المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 920
  • هشام نفاع

بعد ثلاثة أشهر على موجة ترخيص السلاح للأفراد بتسهيلات غير عادية، بدأت جهات مختلفة تنتبه إلى الخطورة الملموسة الكامنة في هذه الحالة. وحالياً، ينتظر أن تبحث المحكمة العليا في التماس قدمته "الحركة من أجل جودة الحكم" تطالب فيه بالعودة عن كل السياسة التي أقرّت بموازاة الحرب وإبطال تراخيص أسلحة كثيرة موجودة بأيدي مواطنين.

وتقول المنظمة في بيان صحافي: لقد قدمنا ​​التماسا إلى المحكمة العليا مطالبين بإلغاء رخص السلاح غير القانونية التي أصدرها إيتمار بن غفير وأمير أوحانا. فبحسب ما نُشر، قام وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير بتعيين أشخاص ليس لديهم تفويض قانوني للموافقة على تراخيص الأسلحة النارية. ومن بين المسؤولين الذين عينهم للمصادقة على التراخيص هناك موظفون في الكنيست، وعاملون في مناصب الثقة (وظائف يخصصها الوزراء لمن يعتبرونهم موضع ثقتهم، أو بكلمات أخرى تعيينات سياسية – هـ. ن.) وكذلك مجندات شابات في الخدمة الوطنية (بديل الخدمة العسكرية) يؤدين الخدمة في وزارة الأمن القومي.

وفقاً للالتماس، منذ اندلاع الحرب ضد قطاع غزة، تم تقديم نحو 280 ألف طلب للحصول على تراخيص أسلحة إلى قسم الأسلحة النارية بوزارة الأمن القومي. وحصل نحو 72 ألف مواطن على تصاريح مشروطة، وتم إصدار تراخيص لنحو 49 ألف مواطن. وللمقارنة، خلال كل العام 2022 قُدّم نحو 42 ألف طلب وفي كل العام 2021 قُدّم نحو 20 ألف طلب. ومن حيث حجم الوقت المطلوب في قسم الأسلحة النارية، فإنه يساوي نحو عشرين عاماً من العمل.

وتشير المنظمة إلى أنه في إثر النشر اجتمعت لجنة مراقبة الدولة لمناقشة الموضوع، حيث اعترف رئيس شعبة ترخيص الأسلحة النارية بأن موظفين في مناصب تابعة للوزير وفتيات يؤدين الخدمة الوطنية في الوزارة كانوا يقومون بمنح تراخيص الأسلحة النارية بعد خضوعها للفحص وتدريب لمدة يوم واحد فقط، وأحيانا تم حتى الاكتفاء بإجراء مقابلات هاتفية لمقدمي طلبات الترخيص.

بالإضافة إلى ذلك، تبين أنه كانت تعمل في مقر الكنيست غرفة طوارئ خاصة بوزارة الأمن القومي، عمل فيها موظفون في الكنيست، وكانت تشارك هي الأخرى أيضاً في منح تراخيص الأسلحة النارية.

المطلب: جمع الأسلحة النارية لمنع الإصابات والأضرار!

بموجب القانون، كما يؤكد الحقوقيون في "الحركة من أجل جودة الحكم"، فإن الشخص المخول بالتعامل مع ترخيص الأسلحة هو موظف ترخيص قد خضع للتدريب المناسب ويتمتع بالخبرة المناسبة. أما توزيع الأسلحة النارية من قبل موظفي وزارة الأمن القومي والكنيست وهم ليسوا مسؤولين مخولين ومدربين، فهو فعل يلوّث أبسط وأخطر عيب ممكن في سلطة حكومية - العمل بدون سلطة، وبالتالي يجب إلغاؤه على الفور.

وتضيف المنظمة: إننا نطالب بإلغاء كل تراخيص الأسلحة النارية التي صدرت بشكل مخالف للقانون، وجمع الأسلحة النارية لمنع وقوع إصابات وإضرار في حياة الناس نتيجة الاستخدام الخاطئ لأي سلاح ناري من قبل من لا يحق لهم حيازة السلاح.

بالإضافة إلى ذلك، طالبت بفتح تحقيق جنائي ضد وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير وضد رئيس الكنيست عضو الكنيست أمير أوحانا، على ضوء الشبهة المحتملة بأنهما قاما بحثّ موظفيهما على جريمة انتحال صفة موظف عام، وكذلك محاكمتهما بتهمة خيانة الأمانة.

وفي دعوى سابقة قدمتها "الحركة من أجل جودة الحكم" إلى المستشارة القانونية للحكومة غالي بهراف- ميارا ومفوض الشرطة كوبي شبتاي طالبتهما بفتح تحقيق جنائي ضد المسؤوليْن بالتهم المذكورة.

وفي إشارة إلى بن غفير، يقول المحامي هداي نيغف، رئيس قسم السياسات والتشريع في "الحركة من أجل جودة الحكم": يجب التشديد مجددا على أنه لا يمكن للمجرم المدان أن يشغل منصب وزير، وبالتأكيد ليس وزيرا لديه مثل هذه المسؤولية الكبيرة عن السلامة العامة. ونتوقع أن يتم التحقيق في الشكوك الخطيرة ضد الوزير.

في 15 تشرين الأول 2023، صادقت لجنة الأمن القومي في الكنيست على تعديل لائحة أنظمة الأسلحة النارية، وتم في إطارها توسيع دائرة مستحقي حمل السلاح لتشمل، من بين آخرين، متطوعين من قوات الإنقاذ وحاملي شهادة مقاتل من الجيش. وأعلنت أن هذه الأنظمة تسهّل شروط الحد الأدنى والاختبارات لمنح رخصة حمل السلاح ومن شأنها أن توسع وتشمل أكبر عدد من المستحقين للحصول على رخص.

 هذه اللجنة يترأسها اليميني المتشدد عضو الكنيست تسفيكا فوغل من حزب بن غفير، "عوتسما يهوديت"، وأجازت جميع الاقتراحات التي تقدمت بها وزارة الأمن القومي. ومما قاله: "نحن شعب نواجه أجمع حربا وجودية ولا يوجد لدينا أي خيار آخر. الهدف هو المصادقة على الأنظمة وخروجها إلى حيز التنفيذ بدءا من يوم الغد". وإن كان رئيس اللجنة يربط بين الأنظمة الجديدة وبين الحرب بوضوح، فإن مدير جناح الأسلحة المرخصة والرقابة في وزارة الأمن القومي يسرائيل أفيشار ادعى أن الأنظمة قد وضعت بعد عمل منتظم من شهر كانون الثاني وليس على خلفية وضع الطوارئ الذي يتواجد البلد به اليوم.

تأييد واسع من نوّاب اليمين والمستوطنين

يتبيّن من نقاشات اللجنة أنه "قبل نشوب الحرب تلقى قسم ترخيص السلاح 38 ألف طلب للحصول على رخص بسبب تأثير العمليات الإرهابية. بينما خلال الأسبوع الأخير قُدم 41 ألف طلب". وقال أفيشار المذكور أعلاه: "لدينا واجب فحص الطلبات بحذر وهذه أمور سيتم القيام بها من خلال تخفيف الضغط القائم. ومنذ الأسبوع الماضي مرّ جميع مقدمي الطلبات بمقابلات هاتفية بدلا من وجاهية ونحن نقوم بإدارة المخاطر بما يخص الأشخاص الذين عبروا في مقابلة الجاهزية لتلقي رخصة حمل السلاح. وفيما يخص المصادقات المشروطة والتمديدات الإدارية بشأن واجب الجاهزية، فإن القدرة على تقديم الطلبات ضمن منصتي الترخيص الخاصة وتلك المتعلقة بالمنظمات، من شأنها تسريع عملية تسليح فرق الحراسة وأيضا حاملي السلاح الأفراد". واضحٌ هنا التوجه الواضح نحو تسهيل وتقصير إجراءات التسليح.

وبالتفصيل، فبموجب الأنظمة التي كان معمولاً بها حتى تسهيل الإجراءات، كان يجب على كل مقدم طلب تسليح إثبات أنه قام بخدمة عسكرية أو مدنية كاملة. أما شروط الحد الأدنى الجديدة فتشمل كل شخص فوق 21 عاما خدم كمقاتل أو قام بخدمة عسكرية لمدة عامين أو امرأة قامت بخدمة مدنية أو وطنية لمدة عامين حيث سيكون بمقدورهم حمل السلاح، بعد إثبات مكان سكنهم أو تواجدهم في مكان عمل في بلدة تحمل استحقاقا، أو على الأقل التعليم والدراسة لمدة يومين على الأقل أسبوعيا خلال السنة التعليمية في البلدات ذات الاستحقاق. بالإضافة إلى ذلك تم توسيع الاختبارات التالية: يستحق رخصة السلاح كل متطوع فعال في الشرطة خدم على الأقل لمدة سنة كمقاتل أو عامين ضمن الخدمة العسكرية وحصل على توصية من رئيس قسم المتطوعين أو من متطوع خدم 15 عاما وما فوق، وعاملو الإنقاذ والإطفاء الذين أنهوا الخدمة، ومتطوعو منظمات الإنقاذ من بينهم نجمة داود الحمراء وزاكا وغيرهما.

يلاحظ من نقاشات الجلسة أن هذا التوجه لاقى تأييداً واسعاً من نوّاب اليمين والمستوطنين. مثلا، عضو الكنيست سمحا روتمان، من حزب "الصهيونية الدينية" الاستيطاني، اعتبر أن الاختبارات المعمول بها "تتسبب في عنق زجاجة من الناحية العملية وفي نهاية الأمر يجب الاستعداد لمدى منالية السلاح والتدريبات".  وقال عضو الكنيست عميت هليفي، من الليكود: "نحن نعمل ضمن الواجب الأساس في الدولة. الجيش يقاتل والجميع يقاتل وواجبنا هو منح المواطنين المسؤولية عن أنفسهم والأدوات للحفاظ على حياتهم. الاختبارات التي نقرها هنا ستضيف حسب حساباتي 300 ألف طلب وبالتالي يجب وضع منظومة وتسهيل الأمور من أجل إحراز الأهداف". وبدوره رأى زميله في الحزب، عضو الكنيست أريئيل كلنير أن: "شعب إسرائيل يطلب السلاح من أجل مواجهة الشر المطلق. لذلك فإن من يطلبون السلاح هم مواطنون عاديون ويمكنهم الدفاع عن أنفسهم في ساعة الحاجة ويجب على الدولة أن تمنحهم هذه الإمكانية". وهذه كانت الروح القتالية التي سادت اللجنة، وسعت عملياً إلى غمر الحيّز المدني بالسلاح.

أصوات معارضة: توزيع الأسلحة ليس فخراً بل وصمة عار

كانت هناك أصوات مسؤولة ومحذّرة في جلسة اللجنة، أحدها موقف المحامية ديبي غيلد حايو، من "جمعية حقوق المواطن" التي قالت: "نحن نعمل منذ سنوات طويلة على تقليص السلاح في الحيز العام، وفي هذه المرحلة من الصعب القيام بهذه المداولات على خلفية الحرب، ولكن بالنظر إلى المدى البعيد يجب فحص التداعيات حيث ستكون لدى مئات آلاف المواطنين إمكانية حمل السلاح في الحيّز العام. نريد ويجب أن تقوم قوات مدربة ومؤهلة بالتعامل مع الأحداث. هذه الروح هي التي يجب أن ترافق هذا النقاش". وبنفس التوجّه، قالت البروفسور حاجيت لرناو من جامعة حيفا: "سيكون هناك تغيير كبير بخصوص حيازة الأسلحة، الحديث عن نسبة مرتفعة من المجتمع، لذلك يجب أن ننظر إلى تداعيات هذه الخطوة بحذر وإقرار آليات ضمن اللوائح ومتابعة المعطيات، بعد أن نجتاز هذه الحالة الأمنية". وشدّدت: "إن أحد الأمور المقلقة التي قيلت هنا هو إلغاء المقابلة الشخصية. ويجب إقرار تشريع مؤقت ينص على أنه سيتم استدعاء من لا تتم مقابلتهم في المستقبل، من أجل الحضور لإجراء مقابلة شخصية كشرط لتجديد الرخصة".

بتاريخ 2023/10/30 اجتمعت لجنة الأمن القومي مجدداً وصادقت على أنظمة تقضي بتمديد سريان رخص حيازة السلاح لمدة ستة أشهر بالنسبة للأشخاص المطلوب منهم أداء تدريبات تنشيطية بحلول نهاية العام 2023. وجاء في شرح وتفسير اقتراح القانون أنه "على خلفية حالة الحرب التي تتواجد فيها دولة إسرائيل ضمن معركة ’السيوف الحديدية’ فإن هدف التشريع المؤقت هو التمديد بنصف سنة لنفاذ رخص السلاح الفردية بالنسبة لمن يتوجب عليهم أداء التدريبات التنشيطية منذ اليوم وحتى 31 كانون الأول من السنة الحالية. ويتم تمديد نفاذ الرخص في ضوء حالة الطوارئ التي لا تسمح للكثير من حاملي الرخص بأداء التدريبات التنشيطية الضرورية، ويسري هذا التمديد أيضاً على أصحاب الرخص من المشرفين في ميادين الرماية ومدربي الرماية".

مدير قسم ترخيص السلاح في وزارة الأمن القومي قال في حينه إن هناك نحو 175 ألف طلب جديد منذ بداية الحرب لتلقي رخصة حيازة السلاح الفردي، وأن "السببين الرئيسيين لذلك هما حالة الحرب، والرغبة الخاصة لكل شخص في حماية أسرته ومجتمعه". وتابع أن "هناك متغيرا آخر وهو تعديل الاختبارات والمعايير مما أدى إلى توسيع نطاق الحد الأدنى لأهلية حمل السلاح بشكل كبير. نحن نعمل في حالة طوارئ وبكامل طاقتنا. لقد فتحنا عدداً من غرف العمليات والتي يتم فيها التأكد من تلبية الحد الأدنى من المتطلبات ومعايير الأهلية، ومن أن سجل الشرطة والسجل الطبي لمتقدم الطلب نظيفان. ويتطرق التشريع المؤقت إلى حاملي رخص حيازة السلاح ممن يتعين عليهم التأهيل والتدريب في الوقت المحدد، من أجل تخفيف مخاوف الأشخاص الذين من المقرر أن تنتهي رخصهم، نريدهم أن يعلموا أن رخصهم ستمدَّد مقدماً وينطبق ذلك أيضاً على ميادين الرماية ومدربي الرماية، الذين هم حالياً مثقلون جداً".

ومرّة أخرى، عادت ممثلة "جمعية حقوق المواطن" في إسرائيل لتحذّر من الواقع الذي تواجهه إسرائيل وقالت: "لا نريد أن نجد أنفسنا بعد حالة الطوارئ مع مئات آلاف الأشخاص الذين يحملون السلاح ومؤهلاتهم غير كافية. الفخر الكبير الذي تظهره السلطات بتجهيز الناس وتوزيع الأسلحة ليس فخراً بل وصمة عار، لأنكم تقولون للناس عملياً إن قوات الأمن لا تستطيع توفير الأمن لهم، وأن عليهم التسلح والدفاع عن أنفسهم".

حين تكون الدافعيّة لاتخاذ القرارات قادمة بطرق التفافية على المسؤولية والمعقولية والنسبية، تسقط حواجز كثيرة، ومنها المتعلقة بغمر الحيّز المدني بالسلاح. وأحد الصحافيين وصف مؤخراً المشهد كالتالي: حمل السلاح بات جزءاً من الموضة. وليس بعيداً اليوم الذي سنشهد فيه شجاراً مسلحاً في مقهى!

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات