المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1114
  • وليد حباس

على الرغم من معارضة المستشارة القانونية الحالية للحكومة الإسرائيلية، غالي بهراف- ميارا، قام الكنيست بتعديل "قانون أساس: الحكومة"، بحيث أنه حسب التعديل الجديد، فإن رئيس الحكومة نفسه هو من يحدّد متى وكيف يتم الإعلان عن عدم أهليته للاستمرار في تولي منصبه، أو ما اصطلح عليه إسرائيلياً تعذّره عن إمكان القيام بمهمات منصبه. وهذا التعديل جرى في آذار 2023، في ظل جدل حول أهلية/ عدم أهلية بنيامين نتنياهو للاستمرار بدوره كرئيس حكومة بسبب وجود محاكمة بحقه بحيث أن منصبه يمكنه من التدخل في سير ونتائج هذه المحاكمة. وعليه استبق نتنياهو الأمر، ومرر التعديل الذي يمنع السلطات الأخرى من الإعلان عن عدم أهلية رئيس الحكومة بسبب وجود محكمة جارية بحقه. هذه المقالة تقدم قراءة في قانون عدم الأهلية والجدل الدائر حوله.

ما هو قانون عدم الأهلية؟ يتعلق قانون عدم الأهلية بالظروف التي يعتبر فيها مسؤول حكومي، مثل رئيس الحكومة، غير قادر على أداء دوره. يمكن أن يكون عدم الأهلية مؤقتا أو دائما. ينص "قانون أساس: الحكومة" الإسرائيلي على أنه إذا كان رئيس الحكومة غير قادر مؤقتا على أداء واجباته، فإن نائب رئيس الحكومة سيحل مكانه. وإذا خدم نائب رئيس الحكومة بهذه الصفة لمدة 100 يوم متتالية ولم يعد رئيس الحكومة إلى عمله، يعتبر هذا الأخير غير مؤهل بشكل دائم.[i]

من يحدّد عدم الأهلية؟ لا يحدد القانون ما الذي يشكل عدم أهلية، ومن له سلطة إعلان هذه الحالات، وعلى أي أساس قانوني يمكن الإعلان عن عدم الأهلية.

سابقة تاريخية: عدم الأهلية لأسباب صحية أو قانونية؟ ظهرت القضية لأول مرة إلى الرأي العام في العام 2006 عندما اعتبر رئيس الحكومة السابق أريئيل شارون غير قادر على الخدمة. في تلك القضية، خلص المدعي العام، إلى جانب سكرتير الحكومة والفريق الطبي، إلى أن شارون غير مؤهل لأسباب صحية. ومع ذلك، أشارت المحاكم إلى أن عدم الأهلية يمكن أن ينشأ لأسباب أخرى غير الصحة. على سبيل المثال، خلال تحقيق قانوني شمل رئيس الحكومة السابق إيهود أولمرت، أشارت المحكمة إلى أن التحقيقات الجنائية يمكن أن تبرّر الإعلان بأن رئيس الحكومة غير مؤهل لأداء مهماته بشكل مؤقت.

التطورات الأخيرة المتعلقة بنتنياهو: في العام 2021، رفضت المحكمة العليا التماساً مقدماً بحق المستشار القانوني للحكومة يطالبه بالإعلان أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو غير مؤهل. وقال النائب العام أفيحاي مندلبليت إن عدم الأهلية يمكن أن يحدث في ظل ظروف استثنائية عندما يتهم رئيس الحكومة بارتكاب مخالفة أو جريمة أو تجري بحقه محاكمة. ومع ذلك أوصى المستشار برفض الالتماس وبالتالي الامتناع عن الإعلان عن عدم أهلية نتنياهو حتى في ظل وجود مسار قضائي بحقه. وقد انحازت المحكمة إلى رأي مندلبليت، مشددة على ضرورة التزام نتنياهو بتسوية أي تضارب في المصالح قد تنشأ في حال كانت هناك محاكمة بحقه. فالإعلان عن عدم الأهلية هنا يعتبر "عدم أهلية قانونية"، لأن رئيس الحكومة سيكون قادراً على التدخل في مسار محاكمته، بسبب سلطاته، أو قد يتدخل في مخرجات المحكمة. ومع ذلك، فضلت المحكمة العليا أن تأمر نتنياهو بتسوية هذا التضارب في المصالح بدلاً من أن تدعو المستشار القانوني الى البحث الجدي في عدم أهليته.

من لديه السلطة للإعلان عن عدم الأهلية؟ لا يزال القانون غامضاً حول من يمتلك سلطة إعلان رئيس الحكومة عاجزا. غالبا ما كان النائب العام هو السلطة التي تقرر، لكن القانون لا يمنح هذه السلطة صراحة لأي طرف معين. ولا تزال مسألة عدم الأهلية في الحكم الإسرائيلي غير محددة بشكل كامل. تشير أحكام المحكمة إلى أنه يمكن أن يكون مرتبطا بالصحة أو التحقيقات الجنائية أو غيرها من الظروف الاستثنائية.

تعديل جديد بشأن قانون عدم الأهلية، ورئيس الحكومة يتعرض للانتقاد بسبب احتمال إساءة استخدام السلطة: في آذار 2023 صادق الكنيست على تعديل "قانون أساس: الحكومة"، والذي نص على أن سبب الإعلان عن عدم أهلية رئيس الحكومة سيكون العجز العقلي أو الجسدي فقط (وليس القانوني، في حال كانت هناك محاكمة بحقه)، وأن من سيعلن عدم الأهلية هو رئيس الحكومة نفسه بموافقة ثلثي أعضاء الكنيست، أو بقرار من ثلاثة أرباع الحكومة. ويثير التعديل أسئلة قانونية وأخلاقية.

وأدى التعديل الأخير هذا إلى تضييق أسباب عدم الأهلية لتقتصر على الظروف البدنية أو العقلية فقط، وبالتالي استبعاد "عدم الأهلية القانوني" مثل الإجراءات الجنائية ضد رئيس الحكومة. وفي السابق، كانت للمدعي العام سلطة إعلان عدم الأهلية. أما الآن، فالأمر محصور بيد رئيس الحكومة، وبموافقة ثلثي أعضاء الكنيست أو ثلاثة أرباع مجلس الوزراء.  يمكن للتعديل الجديد أن يخلق فراغاً في القيادة. ويمكن للإجراء المعقد الذي يضعه لإعلان عدم الأهلية أن يشل الحكومة، تاركا البلاد من دون رئيس حكومة فعال لفترة طويلة.

ويؤكد الخبراء الإسرائيليون أن توقيت التعديل (آذار 2023) والمستفيدين منه (في إشارة الى نتنياهو نفسه) يجعلان التعديل موضع شك من حيث أخلاقيته. من الواضح أن القانون يهدف إلى إفادة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. فقد تم تمرير القانون قبل ثلاثة أيام فقط من الموعد النهائي لتقديم التماس يدعو إلى الإعلان عن عدم أهلية نتنياهو بناء على الإجراءات القانونية المتبعة بحقه في المحاكم.

ما هو موقف المحكمة الإسرائيلية العليا؟

في حين أن محكمة العدل العليا في إسرائيل لم تلغ أبدا قانونا أساس في السابق، إلا أنها تتمتع بسلطة إصدار "إخطارات بالبطلان" في الحالات التي أساء فيها الكنيست استخدام قانون أساس أو قام بإجراء تعديل ليس في محله. في المقابل، فإن الكنيست الإسرائيلي (كسلطة تشريعية)، قادر على تعديل قانون أساس، أو على إلغائه بسهولة، مستندا إلى أغلبية بسيطة مكونة من 61 صوتا. كما يمكن للكنيست القيام بذلك بشكل سريع، كما حدث في آذار 2023 عندما دخل التعديل بشأن عدم الأهلية إلى حيز التنفيذ بعد حوالي شهر تقريباً من وضعه على جدول أعمال الكنيست.

في 3 آب الماضي، استمعت المحكمة العليا إلى التماسات ضد تعديل القانون لكنها لم تبطله. وبدلا من ذلك، أصدرت أمرا مشروطا يطلب من المدعى عليهم (أي الحكومة ورئيسها) تبرير تطبيق القانون. في 28 أيلول الماضي، انعقدت المحكمة العليا بقوام 11 قاضيا. وبينما أن المحكمة  العليا أعفت نفسها من الدخول في سابقة تاريخية قد تكون لها انعكاسات على الانقسام السياسي في إسرائيل، ولم تلغ تعديل القانون المشار إليه، ففي مقابل ذلك أقرت رئيسة المحكمة العليا، القاضية إستير حيوت، أنه على العكس من التعديل الذي صادق عليه الكنيست، فإنه يمكن تحت ظروف معينة الإعلان عن عدم الأهلية القانونية لرئيس الحكومة. لكن المحكمة العليا وبدلاً من أن تلغي قانون الأساس، أمرت بتأجيل إدخاله إلى حيز التنفيذ الى الدورة القادمة من الكنيست، على أمل أن لا يخدم هذا القانون الأشخاص (تحديدا نتنياهو) الذين أقروه في ظل ظروف تدعو إلى الاعتقاد بأن التعديل تم تفصيله لخدمة غاياتهم الشخصية.

 

[i] أنظر/ي: https://www.idi.org.il/articles/50398

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات