المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
بعد غارة على مخيم البريج وسط غزة في 24 تشرين الثاني الماضي. (أ.ف.ب)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 23
  • وليد حباس

مع الإعلان عن تقدم المفاوضات بين إسرائيل وحركة حماس، يعود إلى السطح النقاش السياسي الأهم حول ماذا تريد إسرائيل في "اليوم التالي" للحرب. وبينما أن تقسيم اتفاق صفقة التبادل المرتقب إلى مراحل يتيح دائماً لكل من إسرائيل وحركة حماس تأجيل النقاش حول المستقبل السياسي لقطاع غزة إلى "مفاوضات المرحلة النهائية"، إلا أن التوجهات الإسرائيلية حيال "اليوم التالي" باتت قضية معلنة، وهذه المقالة تستعرض أهم التوجهات السياسية داخل إسرائيل.

ما المقصود بـ "اليوم التالي" للحرب على غزة؟

يمكن نقاش "اليوم التالي" للحرب من خلال أربعة مركبات أساسية: 1) المركب السياسي: يتعلق بتحديد الجهة الفلسطينية التي ستتولى إدارة قطاع غزة بعد انتهاء الحرب. الأسئلة هنا تدور حول شرعيتها ومدى قبولها من المجتمع الدولي، الدول العربية، الفلسطينيين أنفسهم، وإسرائيل؛ 2) المركب الأمني: يركز على قضية "سلاح غزة" بغض النظر عن بقاء حماس في الحكم أو لا. يشمل ذلك الأسلحة والصواريخ والبنية التحتية العسكرية مثل الأنفاق والمختبرات. كما أن "سلاح غزة" يشمل أيضا الخبرات البشرية والمعرفة القتالية واستعدادية المقاومة؛ 3) المركب الإداري: يتناول قدرة الإدارة الفلسطينية الجديدة (سواء حماس أم غيرها) على تقديم خدمات أساسية لسكان القطاع، مثل التعليم والصحة والقضاء والحكم المحلي وتنظيم السوق وفرض القانون. يلعب دور إسرائيل هنا أهمية خاصة، كونها دولة الاحتلال التي تفرض الحصار منذ العام 2007، مما يطرح أسئلة حول كيفية التنسيق المدني مع المؤسسات الإسرائيلية؛ 4) المركب الاقتصادي: يتمحور حول إعادة إعمار قطاع غزة، وهي قضية تحمل أبعاداً سياسية وإنسانية. تتضمن هذه العملية تجنيد دعم مالي إقليمي ودولي، وجدولة صرفه، والشروط التي يضعها الممولون. كما يشمل النقاش دور إسرائيل في تسهيل عملية الإعمار أو عرقلتها.

تشكل هذه المركبات مجتمعة رؤية شاملة للتحديات التي تواجه غزة في مرحلة ما بعد الحرب، مع إبراز التداخل بين البعدين السياسي والإنساني في تحديد ملامح المستقبل. وعلى الرغم من أن هذه المركبات تجعل السؤال الإسرائيلي عن "اليوم التالي" في القطاع أكثر تعقيداً بحيث لا يمكن لآلة الحرب الإسرائيلية وحدها أن تحسمه، فإن النقاش الإسرائيلي الحالي يشير إلى توجهين رئيسيين حتى الآن:

التوجه الأول، والذي يتبناه نتنياهو ويعتبر التوجه الرسمي لدولة إسرائيل حتى الآن، يركز على ما "لا يجب أن يكون في قطاع غزة"، وهنا توجد أربعة لاءات تلازم هذا التوجه: 1) لا لاستمرار حكم حماس (حماستان)؛ 2) لا لإعادة السلطة الفلسطينية (فتحستان)؛ 3) لا لسلاح قطاع غزة (بمعنى، "نزع" سلاح قطاع غزة)؛ 4) لا لخروج/ انفصال الجيش الإسرائيلي عن قطاع غزة (سواء كان المقصد انسحابا إسرائيليا كاملا، أو ترك إدارة غزة بدون تنسيق إسرائيلي).

يقتصر هذا التوجه على وضع قيود وتحديد المحظورات بدون تقديم حلول أو بدائل واضحة وملموسة، مما يترك الأسئلة الكبرى مفتوحة، مثل: هل سيكون هناك احتلال عسكري للقطاع؟ هل سيتم استيطانه من جديد؟ هل ستُنفَّذ مشاريع إعادة الإعمار أو التهجير الطوعي؟ جميع هذه التساؤلات تظل مرهونة بالتطورات الميدانية.

ورغم غياب رؤية رسمية أو واضحة حول "اليوم التالي" للحرب، فإن هذا التوجه يبدو كاستراتيجية تهدف إلى إطالة أمد الحرب وتعميق الأزمة الإنسانية الكارثية في القطاع. ما يبرز من هذه الاستراتيجية هو أن إطالة الأزمة قد تكون المشروع الوحيد الواضح على الأجندة الإسرائيلية حالياً، وهو ما يعكس أيضاً غياب جدية الحكومة الإسرائيلية في الوصول إلى اتفاق شامل مع حركة حماس. ورغم ذلك، تُرجَّح إمكانية إتمام المرحلة الأولى من الصفقة قريباً (وهي مرحلة تسبق التعمق في سؤال اليوم التالي). يتضمن هذا التوجه سلسلة من التصريحات والمواقف التي تدعو إلى خطوات مثل استيطان القطاع، تهجير الفلسطينيين، فرض احتلال عسكري مباشر، أو إحكام السيطرة الإسرائيلية على الشؤون المدنية للفلسطينيين، مما يكشف عن سياسات تسعى لإبقاء القطاع في حالة من الجمود والتوتر الدائم.

من أهم المواقف الصادرة عن شخصيات مؤثرة في قرار الحكومة الإسرائيلية، والتي تندرج تحت هذه التوجه، نورد التالي:

صرح بِتسلئيل سموتريتش، وزير المالية الإسرائيلي، بأن إسرائيل يجب أن تبقى في غزة فترةً طويلة جداً، ويجب التوقف عن الخوف من كلمة احتلال. كما اعتبر محاولات إشراك السلطة الفلسطينية أو دول عربية في إدارة غزة "أحلاماً"، مضيفاً: "لا يوجد طرف آخر سيُضحّي بدمائه من أجلنا". وأشار إلى خطط لتقسيم القطاع إلى مناطق إدارية عسكرية مع تحمل إسرائيل المسؤولية المدنية.[1]

أما آفي ديختر، وهو وزير عن حزب الليكود وعضو في كابينيت الحرب الموسع وذو توجه عنصري معاد للفلسطينيين، فيقول: موقفي واضح جداً، يجب على دولة إسرائيل والجيش السيطرة على غزة... اليوم التالي لقطاع غزة لن ينضج بدون أن تسيطر إسرائيل كاملا عليه. وأضاف في إطار إجابته على سؤال حول دور السلطة الفلسطينية، بأنه لا توجد هناك قوة فلسطينية أخرى قادرة على السيطرة على حماس ذات القدرات القتالية العالية. ولأن ديختر يأتي من عالم الأمن والاستخبارات، وشغل سابقاً رئيس جهاز المخابرات (2000-2005) أثناء تبلور مشروع انسحاب إسرائيل من القطاع العام 2005، فإنه يعتبر أن إسرائيل يجب أن تحتل القطاع، وتفاوض الفلسطينيين من موقع قوة حول من سيقود مجتمع يشكل أكثر من 71% منه لاجئين يحلمون بحق العودة.

كما أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، أن خطط إسرائيل لما بعد الحرب في غزة و"بعد القضاء على القوة العسكرية والسياسية لحماس" ستشمل فرض إسرائيل سيطرة أمنية كاملة مع حرية حركة مطلقة، تماماً كما هي الحال في الضفة الغربية.[2]

 

قائمة بأعضاء الكابينيت السياسي-الأمني الموسع، وهم الأعضاء المخولون بالمصادقة على الاتفاقات السياسية مع حركة حماس

المنصب

الحزب

الاسم

رئيس الوزراء

الليكود

بنيامين نتنياهو

وزير الدفاع

الليكود

يسرائيل كاتس

وزير الخارجية

حزب اليمين الرسمي

جدعون ساعر

وزير المالية ووزير في وزارة الدفاع

الصهيونية الدينية

بتسلئيل سموتريتش

وزير العدل

الليكود

ياريف ليفين

وزير الأمن القومي

عوتسما يهوديت

إيتمار بن غفير

وزير الشؤون الاستراتيجية

مستقل

رون ديرمر

وزير الطاقة والبنية التحتية

الليكود

إيلي كوهين

وزير الزراعة والأمن الغذائي

الليكود

آفي ديختر

وزيرة النقل والسلامة على الطرق

الليكود

ميري ريغيف

نائب وزير المالية

حزب اليمين الرسمي

زئيف إلكين

وزيرة الاستيطان والمهام الوطنية

الصهيونية الدينية

أوريت ستروك

وزيرة الابتكار والعلوم والتكنولوجيا

الليكود

غيلا غمليئيل

وزير النقب والجليل والصمود الوطني

عوتسما يهوديت

يتسحاق واسرلاوف

وزير التعاون الإقليمي ونائب وزير العدل

الليكود

دودي أمسالم

عضو الكنيست

شاس

أرييه درعي

 

في المقابل، يدعو أعضاء الحكومة من تيار الصهيونية الدينية (7 مقاعد) وتيار عوتسما يهوديت (6 مقاعد)، وأعضاء من الليكود (يتراوح عددهم بين 5-10 أعضاء)، إلى الاستيطان في قطاع غزة، مع وجود تصريحات من العديدين حول وجود التفكير في قضية "التهجير" من القطاع وتقليل عدد سكانه. يتصدر هذه التصريحات بن غفير الذي دعا إلى احتلال كامل للقطاع قائلاً: "إسرائيل يجب أن تسيطر على غزة بالكامل". وأضاف: "سأكون سعيداً بالعيش في غزة إذا أمكن ذلك"، ودعا إلى تهجير الفلسطينيين.[3]

وتجدر الإشارة إلى أن أصوات أعضاء الكابينيت الموسع جميعهم من التيارات اليمينية التي تدفع نحو احتلال كامل للقطاع، وفرض السيطرة العسكرية والإدارية، وبعضهم يروج للاستيطان وتهجير الفلسطينيين. 

التوجه الثاني، والذي يمثل النقيض للتوجه اليميني، قدمه بيني غانتس، المنافس السياسي الأبرز لنتنياهو وعضو الكابينيت المصغر للحرب سابقاً. يطرح غانتس مقترحاً واضحاً يتمثل في إنشاء إدارة دولية متعددة الأطراف تضم جهات أميركية، أوروبية، عربية، وفلسطينية، تتولى المسؤولية المدنية عن قطاع غزة. هذه الإدارة تستبعد بشكل كامل كلّاً من السلطة الفلسطينية وحماس، مع الإبقاء على السيطرة الأمنية الإسرائيلية الكاملة على القطاع.[4]

وفقاً لتقرير نشرته صحيفة "يسرائيل اليوم"، يُناقَش إنشاء هيئة فلسطينية تكنوقراطية مستقلة تتألف من 12 إلى 15 شخصية لإدارة شؤون غزة، بما في ذلك الإشراف على المعابر، المساعدات الدولية، إعادة الإعمار، والخدمات المدنية مثل التعليم والصحة. ومع ذلك، يشير الخبراء إلى أن نجاح هذا النموذج يعتمد بشكل كبير على موقف حماس، التي قد ترفض التخلي عن سيطرتها المدنية على القطاع. من جانبه، دعا يائير لبيد إلى إنهاء الحرب من خلال اتفاق للرهائن وتشكيل حكومة بديلة تشمل أطرافاً إقليمية ودولية. كما أكد ضرورة استمرار استهداف حركة حماس عسكرياً عند الحاجة، لضمان عدم إعادة بناء قوتها العسكرية.[5]

 

[1] https://www.haaretz.co.il/news/politics/2025-01-08/ty-article/.premium/00000194-4781-db19-abdd-6f87a1ec0000

[2] https://www.kikar.co.il/security-news/gaza-post-war-control

[3] https://www.maariv.co.il/news/politics/Article-1100768

[4] https://www.dyoma.co.il/military/2438

[5] https://www.kikar.co.il/security-news/gaza-post-war-control

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات