المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 87
  • برهوم جرايسي

خفضت منظمة التعاون والتنمية الدولية OECD تقديراتها لنمو الاقتصاد الإسرائيلي في العام الجاري، الذي شارف على الانتهاء، ليصبح أقرب إلى الصفر، وأيضا للعام المقبل 2025، ورفعت تقديراتها للتضخم المالي، في وقت تؤكد فيه آخر التقارير الإسرائيلية الرسمية أن العجز في الموازنة العامة كسر نهائيا كل التقديرات السابقة، حتى المعدّلة الأخيرة، وسيصل في نهاية هذا العام إلى 8%. ورغم المعطيات الاقتصادية السلبية، فإن قوة الشيكل أمام الدولار وسائر العملات في العالم في ارتفاع، وسجل في الأسابيع العشرة الأخيرة ارتفاعا بنسبة تقارب 7.6%، ما يجعل هذا الأمر لغزا اقتصاديا، على الأقل مرحليا، إذ لا يوجد جانب اقتصادي إسرائيلي واحد يُظهر إيجابية، وبضمنها تراجع الاستثمارات في الاقتصاد الإسرائيلي.

فقد خفّضت منظمة OECD، للمرّة الثانية في هذا العام، تقديراتها لنمو الاقتصاد الإسرائيلي لهذا العام، وأيضا في العام المقبل 2025؛ وبحسب تقريرها الأخير الصادر في الشهر الجاري، فإن النمو الاقتصادي سيسجل هذا العام ارتفاعا بنسبة 0.4%، (أقل من 1%)، بدلا من تقديرها السابق بأن يرتفع النمو بنسبة 1.9%؛ وكل نسبة النمو في الاقتصاد الإسرائيلي تقل عن نسبة التكاثر السكاني السنوي 2%، فإنها تعد انكماشا فعليا بالنسبة للفرد. 

كما خفّضت OECD تقديراتها للنمو في العام المقبل، من 4.5% في تقرير سابق هذا العام، إلى نسبة 2.4%، بمعنى نسبة نمو طفيفة، بعد نسبة التكاثر السكاني. 

وبالنسبة للتضخم المالي، فقد رأت OECD أنه سيسجل هذا العام ارتفاعا بنسبة 3.1%، إلا إن هذه النسبة تتعارض مع الواقع القائم، إذ أن التضخم سجل حتى نهاية شهر تشرين الأول الماضي، ارتفاعا بنسبة 3.9% منذ مطلع العام الجاري، ونسبة 3.5% في الأشهر الـ 12 الأخيرة، ومن الصعب إلى درجة المستحيل، أن يهبط التضخم بنسبة 0.8% في الشهرين الماضي والجاري، الأخيرين لهذا العام، حتى يتوافق مع تقديرات المنظمة.

وتتوقع OECD أن يواصل التضخم ارتفاعه في العام المقبل بنسبة 3.6% بدلا من تقديرها السابق بنسبة 2.5%. ورأت المنظمة أنه في حال استمر التضخم المالي في الارتفاع فسيكون على البنك المركزي الإسرائيلي رفع الفائدة البنكية الأساسية، لكن حسب تصريحات المسؤولين، بمن فيهم في البنك المركزي، فإن الفائدة ستكون في العام المقبل ما بين الاستقرار عند نسبتها الإجمالية اليوم 6%، واحتمال خفضها بنسبة طفيفة حتى نهاية العام المقبل.

وبالنسبة للعجز في الميزانية العامة، فقد توقعت المنظمة بأن تبلغ نسبته مع نهاية العام الجاري، 7.5%، بعد أن كانت المنظمة قد تبنت تقديرات وزارة المالية الأولى بالنسبة للعجز- 6.6%. ورفعت OECDتقديراتها للعام المقبل، إذ يقول التقرير إن العجز المتوقع 5.7% بدلا من 5.6% في تقديرات سابقة، في حين أن تقديرات وزارة المالية الإسرائيلية للعام المقبل 4.9%.

وبطبيعة الحال، يقف التقرير عند تبعات الحرب الإسرائيلية على الاقتصاد، وقال التقرير "إن النزاعات الآخذة بالتوسع في منطقة الشرق الأوسط، منذ شهر تشرين الأول 2023، ستواصل بلورة النشاط الاقتصادي الإسرائيلي"، مع تركيز خاص على تزايد الصرف الإسرائيلي العسكري. وقال التقرير إن "استمرار الحرب سيزيد من العبء الاقتصادي، وبشكل خاص زيادة العجز في الميزانية العامة".

وأشار التقرير إلى تبعات الحصار على السفن المتجهة إلى إسرائيل عبر البحر الأحمر، بفعل الضربات اليمنية، وقال إن "الهجمات على السفن في البحر الأحمر رفعت كلفة النقل البحري، وبموازاة ذلك فإن النقل الجوي قد تقلص أيضا إلى إسرائيل ومنها"، ويقصد التقرير توقف شركات عالمية عن السفر إلى إسرائيل، لكن بحسب تقارير إسرائيلية فإن هذه الشركات بدأت باستئناف رحلاتها، وقد تعود جميعها خلال أسابيع.

وفي سياق الحرب، فقد أوصت لجنة أقامتها الحكومة الإسرائيلية لفحص ميزانية الجيش، برفع آخر لهذه الميزانية، التي بحسب مسودة ميزانية العام المقبل 2025، ستبلغ 118 مليار شيكل، إلا أن اللجنة توصي برفعها إلى 136 مليار شيكل، في حين أن ميزانية الجيش بلغت في هذا العام 188 مليار شيكل، مع احتمال أن تضاف لها ميزانية أخرى في الأيام القليلة المتبقية لهذا العام.

وكانت ميزانية الجيش قد سجلت في العام الماضي 2023 ارتفاعا سريعا بفعل الحرب في الأشهر الثلاثة الأخيرة، وبلغت 103 مليارات شيكل، بعد أن كانت مقررة بـ 76 مليارا قبل الحرب، في حين أن ميزانية الجيش في العام 2022 كانت قد بلغت 82 مليار شيكل. 

وكل هذه الميزانيات تشمل الدعم الأميركي العسكري السنوي بقيمة 3.8 مليار دولار (تعادل حاليا 14 مليار شيكل)، في حين أن الولايات المتحدة الأميركية أقرت دعما إضافيا للحرب بقيمة 14.3 مليار دولار (تعادل حاليا أكثر من 52 مليار شيكل)، إلا أنه بحسب تقارير إسرائيلية فإن الولايات المتحدة لم تحول بعد كافة الدعم الاستثنائي.

كما أوصت اللجنة المذكورة بأنه حتى بعد انتهاء الحرب، على ميزانية الجيش أن ترتفع إلى 100 مليار شيكل سنويا بشكل ثابت، كقاعدة أساسية بقيمة اليوم، وترتفع لاحقا بفعل التضخم المالي وغيره.

ودعت OECD في تقريرها الحكومة الإسرائيلية إلى إجراء تغييرات في ميزانيتها العامة، مثل إلغاء إعفاءات من ضريبة المشتريات (ضريبة القيمة المضافة)، وهنا القصد الخضراوات والفواكه، ما يعني بحسب المنظمة، رفع أسعارها على الجمهور بـ 18%، عدا ارتفاعها الكبير في السنوات القليلة الأخيرة. كما أوصت المنظمة الحكومة بإلغاء مخصصات اجتماعية، والمقصود التي تشجع على عدم الانخراط في سوق العمل، وهنا القصد رجال المتدينين المتزمتين "الحريديم".

وقال المحلل الاقتصادي أدريان بايلوت، في مقال له في صحيفته "كالكاليست" الاقتصادية، إن تقرير OECD "يؤكد ما هو واضح للجميع: حكومة نتنياهو- بتسلئيل سموتريتش (وزير المالية) تتجاهل التحديات الاقتصادية الملتهبة التي تواجهها إسرائيل، في حين أن المواطنين هم الذين يدفعون الثمن. والصورة التي تظهر من جدول التوقعات قاتمة".

وأضاف: "لكن العام 2024 أصبح خلفنا تقريبا، والتقديرات أقل دراماتيكية. فالمشكلة الحادة هي العام المقبل، 2025، الذي تتوقع له المنظمة نموا اقتصاديا بنسبة 2.4%، وهذا نمو ضعيف إلى حد ما للفرد (حوالي 0.4%)، ومعدل نمو أقل من المعدل المتوقع في العالم أجمع (3.3%)، وأقل من معدل النمو للفرد في الغرب (1.5%) حينما سيكون النمو هناك 1.9%".

وتابع بايلوت كاتبا: "لا يمكن إلقاء اللوم على الحرب هذه المرة، كما حدث في العامين 2023 و2024. وعلينا أن نتوقف عن هذا العذر. والقضية الكبرى هي توقعات التضخم التي قفزت من 2.5% إلى 3.6% في العام 2025، وهو أعلى بكثير من هدف استقرار الأسعار الذي حددته الحكومة. وهذا تقرير يعني أن مواطني إسرائيل سوف يعانون من الغلاء. وعندما تفهم أن مولدها الرئيس ليس التطورات العالمية مثل ارتفاع أسعار النفط، بل نابع من قرارات الحكومة (جعل المياه والكهرباء وضريبة القيمة المضافة والضرائب العقارية أكثر تكلفة)، فإنك تفهم أن هذا الشيء لا يتوقع أن يحدث التغيير نحو الأفضل".

وكتب بايلوت أيضا: "ربما تكون القضية الأكبر على الإطلاق هي توقعات العجز المالي في العام المقبل؛ إذ أن OECD مقتنعة أيضا بأن الحكومة الإسرائيلية، بعد تغيير التوقعات ثلاث مرات بالفعل، من غير المرجح أن تحقق، ولا حتى في العام 2025، هدف العجز المالي الذي حددته. نفسها. وتعتقد المنظمة أن العجز في نهاية العام المقبل سيكون 5.7% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو معدل يتجاوز 4.8% من الناتج المحلي الإجمالي".

العجز في الميزانية يتفاقم

وقال تقرير لوزارة المالية الإسرائيلية إن العجز في الموازنة العامة، مع نهاية شهر تشرين الثاني الماضي، بلغت نسبته 7.7% من حجم الناتج العام، في حسابات الأشهر الـ 12 الأخيرة، بمعنى ما يشمل الشهر الأخير من العام الماضي 2023، الذي شهد نسبة عجز عالية، مع مرور قرابة 3 أشهر على بدء الحرب.

وبحسب التقرير، فإنه من المفترض أن يتراجع التضخم مع نهاية العام الجاري، في نهاية هذا الشهر، لكن بحسب التقديرات، فإن الوزارات المختلفة ستسارع إلى صرف ميزانيات لا تزال في عداد الفائض لديها، وهذا ما يعزّز التقدير بأن يصل العجز في نهاية هذا العام إلى نسبة 8%، في حين أن ميزانية العام الجاري تم إعدادها على أساس عجز بنسبة 6.6%، ثم تم رفعها إلى أكثر من 7% بقليل، من حجم الناتج العام.

 

لغز قيمة الشيكل

واصلت قيمة الشيكل، مع انتهاء النصف الأول من الشهر الجاري، كانون الأول، في الارتفاع، أمام الدولار واليورو وسائر العملات العالمية، وبحسب التقارير الإسرائيلية فإنه في الأشهر الـ 10 الأخيرة الماضية، ارتفعت قيمة الشيكل بنسبة 7.6%، من دون معرفة مستقبل قيمة الشيكل القريبة، لأن هذا الارتفاع الحاصل لا يتناسب مع معطيات الاقتصاد الإسرائيلي، التي كلها سلبية من دون استثناء، وخاصة تراجع حجم الاستثمارات في الاقتصاد الإسرائيلي.

وبحسب ما هو معروف فإن قيمة الشيكل كان عليها أن تتراجع، ولذا فإن هذا الارتفاع يبقى لغزا اقتصاديا قد تتبين الإجابة عليه لاحقا.

ومن أبرز انعكاسات ارتفاع قيمة الشيكل، ولو مرحليا، هو خفض قيمة ديون الحكومة بالعملة المحلية، إذ أن المديونية الحكومية تتفاقم، وقد تصل مع نهاية العام الجاري إلى حوالي 70% من حجم الناتج العام، مقارنة مع نسبة 60% في مطلع العام الماضي 2023.

المصطلحات المستخدمة:

بتسلئيل, الشيكل

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات