المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 109
  • سليم سلامة

"أقول وأكرر، منذ زمن طويل، إن التهديد الأكبر على دولة إسرائيل هو تهديد داخلي وليس تهديداً خارجياً. لذلك، فإن الانتصار المطلق الحقيقي يتمثل في بناء مجتمع مثالي يكون، أيضاً، مجتمعاً ذا خطاب عام مختلف... الاستقطاب في المجتمع الإسرائيلي آخذ في التعمق من جديد بعدما رأبت الحرب في قطاع غزة والحرب في لبنان الصدع بصورة مؤقتة. هذا الشرخ وسيرورة تعمّقه يشكلان التهديد المحلي الأكبر والأخطر على دولة إسرائيل، وهو أكبر وأخطر من أي تهديد خارجي". 

هذا هو التشخيص الواضح الذي يعرضه العقيد (احتياط) دورون ألموغ، رئيس "الوكالة اليهودية" (اسمها الرسمي الكامل: "الوكالة اليهودية لأرض إسرائيل")، التي تُعتبر الجهاز التنفيذي للحركة الصهيونية العالمية، منذ إنشائها تحت اسم "مكتب فلسطين" في العام 1908 في يافا، كفرع لعمليات المنظمة الصهيونية في فلسطين تحت الحكم العثماني للقيام بمهمة "تمثيل اليهود أمام السلطان العثماني والسلطات الأجنبية الأخرى"، إضافة ـ بالأساس ـ إلى شراء الأراضي لتوطين اليهود في فلسطين، من خلال "الصندوق القومي اليهودي" (كيرِن كييمت ليسرائيل). وفي آب من العام 1929، في "المؤتمر الصهيوني" السادس عشر في زيورخ، أعيد تنظيمها وتسميتها "الوكالة اليهودية لأرض إسرائيل".  

كان ألموغ قد أشغل مناصب مختلفة في الجيش الإسرائيلي كان آخرها قائد المنطقة العسكرية الجنوبية ابتداء من نهاية العام 2000، إبان الانتفاضة الفلسطينية الثانية، حتى أنهى مهام هذا المنصب في العام 2003. وعلى خلفية خدمته العسكرية هذه، أصدرت محكمة بريطانية في العام 2005 أمراً باعتقال ألموغ "بشبهة ارتكاب مخالفات تنتهك معاهدة جنيف"، من بينها ضلوعه في هدم نحو 50 منزلاً فلسطينياً في مدينة رفح في قطاع غزة في أعقاب قتل عدد من الجنود الإسرائيليين في المنطقة. وإبان ذلك، سافر ألموغ إلى بريطانيا على متن طائرة "إل عال" الإسرائيلية في مهمة تجنيد أموال لمشروع اجتماعي ـ مدني، إلا أن السفير الإسرائيلي في لندن، آنذاك، حذره من مغبة النزول من الطائرة نظراً لصدور أمر باعتقاله، مما اضطره إلى البقاء على متن الطائرة والعودة على أعقابه، تنفيذاً لتوصيات النيابة العامة الإسرائيلية، خشية اعتقاله فعلياً. ورغم أن مذكّرة الاعتقال البريطانية هذه أُلغِيَت في نهاية المطاف، إلا أن الموغ اضطر، على مدى سنوات عديدة لاحقة، إلى الحصول على مصادقة مسبقة من النيابة العامة الإسرائيلية على أية رحلة له إلى خارج البلاد. 

 

تغييرات في الجهاز القضائي ـ 80 بالمائة، على الأقل

 

 يشير دورون الموغ، وهو أول رئيس لـ"الوكالة اليهودية" منذ تأسيسها لا يأتي من الحقل السياسي (جميع الرؤساء السابقين كانوا أعضاء كنيست أو مسؤولين حزبيين)، في مقابلة مطولة أجرته معه صحيفة "كَلكاليست" الاقتصادية ونشرتها في ملحقها الأسبوعي (28 تشرين الثاني الأخير) إلى أن "خشيتنا من حالة عدم الاستقرار التي نشأت وظهرت بوادرها المثيرة لأشد القلق في الجولة لأولى من حملات الاحتجاج الشعبية على خطة "الإصلاح القضائي" دفعتنا إلى التوجه إلى رئيس الحكومة بصورة مباشرة، مرات عديدة، لتنبيهه إلى أنه إذا كان يرغب في إجراء تغييرات في الجهاز القضائي، فعليه أن يفعل ذلك من خلال التوافق الواسع. وقد سألوني مراراً ما معنى التوافق الواسع وكنت أجيب دائماً بالقول إنه يعني موافقة 80 بالمائة من المجتمع الإسرائيلي، على الأقل". وأضاف: "بينما أثارت خطة الانقلاب على النظام أصداء واسعة وعالية في العالم اليهودي في مختلف أنحاء العالم، كما ولّدت شعوراً لا يسعني إلا أن أصفه، بألطف تعبير، بأنه شعور بعدم الارتياح". 

ثم يواصل ألموغ شرح الموضوع فيوضح أن "أفكار ومعتقدات ممثلي اليهودية الأرثوذكسية، الذين يقررون مصير هذه الحكومة ومستقبلها مرهون بهم، هي التي تملي موقف دولة إسرائيل وعلاقتها تجاه التيارات اليهودية الأخرى، ولذا فهي تسيء كثيراً إلى مشاعر أعداد كبيرة جداً من يهود العالم وتُبعِدهم عن دولة إسرائيل، أكثر فأكثر.... المشكلة الكبرى أننا لا نفهم حقيقة الاختلافات بين اليهود في بقاع مختلفة من العالم. فاليهود الروس يختلفون عن الإصلاحيين في الولايات المتحدة والإصلاحيون يختلفون بالتأكيد عن الأرثوذكس هنا، في داخل إسرائيل. ومن بين الصور والمواقف العملية التي يتمظهر فيها هذا الاختلاف ـ رفض الحريديم التجند لتأدية الخدمة العسكرية في صفوف الجيش، وهو ما يشكل بؤرة خلاف عميقة، بل يعكس شرخاً عميقاً وجدياً في المجتمع اليهودي والإسرائيلي وينطوي على خطر جدي وملموس لأن يُبعد أوساطاً واسعة من يهود العالم عن دولة إسرائيل". 

يعود ألموغ ويشدد خلال المقابلة وفي سياقات مختلفة، مراراً وتكراراً، على ما يعتبره "الخطر الأكبر على المجتمع الإسرائيلي"، وهو "الخطاب العام السائد في الدولة اليوم ولغة الحوار بين الأطياف المختلفة في المجتمع اليهودي في إسرائيل"، ثم يتساءل: "هل ينبغي علينا العودة إلى ما حدث في عهديّ الهيكل الأول والهيكل الثاني؟...أريد أن أنبّه إلى أنّ هذا النوع من الخطاب ليس قائماً بين الجنود في الجيش أو بين الطواقم الطبية في المستشفيات. نحن لا نجد الانقسام والقرف سوى في المستوى السياسي بشكل أساسي". 

إعادة المخطوفين مقابل الانسحاب التام من قطاع غزة

 

يؤكد رئيس "الوكالة اليهودية" (ومقرها في مدينة القدس) أن صفقة تحرير المخطوفين الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة "كان ينبغي أن يتم التوصل إليها منذ وقت طويل، حتى ولو بثمن الانسحاب الكلي من قطاع غزة". ويوضح أنه "يعرف أنه كانت ثمة فرص لعقد مثل هذه الصفقة وقد تحدثتُ مع من يجب أن أتحدث معه". 

ورداً على سؤال حول هوية الجهة التي يجب أن تتسلم زمام الأمور وقيادة شؤون قطاع غزة "بعد انتهاء الحرب وانسحاب إسرائيل منه"، قال ألموغ: "لا الأميركان ولا المصريين ولا القطريين ولا السعوديين. في نهاية المطاف، حماس ستعود إلى القطاع دائماً. هذا هو الحمض النووي لديهم. أما الحل الأفضل فهو اعتماد السلطة الفلسطينية، رغم كل إشكالياتها، وإفساح المجال أمام ممثليها للدخول إلى قطاع غزة وإدارة شؤونه بدعم اقتصادي من الخارج، من الولايات المتحدة وأوروبا". 

ثم رداً على سؤال: "ألا ترى أن هذا ليس توقعاً متفائلاً؟"، قال: "نعم، هذا ليس توقعاً متفائلاً، لكن ممنوع العيش في الأوهام. لا خيار آخر أمامنا". 

أما بخصوص ما حدث في 7 تشرين الأول 2023 وضرورة "إجراء حساب ومراجعة للذات بهذا الشأن"، فقد قال ألموغ إن ما حدث في السابع من تشرين الأول 2023 "حطّم الثقة في كل المستويات ـ الجيش، الأمن، القيادة العسكرية والقيادة السياسية. وممنوع تماماً تطبيع الوضع القائم. أما ما ينبغي فعله الآن فهو تشكيل لجنة تحقيق رسمية، يحتّمها الواقع المستجدّ، بل أقول أكثر من ذلك: يجب الذهاب إلى انتخابات جديدة". 

استقدام آلاف الشبان اليهود للاستيطان في شمال البلاد وجنوبها

 

في الأثناء، كشف ألموغ عن أن "الوكالة اليهودية" قد أعدّت "خطة إعادة تأهيل بعيدة الأثر لجنوب البلاد وشمالها"، تقوم على استقدام ستة آلاف شاب يهودي من بلدان مختلفة من العالم لتوطينهم، خلال السنوات العشر القادمة، في جنوب البلاد وشمالها "لأننا على ثقة شبه أكيدة بأنّ كثيرين جداً من السكان الذين كانوا يقيمون هناك حتى الحرب لن يعودوا إلى منازلهم ومستوطناتهم في تلك المناطق، بسبب الصدمة التي أصيبوا بها". 

على سبيل المثال، قال، تشمل الخطة استقدام 600 شاب يهودي من العالم ومنحهم منحاً تعليمية للقب الأول في "كلية سابير" في الجنوب، على أن يعملوا في الكيبوتسات، في الزراعة والصناعة حسبما يرغب كل واحد منهم. "ونحن نبني على أن يكون تفاعلهم مع المنطقة إيجابياً خلال تلك الفترة وأن يختاروا، في نهايتها، البقاء هناك. كما نعتزم تقديم محفزات أخرى لهم"، أضاف. من بين تلك "المحفزات": بناء بيوت للسكن لمن يرغب في البقاء من هؤلاء الشبان. والحديث هنا عن نحو ألف شقة سكنية يستطيع هؤلاء الشبان امتلاكها بشروط سهلة جداً وبواسطة قروض إسكانية تُمنح لهم ويقومون بتسديدها على مدى سنوات عديدة. "هدفنا النهائي هو زيادة عدد السكان في جنوب البلاد وشمالها"، يؤكد ألموغ مشيراً إلى أنه "منذ بداية الحرب حتى الآن، هاجر إلى إسرائيل نحو 33 ألف يهودي جديد ـ إنها هجرة شجعان: شبان يقررون في زمن الحرب التجند في صفوف الجيش، العمل والتطوع". 

إضافة إلى ذاك، يتحدث ألموغ عن "قناعته بأنّه ليس الهجرة وحدها هي العنصر الحيوي بالنسبة لدولة إسرائيل، وإنما أيضاً ـ وبالأساس ـ الأموال اليهودية الضرورية لتعزيز الدولة والمجتمع الإسرائيليين في مجالات مختلفة".... فخلال السنة الماضية، منذ اندلاع الحرب، يقول، "تبرع يهود أميركا بحوالي مليار دولار"، مشدداً على أن "محرك نموّ التكنولوجيا العالية (الهاي تك) الإسرائيلية مصدره استثمارات يهود العالم. ويجب أن ننتبه إلى مدى حيوية الهاي تك لبقاء الدولة ونموّها، وخصوصاً الآن في هذه الفترة التي يزداد فيها الحديث عن هروب الأدمغة من البلاد"!

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات