يأمل وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، غلعاد إردان، أن يتمكن مرشحه الجديد لمنصب المفتش العام للشرطة، روني ألشيخ، الذي يشغل حاليا منصب نائب رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك)، من إنقاذ جهاز الشرطة الذي يعاني من أزمة حادة جدا، إلى درجة أن الوزير لم يجد أحدا من بين كبار ضباط الشرطة لتعيينه مفتشا عاما. وأيد رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، تعيين ألشيخ مفتشا عاما، وحتى أنه بذل جهدا من أجل إقناعه بتولي هذا المنصب، خاصة وأن نتنياهو هو المسؤول الأعلى عن الشاباك، الخاضع لمكتب رئيس الحكومة مباشرة، مثله مثل جهاز الموساد.
وطرح إردان اسم ألشيخ، قبل أسبوعين، كمرشح لمنصب المفتش العام للشرطة بعد أن مني بفشل ذريع في تعيين العميد غال هيرش. فقد تبين أنه تحوم شبهات فساد حول هذا الأخير، إضافة إلى شبهات حول صفقات أسلحة "غير نظيفة". ولدى طرح اسم هيرش على اللجنة الاستشارية للتعيينات في المناصب الرفيعة، برئاسة القاضي المتقاعد يعقوب تيركل، والمعروفة باسم "لجنة تيركل"، كان رد اللجنة أن المدة للتدقيق في صلاحية التعيين ليست واضحة وقد تمتد لفترة طويلة، بينما منصب المفتش العام شاغر منذ عدة أسابيع، بعد انتهاء ولاية المفتش السابق، يوحنان دانينو. وفي هذه الأثناء، أعلنت "لجنة تيركل"، الأسبوع الماضي، عن مصادقتها على تعيين ألشيخ مفتشا عاما، ليعبر بذلك هذا التعيين مرحلة هامة.
يشار إلى أن ألشيخ كان المرشح الأوفر حظا لمنصب رئيس الشاباك بعد انتهاء ولاية رئيسه الحالي، يورام كوهين. ووفقا للتقارير الصحافية الإسرائيلية، فإن إردان اقترح على ألشيخ منصب المفتش العام للشرطة قبل أن يقترح هذا المنصب على هيرش، لكن ألشيخ رفض وفضل أن يتولى رئاسة الشاباك. وبعد ظهور إشكاليات تعيين هيرش، عاد إردان إلى ألشيخ، ومارس عليه ضغوطا كبيرة، بينها الاستعانة بعضو الكنيست يسرائيل حسون، الذي تولى في الماضي منصب نائب رئيس الشاباك وكان قائد ألشيخ، من أجل إقناع الأخير. كذلك ساهم في إقناع ألشيخ نتنياهو نفسه.
وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية، يوم السبت الماضي، أن نتنياهو ينوي تسريع إجراءات تعيين ألشيخ مفتشا عاما للشرطة، على ضوء الوضع الأمني المتوتر في القدس الشرقية.
ويتوقع أن تصادق الحكومة في هذه الأيام على التعيين، وأن يبدأ ألشيخ ولايته قريبا جدا، وليس بعد أسبوعين كما كان مقررا.
مستوطن ومسؤول الشاباك في الضفة
يعتمر ألشيخ القلنسوة المنسوجة، التي تميز أتباع التيار الصهيوني – الديني اليميني الاستيطاني، لكن رئيس تحرير صحيفة "معاريف"، بن كسبيت، وصفه بأنه "يميني معتدل من حيث أفكاره، التي لا تؤثر على منصبه وأدائه".
وهو متزوج وله سبعة أولاد، وسكن سنوات طويلة في مستوطنة بالقرب من مدينة رام الله في الضفة الغربية. وأحاطه المستوطنون بهالة كبيرة عندما كان مسؤول الشاباك عن الضفة الغربية. لكن هذه الهالة صارت إلى أفول في مرحلة ما، قبل بضع سنوات، عندما أخذ يتظاهر مستوطنون أمام بيته في المستوطنة، في أعقاب خطوات اتخذتها الحكومة ضد المستوطنين. وقرر على أثر ذلك الانتقال إلى بلدة تسكنها أغلبية من الصهيونية – الدينية داخل الخط الأخضر.
ومن بين دلالات تعيين ألشيخ مفتشا عاما، زيادة عدد أنصار الصهيونية – الدينية في مراكز القوة ومواقع صناعة القرار في إسرائيل.
وخلال خدمته العسكرية، تولى ألشيخ قيادة السرية الهندسية في سلاح المظليين. ومن أبرز العمليات العسكرية التي قادها كانت عملية "القانون والنظام"، سوية مع هيرش، ضد حزب الله في بلدة ميدون اللبنانية وقُتل فيها 50 مقاتلا من حزب الله. كذلك قاد ألشيخ عمليات الشاباك، الذي انضم إلى صفوفه في العام 1987 (عام انطلاق الانتفاضة الأولى)، ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية لسنوات طويلة. ويقول محللون إسرائيليون إن معظم المهام التي نفذها ألشيخ لن يكون بالإمكان الكشف عنها.
شكوك حيال تحسين حال الشرطة
طرح محللون إسرائيليون شكوكا كثيرة حول قدرة ألشيخ على تحسين حال جهاز الشرطة، الذي يعاني من أزمات تنظيمية وأخلاقية، بعد سلسلة الفضائح التي عصفت بهذا الجهاز، بدءا من فضائح الفساد وحتى الفضائح الجنسية، والتي أطاحت بستة من كبار الضباط.
ووفقا لمقال نشره الكاتب سيفي رخليفسكي في صحيفة "هآرتس"، يوم الأربعاء الماضي، فإن نتنياهو هو الذي دفع إلى تعيين ألشيخ مفتشا عاما، وأن الأخير يحظى بمودة خاصة من جانب نتنياهو. ولفت الكاتب إلى أن زوجة وأولاد ألشيخ يقولون دائما إنه "يجب أن نسيطر هنا" ويعبرون عن غضبهم من "أفراد الشرطة الذين لا يفعلون شيئا ضد العرب في شرقي القدس وأم الفحم" رغم كل ممارسات الشرطة القمعية ضد الفلسطينيين في كلا جانبي الخط الأخضر. وعندما جرى تحقيق ضد جندي متدين، اتهمت عائلة ألشيخ "النيابة العامة العسكرية التي سيطر عليها كارهو إسرائيل". وأضاف رخليفسكي أنه "مرتبط الآن بغضب العائلة هذا المفتش العام للشرطة، الذي يفترض به أن يخدم جميع المواطنين من دون تمييز في الدين والرأي والعرق".
وأضاف رخليفسكي أنه "استعرضت أمام ألشيخ مطالب رئيس الحكومة من الشرطة، واثنان منها تتلاءم مع مطالب عائلته، وهي حرب في القدس الشرقية وتطبيق القانون في المجتمع العربي في إسرائيل". ويذكر أن نتنياهو سعى لتخفيف يد أفراد الشرطة على الزناد ضد المتظاهرين في القدس الشرقية وضد المواطنين البدو في النقب.
وأشار رخليفسكي إلى أمر آخر مرتبط بكون ألشيخ ينتمي إلى معسكر اليمين الإسرائيلي، وهو محاربة الفساد السلطوي. وتساءل: "هل سيخطر على بال ألشيخ المس بمن عيّنه وبحكومة يمينية؟ هل سيفكر في الابتعاد عن أفكار عائلته ومجتمعه وحاخاميه ومفهومه الديني، والتي تأثر بها وأوضحوا له أنه يتم تعيينه من أجل تطبيق هذه الأفكار؟ هل من يؤمن بسلب الحقوق من غير المواطنين (أي الفلسطينيين) سيعمل من أجل إحداث تغيير في الشرطة التي تتجاهل المواطنين الضعفاء؟".
كذلك تساءل كسبيت حول ما يمكن أن يفعله ألشيخ في حال قررت النيابة العامة تعميق التحقيقات في قضية بيوت رئيس الحكومة، وأنه يتعين التحقيق مع نتنياهو نفسه.
وأشار كسبيت إلى أنه من أجل إقناع ألشيخ بالموافقة على تولي منصب المفتش العام، ربما يكون نتنياهو قد وعده بأن يتم تعيينه رئيسا للشاباك بعد ذلك. فهذا الأمر ممكن في حال تمديد ولاية رئيس الشاباك الحالي لسنتين واستقالة ألشيخ كمفتش عام قبل نهاية ولايته. "وفي هذه الحالة سيحصل نتنياهو على ما يريده: مفتش عام في الجيب". وأضاف كسبيت أن "ألشيخ سينتظر تنفيذ الوعد السلطوي بالحصول على رئاسة الشاباك، وما سينشأ هنا عمليا هو مفتش عام تكون مصلحته ببقاء رئيس الحكومة في منصبه".
ورد إردان على هذا السيناريو بالقول إنه لن يوافق على ولاية جزئية لمنصب المفتش العام، وإنه يريد من ألشيخ، الذي وضع وأدار الخطة المتعددة السنوات للشاباك أن يفعل الأمر نفسه في الشرطة، ويطور وسائل عملها، بدءا من عمل المباحث وجمع المعلومات الاستخباراتية وحتى الوسائل التكنولوجية وحرب السايبر في الفضاء الافتراضي.
المصطلحات المستخدمة:
الموساد, الصهيونية, الخط الأخضر, هآرتس, الكنيست, رئيس الحكومة, بنيامين نتنياهو