تبيّن في جلسة عقدتها لجنة رقابة الدولة التابعة للكنيست الإسرائيلي، أواسط الشهر الجاري، أن "مئات آلاف المواطنين لا يستوفون حقوقهم الاجتماعية"، وقدّر خبراء أن القيمة الإجمالية لعدم تطبيق هذه القوانين يصل إلى مليارات الشواكل سنويا. وورد في المناقشات أن هناك عوائق جدية بيروقراطية ما زالت قائمة بشأن استيفاء الحقوق الاجتماعية في إسرائيل.
جاءت هذه الجلسة في أعقاب تقرير لمراقب الدولة الإسرائيلية ومعطيات قدمتها منظمة "بيتحون ليف"، وهي منظمة غير ربحية تعمل على كسر دائرة الفقر بين الأجيال في إسرائيل، كما تقول، وتساعد حوالي 160,000 شخص سنوياً دون تمييز بين جنس أو دين أو عرق أو أصل أو قومية. ويظهر من معطياتها أن 100% من مستحقي المساعدات من المنظمة لم يستنفدوا حقاً واحداً على الأقل من بين حقوقهم خلال السنة الأخيرة، كما يظهر من المعطيات أنه من بين 100 ألف مستحق للمساعدة في استئجار الشقق السكنية، نجح 2200 شخص من بينهم فقط في استيفاء وتحصيل حقوقهم.
إخفاق في تمكين المواطنين من تلقي الحقوق من الدولة
مدير قسم المجتمع والرفاه في مكتب مراقب الدولة صرّح بأن "الطريق الأمثل هي تحصيل الحقوق بطريقة آلية، من دون الحاجة إلى رصد الحقوق عند تقديم طلب الاستحقاق". وعرض ممثلو الوزارات المختلفة خلال الجلسة خططا لتحسين إتاحة المعلومات إلكترونيا حول منح الحقوق، حيث تبين أن "الهيئة الرقمية الوطنية" تمضي قدما بإقامة محرك بحث للحقوق الوطنية، ومن شأنه أن يتضمن 324 حقا مختلفا.
وفقاً لمعطيات منظمة "بيتحون ليف": "ما زلنا نشهد في إسرائيل 2025 المزيد من المواطنين الذين يجدون أنفسهم أمام حالة مزرية في كل ما يتعلق بموضوع استيفاء حقوقهم من الدولة. أما بخصوص المجموعات السكانية المستضعفة فإن الأمر هو أكثر من مجرد صعوبة وفي كثير من الأحيان هو ليس أقل من أمر ضروري وحيوي للبقاء على قيد الحياة". وتشدد على أنه "سواء كان الحديث حول فجوة رقمية، صعوبات لغوية، آليات بيروقراطية معقدة أو أن عددا كبيرا من المكاتب الحكومية تتعامل مع موضوع استيفاء الحقوق، فالنتيجة هي إخفاق في تمكين المواطنين من تلقي الحقوق من الدولة".
وجاء في ملخص أبحاث اللجنة "إن هدفنا هو الخروج من هذه الجلسة اليوم مع توصيات عينية لتسهيل البيروقراطية، وتحسين الإتاحة وتعزيز التعاون بين الجهات الحكومية، وذلك من خلال إدراك أن ضمان الحقوق الاجتماعية ليس مرتبطا فقط بترسيخ هذه الحقوق ضمن القانون فحسب، وإنما باستيفائها بشكل عملي لمن يستحقها– وخاصة أبناء الطبقات التي تستحق الحصول على المساعدات". ودعت "إلى إقامة آلية حكومية لتنسيق موضوع استيفاء الحقوق بطريقة آلية وإقامة طاقم من عدة وزارات بقيادة وزارة الرفاه والضمان الاجتماعي، مؤسسة التأمين الوطني ومكتب الإحصاء المركزي من أجل صياغة خطة عمل خلال أربعة أشهر بهذا الموضوع".
الشرائح المستضعفة تواجه عقبات في الوصول إلى الخدمات والمعونات
بين المنظمات التي تنشط في موضوع عدم استيفاء الحقوق الاجتماعية وقصورات الحكومة في توفير الآليات الواضحة واللازمة منظمة "الجوينت". وتشير في مقال تفصيلي نشرته على موقعها إلى أن الأبحاث تظهر أن الفئات الضعيفة والمهمشة في إسرائيل وحول العالم تعاني بشكل منهجي من ظاهرة عدم استيفاء الحقوق وصعوبة الوصول إلى الخدمات الاجتماعية. هذه الظاهرة الاجتماعية تعني أن الأفراد المستحقين للمعونات والخدمات الاجتماعية لا يحصلون فعلياً على ما يستحقونه من معونات أو خدمات. كل فرد يكون مستحقاً بدرجة معينة أو في مرحلة ما من حياته للحصول على معونات أو خدمات اجتماعية. ومع ذلك، فإن أولئك الذين يحتاجون إلى هذه الحقوق أكثر من غيرهم غالباً ما يفشلون في استيفائها. هذه الظاهرة تشير إلى أن مجرد تكريس الحقوق الاجتماعية مثل الخدمات والمعونات في القانون ليس كافياً، ولا يضمن الوصول الفعلي إلى تلك الحقوق.
يحدد المقال شرائح معينة تقع ضحية لهذا الوضع، فيقول: المسنون، الأشخاص ذوو الإعاقة، الأسر ذات العائل الواحد، الأسر الفقيرة، والمجتمعات المهمشة اجتماعياً وجغرافياً، ليست سوى أمثلة لبعض المجموعات الضعيفة التي تواجه عقبات متعددة في الوصول إلى الامتيازات، الدعم المالي، والمساعدات الطبية أو الاجتماعية. هذه الظاهرة تفاقم الوضعين الاقتصادي والاجتماعي لأجزاء كبيرة من السكان، مما يعمّق الفجوات وعدم المساواة في المجتمع الإسرائيلي. وهكذا، فإن عدم استيفاء الحقوق الأساسية لا يُعد ظلماً للأفراد فقط، بل يمثل أيضاً تكلفة باهظة للمجتمع ككل، تنعكس على الصحة العامة، والاستقرار الاقتصادي، وجودة حياة المواطنين.
استثمار أقلّ في النفقات العمومية لأغراض الرفاه الاجتماعي
ويؤكد المقال: عموما، يؤثر هذا الوضع مباشرة على جودة حياة الأفراد الذين لا يستوفون حقوقهم، ويؤثر بشكل غير مباشر على قدرتهم على تحسين مكانتهم في السلم الاجتماعي والاقتصادي. وهكذا، فإن استيفاء الحقوق والخدمات الاجتماعية هو خطوة أساسية للحفاظ على رفاهية السكان وضمان شبكة الأمان الاجتماعي. وعندما يكون الأفراد غير مدركين لحقوقهم أو لا يمارسونها، قد يجدون أنفسهم في حالات صعبة من الفقر، النقص، أو العزلة الاجتماعية. لذلك، من المهم جداً توفير المعلومات وتوسيع التوعية بشأن الحقوق والخدمات المتاحة، سواء في أوقات السلم أو كما تعلمنا أهمية ذلك بشكل أكبر خلال أوقات الحرب والأزمات.
وفقا لمعطيات مؤسسة التأمين الوطني، هناك أهمية كبيرة لمدفوعات المخصصات والمِنَح المباشرة بالنسبة لتقليص الفقر، ولكنه بالمقارنة مع دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، إسهام إسرائيل في تحسين الأمور منخفض جدا. في حين يبلغ فيه نطاق الفقر بحسب المدخول المتاح في دول الـOECD، 11.6%، تسجل دولة إسرائيل نسبة 19.5%. ويدل الإنفاق العمومي لأغراض الرفاه الاجتماعي على أساس المقارنة عالميا، على أنه في حين تبلغ مساعدة الدولة في الـOECD نسبة 22.4%، تستثمر دولة إسرائيل حوالي 16.6% فقط في نفقاتها العمومية لأغراض الرفاه الاجتماعي.
كذلك، في ظل الحرب وفي أعقابها، يمكن إيراد مثال راهن على المساس بالحقوق الاجتماعية- الاقتصادية، إذ صادق الكنيست الإسرائيلي نهائيا على عدم تحديث مخصصات التأمين الوطني للأطفال خلال العام 2025 ولا مبلغ التوفير الأساسي المدفوع لكل طفل. وقد اعترف رئيس لجنة العمل والرفاه بأن: "اقتراح القانون هو جزء من تشريع واسع يهدف إلى استكمال العجز الكبير في ميزانية الدولة بعد الحرب" الأخيرة.
توصيات المراقب لتحسين استيفاء الحقوق والخدمات الاجتماعية
تقارير مراقب الدولة، والتقارير المكملة وتقارير المتابعة، والتي تناولتها جلسة اللجنة البرلمانية المشار إليها أعلاه، عادت وشددت على عدد من التوصيات لتحسين إمكانيات الوصول إلى الحقوق. ومنها أنه يتوجب على مؤسسة التأمين تنفيذ إجراءات استباقية لتحديد الأفراد الذين تم تحصيل مبالغ تأمين إضافية منهم وإعادة هذه الأموال تلقائياً. وفحص سبل لمنع التحصيل المسبق لهذه الأموال من الموظفين المستحقين لإعفاءات، واستكمال تطوير النظام الرقمي لتحديث أصحاب العمل بشأن الإعفاءات. والاستفادة من تقارير الدخل الشهرية لتحديد المستحقين للمساعدات، بما في ذلك اتخاذ خطوات استباقية لإبلاغهم بحقوقهم وبدء مطالبات تلقائية وتقديم المساعدات بشكل أوتوماتيكي حيثما أمكن. وواجب مؤسسة التأمين في إتمام مشروع تبسيط الرسائل باستخدام نموذج موحد لضمان الوضوح وسهولة الفهم.
في مجال حقوق السكن، شدد المراقب على أنه يجب تحديث البيانات وإرسالها بشكل منتظم إلى وزارة الإسكان بشأن المواطنين المحتمل استحقاقهم لمساعدات إيجار. وإصدار خطابات إعلامية للفئات المستهدفة، مع توفير بيانات الاتصال بأقصى درجة من الدقة من دون انتهاك الخصوصية. كذلك، يجب على السلطات المحلية بالتنسيق مع الجهات ذات الصلة تبني آليات فعالة ومنتظمة لتقديم إعفاءات تلقائية على الضرائب العقارية (الأرنونا) للفئات المستحقة من دون الحاجة إلى تقديم طلبات. وتحديث البيانات دورياً لمطابقة مستحقي الإعفاء مع سكان المناطق الخاضعة لولايتها.
قصورات في استكمال حلول الإتاحة الرقمية للمعلومات والخدمات
ثمة نقطة أساسية عادت تقارير الرقابة وأكدتها هي متابعة تطوير "محرك الحقوق الوطني" لتوفير وصول شامل وسهل الاستخدام لجميع المواطنين لتحديد حقوقهم واستيفائها. في تقرير سابق، أوصى مكتب مراقب الدولة هيئة الحوسبة، بالتعاون مع الوزارات الحكومية، النظر في دمج أدوات حاسبة لاستيفاء الحقوق على الإنترنت. وفي مراجعة المتابعة، تبين أنه في بداية العام 2021 تم إطلاق "محرك حقوق وطني" بنسخة محدودة، يركز على حقوق المواطنين المسنين.
وسبق أن أشار إلى أن الجهات الحكومية تقدم خدماتها للجمهور من خلال قنوات مختلفة، بما في ذلك مكاتب الاستقبال وخدمة الهاتف والقنوات الرقمية مثل مواقع وتطبيقات الشبكة. وأدى التطور التكنولوجي في العالم إلى زيادة استخدام الجمهور للوسائل الرقمية لاستهلاك المعلومات والخدمات والاتصال مع الهيئات العامة من خلال قنوات الخدمة الرقمية. ويسمح استخدام القنوات الرقمية للحكومة بتحسين الخدمة للجمهور حيث أن تكلفة عملية الخدمة وجهاً لوجه أعلى بـ 50 مرة من تكلفة تشغيل الخدمة الرقمية. هذا الاستخدام يجعل من الممكن أيضاً تقليل العبء البيروقراطي المفروض على الجمهور، وجعل الخدمة الحكومية أكثر توفراً وملاءمة ويسمح باستهلاكها من أي مكان وفي أي وقت. إن 57% من بين 23 جهة حكومية شاركت في استطلاع أجراه مكتب مراقب الدولة، قبل الحرب بعدة أشهر، أفادت أنها لم تتِح الوصول إلى جميع المحتويات والخدمات المطلوبة للوصول إليها على مواقعها الإلكترونية التي توفر المعلومات والخدمات للجمهور. ومن الواضح أن الحال لم تتغير خلال فترة الحرب المتواصلة.
"تشديد إسرائيل على شواغلها الأمنية يعيق إنفاذ الحقوق الاقتصادية والاجتماعية"
وفقاً للمعاهدات الدولية، تتضمن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الحق في الغذاء الكافي، والحقّ في السكن اللائق، وفي التعليم، والصحة، والضمان الاجتماعي، والمشاركة في الحياة الثقافية، والمياه والصرف الصحي، والعمل. ويقع على الدول واجب احترام الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والثقافية وحمايتها وإعمالها. ويجب على الدول أن تحقّق الإعمال الكامل التدريجي لهذه الحقوق على مدى فترة من الزمن. ويجب عليها، بغض النظر عن مدى توفّر الموارد، الالتزام فوراً باتخاذ الخطوات المناسبة كي تضمن التحسين المستمر والمستدام في التمتع بهذه الحقوق مع مرور الوقت.
من بين الالتزامات الأساسية ذات الصلة بالموضوع: "اتخاذ الخطوات اللازمة نحو الإنفاذ الكامل للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للجميع. ووجوب استخدام الحد الأقصى من الموارد المتاحة، حيث يقع على الدول واجب استخدام أقصى مواردها المتاحة لإعمال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بشكل تدريجي". وتؤكد أن قرارات المحاكم في جميع أنحاء العالم، وكذلك الآليات الإقليمية والدولية التي تغطي جميع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، تؤكّد أنّه بالإمكان إخضاع هذه الحقوق للإنفاذ القضائي.
قبل بضع سنوات، عقّبت اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، في الأمم المتحدة، أن "تشديد إسرائيل على شواغلها الأمنية" قد أدى إلى "إعاقة إنفاذ الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية". ولاحظت اللجنة أن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لم تمنح اعترافاً دستورياً في النظام القانوني الإسرائيلي. وترى اللجنة أن "مشروع قانون أساس: الحقوق الاجتماعية" الحالي لا يفي بما تقتضيه التزامات إسرائيل بموجب العهد.