عبّر محافظ بنك إسرائيل المركزي، أمير يارون، الأسبوع الماضي، عن نظرة تشاؤمية حيال مستقبل الاقتصاد الإسرائيلي، استنادا إلى سلسلة معطيات في الاقتصاد، ومعها أداء الحكومة في إدارة الميزانية، وشكل إعداد ميزانية العام المقبل. وأعلن عن إبقاء الفائدة البنكية على حالها، وهي تُعد عالية بالنسبة للاقتصاد الإسرائيلي، ملمحا إلى أنها قد تبقى عند مستواها الحالي فترة طويلة. ويأتي هذا القرار، في ظل استفحال غلاء المعيشة، رغم ما يظهر من لجم لوتيرة التضخم في الشهرين الماضيين، فالأسعار ترتفع بنسب أعلى من نسب التضخم في المواد والبضائع الحياتية الأساسية، من أغذية وغيرها. إلى ذلك، فقد نشرت معطيات جديدة بشأن الكلفة العسكرية للحرب الدائرة على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، إذ بلغت حتى الآن 30 مليار دولار، ومن المتوقع أن تصل حتى نهاية العام الجاري إلى أكثر من 35 مليار دولار، وهذا لا يشمل الكلفة المدنية للحرب.
وكما ذكر، فقد قرر بنك إسرائيل المركزي الابقاء على مستوى الفائدة البنكية للشهر السادس على التوالي، لتبقى عند 4.5%، تضاف لها فائدة ثابتة بنسبة 1.5%، وبهذا تكون الفائدة الأساسية الكلية 6%، في حين أن البنوك تجبي فوائد أعلى بكثير على القروض والسحب الزائد. وذريعة الفائدة العالية أنها اداة للجم التضخم المالي، رغم أن وتيرته خفّت في الشهرين الأخيرين.
وشكلت الفائدة العالية في العام ونصف العام الأخيرين، مصدر أرباح خيالية للبنوك، التي من المتوقع أن تتجاوز أرباح البنوك الخمسة الكبرى منها هذا العام 30 مليار شيكل (أكثر من 8 مليارات دولار)، حتى نهاية العام الجاري.
كذلك أعلن بنك إسرائيل عن خفض توقعاته للنمو الاقتصادي في العام الجاري، وباتت 1.5%، وهي نسبة انكماش ضمني، طالما أنها تقِل عن نسبة التكاثر السكاني 2%. كما خفّض البنك تقديراته للنمو للعام المقبل 2025، إلى نسبة 4.2% بدلا من 5% في التقديرات السابقة.
إلى ذلك، أعلنت وزارة المالية الإسرائيلية أن العجز في الميزانية العامة بلغ حتى نهاية حزيران الماضي، نسبة 7.6% من حجم الناتج العام، ما يعني أكثر من 152 مليار شيكل، بينما العجز المخطط لهذا العام كان 5.6%، وحسب تقديرات خبراء اقتصاد فإن العجز قد يتجاوز نسبة 8% مع نهاية العام الجاري.
ورغم ذلك، فإن وزارة المالية، وأيضا بنك إسرائيل المركزي، متفقان حول التقدير بأنه تم لجم وتيرة العجز في الموازنة العامة، وحتى أن العجز قد يتراجع في النصف الثاني من العام الجاري إلى نسبة 6.6%.
وقال المحللون الاقتصاديون، الذين شاركوا في المؤتمر الصحافي الذي عقده محافظ بنك إسرائيل، أمير يارون، إن المحافظ عبّر عن نظرة تشاؤمية ليس فقط تجاه العام الجاري، بل أيضا تجاه العام المقبل 2025. وحذّر من أن الاقتصاد الإسرائيلي يلج بشكل أكبر في حالة تباطؤ اقتصادي، في حين أن المديونية الحكومية آخذة بالازدياد، منتقدا إدارة الحكومة للاقتصاد والموازنة العامة.
وبحسب التقديرات الجديدة، فإن حجم الدين العام سيقفز من نسبة 62% من حجم الناتج العام في نهاية 2023، إلى ما يلامس نسبة 70% مع نهاية العام المقبل 2025، أي ما يعادل 276 مليار دولار.
غلاء المعيشة والأوضاع الاقتصادية
في حين أن التضخم المالي (الغلاء)، في النصف الأول من العام الجاري، في محيط 3%، بما يشمل التضخم في حزيران، الذي يعلن عنه هذا الأسبوع، إلا أن أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية، وخاصة الأغذية، ارتفعت بأضعاف هذه النسبة. فعلى سبيل المثال، أسعار الحليب ومنتجاته ارتفعت بما بين 5% إلى 9%، واللحوم ارتفعت بما بين 15% إلى 20%، والوقود 9%، وحبوب الطعام بنسب مختلفة ما بين 15% إلى 20%، والسكر 13%، والخضراوات والفواكه بمعدل يتراوح ما بين 10% إلى 15%.
ويقول المحلل الاقتصادي أدريان بايلوت في مقال له في صحيفة "كالكاليست" الاقتصادية"، إن التقارير الاقتصادية الحالية عن حجم الاستهلاك الفردي والعام ونسبة البطالة جيدة، مما يسمح للسياسيين بالادعاء بأن كل شيء على ما يرام، لكن المؤشرات التي تتنبأ بالمستقبل سلبية بشكل مثير للقلق. فالعجز في الميزانية العامة يزداد باستمرار، وسيكون من الصعب على الحكومة تحمّله من دون تغيير سياسات، كذلك فإن الفوائد على الديون الحكومية ترتفع باستمرار، وفي المقابل فإن المستثمرين يهربون من أسواق المال الإسرائيلية، والتصنيف الائتماني لإسرائيل في تراجع مستمر، ولذا فإن "الاقتصاد يقع في عمق منطقة الخطر، ولحظة انهيار التفاؤل قريبة".
وتابع بايلوت كاتبا أن سلسلة متزايدة باستمرار من بيانات الاقتصاد الكلي الحقيقية، تشير إلى أن المستقبل القريب قد يكون كارثيا. والرقم الأهم هو العجز الحكومي في العام الجاري، في طريقه إلى 8% من الناتج المحلي الإجمالي، وذلك بعد أن انتهى العام الماضي بعجز 5%، والعام المقبل 2025، نتحدث بالفعل عن 5.2% وأعلى. وهذا ليس عجزاً سببه الحرب فقط، إذ إن هذا الادعاء لم يعد مقبولا، بل إن السياسة الاقتصادية وشكل الصرف يساهمان في هذا العجز؛ وقال الكاتب إنه سيكون من الصعب على إسرائيل الصمود أمام عجز مالي ودين متفاقم باستمرار.
في دلالة على الأوضاع الاقتصادية، وفي جانب الاستهلاك والنمو، فإن قطاع بيع السيارات الجديدة يشهد تراجعا حادا، فهذا القطاع يشكّل عنصرا بارزا في نمو الاقتصاد الإسرائيلي، خاصة في السنوات الـ 15 الأخيرة، وحسب تقارير سابقة، فإن هذا القطاع يشكل حوالي 5% من إجمالي النمو في الاقتصاد الإسرائيلي، ولهذا فإن أي تحرك في هذا القطاع في أي اتجاه، ينعكس على اجمالي النمو.
ففي الأيام الأخيرة تبيّن من تقرير لاتحاد وكلاء السيارات، أنه بفعل الحرب الإسرائيلية تراجع تسليم السيارات الجديدة في النصف الأول من العام الجاري 2024، بنسبة 11%، في حين أن بيع السيارات بشكل عام، بمعنى تلك التي سيتم تسليمها لاحقا تراجع في الفترة نفسها بنسبة 15%.
وتقول التقارير الاقتصادية إن قرار تركيا بمقاطعة الاقتصاد الإسرائيلي يؤخر وصول السيارات إلى إسرائيل، رغم أن القرار لا يسري على سيارات الشركات من دولة ثالثة، مثل سيارات تويوتا ويونداي وغيرهما، المصنّعة في تركيا، لكن ليس هذا وحده، بل هناك تراجع ملموس في إقبال الجمهور على شراء سيارات، في ظل أوضاع اقتصادية غير مستقرة على مستوى الشارع.
ورغم هذا، فإنه في الأشهر الستة الأولى من هذا العام، تم تسليم ما يزيد بقليل عن 155 ألف سيارة، وكما ذكر فهذا أقل بنسبة 11% عن الفترة نفسها من العام الماضي. كما أن أسعار السيارات الجديدة ارتفعت بنسب متفاوتة ما بين 4% إلى 5%.
وقال تقرير في صحيفة "ذي ماركر" إن الحرب تؤثر بقدر كبير على مستوردي السيارات والمستهلكين، الذين يضطرون إلى دفع أسعار أعلى، ومن أسباب هذا إغلاق البحر الأحمر في وجه البضائع المتجهة إلى إسرائيل ومنها، ولهذا فإن ميناء إيلات الواقع على خليج العقبة متوقف العمل فيه، وهو الميناء الذي تصله كميات السيارات الأكبر، من الشرق الأقصى.
وبحسب تقارير أخرى، فإن ما أنقذ الوضع القائم هو وجود مخزون ضخم من السيارات من السنة الماضية، لم يتم بيعها وهي متوقفة في الموانئ ومخازن السيارات، لكن هذا المخزون في تراجع مستمر، بسبب التأخير في وصول السيارات.
الكلفة العسكرية للحرب على غزة
قال تقرير أعده المستشار الاقتصادي لرئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، ونشرته صحيفة "ذي ماركر"، إن الكلفة المالية العسكرية وحدها للحرب الدائرة على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، بلغت حتى نهاية حزيران الماضي، أكثر بقليل من 111 مليار شيكل، وهو ما يعادل تقريبا 30 مليار دولار. وبحسب التقرير نفسه فإن هذا يشكّل 85% من إجمالي الكلفة العسكرية المتوقعة، التي قد تصل إلى 130 مليار شيكل، لكن الصحيفة شككت بهذا التقدير للكلفة الإجمالية، في ضوء استمرار الحرب، كما أن تشغيل قوات الاحتياط فاق التقديرات من حيث حجمها ومدة تشغيلها، إذ إن الصرف على جيش الاحتياط فاق 30 مليار شيكل، أي أكثر بقليل من 8 مليارات دولار.
وبموجب تقرير المستشار نفسه، فإن الصرف على الذخيرة ومعدات إطلاقها وصل حتى نهاية حزيران إلى 24 مليار شيكل، من بينها أكثر من 16 مليار شيكل على معدات إطلاق الذخيرة، جوا وبحرا وبرا.
ونشير إلى أن الحديث هنا عن نفقات الجيش المباشرة على الحرب، وهذا لا يشمل ما تصرفه الحكومة على الجانب المدني، والتعويضات لعائلات القتلى وتعويضات وعلاج المصابين، من عسكريين ومدنيين. كما أن هذا لا يشمل احتياجات الجيش المستقبلية، بناء على الاستنتاجات من هجمات السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 وأيضا من سير الحرب، وإعادة وزيادة المخزون العسكري.
وقد قالت صحيفة "ذي ماركر" إن تقريرا لشركة "تاسك" عُرض في وقت سابق كشف عن أن عدد المعاقين من الجنود الإسرائيليين، الذين كانوا يتلقون علاجات وتدريبات تأهيل جسدي ونفسي حتى نهاية شهر أيلول 2023، كان حوالي 62 ألف جندي. والتقديرات حاليا تتحدث عن ارتفاع هذا العدد تدريجيا حتى العام 2030 إلى حوالي 100 ألف جندي.
كذلك ففي الأشهر التسعة الماضية، ارتفع عدد المتضررين نفسانيا من الجنود الإسرائيليين والذين يتلقون علاجات، من 11 ألف شخص حتى قبل هجمات السابع من أكتوبر، إلى 30 ألف شخص حتى نهاية حزيران الماضي، بمعنى زيادة بنسبة 172%. وهذا بدوره يتطلب أيضا زيادة ضخمة في الصرف والتعويضات التي ستستمر سنوات طويلة؛ ففي حين أن ميزانية علاج المصابين نفسانيا من جنود الجيش، بلغت في العام الماضي 2023 حوالي 5.5 مليار شيكل، فإن هذه الميزانية ستقفز حتى العام 2030 إلى ما يقارب 11 مليار شيكل سنويا، بأسعار اليوم. كما أن ميزانية مساعدات عائلات قتلى الجيش سترتفع، من 1.8 مليار شيكل في العام الماضي 2023 إلى 2.6 مليار شيكل في العام 2030.
وكانت تقديرات سابقة قد تحدثت عن كلفة إجمالية للحرب في الجنوب والشمال تصل إلى 230 مليار شيكل، وأن تسديد هذه الكلفة سيحتاج إلى سنوات. إلا أن كل هذه التقديرات كان في صلبها أن الحرب سوف تتوقف قبل هذا الوقت الذي نعيشه، وكلما طال وقت الحرب فإن الكلفة سوف ترتفع بالتأكيد.
كذلك يشار إلى أن 230 مليار شيكل تعادل تقريباً 12% من حجم الناتج الإسرائيلي العام، وهذه تُعدّ نسبة كبيرة جدا، كما أن هذا المبلغ يعادل حوالي 45% من حجم ميزانية سنوية عامة لإسرائيل في العامين الأخيرين.