المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 77
  • هشام نفاع

في أواخر شهر تشرين الثاني الأخير، قطعت الحكومة الإسرائيلية وائتلافها خطوة إضافية في حملتها المتجددة ضد وسائل إعلام ترى فيها عقبة أو تحدياً أمامها يعرقل استكمال انقلابها على نظام الحكم. ولا يخفي مسؤولو السلطة الحاكمة أنهم يستهدفَون بالتضييق تحديداً وسائل الإعلام التي لا تنطق من حنجرتهم السياسية والعقائدية العميقة. هذا مع أن المفارقة بالنسبة لمن ينظر للصراع من الخارج، أن بعض وسائل الإعلام المستهدفة بعيدة بعداً شاسعا عن طرح البديل الشجاع للسياسات المنتهجة من قبل هذه الحكومة نفسها، لا بل إنها من كبار مسوقيها.

ومنها مثلا حتى الإذاعة التابعة للجيش الإسرائيلي. وهنا، من جهة أخرى، يبرز عمق ذاك الصراع ومدى تعقيدات الأزمة العامة الإسرائيلية: أن تكون إذاعة الجيش على مهداف الحكومة، بتهمة عدم استيفاء معايير المعسكر القومي اليميني. 

وقد ​​​​​​صادقت الهيئة العامة للكنيست بالقراءة التمهيدية على اقتراح قانون خصخصة هيئة الإذاعة العامة الإسرائيلية وتقدمت به عضو كنيست من الليكود. وأيد الاقتراح 49 عضو كنيست فيما عارضه 46 عضو كنيست وسيمرر الاقتراح إلى لجنة الكنيست من أجل إقرار هوية اللجنة التي ستقوم ببحث وإعداد اقتراح القانون.​ يقضي الاقتراح بإغلاق هيئة الإذاعة العامة الإسرائيلية بعد عامين من تاريخ بدء العمل بالقانون المقترح، بحيث يتم إطلاق مناقصة لاختيار جهات خاصة ستحصل على ترخيص من السلطة الثانية للتلفزيون والراديو لتشغيل البث التلفزيوني على القنوات التي تبث الهيئة بها حالياً. بالإضافة إلى ذلك، يقضي الاقتراح بوقف بث جميع قنوات الراديو التابعة لهيئة الإذاعة الإسرائيلية، باستثناء البث على "ريشت ب" الإخبارية. وبموجب الاقتراح، ستعمل إذاعة "ريشت ب" الإخبارية  "كمحطة إذاعية وطنية" سيتم تشغيلها من قبل جهة خاصة.

في حين ادعى مؤيدو القانون أن "الهيئة تقدم خدمة للجمهور، على نفقة الجمهور، بدون سؤال الجمهور عما إذا كان يريد ذلك أم لا... لماذا يجب علينا تمويل ذلك ودفع تكاليف تقديم هذه الخدمة؟"، فقد قال رئيس المعارضة، عضو الكنيست يائير لبيد إن: "هذا هجوم على الديمقراطية الإسرائيلية، وعلى حرية التعبير الإسرائيلية، وعلى الإبداع الإسرائيلي، تحت ستار معالجة مشاكل الهيئة. ليست هناك دولة من دون حرية تعبير. ولا يمكن إدارتها بدون حرية الإبداع. لقد قرروا (في الحكومة) أن يفعلوا ما تفعله الأنظمة الظلامية: أولاً سحق وسائل الإعلام الحرة ومن ثم الاهتمام بكل شيء آخر".

إغلاق هيئة البث بسبب "عدم خضوعها للضغوط السياسية"

وزير الاتصالات شلومو كرعي دافع عن القانون بمفاهيم السوق الحرّة فقال: "منذ 6 سنوات وأنا أقدم نفس اقتراح القانون من وجهة نظر اقتصادية ليبرالية، وبموجبها ليست هناك حاجة للجمهور في عصر السوق الحرة لتمويل البث العام. هناك ما يكفي من القنوات الإخبارية في السوق الخاصة وتتمتع جميعها بتقييمات أعلى لنسب المشاهدة بالمقارنة مع البث العام. فما السبب الذي يدفعنا إلى تمويل منتج موجود في السوق بمئات الملايين؟". وكالمعهود راح يحرّض على العرب حتى في سياق القسم العربي في هيئة البث، فقال: "على قناة مكان 33 باللغة العربية التابعة للهيئة ظهرت أغاني مديح للقاتل الجماعي ياسر عرفات. هذه قناة تحرض على دولة إسرائيل في فترة حرب"، زعَم الوزير...

وكتبت المعلّقة تانيا كريمر أنه منذ إطلاقها التلفزيون والإذاعة العام 2017، لتحل محل هيئة البث الإسرائيلية القديمة المنحازة سياسياً، أصبحت هيئة البث الإسرائيلية العامة "كان"، جزءاً لا يتجزأ من المشهد الإعلامي في البلاد. تشمل أقسامها الإخبارية صحافيين من جميع مشارب المجتمع الإسرائيلي، اليمين واليسار على حد سواء. كما تتمتع قنواتها على وسائل التواصل الاجتماعي بشعبية كبيرة بين الإسرائيليين. وقد حاول رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزراؤه الحد من نفوذها منذ البداية، ففي العام 2016 كتبت صحيفة "ماكور ريشون" اليمينية، أن نتنياهو يرغب في وقف إطلاق هيئة البث، حتى لو كان ذلك يعني الإبقاء على هيئة البث الإسرائيلية القديمة. وتستمر هذه المحاولات في عهد وزير الاتصالات الحالي. ففي بداية عام 2023، ذكرت صحيفة "ذي ماركر" أن محاولات حكومة نتنياهو لإغلاقها كانت بسبب "عدم خضوعها للضغوط السياسية".

معاقبة مالية من الحكومة لصحيفة بسبب مواقفها السياسية

السعي لإسكات البث العام وإخضاعه لقوانين السوق، سبقه تصويت مجلس الوزراء بالإجماع على فرض عقوبات على صحيفة "هآرتس"، كخطوة انتقامية بسبب التغطية النقدية في الصحيفة وموقعها للحرب على غزة، والذريعة كانت تصريحات لناشر صحيفة "هآرتس" عاموس شوكن ضد الحرب. وينص الاقتراح على إنهاء عقود الإعلانات الحكومية مع الصحيفة وقطع الاتصال معها. كما يدعو إلى إلغاء جميع الاشتراكات في الصحيفة لموظفي الدولة، وأيضا موظفي الشركات المملوكة للدولة.    

وكتبت "هآرتس" في تعليق على القرار: قال شوكن في خطاب له باللغة الإنكليزية، والذي تم عرضه كفقرة في برنامج على قناة 14، ومن ثم انتشر في وسائل الإعلام الإسرائيلية: "إلى حد ما، ما يحدث الآن في الأراضي المحتلة وفي جزء من غزة هو نكبة ثانية. [...] إذا أردنا ضمان بقاء إسرائيل وأمنها، ومساعدة جيراننا الفلسطينيين على العيش حياة كريمة، يجب إقامة دولة فلسطينية، والطريقة الوحيدة لتحقيق ذلك، في رأيي، هي من خلال فرض عقوبات على إسرائيل، ضد قادتها المعارضين لهذا، وعلى المستوطنين".

وتابعت الصحيفة: خلال بث الخطاب على قناة 14، تم تعديل الفيديو بحيث تم حذف الجزء الأول من الجملة والسياق الذي قيل فيه: "إذا أردنا ضمان بقاء إسرائيل وأمنها، ومساعدة جيراننا الفلسطينيين على العيش حياة كريمة وطبيعية، (يجب إقامة دولة فلسطينية)".

كانت الانتقادات للحكومة واسعة النطاق بين متابعي وسائل الإعلام الإسرائيلية وأيضا بين الصحافيين. وقالت عنات ساراغوستي، رئيسة اتحاد الصحافيين الإسرائيليين: "إنه أمر مقلق للغاية لأنهم يريدون القضاء على حراس البوابة، والإعلام هو حارس البوابة... هناك تضامن بين جميع الصحافيين وجميع وسائل الإعلام التي تدرك أن هذا هو شيء خطير، وإن هذه مجرد محاولة واحدة من بين عدة محاولات لتقييد حرية الصحافة، بما في ذلك التشريع لإغلاق هيئة البث الإسرائيلية العامة وحملات الترهيب ضد الصحافيين".

في الفترة نفسها، كشف موقع "واينت" أنه بعد القوانين التي استهدفت هيئة البث العام، مثل التحكم في ميزانية القناة وخطط خصخصتها، قدم اليوم عضو كنيست من حزب الليكود اقتراح قانون جديد لخصخصة إذاعة "غالي تساهل" (صوت الجيش الإسرائيلي). يُذكر أن هذا الاقتراح قد قدمه في السابق وزير الاتصالات الحالي، شلومو كرعي، العام 2021 عندما كان عضو كنيست عادياً.

في إطار هذا الاقتراح، تُقترح خصخصة إذاعة "غالي تساهل" عبر عملية مناقصة تُديرها "مجلس السلطة الثانية للتلفزيون والإذاعة". وبحسب الاقتراح، سيُمنح الفائز في المناقصة رخصة لتشغيل محطة إذاعية تبث على مستوى البلاد. كما ينص الاقتراح على الاحتفاظ بالترددات المستخدمة حالياً من قبل الإذاعة لصالح الفائز في المناقصة، على أن يتم تغيير اسم المحطة خلال عامين من بدء تشغيلها كإذاعة مستقلة مملوكة للقطاع الخاص.

وفقاً للاقتراح، سيكون لمالك الرخصة الحق في بث الإعلانات والإعلانات التجارية ورسائل الرعاية والإعلانات الخدمية، مما يعني أن المحطة الجديدة لن تتلقى تمويلاً عاماً ولن تكون لها أي صلة بالجيش الإسرائيلي. بناءً على ذلك، سيتوقف الجنود عن الخدمة في هذه الإذاعة خلال عامين من دخول القانون الجديد حيز التنفيذ.

ملاحقة مستمرة لقنوات أجنبية بمزاعم أمنية

 

​​​​في غضون هذه الحملة على وسائل إعلام إسرائيلية، تتواصل الهجمة على قنوات اجنبية (عربية بالأساس) تحت شتى العناوين المتعلّقة بالأمن. فقد صادقت الهيئة العامة للكنيست قبل أسبوعين بالقراءة الثانية والثالثة على اقتراح "منع قيام هيئة بث أجنبية بالمساس بأمن الدولة لسنة 2024"، وأيد الاقتراح 25 عضو كنيست فيما عارضه 7 أعضاء كنيست فقط. وينص الاقتراح على تمديد سريان فترة القانون المؤقت بما يخص منع قيام هيئة بث أجنبية بالمساس بأمن الدولة حتى يوم 31 أيار 2025، وينص الاقتراح أيضا على تمديد سريان تعليمات وزير الاتصالات المحددة ضمن القانون، من 45 يوما لفترة لا تزيد عن 60 يوما وبموجب ذلك سيتم اتباع نفس الإجراءات عند القيام بكل عملية تمديد.

وجاء في شرح اقتراح القانون: "في يوم 23 أيلول 2024 في أعقاب نية وزير الاتصالات العمل على تمديد القانون مرة أخرى، تم قبول موقف جهاز الأمن العام (الشاباك) الذي شرح أن الأسباب الأمنية التي أيدوها ضمن التشريع المؤقت لا زالت كما هي، وذلك في ضوء اشتداد أوضاع الحرب على كل الجبهات، وبالتالي فإن موقفهم هو أنه يمكن تمديد التشريع المؤقت لمدة 6 أشهر أخرى أو حتى انتهاء الأعمال القتالية في كل الساحات. كما أن موقف جهاز الأمن العام يؤيد الحاجة إلى تحديد سريان تعليمات وزير الاتصالات بموجب البند 3 للقانون لفترة لا تزيد عن 60 يوما. وفي يوم 26 أيلول 2024 تم الحصول على موقف جهاز الموساد للمهام الخاصة وموقف الجيش الإسرائيلي بما في ذلك الرقيب العسكري والذين أيدوا هم كذلك تمديد سريان التشريع المؤقت لفترة إضافية".

وكانت منظمات حقوقية خرجت معارضةً هذه السياسة، فقالت جمعية حقوق المواطن مع أول قرار حكومي بإغلاق قناة "الجزيرة" أن الأمر"يؤدي إلى إسكات الأصوات الناقدة، وفرض الخوف على وسائل الإعلام تحت غطاء أمني، بينما يتم إسكات أصوات الأقليات والمواقف المعارضة للحكومة، والكشف عن الإخفاقات الحكومية والعسكرية، بطريقة من شأنها أن تحبط الجهود لتصحيحها وتخفي المعلومات المهمة عن الجمهور". وطالبت في التماس لاحقاً الحكومة بعدم تمديد الأوامر ضد القناة وعدم استخدام ذريعة "الأمن" بدون حاجة حقيقية لذلك.

بين الحملة على الاعلام والانقلاب اليميني على الحكم 

اعتبر الصحافي المتخصص في الشؤون القضائية باروخ كرا في مقال على موقع القناة 13، أن الحملة على الإعلام ترتبط على نحو متأصّل بالانقلاب المتواصل على الحكم بقيادة حكومة اليمين. وقال: "منذ المؤتمر الصحافي الذي عقده وزير العدل ياريف ليفين في كانون الثاني 2023، حيث عرض خطته للتغيير الجذري للنظام، لم يشهد المواطنون في إسرائيل تصعيداً مشابهاً لما يحدث في الأيام الأخيرة. الهدف من هذه التحركات هو تحويل إسرائيل إلى ديمقراطية غير ليبرالية، ترتكز بشكل أساسي على حكم فرد واحد، أو في أفضل الأحوال، حزب واحد".

وتابع: يتحقق هذا الهدف من خلال إضعاف المؤسسات التي يمكن أن تعرقل هذه الخطط، مثل القضاء، والأكاديميا، والإعلام. على سبيل المثال، تقدم وزير الاتصالات بطلب إلى سكرتير الحكومة لوضع مقترح على جدول الأعمال يهدف إلى إقالة المستشارة القانونية للحكومة. ويتركز الجزء الأكبر من الجهود حالياً على قطاع الإعلام. فقد تم تمرير اقتراح تفكيك هيئة البث العام في قراءة تمهيدية. وهنا تجدر الإشارة إلى أن استخدام مصطلح "خصخصة" لا يعكس الحقيقة، بل يُستخدم كجزء من لعبة الكلمات. بالإضافة إلى ذلك، يسعى وزير الاتصالات إلى تنفيذ تغييرات جذرية تتيح له السيطرة على القنوات التجارية، مع وجود اقتراح لإغلاق محطة "غالي تساهل". كل هذا يحدث في الوقت الذي تقدم فيه الحكومة امتيازات خاصة إلى قناة التلفزة 14، التي تُعتبر المنصة الإعلامية المؤيدة لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات