشمئزاز الادعاء بأن حركة ميرتس أسقطت الصهيونية من برنامجها". وأكدت: "ميرتس حزب صهيوني، حزب إسرائيلي فيه أعضاء يهود وعرب، ولن يتخلى عن ذلك أبداً". وأوضحت غالئون أن "ميرتس تؤكد في برنامجها على الدوام أنها تعمل بروح القيم الصهيونية. لم يرد في برنامج ميرتس، من قبل، أنها حزب صهيوني، لأننا ـ ببساطة ـ لم نر أية حاجة لكتابة وتأكيد المفهوم ضمناً. ميرتس أحد الأحزاب القليلة جدا التي تنشر برنامجها الانتخابي قبل كل انتخابات، ولم يكن ثمة أي خلاف من قبل حول هويتنا الصهيونية".
وأضافت غالئون: "نحن نؤمن بأن دولة إسرائيل هي دولة الشعب اليهودي وجميع مواطنيها. فقد ورد في "وثيقة الاستقلال" أن "دولة إسرائيل تضمن المساواة الاجتماعية والسياسية لجميع مواطنيها، بغض النظر عن الدين، العرق أو الجنس"، وهي الجملة التي تجسد مفهوم الصهيونية، كما نراه في ميرتس ـ التطلع إلى بناء مجتمع راق يحمي حقوق الإنسان ويدعم حق تقرير المصير للشعب اليهودي، كما حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني في دولة خاصة به أيضا".
وقالت غالئون: "نحن لا نخضع لاختبارات الإخلاص التي تضعها صحيفة "مكور ريشون" والذين يقفون خلفها. نحن صهيونيون وطنيون ليس أقل من أي شخص آخر. إنها محاولة للطعن بشرعية اليسار".
والفكرة ذاتها، أيضا، عبر عنها عضو الكنيست موسي راز (الذي حل مكان غالئون بعد استقالتها من الكنيست مؤخرا)، فقال إن "ميرتس لم تعرّف نفسها بنص مكتوب في برنامجها، من قبل، بأنها حركة صهيونية". وأضاف: "أنا شخصيا صهيوني واليهود أعضاء ميرتس صهيونيون، لكن هنالك في ميرتس أعضاء عرب أيضا لا يمكن أن يكونوا صهيونيين ولا يمكن أن يعرّفوا أنفسهم كذلك".
لكنّ مراسل الصحيفة عاد وحاول تفنيد ادعاءات غالئون وراز فاستذكر أن "برامج ميرتس في الماضي غير البعيد أكدت، صراحة، الرؤية الصهيونية وحقيقة أن "ميرتس تمثل الصهيونية الإنسانوية"، كما هو بيّن في برنامجها حتى العام 2009".
من جهته، عبر عضو الكنيست إيلان غيلئون عن "غضب عارم" على تصريحات زملائه في قيادة "ميرتس"، مؤكدا أنه "لا علم لديّ بأية تغييرات في برنامج ميرتس ولا أذكر أن أحدا قد ناقش الأمر أو طرحه للنقاش". وأضاف غيلئون: "يمكن لهؤلاء أن يصروا على أن ميرتس هي حزب غير صهيوني، لكن الأمر أشبه بالقول إن حزب "البيت اليهودي" هو حزب علماني، لمجرد أن فيه أعضاء علمانيين غير متدينين"!
وقال غيلئون إن "ميرتس" تأسست من اتحاد ثلاثة أحزاب (مبام، شينوي وراتس) "تقوم كلها على العقيدة الصهيونية وتتبناها" وإن هذا الاتحاد، بالتالي، "هو اتحاد صهيوني اشتراكي، فيه أيضا أعضاء عرب ويهود غير صهيونيين". وختم: "كان شعارنا ولا يزال: للصهيونية، للاشتراكية ولأخوة الشعوب"!
وعبر أفشالوم فيلان، أحد قادة "ميرتس" وعضو الكنيست السابق عنها، عن موقف مماثل فرفض "أي حديث عن أن ميرتس لم يعد حزبا صهيونيا"، وقال: "نحن أحد تيارات الحركة الصهيونية، نشطنا وننشط في مجال الاستيطان، في مؤسسات الحركة الصهيونية ونحن جزء لا يتجزأ من المنظومة الصهيونية". وأكد فيلان أن "أية محاولة لصياغة برنامج ميرتس بدون هويتها الصهيونية ستبوء بالفشل".
المصطلحات المستخدمة:
الصهيونية, مكور ريشون, وثيقة الاستقلال, شينوي, راتس, الكنيست, بنيامين نتنياهو