قال تقرير الفقر الرسمي الإسرائيلي الصادر في الأسبوع الماضي، عن العام الماضي 2023، إن نسب الفقر العامة، لدى الشرائح المختلفة، راوحت مكانها، مقارنة مع العام الذي سبق 2022، لكن في التفاصيل يظهر واضحا أن الفقر بين اليهود تراجع بشكل واضح، ولو بنسبة محدودة، بينما راوح مكانه لدى العرب، وحتى أنه زاد بنسبة طفيفة بين أطفالهم، على الرغم من سلسلة تحولات اجتماعية ومهنية، لدى العرب كان من شأنها أن تؤدي إلى خفض نسب الفقر أكثر بينهم. وفي حين أن التقرير يتحدث عن العام 2023، إلا أن الواقع الاقتصادي في العام الجاري الذي شارف على الانتهاء، والقرارات الاقتصادية بشأن العام المقبل 2025، من شأنها أن تعمّق الفقر لاحقا.
وبحسب التقرير الرسمي، الصادر عن مؤسسة الضمان الاجتماعي الحكومية (مؤسسة التأمين الوطني، بحسب التسمية الرسمية)، فإن نسبة من هم تحت خط الفقر، في العام الماضي 2023، بلغت 20.7%، مقابل 20.8% في العام 2022، على مستوى الأفراد. وبلغت نسبة الفقر العامة بين الأطفال 27.9%، مقابل 28.1% في العام الذي سبق. وبين المسنين (من بلغوا عمر 67 للرجال و64 عاما للنساء) فإن نسبة الفقر العامة راوحت مكانها- 12.8%. أما بالنسبة للعائلات، فقد بلغت النسبة 20.1%، مقابل 20.3% في العام 2022.
خط الفقر
في تحديدها لخط الفقر الجديد، رفعته مؤسسة الضمان بنسبة 7.5% بالنسبة للفرد الذي يعيش بمفرده، ثم تراجعت النسبة تدريجيا، بحسب عدد أفراد العائلة، وكانت أدناها نسبة 5.1%، لكنها كلها نسب أعلى من نسبة الغلاء (التضخم المالي) التي كانت في العام 2023 حوالى 3%، بعد أن بلغت في العام الذي سبق 2022، نسبة 5.4%.
وفي عرضنا لخط الفقر، أجرينا حساب الدولار هنا على أساس 3,7 شيكل للدولار بموجب معدل سعر الصرف العام الماضي 2023. وقال تقرير الفقر، إن خط الفقر بالنسبة للفرد الواحد 4155 شيكلا (1123 دولارا)، أما بالنسبة لعائلة من شخصين، فإن خط الفقر بات 6648 شيكلا (1977 دولارا)، وثلاثة أشخاص 8808 شواكل (2381 دولارا)، وأربعة أشخاص 10637 شيكلا (2875 دولارا)، وخمسة أشخاص 12465 شيكلا (3369 دولارا)، وستة أشخاص 14127 شيكلا (3818 دولارا)، وسبعة أشخاص 15789 شيكلا (4267 دولارا)، وثمانية اشخاص 17285 شيكلا (4671 دولارا)، وتسعة أشخاص 18614 شيكلا (5030 دولارا).
الفقر بين العرب ومقارنته بما بين اليهود
أظهر التقرير أن الفقر بين العرب في الداخل، بما يشمل القدس المحتلة، بلغت نسبته بين الأفراد 38.5%، مقابل 38.6% في العام الذي سبق 2022، وبين الأطفال 49% مقابل 48.8% في العام 2022. في حين أن نسبة الفقر بين اليهود من دون جمهور المتدينين المتزمتين، الحريديم، الذين يفرضون على أنفسهم حياة تقشفية، ويقللون من الانخراط في سوق العمل، بلغت 38.5%، وهي ذات نسبته بين العرب، إلا أنها تراجعت بقدر أكبر عن العام 2022، حينما كانت 39.6%، والحال ذاته بين أطفال الحريديم، إذ بلغت نسبة الفقر لديهم 45.4%، مقابل 46.6% في العام 2022.
نشير هنا إلى أنه خلافا للسنوات القليلة الماضية، فإن تقرير الفقر الرسمي أسقط هذا العام جدولا خاصا بشأن الفقر بين الفلسطينيين في القدس المحتلة، لكن بحسب التقارير السابقة فإن نسبة الفقر لديهم عادة أعلى بقليل من معدل نسب الفقر بين العرب عامة.
ونرى تراجع الفقر بين اليهود من دون الحريديم، من 11.4% إلى 11.1%، وبين أطفالهم من 13.2% إلى 12.9%؛ وهذه نسب تشمل شرائح ضعيفة، مثل المهاجرين الجدد خاصة في السنوات الخمس الأخيرة، وبينهم عشرات الآلاف من أوكرانيا وروسيا، وأيضا شرائح معروف أن المستوى الاقتصادي الاجتماعي لديها متدن، وبالذات جمهور المهاجرين من أثيوبيا، بمعنى أنه من دون هذه الشرائح، فإن نسبة الفقر تهبط بشكل جدي إلى ما دون 10%، ولدى اليهود الأشكناز، بحسب تقديرات ليست رسمية، تقل عن 8%، وهي نسب قريبة من المعدلات الأوروبية.
بشكل عام، فإن الفقر بين العرب تراجع عما كان عليه حتى سنوات قليلة سابقة، حينما كانت نسبة الفقر بين أطفالهم في محيط 60%، وعلى مستوى الأفراد حوالى 52%، وهذا التراجع نابع من عدة متغيرات في المجتمع العربي، مثل تراجع معدلات الولادة بقدر كبير، وبحسب آخر تقرير رسمي، فإن معدل الولادات للمرأة العربية بات 2.99 ولادة، كما أن انخراط النساء العربيات في سوق العمل، رغم الكثير من محدوديات فرص العمل في المناطق العربية، ارتفع إلى 45%، وبين الأجيال الشابة من النساء، من المؤكد أنه قفز بشكل ملحوظ عن 60%. وبالإمكان أيضا دمج عامل آخر لهذه المتغيرات، وهو تراجع أعداد المسنين الذين لا رواتب تقاعدية لديهم، ويعتاشون على مخصصات اجتماعية.
كذلك على مستوى المهن، فإن نسبة انخراط العرب في الأعمال ذات المؤهلات الأكاديمية هي في ارتفاع مستمر، وهذا من المفروض أن ينعكس على مستوى مداخيل العائلة، رغم الفوارق الباقية في الرواتب بين العرب واليهود.
كل هذه المتغيرات كان من شأنها أن تخفض نسب الفقر لدى العرب بقدر أكبر مما نراه في هذا التقرير، وبشكل خاص أن تقل نسبة الفقر لدى العرب عن تلك التي لدى جمهور الحريديم، الذين يتلقون مخصصات اجتماعية استثنائية من خزينة الدولة. فمعدل الولادات لديهم ما زال عاليا ويتراوح ما بين 6.8 إلى 7 ولادات للمرأة من الحريديم، كما أن انخراط الرجال في سوق العمل ما زال في محيط 50%، في مقابل أكثر من 79% بين الرجال العرب.
وإحدى دلالات التمييز ضد العرب هي مساهمة المخصصات الاجتماعية الحكومية، فنرى أن هذه المخصصات التي من المفترض أن تكون متساوية، أخرجت 51% من العائلات اليهودية من دون الحريديم من تحت خط الفقر إلى فوقه، والنسبة لدى عائلات الحريديم 37%، أما لدى العرب فقد كانت النسبة 22% فقط، وهذا يدل على عمق الفقر بين العرب، وليس فقط نسبته العالية.
وشمل التقرير نسب الفقر في التجمعات السكانية، وأيضا مستوطنات الضفة الغربية والجولان المحتلين، التي فيها 5 آلاف نسمة وأكثر. وتظهر أعلى نسب الفقر في البلدات العربية في صحراء النقب، جنوباً، إذ تتراوح فيها نسب الفقر على مستوى الأفراد من 52% في أدناها، إلى 56%، وبين الأطفال العرب تتراوح النسب من 51% في أدناها إلى 62%.
ولدى المتدينين المتزمتين، الحريديم، فإن أعلى نسب الفقر هي في أكبر مستوطنتين في الضفة الغربية مخصصتين لهذا الجمهور. إذ بلغت نسبة الفقر في مستوطنة موديعين عيليت، جنوب مدينة رام الله، 53% على مستوى الأفراد، و57% بين الأطفال، وفي مستوطنة بيتار عيليت، غربي مدينة بيت لحم، بلغت نسبة الفقر بين الأفراد 45% وبين الأطفال 56%.
الأسوأ في العام الجاري والعام المقبل
في ما مضى كانت انتقادات لمؤسسة الضمان الاجتماعي الحكومية الإسرائيلية (مؤسسة التأمين الوطني)، بشأن توقيت صدور التقرير سنويا، وهو الأيام الأخيرة من كل عام، عن العام الذي سبق. وطالبت مؤسسات اجتماعية، وأعضاء كنيست، بأن يصدر التقرير في وقت مبكر أكثر، على الأقل بالتزامن مع بدء مداولات الكنيست حول ميزانية العام المقبل، بمعنى أن يصدر التقرير في أوائل الخريف من كل عام، لكن هذا لم يتغير.
ولربما هذا المطلب الذي تلاشى بات اليوم أكثر ضرورة، فالتقرير الأخير بتحدث عن العام 2023، الذي ساءت فيه الأوضاع الاقتصادية في الربع الأخير من العام، بفعل الحرب، بينما تأثير الحرب كان أقوى في العام الجاري 2024، الذي شارف على الانتهاء، وستكون تبعات الحرب على جيوب الجمهور بشكل أشد ابتداء من اليوم الأول من العام المقبل؛ وسيقع العبء أساسا على الشرائح الوسطى العاملة، ولكن أيضا ستكون الضربة مؤلمة للشرائح الفقيرة والضعيفة.
وبموجب تقارير اقتصادية إسرائيلية، فإنه بفعل قوانين وقرارات اقتصادية حكومية، وبشكل خاص رفع ضرائب، فإن كل عائلة مكونة من أربعة أنفار، متوسطة الحال، من ناحية اقتصادية اجتماعية، ستخسر العام المقبل حوالى 10 آلاف شيكل (تقريبا 2740 دولاراً، وفق سعر الصرف الحالي)، إما مباشرة، أو من حيث قيمة رواتبها. وإذا كان هذا المبلغ سيكون أقل لدى العائلات الفقيرة، إلا أن وقعه سيكون أشد إيلاما. وبحسب التقديرات فإن الفقر سيتوسع ويزداد عمقا. إلا أن تقرير الفقر عن العام المقبل 2025 سيصدر مع نهاية العام التالي 2026.
وتنتظر الجمهور الإسرائيلي سلسلة من الضربات الاقتصادية، أولها عدم تعديل التدريج الضريبي بنسبة 3.5% بحسب نسبة التضخم، ما يعني أن أول خسارة هي فقدان قيمة الرواتب بهذه النسبة، عدا الغلاء المقبل، الذي قد يكون في محيط 3% وفق التقديرات الرسمية. وثانيا، رفع ضريبة المشتريات، ضريبة القيمة المضافة، بنسبة 1%، لتصبح 18%، وهذا غلاء عام على جميع الخدمات والمشتريات تقريبا، وثالثا، رفع رسوم الضمان الاجتماعي والصحة معا، بنسبة 1% من الرواتب والمداخيل.
ثم تأتي موجة غلاء: الكهرباء بنسبة 3.8%، المياه 2% (ويضاف للكهرباء والمياه 1% هي ضريبة المشتريات الإضافية)، ورفع ضريبة المسقفات البلدية (الأرنونا) بنسبة أساسية 5.3%، مع السماح للبلديات برفعها أكثر.