المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1827

عقدت اللجنة الوزارية الإسرائيلية لشؤون التشريع اجتماعها الأول بتركيبتها الجديدة، برئاسة وزيرة العدل أييليت شاكيد (حزب "البيت اليهودي")، أول من أمس الأحد.

وتتألف هذه اللجنة من 12 وزيرا، لكن توجد لحزب الليكود الحاكم أغلبية فيها، إذ يمثله سبعة وزراء. ويمثل "البيت اليهودي" في اللجنة وزيران، ويمثل حزب "كولانو" برئاسة موشيه كحلون وزيران، وحزب شاس وزير واحد.

وتوجد لرئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، قوة كبيرة وغير مألوفة في هذه اللجنة، إذ تنص الاتفاقيات الائتلافية على منحه حق النقض (فيتو) ضد طرح مشاريع قوانين للتصويت عليها في اللجنة الوزارية، الأمر الذي يسمح له بتحديد القوانين التي ستصل إلى الهيئة العامة للكنيست وتلك التي يقرر منع طرحها. رغم ذلك، قدّرت شاكيد والوزير ياريف ليفين، عضو اللجنة ومندوب نتنياهو فيها، أن استخدام الفيتو سيكون محدودا ولن يمس بعمل اللجنة.

وأشارت تقارير صحافية إلى أنه خلال السنوات الأخيرة طرأ تراجع متواصل على مكانة الهيئة العامة للكنيست كسلطة تشريعية. وحلت اللجنة الوزارية لشؤون التشريع مكان أعضاء الكنيست الـ120. وأعضاء هذه اللجنة هم الذين يحددون ما إذا كان نواب الائتلاف سيؤيدون مشاريع القوانين أو يعارضونها. وبسبب وجود أغلبية أوتوماتيكية في الكنيست، تحولت هيئتها العامة إلى منفذة لقرارات هذه اللجنة الوزارية، بحيث في حالات نادرة فقط تمنح حرية تصويت لنواب الائتلاف.

وقال ليفين إن اللجنة الوزارية لشؤون التشريع الحالية "متجانسة أكثر" من اللجان في الحكومات السابقة، وأشار إلى اللجنة في الحكومة السابقة، التي كثيرا ما استأنف وزراء، وخاصة رئيستها في حينه، تسيبي ليفني، على قرارات اللجنة.

وفسر نواب من حزب الليكود إصرار نتنياهو على منحه حق الفيتو، بأنه تحسب من أن تستخدم شاكيد اللجنة "كرافعة" لدفع مطالب حزبها وقوانين تهدف إلى إضعاف المحكمة العليا أو دفع مصالح المستوطنات من دون رقابة، وإحراج نتنياهو أمام الجهاز القضائي وأمام المجتمع الدولي.

ويتوقع أن يشكل نتنياهو أيضا دور الحكم في الخلافات داخل اللجنة وأن يكون القرار الأخير بيده في هذه الحالة. وينص الاتفاق الائتلافي مع حزب "البيت اليهودي" على أن "يحدد رئيس اللجنة جدول أعمالها سوية مع القائم بأعماله، الذي يعينه رئيس الحكومة (وهو ليفين). وفي حال طلب القائم بالأعمال إرجاء تصويت، يتم ذلك ويستمر التأجيل إلى حين الاتفاق بينه وبين رئيس اللجنة أو حتى يحسم رئيس الحكومة في الأمر".
من جانبه، توقع ليفين، الذي جرى تخويله باستخدام الفيتو من قبل نتنياهو، بأنه لن يستخدم الفيتو بصورة كبيرة. وقال إنه "لدي حق النقض على المواضيع التي ستطرح، لكني أقدر أن استخدام هذا الفيتو سيكون قليلا جدا. لا أريد استخدامه بصورة تسلسلية". وبما أن جميع مركبات الحكومة هي من أحزاب اليمين، قال ليفين إنه يوجد بيني وبين أييليت تفاهم جيد وسيكون هناك تنسيق جيد".

وعبرت أحزاب المعارضة عن قلقها إزاء القوة الكبيرة التي بيدي نتنياهو. وحذر عضو الكنيست دوف حنين، من القائمة المشتركة، من "حكم فردي" من جانب نتنياهو، وقال إنه "عندما يشعر نتنياهو بأنه في موقف أقلية فإن بإمكانه استخدام الفيتو ومنع دفع قانون كهذا أو ذاك. وهذا ليس مقبولا أبدا في المفاهيم الديمقراطية". وسيكون من الصعب على الجمهور معرفة الظروف التي سيستخدم نتنياهو فيها الفيتو. فاللجنة لا تعتمد الشفافية ولا تدون بروتوكول في اجتماعاتها، كما أن قراراتها لا تتخذ بتصويت عادي وإنما من خلال تفاهمات صامتة بين كتل الائتلاف ومن خلال صفقات سياسية تُنسج خلف الكواليس.

ونقلت صحيفة "هآرتس" عن مصدر في حزب الليكود قوله إن "من حسنات هذه اللجنة هو أن التصويت فيها يتم بصفقات صامتة. والشفافية ستجعل من الصعب وحسب عقد تحالفات ودفع مواضيع، ولذلك فإن احتمالات خطوة كهذه (اعتماد الشفافية) ضئيل".

المصادقة على قانونين جديدين ضد الفلسطينيين

صادقت اللجنة لشؤون التشريع، خلال اجتماعها أول من أمس، على مشروعي قانون ضد الفلسطينيين. وقررت أن يؤيد الائتلاف في الكنيست مشروع قانون يمنع الأسرى الأمنيين من حق إجراء محادثات هاتفية مع عائلاتهم بادعاء التخوف من إعطاء توجيهات من السجن لتنفيذ هجمات. ويشار إلى أن سلطات السجون نادرا ما طبقت هذا الحق.

وينص مشروع القانون، الذي قدمته شاكيد، باسم وزارتها، على سحب الحق بإجراء محادثة هاتفية حتى من المعتقلين بشبهة ارتكاب مخالفات خفيفة نسبيا. وإلى جانب منع الذين ارتكبوا عمليات قتل واختطاف وتجسس وتحطيم طائرة، فإن مشروع القانون يمنع هذا الحق عمن ضُبطت بحوزتهم سكين أو شاركوا في مواجهات.

وقالت مصادر في وزارة العدل إنه سيتم البحث في إمكانية التفريق بين أسرى قاصرين وبالغين "طالما أن الأمر لا يمس بأمن الدولة". ويشار إلى أن القانون الإسرائيلي يمنح حتى الآن الأسرى والسجناء الحق بإجراء محادثات هاتفية، خلافا لحريات أخرى مشروطة بقرار إدارة السجون.

كذلك أقرت هذه اللجنة في أول اجتماع لها مشروع القانون الذي يشدد العقوبات على راشقي الحجارة الفلسطينيين، والمعروف باسم "قانون أطفال الحجارة". وينص مشروع القانون على تشديد العقوبات على راشقي الحجارة على أفراد الشرطة أو المركبات الإسرائيلية "حتى لو لم تثبت نيتهم إلحاق الأذى بأفراد الشرطة".


وتقترح شاكيد تعديلا للقانون بحيث لا يفرق بين إلقاء حجر بهدف إلحاق الأذى وبين رشق الحجارة خلال عمليات الاحتجاج، وتُسقط الحاجة لإثبات نية راشق الحجارة. ويحدد القانون العقوبة على مخالفة هذا القانون بالسجن الفعلي لمدة تصل إلى عشر سنوات. وتسعى شاكيد من خلال مشروع القانون إلى تقليص الفوارق في درجات العقوبة بين الحد الأقصى الذي يتيحه القانون الساري اليوم، والذي تصل عقوبة السجن بموجبه إلى 20 عاما، وبين الأحكام الخفيفة التي تصدر على أرض الواقع بسبب الصعوبة في تحديد نية إلحاق الأذى برجال الشرطة. وأوضحت أن الحاجة للتعديل جاءت بعد تقديم آلاف لوائح الاتهام سنويا بتهمة رشق الحجارة لكن بسبب صعوبة تحديد نية إلحاق الأذى برجال الشرطة تصدر المحكمة أحكاما خفيفة.

والتعديل الذي تطرحه شاكيد هو عمليا إضافة مخالفة جديدة في إطار القانون، وينص على "منع رشق الحجارة أو أي شيئ (يمكن أن يتسبب بأذى) حتى لو لم يكن بهدف إلحاق الأذى بأفراد الشرطة بل لتعطيل وتشويش عمل أفراد الشرطة وعرقلة أدائهم لمهمتهم".

مشاريع قوانين على جدول أعمال اللجنة

تؤيد شاكيد، وكذلك ليفين، سن قوانين تهدف إلى إضعاف المحكمة العليا. لكن قياديين في حزب الليكود استبعدوا أن تقدم شاكيد على طرح مشاريع قوانين كهذه، في هذه المرحلة على الأقل، وذلك لأنها لا تريد الدخول في مواجهة مع الجهاز القضائي الذي ترأسه كوزيرة عدل، وكذلك بسبب معارضة حزب "كولانو". ويسمح الاتفاق الائتلافي مع "كولانو" لنواب هذا الحزب بمعارضة قوانين ضد المحكمة العليا والتصويت ضدها لدى طرحها على الهيئة العامة للكنيست ولجانها. كذلك يعارض هذا الحزب "قانون القومية" العنصري والمعادي للديمقراطية، كونه يخضع القوانين المدنية للشريعة اليهودية، وهو مشروع قانون حاول نتنياهو طرحه في ولايته السابقة.

لكن من الجهة الأخرى، يتوقع أن تبحث اللجنة الوزارية لشؤون التشريع في أحد اجتماعاتها القريبة في "قانون الجمعيات" الذي يهدف إلى التضييق وملاحقة المنظمات الحقوقية الإسرائيلية، وخاصة اليسارية والتي توثق انتهاكات الاحتلال بحق الفلسطينيين. وسيتم القيام بذلك، بحسب مشاريع قوانين قدمت في الماضي، من خلال تحديد التمويل لهذه المنظمات الحقوقية من دول أجنبية وعدم إعفاء هذا التمويل من الضريبة. ورغم أن الاتفاق الائتلافي بين حزبي الليكود و"البيت اليهودي" لا يلزم باقي كتل الائتلاف بتأييد هذا القانون، إلا أن مصدرا رفيعا في "البيت اليهودي" شدد على أن "هذا القانون سيسن في هذه الولاية"، وقال إنه "توجد أغلبية في الائتلاف تؤيد مشروع القانون هذا. وحتى لو أن حزب كولانو عارض القانون في اللجنة الوزارية لشؤون التشريع فإن رئيس الحكومة سيطرحه في الهيئة العامة للحكومة حيث توجد أغلبية كبيرة مؤيدة له".

كذلك يتوقع طرح قوانين في مجال الإعلام، في الوقت الذي أصر نتنياهو فيه على تولي حقيبة الاتصالات. وتشير التقديرات إلى أن نتنياهو سيسعى، من خلال سن قوانين، إلى تحويل القناة التلفزيونية الثانية إلى جسمين إعلاميين، والسماح بفتح قنوات تلفزيون أخرى، وتشديد شروط تمديد رخصة القناة التلفزيونية العاشرة، التي انتقدت نتنياهو بشدة، مقابل منح تسهيلات للقناة 20 التلفزيونية اليمينية، ومنع سن قانون يمنع توزيعا مجانيا لصحيفة "يسرائيل هيوم" (إسرائيل اليوم) التي تأسست خصيصا من أجل دعم نتنياهو وسياسته.

كذلك يتوقع أن تبحث اللجنة قريبا في سن "القانون النرويجي"، الذي يسمح لعضو كنيست من كتلة لا يزيد عدد أعضائها عن 12 نائبا بالاستقالة من الكنيست وإخلاء مكانه لمرشح آخر من قائمة حزبه. وغاية هذا القانون هي تمكين شاكيد من الاستقالة لتحل مكانها المرشحة شولي معلم – رفائيلي، المقربة من رئيس "البيت اليهودي"، نفتالي بينيت.

وقانون آخر تعتزم اللجنة دفعه، يتعلق بالسماح للإسرائيليين الذين يعيشون خارج البلاد بالتصويت في انتخابات الكنيست. ويعتبر حزب الليكود أن هذا القانون لن يسمح لجمع الإسرائيليين في الخارج بالتصويت وإنما فقط من يمكثون في الخارج في بعثة إسرائيلية أو بهدف الدراسة.

ووفقا لتقارير إعلامية، فإن وزارة الدفاع الإسرائيلية تعتزم أن تطلب من اللجنة سن مشروع قانون "المقاتلين غير القانونيين"، الذي يسمح لإسرائيل بأسر شخص شارك في هجمات ضدها فيما القانون الدولي يمنحه مكانة أسير حرب.

القاضي باراك: الديمقراطية في إسرائيل هشة

يسعى حكم اليمين في إسرائيل، بصورة غير مباشرة، إلى إضعاف قوة المحكمة العليا، رغم أنها محكمة غير منصفة في مجال حقوق الإنسان وصادقت مرارا على قرارات سلطات الاحتلال. وأعلنت شاكيد مرارا أنها ستعمل خلال ولايتها في هذا الاتجاه، ومن بين أجنداتها منع المحكمة العليا من إلغاء قوانين عنصرية ومعادية للديمقراطية يبادر إليها نواب اليمين.

وتطرق إلى هذا الموضوع، وموضوع الديمقراطية في إسرائيل عموما، الرئيس الأسبق للمحكمة العليا، القاضي المتقاعد أهارون باراك، مؤخرا في مقابلة أجرتها معه صحيفة "يديعوت أحرونوت".

ووجه باراك تحذيرا مبطنا من الأجواء التي يخلقها اليمين والحكومة برئاسة بنيامين نتنياهو، وذكر في هذا السياق النظام النازي في ألمانيا. وقال إن "المحكمة العليا في ألمانيا، في بداية الثلاثينيات، لم تتمكن من إلغاء قوانين. ولدي قناعة كاملة بأنه لو كانت في ألمانيا حينذاك محكمة قوية وانتقاد قضائي، لكان بالإمكان منع (الزعيم النازي أدولف) هتلر. ولكن عندما أصبح في الحكم أصبح مستحيلا المساس به".

وأكد باراك على أن "النواة الديمقراطية في إسرائيل هشة، لأن هناك ثلاث ظواهر تجعلها هشة. الظاهرة الأولى، هي أن جذورنا الديمقراطية ليست عميقة. والهجرات اليهودية المختلفة، من دول الاتحاد السوفييتي السابق والدول الإسلامية، لم تأت من ثقافة حكم ديمقراطي. كذلك فإن منظومة التربية والتعليم في إسرائيل لا تعمق الجذور الديمقراطية. لذلك، فإنه بالنسبة لمعظم سكان إسرائيل، مصطلح ’الديمقراطية’ يعني حكم الأغلبية، وهذا مفهوم ضحل جدا للديمقراطية".

وأردف أن "النقطة الثانية هي التوتر الأمني. فنحن نعيش في توتر أمني منذ اليوم الأول (لقيام الدولة) وهذا التوتر لا يتوقف. وعندما يكون هناك توتر أمني، ما الذي يريده الشعب؟ الأمن. والأمن قد ينتهك الحقوق. وقرارات حكم في المواضيع الأمنية تميل إلى المساس بحقوق الإنسان".

وتابع أن "العامل الثالث للهشاشة هو غياب ثقافة الحكم. وفكرة ’ليس مناسبا’ ليست موجودة عندنا. وأعضاء كنيست ليس لديهم ثقافة حكم يطالبون دائما بضبط النفس وكبحها من المحكمة العليا فقط... ويجب أن يكون هناك كبح وضبط للنفس من جانب الكنيست والحكومة أيضا، ولا يوجد أمر كهذا".

وأشار باراك إلى أن المحكمة العليا ألغت طوال العشرين عاما الماضية 12 قانونا فقط، بينما المحكمة الدستورية في بولندا ألغت 60 قانونا في عام واحد، وفي كندا تلغي المحكمة ما بين ثلاثة إلى خمسة قوانين في السنة.
وفيما أعلن كحلون وحده من بين جميع الأحزاب في الائتلاف، أنه لن يؤيد مشاريع قوانين تهدف إلى إضعاف المحكمة العليا، قال باراك إن "كل المشكلة هي أن المبنى الدستوري عندنا هو مبنى غير مستقر وفيه خلل وهو هش، وأية نزوة لعضو كنيست لديه فجأة أغلبية عفوية مؤيدة في الكنيست، بإمكانها أن تقلب كل شيء".

وفي رده على سؤال حول ما إذا إسرائيل ستبقى موجودة بعد 100 عام، قال باراك إنه "لست متأكدا من ذلك، لكنني متأكد أنها ستبقى أكثر من أنها لن تبقى. لدينا مشاكل وجودية. وأنا قلق بالأساس من الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، ومن قضية الأقلية العربية في إسرائيل ومن قضية العلاقات بين الحريديم وغير الحريديم، والحريديم بنظري هم القضية الأصعب".

وحول حل الصراع، قال إن "الحل بأيدي الكنيست والحكومة، وعليهما أن يختارا بين دولة للشعب كله أو دولة واحدة للشعبين، يكون فيها اليهود أقلية، إضافة إلى أن هذا الوضع كله ينطوي على دفع أثمان أخرى كبيرة جدا". وقال إن هناك قرارات أصدرها كقاض ويأسف عليها وبينها قرار الإبقاء على احتجاز الأسير اللبناني مصطفى الديراني وآخرين كـ"ورقة مساومة" من أجل الحصول على معلومات عن الطيار المفقود رون أراد، وأشار إلى أنه غيّر قراره لاحقا وأمر بالإفراج عنه.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات