الضجة الكبرى التي عصفت بإسرائيل في الأيام الأخيرة، بسبب قرار شركة الأدوية الإسرائيلية العالمية، "طيفع"، فصل أكثر من 1700 عامل من مصانعها ومرافقها في إسرائيل، من أصل قرار بفصل آلاف العمال في مصانعها في العالم، لا تعود فقط لهذا الكم الهائل من العاملين الذين سيفقدون أماكن عملهم في بحر العام المقبل، بل لأن الشركة حصلت خلال السنين الأخيرة على ما يزيد عن 5 مليارات دولار امتيازات ضريبية، كدعم للاستثمارات ولضمان تشغيل آلاف العاملين في المناطق البعيدة عن وسط البلاد.
وقد هزّ القرار، الذي كان متوقعا منذ عدة شهور، الساحة الاقتصادية وخاصة النقابية، فأقدم اتحاد النقابات العامة "الهستدروت" على إعلان إضراب جزئي أمس الأول الأحد، في مرافق حيوية، رفضا لقرار شركة "طيفع". وقد تدخل عدد من كبار المسؤولين، وأولهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير ماليته موشيه كحلون، من خلال اتصالات مباشرة مع إدارة الشركة العالمية، إلا أن هذا لم يمنع الشركة من اتمام خطواتها التقشفية، التي شملت على المستوى العالمي، فصل ما يقارب 10 آلاف عامل في العالم، وإغلاق مصانع وخطوط انتاج.
والأزمة التي تعصف بشركة "طيفع" نابعة بشكل رئيس من قضيتين كبريين؛ الأولى، هي تراكم ديون عامة بقيمة 35 مليار دولار، في أعقاب شرائها لشركة الأدوية "أكتفيس جينيركس" بما بقارب 41 مليار دولار. والسبب الثاني، هو خسارتها للامتياز والاحتكار في انتاج دواء "كوفكسون" لمعالجة تصلب الشرايين. فهذا الدواء هو من ابتكار الشركة واحتكرته بموجب الأنظمة العالمية لعدد من السنوات، وجنت منه أرباحا طائلة بمليارات الدولارات، حتى بات مسموحا انتاجه في شركات أدوية أخرى في العالم.
إلا أن المشكلة الحارقة، الماثلة أمام الشركة حاليا، هي حاجتها إلى تسديد دين بقيمة 9 مليارات دولار خلال العامين المقبلين.
وشركة "طيفع" هي الشركة الأضخم التي حصلت في السنوات الأخيرة على حصة الأسد من التسهيلات الضريبية على الاستثمارات، تحت غطاء أنها مكان تشغيل ضخم، في المناطق البعيدة عن المركز أيضا. وقد اضطرت سلطة الضرائب الإسرائيلية سابقا للكشف عن هذه الاعفاءات الضريبية، التي منحتها لكبرى الشركات في إطار قانون "تشجيع الاستثمارات"، ليتبين أن 50% من هذه الامتيازات خلال ست سنوات، حصلت عليها ثلاثة شركات، أكبرها شركة "طيفع". وحسب تلك التقارير، حصلت "طيفع" منذ العام 2006 إلى العام 2013 على امتيازات ضريبية بأكثر من 15 مليار شيكل (2ر4 مليار دولار). وفي العام 2013 وحده، كان الاعفاء الضريبي يعادل 68% من كلفة رواتب العاملين في المصانع الإسرائيلية في ذلك العام.
كما استفادت الشركة من قرار سابق لوزارة المالية يقضي بتخفيض كبير في الضريبة على الأرباح التي حققتها الشركات الإسرائيلية في الخارج. وكان من المفترض أن تجبي الحكومة نحو 30 مليار شيكل، وهو ما يعادل 4ر8 مليار دولار، إلا انها قررت جباية 10% من هذا المبلغ، أي 3 مليارات شيكل فقط. وكانت "طيفع" المستفيدة الأكبر، إذ كان عليها أن تدفع 5 ملايين دولار، من أصل أرباح خارجية بلغت 6ر1 مليار دولار.
وعلى الرغم من التزام الشركة تجاه الحكومة الإسرائيلية بالحفاظ على أماكن العمل، إلا أنها أقدمت في العامين 2013 و2014، على فصل 800 عامل، من أصل حوالي 7600 عامل كانوا في الشركة حتى العام 2013.
وتعد شركة "طيفع" من أكبر الشركات الاحتكارية في إسرائيل، ولهذا فإن التخوفات هي من تأثير أي أزمة تتعرض لها شركة "طيفع"، منها ما كان في منتصف العام الماضي 2016، إذ جاء في تقرير لصحيفة "كالكاليست" أن شركة "طيفع" كانت ضمن 10 شركات سيطرت على 51% من الصادرات الإسرائيلية. وقال التقرير ذاته إن المشكلة كامنة في حقيقة أن كل الصادرات محصورة في عدد قليل من الشركات، ما يعني أن أي تغيير لدى أي واحدة من هذه الشركات من شأنه أن يثير هزّة عنيفة في قطاع الصادرات كله. ومن الممكن أن نخمّن فقط ما سيجري لكل الاقتصاد، إذا ما واجهت شركة "طيفع" للأدوية تغيرا سلبيا، في تعامل مديرية الأدوية الأميركية معها، وما سيخلقه من صعوبات أمام تسويق أدويتها في الولايات المتحدة الأميركية. وقد بيّن تقرير معهد الصادرات الإسرائيلي عن العام الماضي 2016 أن تراجع صادرات البضائع ناجم عن تراجع في صادرات عدد من الشركات، من بينها شركة "طيفع".
المحللون يحذرون
ويحذر المحلل الاقتصادي سامي بيرتس، في مقال له في صحيفة "ذي ماركر"، من أن قرار شركة "طيفع" قد يكون بداية لما هو أكبر لاحقا، على صعيد موجات أخرى من فصل العمال. وقال إن قرار الشركة إغلاق قسم من نشاطها الاقتصادي في إسرائيل نابع من كلفة الانتاج العالية، مقارنة مع مواقع أخرى في العالم. وللشركة ثلاثة مراكز انتاج أساسية في إسرائيل: مصنع في شمال صحراء النقب، ويعمل فيه 1150 عاملا، ومصنع متعدد التخصصات في القدس يعمل فيه 1100 عامل، ومصنع في مدينة كفار سابا، شمال منطقة تل أبيب، ويعمل فيه 1250 عاملا. وهذه إضافة إلى مرافق عمل أخرى، من بينها في كريات شمونة، في أقصى الشمال، ويعمل فيه مئات العاملين.
وهذا ما يقلق عمليا الأوساط الاقتصادية الرسمية، لأن فصل 1700 عامل سيكون في المناطق الضعيفة اقتصاديا، وفي المصانع التي حصلت عنها "طيفع" على امتيازات ضريبية ضخمة، بسبب موقعها الجغرافي.
ويقول المحلل أدريان فيلوت، في مقال له في صحيفة كالكاليست" الاقتصادية التابعة لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، إن تصفية نصف نشاط شركة "طيفع" في إسرائيل سيبقي آثار جرح واضح ومؤلم في الصادرات الإسرائيلية، وسيضرب الاسم العالمي للاقتصاد الإسرائيلي. وعلى الرغم من هذا، فإن آثار الاجراءات الحادة التي اعلنتها الشركة على معدلات البطالة في إسرائيل صغير جدا، بل هامشي، كما أن التأثير السلبي على مداخيل الضريبة سيكون هامشيا أيضا، لأن الضرر الكبير سيكون في حجم الصادرات.
ويقول فيلوت إن شركة "طيفع" هي من أضخم الشركات المصدّرة في إسرائيل. وحسب معطيات العام 2016، شكل فرع الأدوية ما نسبته 16% من اجمالي صادرات الصناعات الإسرائيلية. وشركة "طيفع" ذاتها" مسؤولة عن 72% من صادرات الأدوية. وهذا يعكس مستوى الاحتكارية في الصادرات الإسرائيلية. فإذا كان حجم صادرات الشركات العشر الكبرى في العام 2007، يساوي 33% من اجمالي الصادرات، فقد ارتفعت هذه النسبة في العام 2014 إلى 50%.
واستنادا إلى ما يقوله فيلوت، فإن وقف نصف نشاطات "طيفع" سيعني عمليا خفضاً مستقبلياً بنسبة تتجاوز 5% من إجمالي صادرات البضائع، و3% من إجمالي الصادرات ككل. ويقول فيلوت إنه بموجب تقارير دائرة الاحصاء المركزية الصادرة في الاسبوع الماضي، بدأت الأزمة في "طيفع" تنعكس منذ الآن على حجم الصادرات.
وحسب تلك المعطيات، فإن صادرات التقنيات العالية وبمضنها الأدوية، التي تشكل نصف إجمالي الصادرات الصناعية، تراجعت في الأشهر الثلاثة من أيلول إلى تشرين الثاني بما نسبته 2ر2% بمعدل شهري، بينما تراجع قطاع الأدوية وحده بمعدل سنوي يقارب 40%، وبنسبة 1ر4% بمعدل شهري، في الاشهر الثلاثة المذكورة.
ويحذر فيلوت من أن هذا التراجع في الصادرات من شأنه أن يشكل خطرا على الازدهار الذي بدأت تلمسه الصادرات الصناعية في العام الجاري. ولكن إلى جانب الانعكاسات السلبية على الصادرات، من المهم النظر إلى جوانب أخرى في الاقتصاد، وأولها سمعة إسرائيل في الأسواق العالمية، إذ أن شركة "طيفع" على وجه الخصوص من أكبر الشركات التي تضفي على الاقتصاد الإسرائيلي "هيبة" بحسب تعبير المحلل فيلوت، وهذا بحد ذاته يساهم في جذب المستثمرين للاقتصاد الإسرائيلي.
وفي مسألة البطالة بالذات، حسب فيلوت، فإن البطالة في إسرائيل غير قائمة عمليا بمفهوم آفة البطالة عالميا، ولكنها تبقى قضية تقلق الاقتصاد الإسرائيلي. ولذا فإننا لن نجد تأثيرا ملموسا على نسبة البطالة، نظرا لعدد العمال المفصولين، من حجم عدد العاملين ككل في الاقتصاد الإسرائيلي. ويقول فيلوت إنه إذا وصل عدد المفصولين مع موجات أخرى إلى نحو 3300 عامل، فإن البطالة سترتفع من 2ر4% حاليا إلى 3ر4% مستقبلا، وهذه ليست نسبة يمكن أن تثير قلقا جديا.
ورغم ذلك، أعلنت الحكومة أنها ستقدم مساعدات للعمال المفصولين، عدا مخصصات البطالة التي يستحقونها، وذلك من خلال إيجاد فرص عمل ملائمة لهم. إلا أن محللين حذروا من أنه في حال تم فصل خبراء كبار، أو عدد من ذوي المؤهلات العالية في مجال صناعة الأدوية، فإن فرص استيعابهم في أماكن أخرى في البلاد، بموجب تخصصاتهم، ستكون ضئيلة.
وبشأن العاملين، يقول المحلل غاي رولنيك، في مقال له في صحيفة "ذي ماركر"، إن اتحاد النقابات والسياسيين يصرخون الآن من على الأسطح، قائلين إنه لا يمكن التخلي عن عمال "طيفع"، وسيحملون الذنب كله لإدارة الشركة الفاشلة، التي تلقت كل هذا الكم من الامتيازات الضريبية. ولكن ما من شخص معني بالنظر إلى الواقع: فالنهج القائم في سوق العمل، الذي انتجته حكومات إسرائيل بالتعاون مع اتحاد النقابات، لا يعرف كيف يتم تقديم حلول للعاملين، أمام واقع التحديات في سوق العمل.
وتابع رولنيك قائلا إنه إذا لم ينتقل نهج الدفاع عن العاملين، من خلال تأهيل العاملين لأعمال أخرى، كما يجري حاليا في شمال أوروبا، فإن العاملين سيبقون في اطار البطالة بقدر أكبر، كما هو الحال في جنوب أوروبا.
وكما كل المحللين، يقول فيلوت أيضا إن تأثير الأزمة في "طيفع" على مداخيل الضرائب سيكون هامشيا جدا، نظرا لكون "طيفع" تدفع مبالغ هامشية قياسا بدورتها المالية. ففي العام 2015 دفعت "طيفع" ضرائب بقيمة 700 مليون شيكل، وهذا أقل بنحو 200 مليون دولار من الضرائب المستحقة على شركة تبلغ دورتها المالية عالميا عشرات مليارات الدولارات سنويا، إن لم يكن أكثر. ما يعني أن ما دفعته "طيفع"، في ذلك العام، كان يساوي 2ر0% من إجمالي مداخيل خزينة الضرائب الإسرائيلية، و1% من إجمالي الضرائب التي دفعتها الشركات.