ركّزت التحليلات الإسرائيلية المختلفة لنتائج الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية التي جرت أول من أمس الأحد، في غالبيتها الساحقة، على ما أسمته "الانتصار الإيديولوجي الكبير"، كما وصفه أحد المعلقين، بمجرد انتقال مرشحة اليمين المتطرف، ماري لوبين، إلى الجولة الثانية في مواجهة مرشح الوسط، إيمانويل ماكرون، وتداعيات ذلك على الأوضاع الداخلية في فرنسا خاصة، والقارة الأوروبية عموماً، بما في ذلك أوضاع اليهود ومظاهر اللاسامية هناك، مقابل سياسة "الصمت والرضى" الإسرائيلية الرسمية.
وعلى الرغم من ترجيح جميع استطلاعات الرأي، المطلق تقريبا، فوز ماكرون بالرئاسة بتغلّبه على لوبين في الجولة الثانية، التي ستجري يوم الأحد السابع من أيار القريب، إلا أن التحليلات الإسرائيلية ذهبت إلى القول إن "كل شيء ممكن"، بما في ذلك انقلاب الصورة في الواقع تماماً وفوز لوبين بالرئاسة، إذا ما حصلت عمليات تفجير واعتداءات في فرنسا خلال الفترة المتبقية حتى الجولة الثانية، كتلك التي شهدتها من قبل، وخصوصا على ضوء ما تمخضت عنه نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية بفوز دونالد ترامب وقرار البريطانيين الانسحاب من "الاتحاد الأوروبي". فهذان التطوران تحققا ـ كما رأت بيرنا باسيت في صحيفة "جيروزاليم بوست" ونيتسان هوروفيتس في صحيفة "هآرتس"ـ بفعل عوامل وسيرورات قائمة في فرنسا أيضا، في مقدمتها وأهمّها: تعمّق التعصب القومي و"القلق من توافد المهاجرين الأجانب، وخاصة من سورية والعراق وأفريقيا"؛ وتصاعد المقت والغضب الجماهيريين حيال الأحزاب المؤسساتية الحاكمة.
لهذا، اعتبرت باسيت أن نتائج تصويت الفرنسيين في الجولة الأولى "تعكس اتجاهين اثنين: الأول ـ تصويت لمرشح يبعث أملاً جديداً؛ والثاني ـ تصويت لمرشح يقدّم كبش فداء سهلاً".
واعتبر سيفي هندلر، في "هآرتس"، أن إنجاز ماكرون الكبير في الجولة الأولى وانتقاله إلى الجولة الثانية "يشكل، بالتأكيد، بارقة أمل تقدمها فرنسا لأوروبا وللعالم أجمع: أن التطرف ليس مُعْدِياً، بل يمكن لجمه في صناديق الاقتراع، ولو بشقّ الأنفس".
لكنّ دوف ألفون، الذي اعتبر أن لوبين "ليست سياسية ديماغوغية وليست شعبوية، بالتأكيد، بل قومجية إيديولوجية تتكئ على قاعدة عائلية وسياسية مسيحية جداً، لا سامية في الغالب"، رأى أن ماكرون قد يكون "المخلّص الوهمي" إذا لم يستطع تشكيل ائتلاف برلماني، لأنه لن يستطيع عندئذ إحداث أي تغيير في فرنسا. وكتب ألفون، في صحيفة "هآرتس"، إنه إذا ما حصل ذلك، فعلا، فستكون نتيجته المؤكدة "تقوية العناصر التي دفعت بلوبين إلى الجولة الثانية، ما يعني تعميق عدم الاستقرار والإحباط، ثم تفاقم مظاهر العداء العنصري ضد الأجانب واتساع مظاهر اللاسامية"!
واعتبر نيتسان هوروفيتس، في تعليقه المشار إليه آنفا، "الجبهة القومية" بزعامة ماري لوبين "قناة تصريف المجاري الفرنسية... يرتع فيها وينتشر العنصريون، اللاساميون، أتباع نظام فيشي والمارشال بيتان (فيليب بيتان الذي أعلن قيام "فرنسا الفيشية" وتقلد رئاستها بين 1940 و 1944 واعتمد سياسة ممالأة وتعاون مع ألمانيا النازية وألقت الشرطة الفرنسية القبض حينذاك على الكثير من اليهود وأرسلتهم إلى معسكرات الإبادة الألمانية - المحرر) وتشكيلة من الضيوف النازيين الجدد الذين يحجّون إليها من الدول المجاورة"!
ورأى هوروفيتس أن محاولة لوبين الابتعاد عن والدها، جان ماري لوبين، "كانت محاولة قصيرة ومحدودة جدا ولأغراض العلاقات العامة فقط"! فمع تصاعد التوتر عشية انتهاء الحملة الانتخابية، "ظهرت لديها، مجددا، الجينة (المورثة) الفاشية حين أعلنت أن فرنسا لم تكن مسؤولة عن إبادة اليهود على أراضيها... هكذا حاولت التنصل من جهد قومي استمر سنوات عديدة للاعتراف بمسؤولية الفاشية الفرنسية المرعبة عن إبادة عشرات الآلاف من اليهود"!
موقف ماري لوبين هذا في إنكار الهولوكوست ونفي أية مسؤولية فرنسية عنه، سواء بالإبادة الفعلية على أراضيها أو بطرد يهود من أراضيها إبان الحرب العالمية الثانية، هو ما أكده أيضا محلل الشؤون الدولية في القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي، عَراد نير، في مقال تحليلي نُشر على موقع القناة.
لكن نير ربط بين هذا الموقف وما تعكسه نتائج الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة الفرنسية من دعم وتأييد له، من جهة، وبين موقف السياسة الرسمية الإسرائيلية عامة، وسياسة الحكومة الحالية خاصة، والذي يتميز "بالصمت، القبول والرضى"، حيال ما يجري في فرنسا، تحديدا، وفي الدول الأوروبية إجمالا، من تصعيد خطير في الكراهية والعدائية العنصريتين ضد الأجانب بشكل عام، والعرب والمسلمين منهم بشكل خاص.
وذكّر نير بأن نتائج الانتخابات الرئاسية السابقة في فرنسا، التي جرت قبل خمس سنوات، أظهرت أن "واحداً من بين كل عشرة مواطنين فرنسيين صوّت لصالح حزب اليمين العنصري المتطرف، الجبهة الوطنية، بزعامة ماري لوبين"، بينما في هذه الانتخابات فإن "واحداً من بين كل خمسة مواطنين فرنسيين صوّت لهذا الحزب الذي يركب موجات كراهية الأجانب والعداء لهم ـ كراهية المسلمين أساساً، ولكن اللاسامية وإنكار الهولوكوست أيضا"!
ولفت نير إلى "تزامن إغلاق صناديق الاقتراع في كبريات المدن الفرنسية مع المهرجان المركزي الذي عُقد في مدينة القدس لافتتاح نشاطات إحياء ذكرى الكارثة والبطولة" (الاسم المستخدم في إسرائيل لذكرى الهولوكوست). وقال: "البيانات الأولية التي نقلتها قنوات التلفزة الفرنسية عن نتائج عيّنات التصويت في ختام الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة الفرنسية اختلطت مع شهادات الناجين من الإبادة الجماعية الأكبر والأكثر تنظيماً في التاريخ الحديث، والتي تم تخطيطها وإدارتها وتنفيذها في قارة أوروبا "المتنوّرة"، بما فيها فرنسا أيضا".
وأضاف نير أنه "بينما تعالت تصريحات السياسيين الإسرائيليين التي أطلقوا خلالها، كل بطريقته وأسلوبه ووفق أجندته، ذلك الوعد الذي يمثّل جوهر وجود الشعب اليهودي في هذه البلاد ـ "لن يحصل هذا مرة أخرى، أبداً" ـ أطلّت من شاشات التلفزيون الفرنسية الحقيقة المُرّة: إنهم يقولون كلام هراء!".
وأعاد التذكير بما كانت قالته لوبين في مقابلة مع قناة التلفزيون الإسرائيلية الثانية في شباط الأخير عن أنها سوف تحظر، حظرا كليا وتاما، أية علامات أو مظاهر دينية في الحيّز الجماهيري العام في فرنسا، بما فيها "الكيباه" (طاقية المتدين اليهودي)، مؤكدة أن "هذه ستكون تضحية بسيطة جدا يقدمها اليهود المحافظون على التقاليد اليهودية من أجل محاربة الإسلام المتطرف"!
واعتبر أن "عبارة "الإسلام المتطرف" هذه، التي عادت لوبين وكررتها مراراً، أصبحت تشكل اليوم بطاقة دخول لمختلف السياسيين في شتى أنحاء العالم إلى نادي الأصدقاء الذي تتزعمه وتقوده حكومة إسرائيل"!.
وختم: "ليس أن إسرائيل الرسمية لا تتجند ضد السماء المتلبدة بالعنصرية والكراهية في فرنسا وأوروبا كلها فقط، بل إن أحزاب الائتلاف الحكومي تشجع هذه السحب الداكنة وتغذيها. وأوساط اليمين المتطرف في أوروبا تحظى بآذان صاغية في إسرائيل، لدى أولئك الذين حضروا وشاهدوا حفل إحياء الذكرى في القدس! وأي سياسي أوروبي يعتبر المواطنين المسلمين في أوروبا خطراً وتهديداً يتم احتضانه ضيفاً مرغوبا فيه هنا من جانب نشطاء اليمين الإسرائيليين. ولا حاجة إلى التذكير بأن أحزاب اليمين هنا هي السلطة"!.