المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
فلسطينيو الداخل: هجمة يمينية "تشريعية" تعتبر المواقف السياسية مخالفات أمنية. (الصورة عن هآرتس)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 734
  • هشام نفاع

مرة أخرى يخرج إلى الضوء العام ملف قديم/ جديد من مربعات ظلام السياسة وظلاميتها. إنه ملف الرقابة والملاحقة بواسطة المخابرات لمؤسسات التعليم والعاملين والعاملات فيها بصفة مربين ومربيات ومدرّسين ومدرسات. هذه المرة وصلت الأمور درجات من العبث الذي بات يميّز كل جهاز الحكم التنفيذي الإسرائيلي الراهن، لدرجة أن مَن يريد سياسيو اليمين الشعبوي تكليفه بمهمة الرقابة الجديدة، وهو جهاز الشاباك، يزعم التحفظ بنفسه من المشروع المطروح، من ناحية حجمه وبنيته على الأقل وليس جوهره.

فقد صادق الكنيست الإسرائيلي بالقراءة الأولى على اقتراح قانون عنوانه المخادع "منع تشغيل مدرسين يدعمون ويؤيدون الإرهاب". وبين بنوده أيضا سحب ميزانية من مؤسسات تعليمية "بسبب تضامن مع عمل إرهابي أو منظمة إرهابية". بهذه الصيغة يبدو الأمر معقولا، فمن يريد لأولاده مؤسسات ومعلمين مشبوهين بهكذا تهمة؟! لكن السؤال طبعا يبدأ من التعريف وممّن يعرّف المصطلحات. فأصحاب هذا القانون من معسكر الذين يزعقون أسبوعيا ضد أعضاء الكنيست العرب، مثلاً، بذاءات وتفاهات "دعم الإرهاب"، ويكفي اعتماد هذا القياس لنفهم ما يخبئه عنوان القانون الذي يجري تمريره.

التهمة سياسية لا تمتّ بصلة للأمن في الغالبية الساحقة من الحالات

تقدّم بهذا القانون عضوا الكنيست تسفيكا فوغل (من حزب "عوتسما يهوديت" بزعامة إيتمار بن غفير) وعميت هليفي (الليكود). أيد الاقتراح 30 عضو كنيست وعارضه 11 عضو كنيست وسيعاد اقتراح القانون إلى لجنة التربية، الثقافة والرياضة لمواصلة بحث وإعداد اقتراح القانون. وجاء في بيان رسمي: "في حال كان المدرس ينتمي إلى منظمة إرهابية وقد أيد عملا إرهابيا أو أعرب عن تأييده للكفاح المسلح لدولة عدو أو منظمة إرهابية تعمل ضد دولة إسرائيل، فسوف تسري عليه إقالة إدارية من خلال إجراء إداري وليس من خلال محكمة الطاعة. بالإضافة إلى ذلك، سيكون بمقدور وزير التربية والتعليم أن يسحب ميزانية من مؤسسة تعليمية معترف بها غير رسمية، إذا كان أحد العاملين فيها يتضامن مع عمل إرهابي أو منظمة إرهابية أو أعرب عن تأييده لهما".

حمل شرح اقتراح القانون معلومات غير صحيحة وغير دقيقة، منها أنه: "في السنوات الأخيرة، تزايدت الحالات التي أعرب فيها مدرسون يعملون في مدارس تمولها وزارة التربية والتعليم عن دعمهم لأعمال إرهابية أو منظمات إرهابية تعمل ضد وجود الشعب اليهودي. يضع قانون التعليم الرسمي المعايير الأساسية لجهاز التعليم في إسرائيل. وبالتالي فإن المطلوب هو مقولة واضحة ضد دعم أعمال إرهابية أو منظمات إرهابية من قبل المدرسين والمشرفين وموظفي وزارة التربية والتعليم".

تجدر الإشارة هنا إلى أن تجربة الشهور الأخيرة منذ اندلاع الحرب المستمرة على غزة، تثير شكوكاً جديّة في أن هناك "إسفافاً تأويلياً" في اعتبار كل معارض للحرب وجرائمها، أو للسياسة الماثلة خلفها، "مؤيّداً للإرهاب". فهذه التهمة سياسية أكثر منها أمنية، بل لا تمتّ بصلة للأمن في الغالبية الساحقة من الحالات.

وزارة العدل: هناك صعوبات قضائية نحتاج إلى فحصها ودراستها

خلال جلسة لجنة التربية والتعليم في الكنيست في أواخر كانون الثاني التي صادقت على اقتراح القانون للقراءة الأولى، تحفّظت وزارة العدل وأعلنت أن موضوع إلغاء ميزانية من المؤسسة التعليمية يحتاج إلى استيضاحات من جانبها. وقالت ممثلة وزارة العدل عيديت رايس خلال مداخلتها في جلسة اللجنة: "من المهم التأكد أن ذلك لن يكون بمثابة عقوبة، بل فقط بعد أن يكون قد تم استنفاد كل الإمكانيات الأخرى، وبالتالي فإن الموضوع سيخص الحالات الخطيرة أو تلك المتكررة. توجد هنا صعوبات قضائية نحتاج إلى فحصها ودراستها عشية القراءتين الثانية والثالثة. أنا واثقة أنه إذا ما قمنا بتدقيق الصيغة للحصول على صيغة متفق عليها ومتناسبة، فعندها لن تكون لدينا أية معارضة، نحن اليوم لسنا بهذه الحالة بعد"، صرّحت بدبلوماسية حذرة أمام المدّ المتطرّف.

التحفّظ نفسه عبّرت عنه المستشارة القانونية للجنة، المحامية نيرا لمعي رخليفسكي، حيث أعلنت أنه "حسب الاتفاق مع اللجنة الوزارية لشؤون التشريع، فسوف يستلزم الأمر عشية القراءتين الثانية والثالثة إجراء تنسيق مع كل من وزارات التربية والتعليم، العمل والعدل".

 بناء على المواقف القانونية، ستبحث اللجنة خلال مرحلة إعداد الاقتراح للقراءتين الثانية والثالثة المواضيع التالية:

* إجراء فحوصات أمنية من قبل جهاز الشاباك لموظفي جهاز التربية والتعليم من أجل التأكد من عدم دعم منظمات إرهابية.

* المعقولية والتناسب في سحب ميزانية من مؤسسة تربوية.

* إضافة اعتبار حول وجود خطورة خاصة على خلفية كون الموظف هو مدرس.

* قرارات مدير عام وزارة التربية والتعليم حول إقالة موظف، كما نص قانون التربية الرسمي أو سحب/ عدم منح رخصة تشغيل لموظف حسب قانون الرقابة على المدارس.
 
وزارة التربية والتعليم نقلت إلى الشاباك تفاصيل 265 ألف شخص يعملون في التعليم

عملية نقل التفاصيل من وزارة التربية والتعليم إلى جهاز الشاباك بدأت فعلا، رغم انه لم يكتمل تمرير القانون. الصحافي المتخصص في قضايا التعليم، أور كشتي، كتب في "هآرتس" أنه قبل بضعة أسابيع، نقلت وزارة التعليم لـجهاز الشاباك معلومات عن 265 ألف شخص يعملون في التعليم. هي أرقام بطاقات هوية قام الشاباك بمقارنتها مع قاعدة بيانات يملكها.

واعتبر الصحافي أن "غيمة ضباب مسمومة تحلق فوق نقل هذه المعلومات: جوهر المعطيات التي تم تحويلها، والصلاحية القانونية التي مكنت من فعل ذلك، وعمق الفحص الذي تم إجراؤه. والمقلق أكثر تبرير هذه العملية: ضغط عضو الكنيست عميت هليفي الذي يريد إعادة رقابة الشاباك على المعلمين العرب. قال كل من وزارة العدل والشاباك إن نقل المعلومات كان مرة واحدة. متأخر جداً. هذه السابقة سجلت وستخدم الحملة القادمة لاختراع أعداء في الداخل".

مشروع القانون كما نقل عن مصادره يمنح المسؤولين في وزارة التربية والتعليم، الذين لا يتمتعون الآن بأي مظهر من مظاهر الرسمية، مساراً التفافياً قصيراً من أجل تجاوز التشريع القائم، لا حاجة حقيقية له، هدفه تنظيم التعليم العربي. ويريد هليفي أن يدخل لهذا الاحتفال المناهض للديمقراطية فحوصات سنوية من قبل الشاباك للعثور على معلمين "لهم علاقة بالإرهاب" بصورة تسمح بإقالتهم في عملية سريعة تختلف عن قانون الانضباط. إن نقل المعلومات من وزارة التعليم إلى الشاباك تمت تحت جنح الظلام واستهدفت اكتشاف عدد العاملين في جهاز التعليم الذين توجد عنهم معلومات في قاعدة بيانات الشاباك (أعطي الجواب في جلسة مغلقة. حسب قول بعض المصادر، النسبة صفر). كذلك، فإن المندوبة عن مكتب رئيس الحكومة نقلت في جلسة لجنة التعليم أن الشاباك نفسه لا يرى أية فائدة من مثل هذا الإجراء. (أنظروا في ما يلي).

 ويختتم الكاتب بالتساؤل أنه "بصورة رسمية، ما زالت الوزارات الحكومية تعارض إجراء عملية فحص شاملة للمعلمين. لذا، لماذا صادقوا على نقل المعلومات وعلى الفحص الأولي؟".

يشار إلى أن السكرتيرة العامة لنقابة المعلمين، يافه بن دافيد، أعربت عن معارضتها لمشروع القانون، خلال جلسة لجنة التربية والتعليم للتحضير وقالت: "طيلة الوقت المعلمون فقط على المهداف. لو كانت وزارة التربية والتعليم تستخدم صلاحياتها، لما كنا وصلنا إلى حالة هذا القانون وغيره ضد العاملين في التدريس. هذا تمييز. أليس هناك آخرون الذين يجب أن يتم فحصهم؟ يا للعار. كيف أعطت وزارة التربية والتعليم جهاز الشاباك أرقام بطاقات هوية 260,000 معلم؟ أين يمكن أن تسمع عن مثل هذا الأمر؟". وحين سألت عمّن أعطى التصريح بهذه الخطوة، تبيّن أنها المستشارة القانونية للحكومة، الموظفة التي تحوّلت إلى رمز في الاحتجاج ضد الانقلاب القضائي الذي تدفع به أحزاب اليمين بعنف. هنا، في حالة المعلمين، تلاشت الحجج المدافعة عن الحقوق المدنية – بالخصوصية والسمعة الحسنة والإجراء القضائي النزيه.

موظفة نقلت موقف الشاباك: طبقنا إجراء أمنياً والفوائد صفر

المندوبة عن مكتب رئيس الحكومة، قالت في جلسة النقاش باسم الشاباك: "حتى عام 2009 اُقيم في جهاز الأمن العام (الشاباك) إجراء أمني جارف للعاملين والموظفين في وزارة التربية والتعليم الذي تم استثمار موارد فيه – والفوائد كانت صفراً، ذلك أن الجهاز لم يحوّل توصيات بفصل عاملين في التدريس من العمل. في العام  2009 تم تغيير الإجراء، حيث أن جهاز الأمن العام (الشاباك) لم ير في شريحة المعلمين خطراً فائضاً مقارنة مع مهن أخرى. هناك علاقة متبادلة بين وزارة التربية والتعليم وبين الجهاز، الذي تحصل منه على معلومات تتعلق بالمعلمين الذين تراكمت بشأنهم معلومات جديدة تتعلق بالضلوع في نشاط إرهابي. ومن أجل إيجاد عامل في التدريس الذي له صلة بالإرهاب يجب أن يتم القيام بإجراء تشخيصي، بينما مثل هذا الترتيب الواسع والشامل يعكس مساً غير متناسب بالفئة السكانية التي يتم تشخيصها. في الجانب التمويلي، بعد موازنة كافة العمليات المطلوبة، فإن التكلفة المقدّرة هي ملايين الشواكل".

عضو الكنيست جلعاد كريف (حزب العمل) قال لمندوبي وزارة التربية والتعليم بشأن سحب ميزانيات بدواعي الإرهاب: هذا ليس منظماً اليوم في التشريع ولا في الأنظمة. الإجراء غير واضح. ما حجم الميزانية التي يُسمح بسحبها؟.. إذا ما كانت هناك إمكانية لسحب ميزانية بشكل جزئي إذن فهي تسري أيضاً على العنصرية، التمييز، وبالطبع على التحريض على الإرهاب. يمكن الوقوف هنا والتحدث عن مدارس في إسرائيل كدفيئة للإرهاب. أنا حتى الآن أنتظر الأساس الواقعي الكامل وليس التكهنات.

عضو الكنيست أحمد الطيبي قال: ممنوع أن يكون القانون في كتاب القوانين. هذه مكارثية. سلوك يتم فيه توجيه الاتهامات بالتآمر والخيانة من دون الاهتمام بالأدلة. هناك مخالفات لا تصل إلى المستوى الجنائي وأنتم تريدون أن تعطوا صلاحيات لمدير عام الوزارة، الخاضع للوزير، الذي هو شخصية سياسية. مسموح التعبير عن رأي آخر. هناك محكمة، هناك نيابة عامة للدولة. وعضو الكنيست يوسف العطاونة قال: "هذه عنصرية. يريدون السماح لمدير عام وزارة التربية والتعليم، الذي هو تعيين سياسي، بصلاحية إجراء محاكمة ميدانية للمعلمين".

يجدر التذكير أنه في حزيران من العام الماضي عقب مركز عدالة واللجنة القطرية لقضايا التعليم العربي على اقتراح قانون من هذه "السلسلة" يفرض الرقابة على المدارس ويسمح بتدخل جهاز الشاباك في تعيين المعلمين في جهاز التعليم. وقالا إن: القانون هو محاولة اضافية لتعميق نظام السيطرة على جهاز التعليم العربي والعودة بنا الى فترة الحكم العسكري (1948-1966) الذي فرض على الفلسطينيين في اسرائيل. إن تدخل الشاباك في تعيين معلمين ومديرين في المدارس العربية كان قد أبُطل بشكل رسمي في اعقاب التماس قدمه مركز عدالة في العام 2005. واقتراح القانون هذا غير دستوري كونه يسمح بمراقبة العاملات والعاملين في جهاز التعليم مفترضاً أنهم يشكلون تهديداً أمنياً لمجرد كونهم عرباً ويتعامل مع المواطنين العرب الفلسطينيين كأعداء. هذا اقتراح عنصري من الدرجة الأولى وسوف نتحداه شعبياً وقانونياً ودولياً.

البيان أكد في حينه أن تأثير هذه القوانين في حال مرورها لن يقتصر على المعلمين العرب بل سيمتد إلى كل من يحمل نظرة تربوية نقدية في جهاز التعليم بغض النظر عن انتمائه القومي. وما تعرض له معلمون يهود عبّروا عن مواقف معارضة للتيار السائد حيال الحرب، أكد صحة هذا التقييم بمرور أقلّ من عام عليه.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات