يستعد القطاع الزراعي ومنظمات المزارعين في إسرائيل لمحاربة خطة التقليصات التي طرحتها وزارة المالية على طاولة الحكومة. إذ أعلن رئيس اتحاد المزارعين الإسرائيليين والأمين العام لحركة "الموشافيم"، عميت يفرح، والأمين العام لاتحاد المزارعين الإسرائيليين، أوري دورمان، أنهما يعارضان بشدة التقليصات المقترحة في ميزانيات وزارة الزراعة. ويقول دورمان: "بدلاً من تعزيز الزراعة الإسرائيلية، فإن التقليصات ستؤدي إلى إضعاف جدّي إلى حد تدمير مصالح زراعية والإضرار المباشر بالأمن الغذائي لدولة إسرائيل".
وقدّرت صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية أن الزراعة الإسرائيلية تواجه أزمة خطيرة بسبب حظر دخول العمال الفلسطينيين ومغادرة العمال الأجانب، إذ تبلغ قيمة الفواكه التي لا تُقطف وظلّت على الأشجار 1.6 مليار شيكل. وأشارت بالتحديد إلى ثمار الحمضيات التي في ذروة موسم قطفها، لكن لا يوجد ما يكفي من العمال لقطفها ولا عمال لإعداد البيارات للموسم القادم. وتقول الصحيفة "إن معنى هذا هو خسارة في إنتاج الزراعة الإسرائيلية تصل إلى مليارات الشواكل ونقص حاد في الإنتاج المحلي". وتبلغ قيمة الزراعة الإسرائيلية للحمضيات حوالي ملياري شيكل سنويا، نحو نصفها للتصدير. وقال مزارعون للصحيفة إنه إذا لم تتحرك الحكومة على الفور وتسمح بإحضار العمال الأجانب المؤقتين إلى إسرائيل، فإن الإنتاج سوف يذهب سدى.
كذلك، نقل تقرير موقع "دفار" التابع لنقابة العمال العامة الإسرائيلية، أن المزارعين يحتجون أيضاً على نية نقل صلاحيات في مجالات وقاية النباتات والخدمات البيطرية من وزارة الزراعة إلى وزارة الاقتصاد. وقال اتحاد المزارعين الإسرائيليين: "هذا قرار غير مسؤول يمكن أن يغمر إسرائيل بالآفات التي ستقضي عملياً على فروع زراعية بأكملها وتسبب أضراراً لا يمكن إصلاحها. ولن يقتصر الضرر على المزارعين الإسرائيليين فحسب، بل أيضاً وقبل كل شيء على إمدادات المواد الغذائية الطازجة والاقتصاد الزراعي بأكمله". وأعرب عن استيائه من طبيعة التخفيض وتوقيته، وقال في بيان: "كان من المناسب تخصيص زيادة كبيرة في الميزانية للزراعة، خاصة في ضوء وضعها خلال الحرب. هذه الزيادة ستسمح للمزارعين بإجراءات لتشجيع الاستثمارات وتطوير الابتكار والتكنولوجيا، مما سيزيد الإنتاج. كل هذا من أجل الأمن الغذائي لمواطني إسرائيل وضمان الزراعة الإسرائيلية ثابتة ومستقرة".
وزارة الزراعة: مقترح التقليصات إعلان رسمي عن تدمير الزراعة الإسرائيلية
تتضمن الخطة الاقتصادية التي تعرضها وزارة المالية، بذريعة تمويل الحرب، تخفيضات ضخمة، وخصخصة لشركات وخدمات، وإنهاء البرامج وتقليص الدعم للمنظمات غير الربحية. ووفقا لـ"دفار" فمن الواضح أن هذا يعني فصل مئات الموظفين في سلك خدمة الدولة، والإضرار بخطط التنمية والمجموعات السكانية الفقيرة، والإضرار بالخدمات العامة والركود في تطوير البنى التحتية الجديدة. ويتضمن اقتراح التخفيضات في وزارة الزراعة تخفيضا تراكميا بحوالي 432.3 مليون شيكل حتى العام 2026 من قاعدة ميزانية الوزارة، وتخفيض 317 وظيفة بتكلفة 89 مليون شيكل. واقتراح الخطة يأتي بالذات بعد أن تضررت الزراعة بشدة بسبب الحرب، وخصوصاً بسبب تأثيرها على البلدات الحدودية ونقص القوى العاملة بسبب مغادرة العمال الأجانب من البلاد. وبحسب مدير عام وزارة الزراعة، فإن التخفيض سيشكل "شللاً كاملاً للوزارة"، وإن الميزانية المتبقية "لن تكفي حتى لدفع ضريبة الأملاك لمقر الوزارة".
وزير الزراعة آفي ديختر انتقد مقترح وزارة المالية وصرّح بأن "ميزانية الزراعة التي تنوي وزارة المالية تقديمها للحكومة هي بالأحرى إشعار بإلغاء وزارة الزراعة في إسرائيل. هذه الأوهام في وزارة المالية لن تتحقق. لقد رأينا ماذا حدث للزراعة عندما كانت وزارة المالية تديرها على مدى العامين الماضيين. ولكن قبل الحرب، عملنا بجد لتعزيز الزراعة ودعم المزارعين، وأظهرت الحرب فقط مدى أهمية الاستمرار هذا العام. سوف نلتزم بميزانية للأمن لكننا لن نتخلى عن الزراعة والأمن الغذائي في إسرائيل".
الأمر نفسه أكده بيان لوزارة الزراعة التي قالت: "إن اقتطاع أكثر من مليار شيكل من ميزانية وزارة الزراعة هو إعلان رسمي عن تدمير الزراعة الإسرائيلية. ومن غير المفهوم كيف يتم تقديم طلب غير مسؤول للمساس بأحد المحركات الإنتاجية لإسرائيل بأضرار بالغة في هذا الوقت العصيب. تبلغ قيمة الناتج الإجمالي للزراعة كمحرك للنمو أكثر من 30 مليار شيكل. أما معنى اقتراح المالية فهو انتهاك للأمن الغذائي لمواطني إسرائيل".
وتؤكد وزارة الزراعة أن ذلك يشكل تخلياً عن نحو 20 ألف مزارع وعائلاتهم في إسرائيل والقضاء على الزراعة التي تعتبر "مورداً وطنياً استراتيجياً وحيوياً للأمن الغذائي" كما وصفته. وتوضح الوزارة أنها لن تسمح بالمساس بالأمن الغذائي لدولة إسرائيل بشكل عام، "وخصوصا حين يحرس المزارعون أراضي الدولة في البلدات القريبة من السياج، ويواصلون زراعة الحقول وحلب الأبقار وجمع البيض تحت النيران الحية من الأعداء في الشمال والجنوب" على حد قولها.
نقص بنحو 40% من القوى العاملة الزراعية... ما يعادل 30 ألف عامل
وفقاً لتقرير في صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" تسببت الحرب الإسرائيلية على غزة وتداعياتها بندرة في المنتجات الزراعية وارتفاع الأسعار في إسرائيل. وتضاعفت واردات إسرائيل من المحاصيل الزراعية منذ السابع من تشرين الأول الماضي، وبلغت نحو 60 ألف طن. وتضاعفت أسعار الغذاء، ما جعل شراء الفواكه والخضروات الطازجة "مسألة أكثر كلفة من المعتاد".
هذه المعطيات مأخوذة من تقرير لمؤسسة "ليكت" الإسرائيلية، وصدر بالتعاون مع وزارتي الصحة وحماية البيئة. وبحسب مؤسسة التأمين الوطني الإسرائيلية، عانت 16.5% من الأسر أو 1.4 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي العام 2022، في حين أهدرت إسرائيل نحو 2.6 مليون طن من الطعام، بقيمة تقارب 23.1 مليار شيكل، أو 37% من المواد الغذائية التي تنتجها. ويتم تعريف انعدام الأمن الغذائي بأنه عدم القدرة على ضمان إمدادات ثابتة من الغذاء الذي يحتوي على جميع العناصر الغذائية اللازمة للنمو والصحة السليمة.
ويقع نحو 20% من الأراضي الزراعية الإسرائيلية في المنطقة الحدودية مع قطاع غزة، ويشمل ذلك 60% من حقول البطاطا، و50% من حقول البندورة، و40% من المناطق التي يزرع فيها الجزر والملفوف. ويُمنع الوصول إلى نحو ثلث الأراضي الزراعية في المناطق القريبة من القطاع منذ السابع من تشرين الأول الماضي لأسباب أمنية. كذلك، فإن 10% أخرى من الأراضي الزراعية في منطقة الحدود مع لبنان أغلقت، وتضم نحو 60% من بساتين التفاح وأكثر من 35% من بساتين الخوخ، كما ترد من هذه المنطقة نسبة كبيرة من إنتاج البيض ولحوم الدواجن.
فقدت إسرائيل، منذ بداية الحرب، نحو 40% من القوى العاملة الزراعية، ما يعادل 30 ألف عامل، إذ عاد العمال الأجانب، ومعظمهم من تايلاند، إلى بلادهم مع بدء الحرب، بينما لا يُسمح للفلسطينيين في أراضي 1967 حاليا بدخول إسرائيل. وبحسب تقرير "ليكت"، ارتفعت أسعار البندورة بنحو 50%، في الأسبوع الأول بعد اندلاع الحرب، وزاد سعر الخيار بنحو 90%، كما زاد سعر البطاطا بنحو 40% في الأسبوعين الأولين من القتال. وبحلول شهر كانون الأول الماضي كان سعر البطاطا لا يزال أعلى بنحو 20% مقارنة بما قبل الحرب، كما كانت البندورة أعلى بنسبة 33%، وفق التقرير. وهو يرجّح أن يؤدي استمرار الحرب إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي بين المواطنين الفقراء جداً، نتيجة زيادة عدد الأشخاص الذين يفتقرون إلى الغذاء نتيجة ارتفاع الأسعار، خاصة أسعار الفواكه والخضراوات، إلى جانب الأضرار التي لحقت بالاقتصاد ككل، وبالأخص الشركات الصغيرة، وأسر جنود الاحتياط، والأسر التي تم إجلاؤها، بالإضافة إلى ارتفاع معدلات البطالة.
الناتج المحلي الإجمالي الشهري سجّل انخفاضا بنسبة 19% منذ بداية الحرب
الأسبوع الفائت، عقدت اللجنة الخاصة للعمال الأجانب جلسة تابعت من خلالها آخر التطورات والسياسات بموضوع عدم السماح للعمال في قطاع الزراعة الفلسطينيين بدخول إسرائيل للعمل، مع أنه وفي الوقت نفسه يجري السماح لهم بالعمل في مستوطنات الضفة.
بحسب المعطيات التي عرضها أساف غيفع، من شعبة الاقتصاد الرئيسية في وزارة المالية، فإن نسبة العمال الفلسطينيين قبل الحرب في قطاع الزراعة بلغت 12%، وسجل الناتج المحلي الإجمالي الشهري انخفاضا بنسبة 19% منذ بداية الحرب، وبلغت الأضرار التي لحقت بالناتج المحلي الشهري للقطاع 400 مليون شيكل. واتهم أعضاء في اللجنة وزير المالية بعدم طرح الحلول للحاجة للأيادي العاملة. وطالبوا الحكومة بوضع سياسة منهجية بموضوع دخول العمال الفلسطينيين للعمل في إسرائيل. وأكد أحدهم: "إذا كان هناك منع أمني للعمل في إسرائيل فيجب عدم السماح لأي عامل (من الضفة) بالدخول إلى داخل الخط الأخضر أو خارجه (في إشارة للمستوطنات"). كذلك، رئيس قطاع الاقتصاد في "وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق" قال في الجلسة إن نحو 8000 عامل يدخلون حاليا من الضفة إلى إسرائيل بحسب ما أقره مجلس الوزراء، ومن بينهم 5000 عامل في مناطق صناعية في المستوطنات.
ممثل "هيئة الأمن الوطني" قال في الجلسة إن "20% من عمال قطاع الزراعة هم فلسطينيون. هناك حلول مؤقتة مثل التطوع، ولكن هناك أعمال مهنية مثل التقليم والتطعيمات التي لا يمكن الاستناد فيها إلى متطوعين". أما ممثل منظمة مزارعي الحمضيات فقدّر أن "هناك حاليا 1.6 مليار شيكل على الأشجار التي لا يمكننا قطف الحمضيات منها. أما مخطط التعويضات الحكومي فهو مثير للسخرية". ولخّصت اللجنة الخاصة للعمال الأجانب جلستها بأنه "يجب على وزارة الزراعة تخصيص حصص إلى المزارعين الذين بحاجة لذلك والتركيز في تقديم المساعدة الفورية للمزارعين الذين بقوا بدون حل، وخاصة سد الاحتياجات بما يخص العمال الموسميين".
وفي سياق مقابلة أدلى بها رئيس لجنة العمال الأجانب في جمعية المزارعين الإسرائيليين لصحيفة "ذي ماركر"، وصف الأضرار التي لحقت بالزراعة الإسرائيلية بأنها "قد تكون فلكية. إذا لم يتم تقليم الأشجار المتساقطة الآن، فلن تكون هناك ثمار في الصيف. هذه خسارة قدرها 4 مليارات شيكل. لدي 2000 عامل ينتظرون بحقائبهم في ملاوي في أفريقيا ومستعدون للعمل. صناعة الفاكهة حاليا تعاني من نقص يصل إلى حوالي 10 آلاف عامل"، مضيفاً أن "هذا جنون"، في مقولة لا تقتصر فقط على إدارة السياسة الحكومية حيال قطاع الزراعة وحده، كما يبدو.