المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1626

يرسم التقرير الأخير الذي أصدرته منظمة "يش دين" ("يوجد قانون") لحقوق الإنسان في 17 أيار الأخير صورة قاتمة جدا، بل خطيرة للغاية، عن نهج سلطات فرض وتطبيق القانون الإسرائيلية في المناطق المحتلة، وخاصة الشرطة، في كل ما يتعلق بتطبيق القانون ومعالجة "الجرائم الأيديولوجية" التي يرتكبها المستوطنون الإسرائيليون ضد السكان الفلسطينيين في مختلف أنحاء الضفة الغربية، والتي (الجرائم) تشمل: الاعتداءات الجسدية، الاعتداء على الممتلكات وتخريبها، الاستيلاء بالقوة على أراض تعود ملكيتها لمواطنين فلسطينيين وغيرها من الجرائم، التي ترتكب بصورة شبه يومية حتى أصبحت "جزءا من الواقع" اليومي المعاش في الضفة الغربية.

وقد عرضت "يش دين" تقريرها هذا، سوية مع "ورقة معلومات" تشمل معطيات حول نتائج المحاكمات بجريرة "الجرائم الإيديولوجية" في الضفة الغربية، في مؤتمر خاص عقدته الأسبوع الماضي لمناسبة مرور عقد من الزمن على تأسيس هذه المنظمة الحقوقية.

محتويات التقرير

يمكن لعناوين فهرس محتويات هذا التقرير، الذي صدر بعنوان "الالتفاف على القانون"، أن ترسم أمام القارئ حدود الصورة العامة التي يكشف عنها وأن تبين بعض تفاصيلها الأساسية، وذلك حيال ضيق المجال وعدم إمكانية سرد وتسجيل تفاصيله وحيثياته الكاملة، وهي على النحو التالي: 1. ملخص النتائج وتوصيات؛ 2. مقدمة؛ 3. الفصل الأول ـ خلفية تطبيق القانون في الضفة الغربية: أ. واجب سلطة الاحتلال حماية المواطنين الذين يعيشون في منطقة محتلة والدفاع عنهم؛ ب. تطبيق القانون في الضفة الغربية؛ ت. واجب إجراء التحقيق؛ ث. محطات مركزية في تاريخ تطبيق القانون في الضفة الغربية؛ 4. الفصل الثاني ـ تطبيق القانون على المواطنين الإسرائيليين المعتدين على الفلسطينيين وممتلكاتهم: أ. لواء "يهودا والسامرة" (الضفة الغربية) في شرطة إسرائيل؛ ب. نتائج متابعات "يش دين" لمعالجة شكاوى الفلسطينيين ضد مواطنين إسرائيليين (معطيات)؛ 5. الفصل الثالث ـ إخفاقات وقصورات أساسية في التحقيقات التي يجريها "لواء يهودا السامرة" في شرطة إسرائيل: أ. جمع الأدلة والمعلومات ذات الأهمية والعلاقة بالتحقيقات؛ ب. زيارة موقع الحدث لجمع الأدلة؛ ت. إخفاقات وقصورات أخرى في جمع الأدلة والمعطيات ذات الأهمية والعلاقة بالتحقيقات؛ ث. جمع وتسجيل إفادات من جنود، مواطنين إسرائيليين وفلسطينيين كانوا شهودا على الحادثة؛ ج. التحقيق مع مشتبه بهم؛ ح. استدعاء مشتبه بهم للتحقيق؛ خ. الامتناع عن إجراء مواجهات بغية الحسم بين روايتي المشتكي والمشتبه به؛ د. الامتناع عن فحص وتأكيد ادعاءات المشتبه بهم بشأن "حجة الغياب" (الدفع بالغيبة) وعدم المطالبة بإثبات هذه الحجة؛ ذ. التعرف على المشتبه بهم والوصول إليهم؛ ر. عدم تنظيم "طابور المشتبه بهم" للتعرف على الجاني؛ ز. التعرف على المشتبه به بواسطة ألبوم الصور البوليسي، بدلا من تنظيم طابور المشتبه بهم في الحالات التي يكون فيها مشتبه به عيني؛ س. عدم إجراء عملية التعرف على المشتبه به بواسطة ألبوم الصور، حتى في الحالات التي يؤكد المشتكي قدرته على التعرف على المشتبه به؛ ش. إغلاق ملفات من دون إجراء أي تحقيق، ولو بالحد الأدنى؛ ص. إغلاق ملفات رغم توفر أدلة كافية لتقديم لائحة اتهام؛ ض. عدم إجراء أي تحقيق بمبادرة الشرطة في حالات لم تقدم شكاوى بشأنها؛ 6. الفصل الرابع ـ مشاكل بنيوية في تطبيق القانون في الضفة الغربية: أ. عدم تقديم شكاوى إلى الشرطة بسبب انعدام الثقة بسلطات القانون الإسرائيلية؛ ب. انعدام تواجد الشرطة في الميدان؛ ت. ظاهرة "الوقوف جانباً" والاتكال على التعاون من قبل جنود الجيش الإسرائيلي؛ ث. العلاقة بين الشرطة والمواطنين الإسرائيليين المقيمين في الضفة الغربية؛ ج. الاتكال على رأي المستشار القانوني لمنطقة "يهودا والسامرة"؛ ح. رفض الشرطة معالجة الجانب الجنائي في مخالفات البناء غير القانوني؛ 7. الفصل الخامس ـ أوامر إدارية بدلا من تطبيق القانون على الإسرائيليين المعتدين على الفلسطينيين وممتلكاتهم: أ. إغلاق مناطق واسعة بأوامر "منطقة عسكرية مغلقة"؛ ب. أوامر إدارية ضد مواطنين إسرائيليين؛ 8. تلخيص؛ 9. تركيز التوصيات العملياتية في التقرير؛ 10. تعقيبات.

الهدف: الترهيب للاستيلاء على الأراضي

الصورة المرتسمة من تقرير "الالتفاف على القانون" تؤكد، بصورة أساسية وجليّة، إخفاق وقصور سلطات وأذرع فرض القانون وتطبيقه في الضفة الغربية في كل ما يتصل باعتداءات المستوطنين اليومية على المواطنين الفلسطينيين وممتلكاتهم المختلفة، كما تؤكد عجز دولة إسرائيل (دولة الاحتلال) عن توفير الحماية للمواطنين الفلسطينيين في المناطق الخاضعة للحكم العسكري الإسرائيلي، طبقا لما يمليه القانون الدولي ويوجبه.

ويشكل هذا التقرير حصيلة عشر سنوات من أعمال المتابعة، الرصد والتوثيق التي قامت بها منظمة "يش دين" لمختلف أنواع وتجليات "الجرائم الإيديولوجية" التي تتمثل في اقتراف المستوطنين جرائم جنائية مختلفة بحق الفلسطينيين وممتلكاتهم في شتى أنحاء الضفة الغربية. وتتميز هذه الجرائم، أساسا، بأنها تنطلق من خلفيات ودوافع عنصرية وتبتغي تحقيق هدف استراتيجي واضح هو: إشاعة أجواء الترهيب على الضحايا الفلسطينيين سعياً إلى إبعادهم عن أراضيهم ثم الاستيلاء عليها لصالح توسيع المستوطنات والبؤر الاستيطانية المختلفة في الضفة الغربية.

وفضلا عن رصد وتوثيق هذه الاعتداءات والجرائم، عينيا وميدانيا، تحرص منظمة "يش دين"، منذ تأسيسها قبل عشر سنوات وعلى مدارها، على المتابعة الوثيقة والمتواصلة لسلوك الشرطة (لواء "يهودا والسامرة") ونهجها في معالجة هذه الاعتداءات والجرائم، بما في ذلك متابعة وتوثيق التحقيقات التي تجريها بشأن هذه الاعتداءات، النتائج التي تتمخض عنها، مدى الاجتهاد للكشف عن الجناة ومدى النجاح في ذلك، ثم مدى جدية وحرص الشرطة في كل ما يتصل بإنهاء هذه التحقيقات وجمع الأدلة الكافية وتقديم لوائح اتهام بحق الجناة المعتدين.

ويشكل هذا الجهد (المراقبة، المتابعة، الرصد والتوثيق) محور وأساس المشروع طويل المدى الذي تنفذه "يش دين"، منذ تأسيسها، بهدف تعزيز وتعميق إجراءات فرض وتطبيق القانون على المواطنين الإسرائيليين ـ من المستوطنين وسواهم ـ المتورطين في المس بالفلسطينيين وممتلكاتهم، انطلاقا من الرؤية المبدئية القائلة بأن إسرائيل (بوصفها دولة الاحتلال) ملزمة ـ طبقا لنصوص وأحكام القوانين والمواثيق الدولية ـ بحماية المواطنين الفلسطينيين الخاضعين لسيطرتها العسكرية والدفاع عنهم وعن ممتلكاتهم، وهو واجب قانوني وأخلاقي على حد سواء.

ليس عجزا بل نهج وطريقة!

يشمل التقرير متابعات "يش دين" وتوثيقاتها بشأن 996 ملفاً فتحتها الشرطة الإسرائيلية (لواء "يهودا ولسامرة") وأنهت "معالجتها"، تتعلق جميعها باعتداءات وجرائم مختلفة نفذها مستوطنون وإسرائيليون آخرون ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم في الضفة الغربية.

والنتيجة الأبرز التي تعلو من هذا الرصد والتوثيق هي الأهمّ وهي التي تكشف حقيقة النهج الذي تعتمده الشرطة في هذا المجال، بما يثبت عجزها، إخفاقها، قصورها وإهمالها في "معالجة" هذه الجرائم: 3ر85% من ملفات التحقيق هذه تم إغلاقها من دون تقديم أي مشتبه به أو متهم إلى القضاء، وذلك إما لـ "عدم تمكن" الشرطة من جمع ما يكفي من الأدلة لتقديم لوائح اتهام وإما لـ"عدم تمكّن" الشرطة من العثور على المشتبه بهم / الجناة وعدم الوصول إليهم. وتشكل الحجة الأخيرة هذه (عدم التمكن من الوصول إلى المتشبه بهم / الجناة) ـ وهي ما تسميها الشرطة رسميا بـ: "الجاني غير معروف" ـ السبب الرئيس في إغلاق الجزء الأكبر من ملفات التحقيق: 593 ملفاً!!

وتشكل هذه الحجة، في القانون الجنائي الإسرائيلي وفي "أمر الشرطة"، واحدة من تسع حجج / أسباب تستطيع الشرطة بموجبها إغلاق ملف تحقيق جنائي، من بينها أيضا: عدم توفر تهمة، نقص في الأدلة (أدلة غير كافية)، كون المشتبه به قاصرا وغيرها.

ومن بين النتائج البارزة والهامة، الخطيرة، الأخرى التي يخلص إليها التقرير: 4ر7% فقط من مجمل الملفات التي تم فتح التحقيق فيها انتهت بإعداد وتقديم لوائح اتهام ضد الجناة المعتدين؛ الـثـُلث فقط (7ر32%) من مجمل الإجراءات القضائية انتهت بإدانة الجناة المعتدين، إدانة كلية تامة أو جزئية؛ احتمال أن تؤدي أية شكوى يقدمها مواطن فلسطيني إلى شرطة إسرائيل بجريرة هذه الاعتداءات إلى فتح تحقيق جدي وفعال، إلى العثور على مشتبه به بتنفيذ الاعتداء، إلى تقديمه إلى المحاكمة ثم إلى إدانته في نهاية المطاف (أي أن تأخذ الشكوى حقها فعلا وأن تحظى بالمعالجة الموضوعية والكاملة، حتى استنفاد الإجراءات القضائية بشأنها) – هو احتمال لا يتعدي الـ 8ر1% فقط!!

والسؤال الجوهري الذي يطرحه التقرير في سياق هذه النتائج، بشأن إغلاق هذا الكم الهائل من الملفات بوجه عام وإغلاق هذا العدد الكبير منها بالحجة المذكورة ("الجاني غير معروف") بوجه خاص هو: هل بذلت الشرطة كل الجهود اللازمة والتي تستطيعها من أجل العثور على المتشبه به والوصول إليه؟ وفي الإجابة عن هذا السؤال، تأسيسا على عشرات، بل مئات، الحالات التي تم رصدها وتوثيقها يتوصل التقرير إلى النتيجة الأبرز والأخطر: ما قامت به الشرطة من محاولات وما بذلته من جهد للعثور على المشتبه بهم / الجناة كان جزئيا ومحدودا جدا في أحسن الأحوال و"غمزة فظّة" للجاني (غض نظر / تجاهل / إهمال) في أسوأ الأحوال! ومعنى هذا أن الشرطة لا تبذل، في كثير جدا من الحالات، أدنى جهد ـ مما يفرضه عليها القانون ـ للعثور على الجناة، الوصول إليهم، القبض عليهم، ثم إخضاعهم للتحقيق الجنائي، اعتقالهم وربما تقديمهم للمحاكمة أيضا.

وتعليقا على هذا، يقول معدو تقرير "يش دين": "ليس من الواضح ما إذا كان هذا (الإخفاق / غض النظر / التجاهل / الإهمال) مردّه الخوف من أن النجاح في هذه التحقيقات من شأنه خلق وإشاعة أجواء من الكراهية والعداء تجاههم (رجال الشرطة) من قبل السكان اليهود. ليس واضحا ما إذا كان هذا امتثالا لـ"روح القائد" القائلة بأن "إياكم والنجاح هنا أكثر من اللزوم"! وليس واضحا ما إذا كان الأمر مجرد تكاسل أو تعاطف صامت مع المعتدين. غير أن الواضح هو أن ثمة هنا ما هو أبعد وأكبر من مجرد العجز، شيء أقرب لأن يكون نهجاً وطريقة"!

وحيال هذا النهج وهذا الواقع، لا عجب إذن في أن الفلسطينيين لا يثقون، إطلاقا، بما يسمى "سلطات وأذرع القانون وتطبيقه" الإسرائيلية في الضفة الغربية، وهو ما يحول دون تقديمهم شكاوى على هذه الاعتداءات، في الغالبية الساحقة منها، كما بيّن تقرير سابق أعدته "يش دين": 23% فقط من هذه الاعتداءات يتم رفع شكاوى إلى الشرطة (الإسرائيلية) بشأنها!

ويضع تقرير "يش دين" الجديد جملة من التوصيات العملياتية لمعالجة هذا الإخفاق والتغلب على هذا العجز، بل لتغيير نهج "التأييد الصامت" / غض الطرف / التجاهل الذي تعتمده الشرطة في معالجة اعتداءات المستوطنين على الفلسطينيين وممتلكاتهم. ويستهل معدو التقرير "باب التوصيات" بالتأكيد على ما يلي: إن وجود المستوطنات يشكل اعتداء خطيرا وشاملا على حقوق الإنسان الفلسطيني في الضفة الغربية. فقط بتفكيك المستوطنات وإنهاء الاحتلال يمكن حل مشاكل تطبيق القانون على مواطنين إسرائيليين في الضفة الغربية. لكن، طالما بقي الوضع القائم على حاله، ومن أجل تقليص الجرائم الإيديولوجية والمس بالفلسطينيين، ثمة حاجة ملحة إلى تغيير عميق يشمل رصد وتخصيص الموارد اللازمة، تغيير في "روح القائد" ووضع أهداف عينية واضحة.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات