المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
بينيت وائتلافه.. "رقص" على الحافة.  (إ.ب.أ)
بينيت وائتلافه.. "رقص" على الحافة. (إ.ب.أ)
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 738
  • برهوم جرايسي

افتتح الكنيست الإسرائيلي يوم الاثنين من هذا الأسبوع دورته الصيفية، التي من المفترض أن تستمر 12 أسبوعا، ولا أحد يستطيع التكهن بالمطلق ما إذا كانت أزمة الائتلاف الذي فقد الأغلبية المطلقة ستتعمق، مما يقود إلى انتخابات برلمانية مبكرة تجري هذا العام، أم أن تركيبة المعارضة المليئة بالتعقيدات ستنقذ هذه الحكومة، لتجعلها تجتاز الدورة، وتؤجل الانتخابات إلى ما بعد العام الجاري، ليأمل الائتلاف بحصول متغيرات تعيد الأغلبية له لتستمر حكومته، ما يعني أن الحالة السياسية الإسرائيلية، حاليا، تقف أمام سيناريوهات عدة.

وكما هو معروف، فمنذ السادس من نيسان الماضي، خسر الائتلاف الحاكم أغلبيته الهشّة، في الكنيست، بانسحاب رئيسة كتل الائتلاف، عيديت سيلمان، من الائتلاف، وهي نائبة عن كتلة "يمينا" التي يترأسها رئيس الحكومة نفتالي بينيت، ما أبقى الائتلاف مع 60 عضو كنيست، مقابل معارضة من 60 نائبا، ولكنها ليست متكتلة، إذ بضمنها القائمة المشتركة التي لها 6 نواب، وتمثل فلسطينيي الداخل، وأيضا ليس واضحا كيف ستتصرف النائبة سيلمان في التصويت في الكنيست؛ هل ستكون معارضة لكل شيء للحكومة، أم أن معارضتها انتقائية؟

وأيضا كما ذكر من قبل، فإنه في واقع برلماني كهذا لا يمكن إسقاط الحكومة باقتراحات حجب الثقة عنها، لأن حجب الثقة حسب القانون الإسرائيلي، يحتاج إلى أغلبية مطلقة من أعضاء الكنيست الـ 120، بمعنى أغلبية عددية لا تقل عن 61 نائبا، وكل أغلبية تقل عن هذا العدد لاغية. وفي هذا الواقع، فإن أي اقتراح لن يصل حتى إلى 60 نائبا، لأن القانون يلزم الكتلة صاحبة مشروع حجب الثقة بأن تعرض اسم رئيس حكومة بديل، ما يعني في حالة كتلة "القائمة المشتركة" أن موافقتها على اقتراحات حجب الثقة المطروحة من كتل اليمين الاستيطاني، ومعها كتلتي المتدينين المتزمتين، ستعني سياسيا موافقة ولو شكلية على تشكيل حكومة برئاسة تلك الكتل، مثل بنيامين نتنياهو وغيره من رؤساء الأحزاب.

وهذا يعني أنه في الدرجة الأولى، فإن الحكومة الحالية وائتلافها محميان من احتمال حجب الثقة، ليكون التعقيد الأكبر أمام الحكومة هو مسألة تمرير قوانين جديّة في الهيئة العامة، وحسب ما هو واضح حتى الآن، سيكون من الصعب على حكومة كهذه الاستمرار في قوانين إشكالية، مثل مسألة فرض التجنيد الالزامي على شبان المتدينين المتزمتين، لأن كل المعارضة في هذه الحالة ستصوت ضده، ولا يمكن تمرير قانون كهذا بتعادل الأصوات.

أما القانون الأصعب، الذي يحدد القانون موعدا نهائيا لتمريره، وإلا يتم حل الكنيست تلقائيا، فهو موازنة الدولة. وكما هو معروف فإن الكنيست أقرّ ميزانية العام الجاري 2022 سوية مع ميزانية العام الماضي، في شهر تشرين الثاني الماضي، ولذا سيكون صعبا على الحكومة والكنيست إقرار ميزانية 2023 بشكل نهائي حتى اليوم الأخير من شهر آذار من العام المقبل، أي بعد أكثر من 10 أشهر من الآن. ونظريا، في حال لم يستعد الائتلاف أغلبيته، بإمكانه البقاء في الحكم حتى ذلك التاريخ.

في حال اختارت الحكومة بحذر قوانين سهلة، مثل قوانين اجتماعية وقوانين إدارية ليست إشكالية، فإنها على الأغلب ستنجح في تمريرها، وعلى الأغلب بدعم من القائمة المشتركة، طالما أنها قوانين اجتماعية تخدم الجمهور العام. ما يعني أن الحكومة في حال لم تُدخل نفسها في حقل ألغام بالتشريعات، يمكنها عبور الأسابيع الـ 12، حتى بدء العطلة الصيفية، التي ستستمر ثلاثة أشهر، ما يطيل عمر الحكومة أكثر، لكن طالما استمر الوضع الحالي ولم يحدث انقلاب عكسي يعيد للائتلاف الأغلبية، فإنه من غير الممكن أن تكمل الحكومة عاما آخر. فالائتلاف يواجه تعقيدات في داخله أيضا، متعلقة أساسا بكتلة "يمينا"، وأيضا ليس واضحا إلى أي مدى ستتعاظم الضغوط على كتلة "القائمة العربية الموحدة"، الذراع البرلماني للحركة الإسلامية (الشق الجنوبي)، إذ إن زعيم الموحدة، عضو الكنيست منصور عباس، يُصر على مواصلة دعم الحكومة، التي لم تحقق له شيئا جوهريا من مطالب كتلته.
فما هي السيناريوهات الماثلة أمام الائتلاف الحاكم؟

كتلة "يمينا"

ستتركز الأنظار في المرحلة المقبلة على مستقبل كتلة "يمينا" بعد انسحاب سيلمان، وعمليا باتت الكتلة ترتكز على 5 نواب في الائتلاف، من أصل 7 مقاعد حققتها في الانتخابات الأخيرة، إذ إن حزب الليكود يشن حرب أعصاب، وأعلن مرارا أن نائبا آخر من هذه الكتلة سيعلن انسحابه من الائتلاف، ليجعله ائتلاف أقلية برلمانية. ورغم تكرار هذه التصريحات من قادة الليكود، وخاصة بنيامين نتنياهو، إلا أنه حتى إعداد هذا التقرير لم يظهر شيء، ورغم ذلك، فإن احتمال انشقاق آخر في هذه الكتلة يبقى واردا. وبحسب العديد من التقارير الصحافية الإسرائيلية، فإن ناشطين وجهات في اليمين الاستيطاني، وبتوجيه من أحزاب وشخصيات سياسية، يمارسون ضغوطا شخصية على نواب في "يمينا"، بزعم أن حكومتهم "خانت اليمين الاستيطاني"، رغم مشاريع الاستيطان التي تقرها، وامتيازات المستوطنين الجديدة التي أقرت، واستفحال ظاهرة اقتحامات المسجد الأقصى المبارك، التي سجّلت في الأسابيع الأخيرة ذروة على المستوى اليومي.

لكن من ناحية أخرى، فإن اللجنة الإدارية للكنيست، أو حسب التسمية الرسمية "لجنة الكنيست"، أقرت يوم 25 نيسان الماضي طلب كتلة "يمينا" اعتبار النائب عنها، اليميني المتطرف عميحاي شيكلي، المتمرد على كتلته "يمينا" منذ تشكيل الحكومة، نائبا منفصلا عن الحزب والكتلة. وهذا التعريف بموجب القانون الإسرائيلي يمنع شيكلي من خوض الانتخابات المقبلة ضمن أي من الأحزاب الممثلة حاليا في الكنيست، وإن الحل الوحيد له هو إقامة حزب مستقل، يخوض الانتخابات، دون أي تحالف مع الأحزاب الممثلة. وكان شيكلي قد تمرّد على حزبه وكتلته البرلمانية، منذ الإعلان عن الحكومة الحالية، في أوائل حزيران الماضي، وكان محسوبا ضمن المعارضة، وهذا ما خفّض الائتلاف من 62 نائبا إلى 61 نائبا. وحسب التقديرات، فإن شيكلي قد يتجه إلى المحكمة العليا لاستصدار قرار ضد قرار لجنة الكنيست، إلا أن فُرصه ضعيفة إلى درجة معدومة في المحكمة، لأن المسار تم بموجب القانون القائم.

وفي غداة قرار لجنة الكنيست، تكاثرت التوقعات في الصحافة الإسرائيلية والحلبة السياسية بأن النائب شيكلي قد يقرر الاستقالة من الكنيست، كي يضمن خوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، وفي حال صدقت هذه التوقعات، فإن الائتلاف الحاكم قد يستعيد أغلبيته الهشّة، إذا لم تكن هناك استقالة أخرى أو أكثر في كتلة "يمينا".

وشيكلي لا يستطيع الاستقالة من الكنيست بعد حلّه ليستطيع خوض الانتخابات ضمن أي من الأحزاب القائمة، ويُقال إنه كان موعودا بضمّه لحزب الليكود مع مكان يضمن عضويته في الكنيست بعد الانتخابات المقبلة، فالاستقالة يجب عليه القيام بها قبل أي قرار بحل الكنيست والتوجه لانتخابات مبكرة.

وتعود فرضية استعادة الائتلاف لأغلبيته في حال استقالة شيكلي، إلى أن من ستدخل الكنيست هي ستيلا فاينشتاين، وهي عضو المجلس البلدي في مدينة أشدود (أسدود)، وكانت ممثلة عن حزب "إسرائيل بيتنا"، وقبيل الانتخابات الأخيرة، ضمها نفتالي بينيت إلى قائمته، وحلّت في المرتبة التاسعة.

لدى الاطلاع على صفحتها في الفيسبوك، فإنها تبرز صورتها إلى جانب نفتالي بينيت، وفي منشوراتها الأخيرة دافعت عن قرار يمينا وبينيت ضد شيكلي، كما أكدت على أهمية الحكومة القائمة، ما يعني أنه في حال دخلت إلى الكنيست، فإنها ستعيد للائتلاف أغلبيته، ما قد يلغي مؤقتا احتمال الانتخابات المبكرة.

نشير هنا إلى أن القرار ضد شيكلي قد يجعل سيلمان، السابق ذكرها، تعيد حساباتها بشأن شكل تصرفها في التصويت في الهيئة العامة للكنيست واللجان، كي لا يكون مصيرها مثل شيكلي. كما نشير إلى أنه في حال انشقاق نائب إضافي من كتلة "يمينا"، بإمكان النواب الثلاثة، وبضمنهم شيكلي، تشكيل كتلة برلمانية مستقلة في الكنيست، إذ بعد التدقيق الذي أجريناه في قانون الكنيست، لغرض هذه المقالة، لا يوجد ما يمنع النائب شيكلي من الانضمام لكتلة جديدة تبلورت في الولاية الحالية للكنيست، خاصة وأنها من زملائه في الكتلة الأم.

"القائمة العربية الموحدة"

في أعقاب تصعيد الاحتلال في القدس والمسجد الأقصى المبارك، اضطرت الحركة الإسلامية (الشق الجنوبي)، وتحت ضغط جماهيري، إلى اتخاذ قرار بتجميد مشاركة عضوية كتلة "القائمة الموحدة" في الائتلاف الحاكم، وحتى في الكنيست، إلا أن تجميد العضوية في الكنيست لا يوجد له أي أساس قانوني، ولم يعد نواب "الموحدة" يتطرقون له.

وبموازاة ذلك، فإنه لا يبدو أن "الموحدة" ستطبّق قرار تجميد العضوية في الائتلاف، إذ إن رئيسها عضو الكنيست منصور عباس أعلن مرارا، في وسائل الإعلام، أن كتلته لن تسعى إلى إسقاط الحكومة وحلها والتوجه إلى انتخابات مبكرة.

وهذا هو الانطباع السائد في الأوساط السياسية وعند المحللين، بأن "الموحدة" ستستمر، لكنها ستحاول تحقيق شيء مما وعدت به الجمهور، ومما نصت عليه اتفاقية شراكة الكتلة في الائتلاف الحاكم؛ خاصة وأنها لم تحقق خلال الأشهر الـ 11 الماضية إنجازات ملموسة، سوى توزيع ميزانيات استثنائية للمجالس البلدية والقروية، وليس ميزانيات تغير من واقع حال هذه المجالس.

في المقابل، فإن كتلة "يمينا" التي ترتكز على جمهور اليمين الاستيطاني، ليست معنية بالظهور كمن ترضخ لمطالب زائدة من "الموحدة"، وهذا الموقف تشدد عليه وزيرة الداخلية، أييلت شاكيد، الشخص الثاني في "يمينا"، وبحُكم منصبها فإن الكثير من مطالب "الموحدة" متعلقة بقرار منها.

وإحدى النقاط الأكثر صدامية مع كتلة "يمينا"، تتعلق بشكل التعامل مع البلدات العربية في النقب، التي ترفض السلطات الإسرائيلية الاعتراف بوجودها على الأرض، إذ تسعى "الموحدة" للاعتراف بعدد قليل من هذه القرى، لربما ثلاث من أصل عشرات، لكن شرط الحكومة أن تتنازل هذه القرى عن 75% من مساحتها.

في المقابل، فإن "يمينا" ومعها كتلة "أمل جديد" بزعامة وزير العدل جدعون ساعر، تتفاخران بأن الحكومة أقرت بناء 14 بلدية جديدة لليهود في النقب، وهي بلدات تقام على أراض عربية مصادرة، وهذا ما سيزيد من حرج "الموحدة" في تلك المنطقة.
كذلك، وحسب التقارير الإسرائيلية الرسمية، فإن الحكومة التي تشارك فيها بالذات "الموحدة"، رفعت وتيرة هدم البيوت والمباني في البلدات العربية مسلوبة الاعتراف.

فهذه المنطقة هي معقل للحركة الإسلامية (الشق الجنوبي)، ومنحت "الموحدة" 25% من إجمالي الأصوات التي حصلت عليها في الانتخابات الأخيرة، أي 42 ألف صوت من أصل إجمالي 167 ألف صوت. وبتوصيف أدق، فإن الموحدة حصلت على حوالى 68% من أصوات بلدات النقب العربية، في يوم الانتخابات.

كل الاحتمالات واردة

كما ذكر، فإن كل الاحتمالات بشأن مستقبل الحكومة والكنيست تبقى واردة، في ظل الوضع القائم، والحالة التي لم نذكرها هنا هي محاولة المعارضة حل الكنيست، ففي مشروع قانون كهذا، من الممكن طرحه من دون خلفيات سياسية تشتت كتل المعارضة. إلا أن قانون حل الكنيست سيحتاج إلى أغلبية عددية لا تقل عن 61 نائبا، وفي حال تم طرح مشروع القانون على الكنيست، وسقط، أو حصل على أغلبية تقل عن 61 نائبا، فإن كتل المعارضة لا يمكنها طرح هذا القانون مجددا، إلا بعد مرور 6 أشهر على يوم التصويت عليه، ولذا فإن المعارضة ستكون حذرة، ولن تستعجل في طرح هذا القانون، إلا إذا ضمنت أغلبية 61 نائبا على الأقل.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات