قال التقرير السنوي لـ "معهد سياسة الشعب اليهودي" التابع للوكالة اليهودية الصهيونية الصادر أخيرا، إن أمام إسرائيل سلسلة من التحديات في المنطقة، رغم أن بعض التحديات قد ضعفت على إيقاع القلاقل التي تشهدها بعض الدول العربية. وفي المقابل فإن أمام إسرائيل سلسلة من الفرص التاريخية، حسب الوصف، وأهمها احتمال توطيد علاقات مع دول عربية، ولكن مع ضرورة الانطلاق بمبادرة لحل الصراع. كما حذر التقرير من أن استمرار انزلاق إسرائيل نحو دولة ثنائية القومية، من شأنه أن يهدد "هوية إسرائيل اليهودية".
وقال التقرير في مقدمته إن التقرير يرتكز في تقييماته على خمسة مقاييس لأوضاع اليهود في العالم: الجيوسياسية، والعلاقة بين المجتمعات اليهودية، والديمغرافية، والهوية والانتماء، والموارد المادية. وابتداء من تقرير العام المقبل، سيتم ضم مقياس سادس وهو العلم والعصرنة. ويؤكد المعهد أن التقييم السنوي الذي يجريه "معهد سياسة الشعب اليهودي"، يتم عرضه على الحكومة الإسرائيلية، وأن لهذه التقييمات حصة في القرارات المتعلقة بتمويل وبرمجة عمل قيادات وهيئات قيادية يهودية في أنحاء مختلفة من العالم.
ففي الأجواء السياسية العامة في المنطقة، يقول التقرير إن التطورات الأخيرة الحاصلة حول إسرائيل تثير القلق، وبشكل خاص من نشاط جهات ليست سلطوية، مثل تنظيم داعش وحركات إسلامية أصولية أخرى، فهذه الحركات، وفق التقرير، "تهدد بعدم استقرار المنطقة، وأيضا المجتمعات اليهودية، واللا يهودية في العالم". وفي المقابل، هناك تهديد اشتعال القتال من جديد مع قطاع غزة، في حين أن لدى حزب الله 100 ألف صاروخ، ومنها صواريخ ذات دقة عالية وبعيدة المدى، أكثر من ذي قبل. كذلك، وفق التقرير، فإن قسما من التهديدات القائمة في مواجهة إسرائيل قد ضعف في الآونة الأخيرة، خاصة ما تفرزه الحرب الدائرة في سورية، وانشغال عدة أطراف فيها، وبشكل خاص إيران وحزب الله، الذي حسب التقرير تكبد خسائر ضخمة جدا في سورية.
تحديات وفرص
ويلخص التقرير التحديات الماثلة امام إسرائيل في ثماني نقاط مركزية:
*"الخطر من أن لا تنفذ إيران التزاماتها بموجب الاتفاق النووي، وأن تزيد من حراكها الاقليمي، وتتعزز قوتها السياسية والاقتصادية والعسكرية".
*"خطر تدهور الأوضاع الأمنية في الجبهة الشمالية- حزب الله وسورية- وفي الجبهة الجنوبية- حماس وجهات مسلحة في سيناء".
*المقاومة الفلسطينية- "انتفاضة الأفراد"- حسب تعبير التقرير، فهي قد تراجعت "ولكن موجات عنف قد تندلع من جديد بوجوه أخرى، وأشد خطورة".
*"التوتر المستمر في العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية، ما يشكل تهديدا لمتانة مثلث العلاقات: إسرائيل، أميركا والأميركان اليهود. وتحويل إسرائيل إلى مسألة حزبية أميركية".
*"استمرار التراجع في مكانة الولايات المتحدة الأميركية للقيام بدور مركزي في الشرق الأوسط، على أن يتم سد الفراغ الناشئ، من قبل جهات أخرى، وهي مريحة بدرجة أقل لإسرائيل".
*ضعف الجهاز الفلسطيني، إلى درجة عدم القيام بالمهمات، ما ينعكس على التعاون الأمني مع إسرائيل، اضافة إلى احتمال نشوء فوضى في حال أنهى الرئيس أبو مازن مهمات منصبه".
*السعي إلى تغيير طابع العملية السياسية الإسرائيلية الفلسطينية، مثل فرض حل برعاية الأمم المتحدة، وقيادة دولية.
*السعي إلى ضرب مكانة إسرائيل الدولية، من خلال اجراءات مقاطعة، وسحب شرعية.
وفي المقابل، يقول التقرير إنه إلى جانب التحديات، هناك فرص لتحسين وضعية إسرائيل، ويلخصها بخمس نقاط مركزية:
*استبدال الرئيس في الولايات المتحدة قد يخلق فرصة لفتح صفحة جديدة في العلاقات بين الجانبين.
*"توطيد العلاقات مع العالم السُّني، الذي يبدي حاليا انفتاحا أكبر تجاه إسرائيل على ضوء التهديد الإيراني، وخطر جهات متطرفة".
*الارتكاز على دعوة الرئيس المصري لدفع السلام الإسرائيلي الفلسطيني، واستعداده للمساعدة في مهمة استئناف عملية السلام، وضمانها من خلال اطار اقليمي داعم.
*استمرار تطوير العلاقات الاقتصادية والاستراتيجية، مع قوى عالمية تزدهر باستمرار في آسيا، مع تركيز خاص على الصين والهند.
*استغلال موارد الغاز كرافعة للعلاقات الاقتصادية والاستراتيجية، والتأثير على المنطقة- مصر والأردن وتركيا والفلسطينيون- وخارج المنطقة، مثل روسيا والصين والهند.
ويقول التقرير إن "الصراع الإسرائيلي الفلسطيني لم يعد يُفشل التعاون المتعاظم، رغم أنه سري، مع جارات إسرائيل العربية. فعزلة إسرائيل المتزايدة تتم خارج المنطقة (الشرق الأوسط). فالفلسطينيون يحاولون فرض طابع دولي على الصراع، في حين تفشل إسرائيل في عرض ادعاءات أمام أوروبا ودول أخرى تعزز موقفها. وبهذا فإن سحب شرعية الدولة اليهودية في الحلبة الدولية يتزايد".
وتستغل حركات مثل حركة المقاطعة الدولية "بي. دي. إس" المعارضة الدولية للسيطرة الإسرائيلية على الفلسطينيين، من أجل تطبيق هدفها الحقيقي، وهو سحب شرعية الكيان الإسرائيلي. فعلى الرغم من أن هذه الحركة تتركز أساسا في الاحتلال والمستوطنات في الضفة الغربية، فإنها تنجح أيضا في التستر على هدفها الحقيقي. ويقول التقرير "إنه طالما أن سياسة الاستيطان الإسرائيلية تظهر بكونها لا تتماشى مع حل الدولتين، فإن إسرائيل ستستصعب لجم حركة سحب شرعيتها".
وهذا الأمر يؤثر على قسم من علاقات "الثالوث": واشنطن إسرائيل والأميركان اليهود، بحسب التقرير، الذي قال "إن الشبان اليهود، واليهود الاصلاحيين، وبشكل خاص المنتمين إلى الحزب الديمقراطي، يتأثرون من السياسة الإسرائيلية التي تستدعي الاعتراض عليها". ويضيف "إن الفلسطينيين ينجحون أكثر فأكثر في عرض أنفسهم كضحايا، وسط غياب مبادرات إسرائيلية، تثبت بشكل ملموس أن إسرائيل تسعى إلى حل الدولتين للشعبين. وإن الفلسطينيين هم الذين يعارضون كل تحرك بسيط نحو هذا الحل. وهذا نهج (إسرائيلي) سلبي قد يتزايد".
ويضيف "من الواضح أن إسرائيل لا تستطيع التفاوض مع ذاتها ، في حين أن القيادة الفلسطينية الحالية لا تريد، أو أنها لا تستطيع الوصول إلى طاولة المفاوضات. وبالتأكيد لن توافق على الحلول الوسط المطلوبة من أجل الوصول إلى أي اتفاق سلام. وعلى الرغم من هذا، فإن لإسرائيل مصلحة في اتخاذ اجراءات ميدانية، من شأنها أن تمنح مجال معيشة، وتشجع على التطور الاقتصادي لدى الفلسطينيين. وعلى إسرائيل أن تتخذ اجراءات من شأنها أن توضح أن مسؤولية الجمود تقع على عاتق الفلسطينيين.
"إن لإسرائيل حاليا فرصة تاريخية، خارجة عن المألوف، للارتباط بدول سنيّة معتدلة: مصر والأردن والسعودية ودول الخليج. واتخاذ خطوات تجاه المصالحة مع الفلسطينيين، أو في اتجاه التعاون، من شأنها أن تسهّل عملية الارتباط هذه. وتصريحات رئيس الوزراء ووزير الدفاع بشأن مبادرة السلام العربية تعتبر في الشتات، تطورات ايجابية، وتثير الأمل باتخاذ اجراءات عينية للتنفيذ".
وجاء في مقدمة التقرير التي كتبها رئيسا مجلس إدارة "معهد سياسة الشعب اليهودي"، دينيس روس وستيوارت آيزينشتات: "إننا نعبر عن قلقنا من النهج الذي يجعل إسرائيل في الولايات المتحدة شأنا حزبيا. فقد دلت استطلاعات رأي أميركية، على أن 80% من المتماثلين مع الحزب الجمهوري، يؤيدون إسرائيل وليس الفلسطينيين، بينما النسبة لدى المتماثلين مع الحزب الديمقراطي، حوالي 50%".
ويقول روس وآيزينشتات إنه على الرغم من تزايد نشاط الأميركان اليهود في اتجاه إسرائيل، وبشكل غير مسبوق، إلا أنه في ذات الوقت، من الممكن ملاحظة حراك مناقض بين اليهود التابعين لحركات أخرى، مثل الاصلاحيين والمحافظين، وبالذات جهات علمانية ومجموعات ليبرالية تتزايد لديها توجهات الابتعاد عن إسرائيل، طالما أن التقلبات الديمغرافية الإسرائيلية تتجه أكثر نحو الأصولية اليهودية، وفي اتجاه اليمين السياسي.
ويدعو التقرير الحكومة الإسرائيلية والمؤسسة الصهيونية إلى الانتباه أكثر، إلى توجهات جديدة في أوساط التبرع والتطوع اليهودية في الولايات المتحدة، لكونها باتت تميل للتبرع والتطوع في أمور عامة (في الولايات المتحدة)، على حساب أهداف يهودية أو إسرائيلية. فكثير من الاتحادات اليهودية باتت تتحدث عن جمود في مستوى التبرعات في السنوات الأخيرة.
لا تغييرات سريعة
ويقول تقرير "معهد سياسة الشعب اليهودي" إن "إسرائيل لا تستطيع أن تتوقع تغييرا سريعا في الطابع العنيف والمتقلب في المنطقة. 30% من سكان الشرق الأوسط هم شبان من أبناء 29 عاما وما دون (النسب كما وردت في التقرير وعلى الأغلب هي نسبة خاطئة، إذ أنها من المفروض أن تكون أعلى بشكل ملحوظ نتيجة نسب التكاثر العالية نسبيا). و30% من الشبان عاطلون عن العمل. والاقتصاد يراوح مكانه، وأنظمة الحكم فاشلة".
و"الانتماء القبلي والحمائلي هو الأقوى، مقارنة مع الالتزام المدني للدولة، والشرخ بين السنّة والشيعة يواصل التسبّب بسفك الدماء بمستويات قاسية، حتى بعد مرور 1384 سنة على وفاة النبي محمد (ص). والأمل الذي نشأ في أعقاب الربيع العربي تحوّل إلى خيبة أمل قاسية. وكل هذا يخلق فراغا، يفسح المجال أمام ظهور ميليشيات محلية ومنظمات ارهابية، وأيديولوجيات اسلامية متشددة.
"صحيح أن داعش تكبد هزائم هامة في الأشهر الأخيرة، إلا أنه ما يزال يشكل مصدر إلهام وجذب للشبان المسلمين. ولهذا التنظيم ما يزال تأثير على المنطقة، ويسيطر على مناطق جغرافية واسعة في العراق وسورية، وله ذراعان في ليبيا وصحراء سيناء. كذلك فإن نهج انهيار الأجهزة السياسية في المنطقة ما زال مستمرا، كما هي الحال في العراق وسورية ولبنان وليبيا واليمن. والمأساة الكبرى في سورية ما تزال متواصلة، إذ تجاوز عدد القتلى 400 ألف، إضافة إلى 5 ملايين لاجئ سوري خارج وطنهم، و5ر6 مليون لاجئ في داخل سورية".
هوية إسرائيل اليهودية كهدف استراتيجي
وتحت عنوان: "الحفاظ على هوية إسرائيل اليهودية كهدف استراتيجي"، يقول التقرير إن تقييم مدى متانة إسرائيل، لا يتلخص في حجم علاقات إسرائيل في الساحة الدولية، بل بشكل أكبر، في مدى العوامل الداخلية: الاقتصاد، التطور العلمي، مستوى التعليم والتعاضد الاجتماعي، وفي الحالة الإسرائيلية بالذات، فإن المركّب الأساس مرتبط بمدى الحفاظ على طابعها اليهودي".
ويضيف: "هذا المركّب الأساس من شأنه أن يضعف إذا ما انزلقت إسرائيل نحو واقع ثنائي القومية. والخطر الأمني النابع من هذا الواقع، ظهر في خطاب لرئيس أركان الجيش غادي أيزنكوت. وهو كالتالي: في يهودا والسامرة (الضفة المحتلة) 161 بلدة (مستوطنة)، تضم حوالي 400 ألف مواطن (مستوطن) داخل مليوني فلسطيني. وهذا التداخل بين الجمهورين يخلق تحديا عملياتيا كبيرا. وهذا صحيح، فكلما تمر السنوات، دون ترسيم الحدود الشرقية لإسرائيل، فإن عدد اليهود الذين يسكنون (يستوطنون) خلف الجدار الفاصل آخذ بالازدياد، وهم حاليا حوالي 85 الفا (مستوطن)، وهذا العدد أكبر بعشرة أضعاف من عدد السكان (المستوطنين) اليهود الذين كانوا في قطاع غزة (حتى صيف العام 2005)، والذين اخلاؤهم ترك في إسرائيل مأساة كبيرة.
"وفي السنوات الخمس الأخيرة، زاد عدد السكان (المستوطنين) خارج الكتل الاستيطانية بمعدل 3 آلاف إلى 3500 نسمة (مستوطن) سنويا. وكلما تمر السنوات، سيكون من الصعب على أي قائد إسرائيلي أن يخلي هذا الكم الكبير من المستوطنين، من منطقة تُعدّ العلاقة الدينية الأيديولوجية تجاهها، أكبر بأضعاف مما كان في قطاع غزة". ويضيف التقرير أن هذا الواقع سيخلق صعوبة لا تسمح "بتطبيق حل قائم على حدود متفق عليها بين الشعبين، وبشكل يضمن هوية إسرائيل اليهودية، ويضمن بقاء الأغلبية اليهودية المطلقة في إسرائيل".