المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
"تم احتلال فرقة غزة" أحد الإصدارات الإسرائيلية بعد السابع من أكتوبر

في العام 2023 شهدت إسرائيل حدثين مهمين هما هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر والحرب على غزة، تركا أثراً عميقاً على إسرائيل ليس فقط على مستوى السياسة والأمن، بل أيضاً على المشهد الثقافي والأدبي. وتعكس الكتب التي نُشرت خلال هذا العام الحدثين بتفاصيلهما، وتسلط الضوء على تجارب الإسرائيليين في ظل الحرب.

وتزامناً مع أسبوع الكتاب السنوي في إسرائيل، نشرت المكتبة الوطنية الإسرائيلية تقريرها السنوي حول إصدار الكتب في إسرائيل للعام 2023. وأشار التقرير إلى انخفاض بنسبة تزيد عن 10% في الكتب المطبوعة، مقابل زيادة بنسبة 40% في نشر الكتب الرقمية[1].

يستعرض المقال أهم المعطيات التي تضمنها تقرير المكتبة الوطنية الإسرائيلية، ويبحث في تأثير الحرب المستمرة مع غزة منذ تسعة أشهر على نشر الكتب. كما يناقش التوقعات المستقبلية لهذا القطاع، ويسلط الضوء على أبرز الكتب التي تم إصدارها خلال هذه الفترة.

المشهد الثقافي في إسرائيل

تأثر المشهد الثقافي في إسرائيل بشكل كبير بالأحداث الكبرى التي شهدتها خلال العام 2023. فقد شهدت تزايداً في عدد الكتب التي تناولت أحداث هجوم 7 أكتوبر والحرب في غزة، والتي تجمع بين السرد الشخصي والتحليل السياسي، مما يعكس تعدد الآراء والتجارب في ما يتعلق بهذه الفترة.

وفيما أشار التقرير إلى أن معظم موضوعات الكتب لم تمر بتغييرات كبيرة على مر السنين، يمكن رؤية اتجاهات التغيير على المدى الطويل، مثل فئات الرواية والشعر وكذلك التدريب والترفيه التي تستمر في النمو مقارنة بالفئات الأخرى. وشهدت المنشورات في العلوم اليهودية والتوراة وغيرها انخفاضا في حصتها.

تستمر كتب النثر والشعر هذا العام في كونها أكبر أنواع الكتب المنشورة، لكن بالأرقام المطلقة هناك انخفاض طفيف مقارنة بالعام الماضي. في العام 2023، تم نشر 1842 كتاباً نثرياً وشعرياً، وهو رقم أقل من العام 2022 الذي نُشر فيه رقم قياسي بلغ 2004 كتب نثرية وشعرية، لكنه لا يزال أكثر من السنوات السابقة. كما انخفض نوع السير الذاتية بشكل طفيف في العام 2023، حيث تم نشر 375 كتابا في هذا المجال (في العام 2022 تم نشر 497 كتابا منها وفي العام 2021 تم نشر 447 كتابا[2]).

الكتب بالأرقام

استقبلت المكتبة الوطنية خلال هذا العام 6037 كتاباً، بانخفاض كبير عن العام السابق (2022) الذي صدر فيه 6791 كتاباً. ويتجلى هذا التراجع بشكل خاص في مجال أدب التوراة والدراسات اليهودية. كما يعود جزء كبير من الانخفاض إلى التأخير والتغييرات التي طرأت على دور النشر أثناء الحرب وبعدها.

بالإضافة إلى ذلك، تم إصدار 1,762 كتاباً رقمياً، وهو ما يمثل زيادة مقارنة بـ 1,258 كتاباً رقمياً في العام الماضي. لكن من المهم الإشارة إلى أن معظم الكتب الرقمية لا تضاف إلى الكتب المطبوعة، لأنها عبارة عن إصدار مواز ونسخ رقمية لكتب تم نشرها في السنوات السابقة.

تعتمد البيانات الواردة في التقرير السنوي للمكتبة الوطنية على الكتب التي وصلت إلى المكتبة بموجب قانون النسخ الإلزامي، حيث يلزم القانون الإسرائيلي- "قانون الكتب"- بإيصال أي إصدار يطبع في إسرائيل يزيد عدد نسخه عن 50 نسخة إلى "المكتبة الوطنية"، بما في ذلك الكتب، الصحف والمجلات، الأقراص المدمجة وكذلك الكتب الإلكترونية[3].

تسجيل الذاكرة والتأريخ

في ظل هذا السياق، تم تأليف أكثر من 82 كتاباً خلال العام 2023 تتناول جوانب مختلفة من الأحداث المذكورة. منها كتب تتناول التحليل السياسي للحرب، وكتب أخرى تروي تجارب الأفراد، مما يسهم بحسب التقرير في إثراء الذاكرة الجماعية وفهم الأحداث  بشكل أعمق[4].

بالتالي، تعد الكتب التي نُشرت خلال العام 2023 في إسرائيل جزءاً من تسجيل الذاكرة والتأريخ. فهي لا تقتصر فقط على رصد الأحداث الجارية، بل تعمل على توثيق تجارب الأفراد وتأثيرات الحرب على الحياة اليومية والهوية الوطنية بشكل عام.

كذلك تقود المكتبة الوطنية مشروعاً للذاكرة الوطنية، يضم مجموعة واسعة من المواد والمحتويات المتعلقة بالأحداث منذ 7 أكتوبر.

وتتضمن هذه المواد الصور، والكتيبات، ومقاطع الفيديو، وشهادات الشخص الأول، والنعي، ورسائل الدعم، والمشاريع العامة بعد الحرب.[5]

تأثير الحرب على نشر الكتب في إسرائيل

منذ اندلاع الحرب في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، شهدت إسرائيل تدفقاً كبيراً من المحتوى عبر الإنترنت والمطبوعات المتعلقة بالأحداث المباشرة أو غير المباشرة للحرب. ومن المتوقع أن يشهد العام 2024 والسنوات القادمة نشر مئات، وربما آلاف الكتب في محاولة لتوثيق كامل الأحداث التي أثرت على إسرائيل منذ 7 أكتوبر.

كما أشار التقرير، إلى أن المكتبة قررت التحقق من البيانات الواردة في المؤلفات، ووجدت أنه من الطبيعي أن يكون قد تم نشر عدد قليل فقط من الكتب حول الهجوم المباغت والحرب في غزة خلال العام 2023. بالإضافة إلى ذلك، هناك العديد من الكتب حول الحرب لم تصل إلى المكتبة بعد، بما في ذلك تلك التي كُتبت في بداية العام 2024.

 

الموضوعات البارزة في الكتب المنشورة

تم تأليف ما لا يقل عن 82 كتاباً حول الهجوم المباغت وحرب "السيوف الحديدية" على غزة منذ اندلاعها وحتى نهاية أيار 2024. تشمل هذه الكتب عناوين متنوعة تشمل أحداث وقصص الحرب، آثار الحرب على المجتمع الإسرائيلي، مظاهر معاداة السامية، والقضايا الدينية والثقافية. كذلك الكتب اليهودية التي تناولت الجوانب الدينية والثقافية خلال الحرب، بما في ذلك الهجادوت عن عيد الفصح المستوحاة من الأحداث والمختطفين، والتي تشكل جزءاً مهماً من التأريخ الثقافي والديني لإسرائيل. والكتب عن الذاكرة والبطولة حيث تركز العديد من الكتب على قصص الإنقاذ والبطولة، بينما تتناول الكتب التذكارية آثار الحرب على القتلى والجرحى، سواء كانوا من المدنيين أو الجنود.

الصدمة دافع الكتابة

يرى المدير التنفيذي لدار النشر "يديعوت بوكس"، دوف إيخنولد، أن هنالك إبداعاً في الكتابة  نجم عن حرب 7 أكتوبر، وتمثلت مهمته في توثيق الصدمة التي خلفتها هذه الحرب. واشار إلى استقبال دار النشر لعدد كبير من المخطوطات من شهود الحرب، الذين شهدوا الأحداث من منظورات متعددة[6].

بالنسبة لإيخنولد، تعتبر مشاريع الكتاب حول حرب 7 أكتوبر مهمة من الناحية الشخصية والحيوية، حيث يسعى مؤلفوها لاستكشاف جميع جوانب تلك الفترة الزمنية. مما يثير السؤال لدى دور النشر حول ما إذا كان من الأفضل الانتظار للحصول على منظور تأريخي أو نشر الأحداث على الفور.

في ظل هذا التحدي، فإن الكتب التي تنشر بسرعة قد توفر رؤى مهمة في اللحظة الراهنة، لكنها قد لا تكون كافية في التعمق والتحليل الشامل. بالتالي، بحسب أيخنولد من المهم إيجاد توازن بين الحاجة للتوثيق الفوري وبين التحليل العميق الذي يأتي مع مرور الوقت[7].

ومع مرور الزمن، بدأت الجهود تتركز أكثر على إصدار ألبومات تصويرية لإحياء الذكرى، بينما كانت الكتب النثرية أقل بشكل ملحوظ. ويرى أنه في عصر التكنولوجيا الحديث، أصبح من الأسهل على الأفراد توثيق تجاربهم الشخصية ومشاركتها بفضل التكنولوجيا المتقدمة ووسائل التواصل الاجتماعي، مما يعكس رغبتهم في التعبير عن تجاربهم بشكل فوري وفعال.

آفي شومر، الرئيس التنفيذي لسلسلة "تسومت سفريم"، يسلط الضوء على الكتب النثرية والفكرية التي تتعامل مع حرب 7 أكتوبر، مثل رواية "المحطة الأخيرة من الجنة" لأورنا لانداو،  وكتاب "اليوم الثامن" لميخا غودمان.  

كما أشار شومر إلى أن الكتب التي تتبنى أسلوب السرد الشخصي تحقق نجاحاً أكبر مقارنة بتلك التي تتبع النهج الصحافي، كما يبرز أهمية تسجيل الشهادات الحقيقية وتسجيل التجارب الشخصية للحفاظ على ذاكرة هذه الأحداث المهمة من وجهة نظره[8].

من أبرز الكتب التي تم إصدارها بعد 7 اكتوبر

1.   كتاب "يوم واحد في أكتوبر"، من تأليف وتحرير يائير أغمون وأوريا مفورخ، يتألف من مجموعة قصص لأربعين إسرائيلياً، وتتميز بأنها تتقاطع بين الواقع والخيال في مختلف القوائم الأدبية. الكتاب حقق نجاحاً تجارياً نادراً، حيث احتل قوائم الكتب الأكثر مبيعاً، بحسب صحيفة هآرتس.[9]

 

2.   كتاب "اليوم الثامن: إسرائيل بعد 7 أكتوبر"، هذا الكتاب للباحث الإسرائيلي الشهير ميخا غودمان، صاحب نظرية "تقليص الصراع"، وفيه نظرة متعمقة في أحداث السابع من أكتوبر. يسعى غودمان في هذا الكتاب إلى تجاوز السؤال التقليدي في الخطاب العام حول "ما الذي يجب فعله لتحقيق النصر؟" وينتقل إلى سؤال أعمق: "ما الذي يجب أن نكون عليه لننتصر؟" يشير الكاتب إلى أن أحداث السابع من أكتوبر 2023 كشفت للإسرائيليين أموراً لم يكن الجميع يعلمها، وأخرى لم يرغب الجميع في معرفتها. من أبرز هذه الاكتشافات هو هشاشة الوجود الإسرائيلي.[10]

  1. كتاب "حرب أبطال" من نشر "يديعوت أحرونوت": تركز مؤلفة الكتاب هداسا بن آري على نقل قصص حرب أكتوبر للأطفال في سن المدارس الابتدائية من الصف الرابع فما فوق. يتضمن الكتاب قصصاً قصيرة وموجزة وواضحة تتناول الأحداث الحاسمة التي جرت في ذلك اليوم، بالإضافة إلى شروحات توضيحية. [11]

من وجهة نظر الكاتبة فإنه تم اختيار القصص بمسؤولية لتعريف الأطفال بمفاهيم الصمود والمرونة أمام الأزمات، ويروي بعض القصص عن أبطال أو بطلات في طفولتهم. وترى بن آري أن هذا النوع من الكتب يمتلك دوراً مهماً في توثيق التاريخ وتعليم الأجيال الصغيرة عن الأحداث المهمة بطريقة ملهمة ومفيدة لتطوير وعيهم الثقافي والتاريخي.

4.   كتاب "احتلت فرقة غزة"، هذا الكتاب أعده الصحافي الإسرائيلي إيان كفر، يصف أحداث 7 أكتوبر الصعبة بالنسبة للمجتمع الإسرائيلي. يصف هذا الحدث بالضربة الأكثر صعوبة التي تلقتها إسرائيل منذ العام 1948. يتوقف الكاتب عند الأحداث التي سبقت يوم هجوم "طوفان الأقصى": العمى الاستخباراتي، والإخفاقات العملياتية، وسياسة تقوية حماس والاستهانة بقدراتها العملياتية، والفشل السياسي للحكومة وزعيمها[12].

 

5.   كتاب "لسنا في حالة إجماع"، من تأليف أفياهو رونين، تناول الكاتب كيبوتس كيرم شالوم الذي تم اقتحامه إبّان هجوم "طوفان الأقصى"، ويسلط الضوء على دور "وحدات التأهب" في الكيبوتس في صد الهجوم ومنع عملية السيطرة عليه وكيف تم إنقاذه بعد مقتل اثنين من أعضاء "وحدات التأهب".[13]

توقعات مستقبلية

أشار التقرير إلى أن توقعات المكتبة الوطنية تدل على أن العام المقبل سيشهد الاستمرار والاهتمام بمثل هذه الأحداث في الأدب والبحث التاريخي والذاكرة. ومن المتوقع أن يشهد العام 2024 نشر مئات الكتب الأخرى التي ستعكس تجارب جديدة وتحليلات إضافية. ومن المتوقع أن تشمل الكتب المستقبلية موضوعات تتعلق -وفق تعبيرات التقرير- بالذكرى، والبطولة، وآثار الحرب على المجتمع الإسرائيلي، وتحليلات لمعاداة السامية المتزايدة والأحداث المهمة الأخرى التي تلاحق اليهود في جميع أنحاء العالم.[14]

كذلك فإن آفي شومر متفائل بمستقبل نشر المزيد من الكتب حول حرب 7 أكتوبر، مع إدراكه أن الحاجة إلى توثيق الأحداث وتحليلها ستبقى قائمة سنوات قادمة، حتى بعد مرور نصف قرن على تلك الفترة الصعبة والمؤثرة في تاريخ الشرق الأوسط.[15]

من وجهة نظر صحيفة "هآرتس"، يبرز تدفق مئات الكتب - وربما أكثر- إلى دور النشر الكارثة التي ستطاول حياة الإسرائيليين من الآن فصاعداً، بطريقة قد تكون فريدة لكنها معقدة للغاية، متشابكة مع الذاكرة الجماعية، ومع ارتباط دائم بحياتهم الشخصية وعواطفهم، كما كان لحرب "يوم الغفران" [حرب تشرين] صدى واسع في الأدب الإسرائيلي. [16]

 

[1] للاستزادة أنظر/ي تقرير الكتب السنوي للعام 2023، المكتبة الوطنية الإسرائيلية، https://2u.pw/AGP3xawu

[2] المصدر السابق.

[3] [3] للاستزادة انظر/ي الإصدارات في إسرائيل، موسوعة المصطلحات، مدار، https://2u.pw/sMqp3ckp

[4] المصدر السابق.

[5] المصدر السابق.

[6] شيري ليف – آري،"يتفاجأ الناشرون بطوفان الكتب عن الحرب"، موقع كالكاليست، للاستزادة أنظر/ي https://www.calcalist.co.il/style/article/s1doa71ir

[7] المصدر السابق.

[8] المصدر السابق.

[9] غيلي إيزيكوفيتش، "أكثر من 80 كتاباً تتناول السابع من أكتوبر"، هآرتس، للاستزادة أنظر/ي، https://2u.pw/vpMnY2w1

[10] عبد القادر بدوي، المكتبة، مجلة قضايا إسرائيلية – مركز مدار، العدد 93، للاستزادة أنظر/ي، https://2u.pw/d28gPCol

[11] دبورا زاغوري، "رف كتب أبطال السابع من أكتوبر يمتلئ"، موقع مكور ريشون، للاستزادة أنظر/ي،https://www.makorrishon.co.il/culture/766453/

[12] عبد القادر بدوي، مصدر سبق ذكره.

[13] المصدر السابق.

[14] تقرير الكتب السنوي، مصدر سبق ذكره.

[15] شيري ليف – آري، مصدر سبق ذكره.

[16] غيلي إيزيكوفيتش، مصدر سبق ذكره.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات