في أيلول 2022 انتقلت مدرسة سام شبيغل للسينما والتلفزيون من موقعها في حي تلبيوت إلى حرم الفنون الجديد في وسط مدينة القدس. وبكلمات رئيس بلدية القدس السابق ووزير الاقتصاد الإسرائيلي الحالي نير بركات فإن الهدف من بناء الحرم الجديد هو "تنشيط مركز المدينة والتخلص من سمعة المدينة الخانقة، ولجذب الطلاب وتشجيع العائلات اليهودية الشابة على البقاء".
تأسست مدرسة القدس سام شبيغل للسينما والتلفزيون في العام 1989 بإيعاز من رئيس بلدية القدس في حينه تيدي كوليك، ورئيسة مؤسسة "صندوق القدس" روث تشيشين، التي كلفت المخرج السينمائي رونين شور بمهمة تأسيس المدرسة.[i]
وكان تأسيس المدرسة، على حد تعبير تشيشين، فرصة لجلب المحيط إلى القدس. كما ساهمت وزارة التعليم والثقافة الإسرائيلية والرئيس الخامس لإسرائيل، إسحاق نافون، في تأسيس المدرسة كأول مدرسة وطنية مستقلة للسينما والتلفزيون في إسرائيل. وفي حفل أقيم في متحف الفن الحديث في العام 1996، تم تغيير اسم المدرسة من المدرسة الوطنية للسينما والتلفزيون إلى مدرسة القدس سام شبيغل للسينما والتلفزيون، تكريماً للمنتج وصانع الأفلام اليهودي الأميركي سام شبيغل، الحاصل على ثلاث جوائز أوسكار كمنتج منفرد عن أفلامه "على الواجهة البحرية" (1954)، "الجسر على نهر كواي" (1957)، و"لورنس العرب" (1962).
تستثمر مدرسة شبيغل في صانعي الأفلام الشباب الذين يروون قصة المجتمع الإسرائيلي بجوانبه المختلفة، مما وضع المدرسة كمركز للسينما الإسرائيلية. وتنتج المدرسة حوالي 30 فيلماً قصيراً ووثائقياً كل عام، ويتم عرض معظمها في مهرجانات عالمية مختلفة، من بينها كان وبرليناله (مهرجان برلين السينمائي الدولي) والبندقية وتورنتو. في العام 2011، أطلقت مدرسة سام شبيغل مختبر القدس الدولي للأفلام، والذي جمع 12 مخرجاً سينمائياً شاباً محلياً وأجنبياً، ودعتهم إلى القدس للعمل على أفلامهم الطويلة الأولى.
في شهر آب من العام الجاري، تم إدراج المدرسة ضمن قائمة هوليوود ريبورتر لأفضل مدارس السينما العالمية للعام 2023، وهي مدرسة السينما الإسرائيلية الوحيدة في القائمة، وهذه السنة السابعة على التوالي التي يتم إدراج المدرسة فيها على هذه القائمة.
كما تستمر المدرسة في طرح مختبر مسلسلات سام شبيغل للسنة الثانية على التوالي،[ii] والذي تم تصميمه على غرار مختبر سام شبيغل الدولي للأفلام، الهادف لتطوير الأفلام الروائية ودعمها للوصول إلى الجماهير، حيث يتم دمج مخرجين وكتاب سيناريو ناشئين من إسرائيل مع مرشدين وموجهين ومنتجين لإنشاء نصوص الأفلام، ومنح النصوص الفائزة جوائز مالية لإنتاج أفلامهم. تم إنشاء مختبر المسلسلات في العام الماضي بدعم من نتفليكس وبالتعاون الفني مع صانع الأفلام حجاي ليفي. يضم المختبر هذا العام العديد من الشركاء الجدد بما في ذلك بلدية القدس، ونيو مانديت فيلم (New Mandate Films)، ويونايتد كينغ فيلم (United King Films)، وصندوق القدس للسينما والتلفزيون. وهي جهات ومؤسسات ساهمت في إنتاج أعمال سينمائية وتلفزيونية عالمية تتناول موضوعات يهودية وإسرائيلية، كما قامت بالاستثمار في مجموعة من الإنتاجات الإسرائيلية الرائدة في السنوات الماضية، إضافة إلى دعم الإنتاجات التي تدور أحداثها ويتم تصويرها في القدس. وكجزء من البرنامج تقوم نتفليكس بتقديم جائزة مالية، لتطوير مسلسل جديد لواحد من المشاريع الاستثنائية المشاركة، والتي تقدم صوتاً محلياً أصلياً. وكجزء من الجائزة تمنح نتفليكس مبلغاً مالياً بهدف التركيز على تطوير مشروعهم فيما تقوم أيضاً بتغطية رسوم الدخول لجميع المشاركين.[iii]
ومثلما تساهم مدرسة سام شبيغل في تسويق الإنتاج الإسرائيلي الأصلي للأسواق العالمية، ودعم النصوص والقصص المحلية ليتم عرضها على منصات أجنبية مثل نتفليكس وغيرها، فهي أيضاً تساهم في تهويد مدينة القدس وتعزيز الاستيطان فيها.
تم وضع حجر الأساس لمشروع مجمع الفنون الذي يضم مبنى سام شبيغل الجديد في العام 2017. بلغت تكلفة بنائه 50 مليون دولار أميركي، وقامت شركة المشاريع المعمارية إفرات - كوالسكي بتصميمه، وهي شركة مسؤولة عن العديد من المشاريع العمرانية في القدس والمستوطنات المحيطة بها. تم تمويل المشروع من قبل بلدية القدس وعبر تبرعات مجموعة من المؤسسات ورؤوس الأموال اليهودية، وأهمها عائلة الملياردير ناتي كيرش، ومؤسسة عائلة بولوسون، والاتحاد اليهودي الأميركي في نيويورك، وغيرها. وقال نير بركات متحدثاً في حفل تكريم مؤسسة عائلة كيرش، الداعم الرئيس للمشروع: "إن المجمع سيكون هدية ترحيب باحتفال مدينة القدس بالذكرى الخمسين لإعادة توحيدها خلال حرب العام 1967".[iv]
رافقت عملية بناء الحرم الجديد خطة لبناء مهاجع للطلاب، والتي تحولت لاحقاً إلى خطة لبناء مساحات سكنية بإيجارات ميسرة وطويلة الأمد، بهدف جذب الأزواج من المتدينين اليهود الشبان بالإضافة إلى الطلاب المسجلين في حرم الفنون. تهدف هذه الخطة إلى تعزيز الاستيطان في مدينة القدس من خلال الترويج للقدس الشرقية كفضاء حيوي معاصر، وإعادة تعريف مركز القدس كمركز للثقافة والإبداع، والحفاظ على العائلات اليهودية الشابة المقيمة في المدينة وجذب الأخرى. في تصريح لمديرة المدرسة الحالية بلانكستين كوهين، قالت: "إن استراتيجية الحياة في حرم سام شبيغل الجديد تهدف إلى توسيع وتعميق أنشطة المدرسة سواء بالنسبة للطلاب أو سكان المدينة"؛[v] فبالإضافة إلى أن الموقع الجديد لحرم المدرسة في وسط مدينة القدس، في وسط شارع بتسلئيل، فهو أيضاً يقع جنباً إلى جنب ثلاث مدارس فنون أخرى وهي مدرسة نيسان ناتيف للتمثيل، ومدرسة المسرح البصري، ومركز الموسيقى الشرقية - أكاديمية الموسيقى الشرقية الكلاسيكية.
لم يقتصر الوجه التهويدي لمشروع مجمع الفنون على نقل مدرسة سام شبيغل لمركز مدينة القدس، وبناء المجمع السكني المرافق له، حيث ترافق البدء بهذا المشروع مع وضع حجر الأساس لمشروع "وجه القدس" Jerusalem Gateway،[vi] والذي صادقت عليه لجنة التخطيط والبناء في الحكومة الإسرائيلية في العام 2012. وهو مشروع ضخم على مساحة 211 دونماً، يهدف لخلق منطقة سكنية اقتصادية متكاملة تنبض بالأنشطة الثقافية والتجارية على حد سواء، بالإضافة إلى مراكز تجارية وسياحية وفنادق ومراكز ترفيه وأبراج سكنية بتكلفة إجمالية قدرها 2.5 مليار دولار أميركي، ويحوي الحي الاقتصادي الكبير في المشروع مركز مواصلات يضم محطة القطار السريع والخفيف. يسعى هذا المشروع لخلق وجه جديد لمدينة القدس، وتغيير المشهد العام لها. فمن جهة هو يمسح شكل مداخل المدينة، ويخلق قطيعة تامة مع التراكم التاريخي لمشهدها الحضري، ومن جهة أخرى يسعى لزيادة عدد السكان اليهود في المدينة عبر توفير الوحدات السكنية وفرص العمل وربط القدس بالمدن الساحلية من خلال خطة تطوير المواصلات.
ختاماً، إذا كانت مدرسة سام شبيغل للسينما والتلفزيون تسعى لإحياء قلب القدس عبر إنعاش الحياة الثقافية فيها، ونشر قصصها المحلية والأصلية في المنصات العالمية، فهي أيضاً جزء من مستعمرة الفن في قلب المدينة، حيث أنها جزء من مشروع استيطاني تهويدي تقوده بلدية القدس. لا يحمل الفن الإسرائيلي وجهاً بريئاً، ولا يمكن فصله عن محيطه الاستعماري، سواء كان ذلك من خلال الترويج لإسرائيل وقصصها المحلية ضمن سوق الإنتاج العالمية، أو من خلال تماهيها مع البنية التحتية والمخططات الحضرية الإسرائيلية.
[i][i] هو مخرج سينمائي وكاتب سيناريو ومنتج أفلام وناشط سينمائي إسرائيلي، ساهم في تأسيس مدرسة سام شبيغل وشغل منصب مديرها لمدة ثلاثين عاماً، حتى العام 2019. كان من بين مؤسسي صندوق الأفلام الإسرائيلي (1979)؛ رئيس قسم الأفلام في بيت تسفي (1982-1985)؛ المبادر والمستشار للصندوق الجديد للسينما والتلفزيون (1992)؛ مهندس صندوق جلفاند للأفلام القصيرة (1996)؛ وساهم في انضمام إسرائيل إلى أكاديمية السينما الأوروبية (2001)؛ مؤسس ورئيس صندوق القدس للأفلام (2008)؛ مؤسس السينماتيك في كل من هرتسليا وحولون (2007، 2008)؛ المؤسس والمدير المؤسس لمختبر Sam Spiegel الدولي للأفلام (2011).
[ii] للمزيد حول المختبر، أنظر/ي: https://www.filmlab.jsfs.co.il/series-lab
[iii] للمزيد حول التعاون بين نتفليكس ومدرسة سام شبيغل، أنظر/ي: https://about.netflix.com/en/news/partnering-with-the-sam-spiegel-film-and-television-school
[iv]"القدس تحصل على مركز للفنون بقيمة 50 مليون دولار"، واينت، 1 كانون الثاني 2017،https://www.ynetnews.com/articles/0,7340,L-4906786,00.html
[v] المصدر السابق.
[vi] للاطلاع على تفاصيل مشروع "مدخل القدس" عبر موقع بلدية القدس: https://www.jerusalem.muni.il/en/business/newbusiness/business-quarter/