قدمت النيابة العامة الإسرائيلية، يوم الخميس الماضي – 1.10.2015، لائحة اتهام إلى المحكمة المركزية في مدينة الناصرة ضد أربعة مواطنين عرب من قرية يافة الناصرة، نسبت إليهم فيها تهما تتعلق بتشكيل خلية تابعة لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في إسرائيل ومحاولة تنفيذ هجمات داخل إسرائيل والاتصال مع عميل أجنبي والعضوية في تنظيم محظور.
كذلك قدمت النيابة، في اليوم نفسه وإلى المحكمة نفسها، لائحة اتهام أخرى ضد ثلاثة مواطنين عرب آخرين، اتهمتهم فيها بمخالفات تتعلق بالسلاح والتآمر على تنفيذ جريمة.
والأربعة المذكورون، وجميعهم في العشرينات من أعمارهم، وأحدهم موجود في السجن بعد إدانته بقتل سائق سيارة أجرة يهودي، متهمون بإجراء اتصال مع مواطن عربي من إسرائيل موجود في سوريا ويقاتل في صفوف تنظيم "داعش"، وبأنه شجعهم على التدرب من أجل تنفيذ هجمات في إسرائيل باسم التنظيم.
ووفقا للائحة الاتهام، فإن الأربعة جمعوا معلومات استخباراتية حول قواعد عسكرية للجيش الإسرائيلي، بالقرب من بلدة ميغدال هعيمق (المجيدل) المحاذية لقريتهم، وكذلك حول مركز للشرطة في البلدة، وأنهم خططوا لإلقاء زجاجة حارقة على سيارة دورية شرطة.
ووفقا لجهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك)، فإن المتهمين الأربعة اعترفوا أثناء التحقيق معهم بأنهم خططوا لتنفيذ عملية إطلاق نار باتجاه قاعدة عسكرية.
وحاول المتهمون الأربعة شراء بندقية أوتوماتيكية من طراز "إم- 16" من دون أن ينجحوا في ذلك، لكن ضُبط بحوزتهم مسدس استخدموه للتدرب على إطلاق النار. واعترف المتهمون بأنهم خططوا لإطلاق النار على مصالح تجارية في الناصرة لأنها تبيع الكحول.
وقال محامي أحد المتهمين إن لائحة الاتهام خطيرة وأن المتهمين ينفون التهم المنسوبة إليهم. كذلك قال والد أحد المتهمين إنه متأكد من براءة ابنه، لكنه أضاف أن المتهمين هم "صبية وهناك من ضللهم وأنا مقتنع بأن أحدا ما فعل ذلك عن عمد".
قبل ذلك بعشرة أيام تقريبا، في 20 أيلول الفائت، قدمت النيابة العامة الإسرائيلية لائحة اتهام إلى المحكمة المركزية في مدينة حيفا ضد إيمان كنجو، 44 عاما، من مدينة شفاعمرو، نسبت إليها فيها تهمة محاولة العبور من تركيا إلى سورية من أجل الانضمام إلى تنظيم "داعش".
ويشار إلى أن كنجو تُعد رسالة الدكتوراه ولديها خمسة أولاد ومتزوجة من إمام مسجد، يحمل الدكتوراه في الدراسات الإسلامية وحصل عليها من جامعة الأزهر في غزة. كذلك فإن ابنتي كنجو تدرسان موضوع الطب.
ووفقا للائحة الاتهام، فإن كنجو تواصلت من خلال موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" مع شخص قال لها إنه من "داعش"، وعبرت أمامه عن رغبتها بالانضمام إلى التنظيم. ومن أجل تحقيق غايتها، أبلغت والدها وطلبت منه مرافقتها، وقد وصلا إلى تركيا في 19 آب الماضي، وكانت تحمل 11 ألف دولار لتمويل إقامتهما.
وعاد والدها إلى إسرائيل في 26 آب، وبعد ذلك بيومين اعتقلت السلطات التركية كنجو لدى محاولتها عبور الحدود إلى سورية، وطردتها إلى إسرائيل، حيث تم اعتقالها من قبل الشرطة في مطار بن غوريون الدولي.
وجاء في لائحة الاتهام أن كنجو "ربطت نفسها أثناء التحقيق بأفكار داعش وبمحاولتها غير الناجحة بالدخول إلى سورية، وقالت إن هدفها كان تدريس وإلقاء محاضرات أمام عناصر داعش حول الشريعة الإسلامية".
وقال محامي كنجو إن موكلته "كانت تنوي الوصول إلى الدولة الإسلامية، وهي مؤمنة بدولة كهذه وذهبت في أعقابها. وقامت بذلك من دون علاقة بالقومية، وإنما انطلاقا من فهم الدين وفق معتقداتها. هكذا كان شعورها والتزامها"، مشيرا إلى أن "زوجها لم يكن يعرف أي شيء" عن خططها.
"جماعة أنصار الله بيت المقدس – الناصرة"
يشار هنا إلى أن القضيتين المذكورتين آنفا ليستا الوحيدتين، وإنما هناك عدة قضايا سبقتهما، وهما القضيتان الأخيرتان وحسب المرتبطتان بمحاولة مواطنين عرب من مناطق 48 الانضمام إلى صفوف "داعش".
وخلال عدوان "الجرف الصامد" الإسرائيلي على قطاع غزة، في صيف العام الماضي، جرى رفع رايات سوداء، شبيهة براية تنظيم "داعش"، في مظاهرات مناهضة لهذا لعدوان.
وفي الثالث من أيلول العام 2014 أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي، موشيه يعلون، عن أن تنظيم "الدولة الإسلامية" هو تنظيم محظور، وممنوع إجراء أي اتصال معه.
وبعد ذلك بأسبوع، في العاشر من أيلول 2014، عقد رئيس حكومة إسرائيل، بنيامين نتنياهو، اجتماعا للمجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية (الكابينيت)، تم تخصيصه لـ"تهديد تنظيم الدولة الإسلامية"، وشارك فيه وزراء وقادة الأجهزة الأمنية والمستشار القانوني للحكومة، وتناول تشديد إجراءات تطبيق القانون ضد مظاهر التماثل مع هذا التنظيم والبحث عن نشطاء متعاطفين مع أفكاره وإحباط محاولات لتشكيل خلايا للتنظيم.
بعد ذلك جرى طرح مشروع قانون ضد "داعش" بعد أن تزايدت، نسبيا، مظاهر التأييد لهذا التنظيم وخاصة في أعقاب اقتحامات متكررة من جانب المتطرفين اليهود للحرم القدسي الشريف، العام الماضي.
وكان الشاباك قد أصدر مذكرة، في العام 2008، حول تغلغل أفكار تنظيم القاعدة إلى إسرائيل، وقال الشاباك في مذكرة أخرى أصدرها في العام 2012 إن "تعميق التماثل مع الأفكار السلفية، وخاصة السلفية الجهادية، يصعد المخاطر المحتملة على إسرائيل".
وأضاف الشاباك أنه على الرغم من أن هذه الظاهرة "ليست محل إجماع بين العرب في إسرائيل، إلا أنه ثمة تخوف من أن يرى شبان متأثرون بشخصيات دينية لديها كاريزما وتؤيد أفكار القاعدة، في أفكار السلفية الجهادية مبررا دينيا وفكريا للانتقال من النظري إلى العملي بما في ذلك تنفيذ عمليات عسكرية وممارسة الإرهاب".
وبحسب مذكرة الشاباك، وكلتا المذكرتين منشورتان على موقع الشاباك الالكتروني، فإن مركز الأفكار السلفية الجهادية موجود في مدينة الناصرة. وتأتي ملاحظة الشاباك هذه في أعقاب اعتقال إمام مسجد شهاب الدين في المدينة، الشيخ ناظم أبو سليم سكاف، الذي أسس "جماعة أنصار الله بيت المقدس - الناصرة".
ويصف الشاباك هذه الجماعة بأنها "خلية إرهابية"، واتهم قسما من أعضائها بمحاولة الوصول إلى الصومال من أجل ممارسة معتقداتهم، وبأن هذه الجماعة تقف وراء عملية قتل سائق سيارة الأجرة اليهودي المذكورة أعلاه، وبأنها نفذت اعتداءات على يهود ومسيحيين وخططت لتنفيذ عمليات وخطف مواطنين وجنود إسرائيليين، وحتى لشن هجوم ضد البابا أثناء زيارته لإسرائيل في العام 2009.
الحركة الإسلامية تتبرأ من "داعش"
تضمنت دورية "جيش وإستراتيجيا" الفصلية، التي صدرت في شهر أيلول الماضي عن "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، مقالا مطولا للباحث الإسرائيلي أريئيل كوخ، الذي يعد رسالة الدكتوراه في جامعة بار إيلان.
وكتب كوخ من ضمن أشياء أخرى أن "تيار السلفية الجهادية يعتبر متطرفا داخل معسكر الإسلام السياسي، بما في ذلك داخل إسرائيل" في إشارة إلى الجناح الشمالي للحركة الإسلامية برئاسة الشيخ رائد صلاح. وأردف أن "هذا المعسكر بين العرب في إسرائيل مُقرّب من الإخوان المسلمين أكثر من جماعات سلفية وتنظيمات راديكالية، رغم أن اتجاه الأسلمة، والانجذاب للفكرة السلفية الجهادية ومن خلال ذلك تأييد تنظيم الدولة الإسلامية، باتا حقيقة قائمة لديه".
ويقصد كوخ بذلك تصريحات نائب رئيس الحركة الإسلامية - الجناح الشمالي، الشيخ كمال خطيب، الذي قال في خطاب ألقاه في القدس، يوم 15 تشرين الأول من العام الماضي، إن "الحالة العامة التي تعيشها الأمة الآن حالة صعبة في ظل ما يجري في الوطن العربي وفي ظل ما يقوم به أعداء الشعوب من ثورات مضادة للربيع العربي، لذلك هذه الحالة المعنوية تتطلب أصحاب عزائم ليقولوا نحن هنا أمام الوكر الذي يعبث في كل الوطن العربي" .
وأضاف خطيب أنه "في وسط هذا الوكر الظالم نحن نؤكد على حقنا وعلى ثباتنا وعلى صبرنا وعلى رباطنا هنا في القدس. نعم قلت وأؤكد، القدس ليست فقط عاصمة الدولة الفلسطينية بل عاصمة الخلافة الإسلامية الراشدة القادمة إن شاء الله".
وقد أثارت هذه الأقوال حفيظة الكثيرين، وقيل إنها تعبر عن تأييد لـ"داعش"، وتعالت دعوات لتوضيح موقف الحركة الإسلامية من "داعش".
في أعقاب ذلك قال خطيب "أتفهم أن هناك سطحية عند البعض في فهم التاريخ، فكلمة الخلافة الإسلامية غير مرتبطة لا بتنظيم داعش ولا بغيره". كما صرح بأن "داعش" تنظيم إرهابي.
كذلك قال الشيخ رائد صلاح "نؤكد أننا نرفض كل سلوكيات التنظيم الذي يدعى داعش، هذا النظام الدموي الذي يعتمد على الاغتيالات، ويقوم على ظلم الأهل سواء كانوا في العراق أو في سورية أو في أي مكان".
دور الانترنت
جاء في مذكرة الشاباك من العام 2012، أنه "ظهر في الوسط العربي مؤخرا تعاطف مع أفكار السلفية الجهادية. وبرغم أن الحديث يدور حول ظاهرة ضئيلة، إلا أنها آخذة بالاتساع وتشكل مركز جذب لشبان متطرفين".
ويتبين أن الانترنت، وخاصة موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" أكثر من غيره، يؤدي دورا مركزيا في نشر أفكار "داعش" وفي التواصل بين أفراد في إسرائيل وعناصر من التنظيم، بحسب كوخ. فهو يقول "أدّى الانترنت دورا مركزيا وكان حاضرا في كل مرحلة، بدءا بتلقي الإيحاء ومرورا بالتخطيط وحتى التنفيذ أو محاولة التنفيذ".
وأضاف كوخ أن "لمؤيدي السلفية الجهادية، ’القاعدة’ أو ’الدولة الإسلامية’، في الشبكات الاجتماعية مميزات مشتركة، والراية السوداء هي إحداها. وثمة مميزات أخرى هي التعبير عن الإعجاب بزعماء بارزين في حركة الجهاد العالمي، مثل أسامة بن لادن أو أبو مصعب الزرقاوي، ونشر صور وتسجيلات دعائية، ومتابعة خطباء أو مجموعات معروفة بأنها سلفية جهادية، وكتابة بلاغات تؤيد ’الجهاد’ والمجاهدين، أو تهديد ’أعداء الإسلام’".
جوهر التخوفات الإسرائيلية
أشار كوخ إلى أن تخوف الشاباك من ذهاب مواطنين عرب من إسرائيل إلى سورية، هو "من احتمال استغلالهم من قبل جهات إرهابية في هذه الجبهة، سواء كمصدر معلومات عن أهداف في البلاد أو للقيام بنشاط عسكري ضد دولة إسرائيل".
ووفقا لمذكرة الشاباك فإن الحركة السلفية الجهادية هي "مركز جذب لشبان متطرفين، إلا أنها لم تنجح في جذب جماهير".
وأضاف كوخ أنه "مثلما هناك أفراد ينجذبون إلى القوة، فإن كثيرين آخرين يرفضون الفظائع والأعمال الوحشية التي ينفذها نشطاء ’الدولة الإسلامية’. كما أن الرايات السوداء شوهدت في مدن قليلة (في إسرائيل)، بينما المظاهرات وأعمال الشغب (الاحتجاجات على العدوان الإسرائيلي العام الماضي) جرت في جميع أنحاء الدولة. ورغم أن ظهور الرايات السوداء في إسرائيل تدل على حضور مؤيدي السلفية الجهادية، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن هؤلاء سيقومون بخطوات عنيفة".
وتابع كوخ أنه "ينبغي أن نتذكر أن عملا عنيفا يبقى أساسًا مرتبطا بالوسائل، أو الأصح بانعدام الوسائل المتوفرة بحوزة السلفيين المتطرفين، وبقدر أقل من ذلك هو مرتبط بإرادتهم".