المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
البحر الميت: اجتماع الجفاف وانخفاض مستوى سطح البحر.  (عن: "هآرتس")
البحر الميت: اجتماع الجفاف وانخفاض مستوى سطح البحر. (عن: "هآرتس")
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1100
  • هشام نفاع

تتهم عدة تقارير الحكومة الإسرائيلية بعدم تطبيق التزاماتها وقراراتها المتعلّقة بمواجهة المخاطر المترتبة على تغيّر المناخ. مثلا، نشر موقع التحقيقات الصحافية المستقل "شكوف"، مؤخراً، سلسلة مقالات وتقارير تركّز على الدور السلبي الذي تلعبه وزارة المالية في هذا الشأن.

يشرح الموقع التقاعس الحكومي ويقول إنه بينما تعلن وزارة حماية البيئة هدف خفض انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة 27% بحلول العام 2030، وإعادة ضبطها بحلول العام 2050 - وعلى الرغم من أن هذا الهدف لا يفي بالمتطلبات العالمية المتعارف عليها لخفض الانبعاثات بنسبة 43% بحلول العام 2030 - فإن وزارة المالية عارضت حتى هذا الهدف المقلّص وتعرقله. وينضم هذا أيضاً إلى اعتراض وزارة المالية على تمكين وزارة حماية البيئة من وضع خطة قومية لتقليل انبعاثات غازات الدفيئة كل خمس سنوات، وهذا فضلاً عن الاعتراض على بند يطالب جميع الوزارات الحكومية والسلطات العامة بتحضير خطط للتهيّؤ لأزمة المناخ.

وفقاً لوثائق الأمم المتحدة تحت عنوان "العمل المناخي"، يُقصد بتغير المناخ التحولات طويلة الأجل في درجات الحرارة وأنماط الطقس. قد تكون هذه التحولات طبيعية فتحدث، على سبيل المثال، من خلال التغيرات في الدورة الشمسية. ولكن، منذ القرن التاسع عشر، أصبحت الأنشطة البشرية المسبب الرئيس لتغير المناخ، ويرجع ذلك أساساً إلى حرق الوقود الأحفوري، مثل الفحم والنفط والغاز. إذ تنتج عن حرق الوقود الأحفوري انبعاثات غازات الدفيئة التي تعمل مثل غطاء يلتف حول الكرة الأرضية، مما يؤدي إلى حبس حرارة الشمس ورفع درجات الحرارة.

وتشمل أمثلة انبعاثات غازات الدفيئة التي تسبب تغير المناخ ثاني أكسيد الكربون والميثان. تنتج هذه الغازات، على سبيل المثال، عن استخدام البنزين لقيادة السيارات أو الفحم لتدفئة المباني. يمكن أيضا أن يؤدي تطهير الأراضي من الأعشاب والشجيرات وقطع الغابات إلى إطلاق ثاني أكسيد الكربون. وتعتبر مدافن القمامة مصدراً رئيساً لانبعاثات غاز الميثان. ويعد إنتاج واستهلاك الطاقة والصناعة والنقل والمباني والزراعة واستخدام الأراضي من بين مصادر الانبعاث الرئيسة. وهذه هي الممارسات التي يوصى بتقليصها والعثور على بدائل لها من أجل خفض الانبعاثات. وهي بطبيعة الحال خطوات تستدعي رصد ميزانيّات وتغيير توزيعتها، وهو كما يبدو ما تعارضه وزارة المالية الإسرائيلية.

تبريرات الحكومة الإسرائيلية تناقض آخر وأهم التقارير الدولية!

يكتب الموقع الصحافي المستقل المذكور بأن مشروع قانون المناخ، بصيغته ونصه، يهدف إلى إلزام إسرائيل بالانضمام إلى الكفاح العالمي ضد أزمة المناخ، وكذلك الاستعداد لعواقبها، لكن القانون الذي نشرته الوزارة في 19.4.2021، عالق في ضوء الصراع المذكور. أي قد مر عام آخر، ويبدو أن "ما كان هو ما سيكون، ولا جديد تحت الشمس"، يصف الموقع الوضع مقتبساً عبارة توراتية شهيرة.

تبرّر وزارة المالية اعتراضها بالقول إن "هناك وزارات ليس لديها جوانب تتعلق بتغير المناخ" وهو ما يشكل تناقضاً صارخاً مع آخر تقارير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ ‎IPCC‏ (تأسست العام ‎1988‏ لتقديم تقديرات شاملة لحالة الفهم العلمي والفني والاجتماعي والاقتصادي لتغير المناخ وأسبابه وتأثيراته المحتملة واستراتيجيات التصدي لهذا التغير). فهو يناقش المسألة بشكل شمولي، ويناقش كيف يمكن للاقتصاد العالمي والأنظمة الاجتماعية الفنية والاجتماعية الإيكولوجية الانتقال إلى مسارات متسقة مع قصر الاحترار على 1.5 درجة مئوية والتكيف مع الاحترار العالمي البالغ 1.5 درجة مئوية. ويشدّد الموقع الصحافي على أن ذلك يشمل: الطاقة والصحة والنقل والزراعة والغذاء والأزياء والسياحة والاقتصاد والبناء والرفاه وغير ذلك. أي كل المجالات المؤتمنة الحكومة عليها.

ادعى عدد من كبار المسؤولين في وزارة المالية الذين تحدثوا مع "شكوف" أن الدولة غير قادرة على تحقيق أهداف خفض الانبعاثات، ويخشون أن تؤدي المصادقة على الأهداف الواردة في القانون إلى وضعٍ يسمح لمنظمات ومواطنين بالتوجه إلى المحكمة لإصدار أمر بتنفيذها، وبالتالي تقييد أيدي الحكومة. كذلك، إذا ما رغبت الدولة في المصادقة على مشاريع أحفورية جديدة مثل محطة توليد كهرباء تعمل بالغاز الطبيعي، فيمكن للمحكمة أن تأمر بإلغاء هذه المشاريع، بسبب تعارضها مع أهداف خفض الانبعاثات مثلما هو منصوص عليها في القانون، يقول المسؤولون.

هنا يشير التقرير الى التصريحات الحادة للأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بمناسبة صدور التقرير الثالث للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، والتي قال فيها إن "أقوال بعض قادة الحكومات ورجال الأعمال (دون تسميتهم) تصبّ في اتجاه، بينما تصبّ أفعالهم في اتجاه آخر.. إنهم بكل بساطة يكذبون.. وعواقب ذلك ستكون كارثية.. إننا في حالة طوارئ مناخية". وأضاف في كلمات غير مسبوقة لمسؤول أممي في وصف خطورة الوضع: "نحن نسير بسرعة مروعة نحو كارثة مناخية.. مدن كبرى ستصبح مغمورة تحت المياه.. وموجات من الحر لم يسبق لها مثيل.. وعواصف مُرعبة... ونقص في المياه.. وانقراض مليون نوع من النباتات والحيوانات". وسبق أن قال في حدث نظمته مجلة الإيكونوميست الأسبوعية حول الاستدامة، إن الدول الجزرية الصغيرة وأقل البلدان نموا والفقراء والضعفاء على "وشك الهلاك"، محذرا من أنه في عالمنا المترابط عالميا، لا يمكن لأي دولة ولا شركة عزل نفسها عن "مستويات الفوضى هذه".

وصف سلوكيات بعض الحكومات بـ"الكذب" ينطبق هنا

يشكل التعاطي مع مشروع القانون (المنقوص نسبة للمعايير العالمية) من قبل جهات إدارية حكومية إسرائيلية مثالا على وصف الأمين العام للأمم المتحدة سلوكيات بعض الحكومات بـ"الكذب" والتحدث في اتجاه والممارسة في اتجاه آخر. ومثلما يتبيّن فقد كشفت مسودة قانون المناخ عن تعليقات كتبها مسؤولو وزارة المالية. إذ حذفوا أقساماً مهمة من مشروع القانون: إلزام القانون الحكومة بوضع أهداف لخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري للعامين 2030 و2050، وإمكانية قيام وزارة حماية البيئة بوضع خطة قومية لتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري كل خمس سنوات. كما حذفوا البند الذي يطالب جميع الوزارات الحكومية والسلطات العامة بإعداد خطة تأهب لأزمة المناخ.

كتبت صحيفة "هآرتس" في افتتاحية بعد هذا التقرير إن "أزمة المناخ ستؤثر على صحة وجودة حياة كل إنسان في اسرائيل دون علاقة بآرائه السياسية، مكان سكناه أو قدراته الاقتصادية. وعليه فمحق رئيس الحكومة نفتالي بينيت حين تعهد أمام العالم بهدف صفر انبعاث كربون في العام 2050، ووصف الأزمة بأنها "مشكلة حقيقية". ولكن في الأيام الأخيرة حين كان ينبغي الوقوف خلف الكلمات الكبيرة، مارس مكتب رئيس الحكومة ضغطا شديدا على وزارة حماية البيئة لقبول الاعتراضات على بنود تمنح قانون المناخ قدرة فعلية. في وزارة المالية والطاقة يعارضون نقل صلاحيات لوزارة حماية البيئة أو التعهد في القانون بأهداف تلزم كل الدولة بالسير في الاتجاه المرغوب فيه، والنتيجة هي قانون مناخ يعتقد نشطاء البيئة بأنه من الأفضل بدونه".

أما إيلانا سوسان فقد كتبت في "معاريف" قبل ذلك: انضمت اسرائيل إلى التزام دول الـ OECD ووضعت لنفسها هدفا بأن تقلص إلى الصفر انبعاث ثاني أكسيد الكربون حتى العام 2020. غير أنه في هذه الأيام حين كان ينبغي لمحطة توليد الطاقة "ردينج" التي غرست في قلب تل أبيب الموسعة أن تتوقف عن نشاطها، بُشّرنا أنه بأمر خاص من المجلس الإقليمي ستواصل "ردينج" العمل حتى العام 2030 على الأقل مع خيار التمديد.

الاستخفاف بركائز مشروع القانون تابعه موقع "شكوف" من خلال محادثات مع مسؤولين في الوزارة. ويقول إن الجهاز البيروقراطي حاول اتهام "السياسيين" بذلك، ولكن لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن هذه التعديلات على القانون، والتي تفرغه من مضمونه تقريباً. بينما كشف مسؤولون استخفافهم بالقضية، مثلما عبّر عنه موظف كبير قال ساخراً إن التعامل مع الأزمة "كما لو كان العالم على شفا الدمار هو أمر ديني"، في تلميح إلى وصم النقد بالتعصب!

لا يتعارض هذا التوجه فقط مع حقائق يكشفها ويؤكدها البحث العلمي على نحو متواصل في شتى الفروع، ولا مع ما تكرره تقارير لهيئات أممية مختصة، ولا مع منظمات بيئية واجتماعية وشعبية ناشطة في مختلف مجالات مواجهة الكوارث البيئية، بل أيضاً مع تقارير رسمية إسرائيلية. مثلا، كتب مراقب الدولة في تقريره الشامل الخاص، في تشرين الثاني الماضي، عن شكل ومدى الاستعدادات الحكومية لمواجهة أزمة المناخ: "على أساس أبحاث علميّة تراكمت في العقود الأخيرة، يتبلور إدراك عالمي بأنّ استمرار انبعاث غازات الدفيئة بالأحجام الحالية سيؤدي إلى ارتفاع تركيزها في الغلاف الجوي، ومن ثم إلى تغييرات مناخية حادة؛ وستترتب على ذلك أزمة آخذة بالتشكل تشمل دولا وقطاعات مختلفة، والتي ستؤدي إلى تدهور اقتصاديّ، وصحّي، وإيكولوجي عالمي؛ وإنّ منع تحقّق هذا السيناريو يتطلّب نشاطا عالميا شاملا لتقليص انبعاث غازات الدفيئة من خلال الانتقال إلى اقتصاد خال من الكربون".

وبناء عليه، جزَم المراقب: "تتطلب المواجهة الناجعة لتقليص غازات الدفيئة والتهيؤ للأضرار المناخية تغييرا في المفاهيم والتصورات، وبحسبها لا تشكّل أزمة المناخ موضوعا بيئيا بل أزمة بنيويّة- هيكليّة تهدّد العديد من المنظومات الحياتيّة (...) وفي ملخص الأمر يمكن القول إنّ ثمة تحدّيًا ماثلاً أمام الحكومة يتمثّل في مسائل إدارة المخاطر على المستوى القومي، وضرورة رسم مسار يفضي إلى بناء اقتصاد يقلّ فيه استخدام الكربون، والنموّ الأخضر، والانتقال إلى طاقة خضراء من ناحية، والاستعداد الأمثل - من الناحية الأخرى- للمخاطر المترتّبة على التغييرات المناخية على مستوى الفرد، والموارد والطبيعة. كلي أمل أن تساعد نتائج الرقابة وتوصياتها في النهوض بالقضايا التي تتعلّق بأزمة المناخ، وأن تدفع الهيئات التي خضعت للرقابة للعمل في هذا المجال".

تجسيد للتناقض بين تقديس مراكمة الأرباح وبين دعاة تدارك الانهيار

ربما أن الجهاز السياسي والإداري والبيروقراطي في وزارة المالية الإسرائيلية هو التجسيد الأدق والأحدّ للتناقض ما بين توجه تقديس مراكمة الأرباح الخاصة برعاية الدولة وحمايتها لكبار أصحاب الثروات والرساميل، وبين التوجه البيئي الذي يدعو إلى تدارك الانهيار الحقيقي في كوكبنا، وتداعياته المتمثلة في كوارث طبيعية وتصحّر وأزمات طاقة وغذاء وتوسّع رقعة الفقر والظلم الاجتماعي، هذا علاوة على تدمير قيم الطبيعة الحيوانية والنباتية، البرية والبحرية. الصحافي سيفر بلوتسكر انتقد في مقال له ("يديعوت أحرونوت"، أواسط نيسان) نهج الجزء "اليساري" في الحكومة وكتب: "من الصعب أن نرى ما الذي يميز اليسار حتى في النهج من أزمة المناخ: الأداة الاقتصادية الأكثر نجاعة في مكافحة الاحتباس الحراري للكرة الأرضية هي الضريبة على انبعاث غاز الدفيئة، التي تسمى "ضريبة الكربون". فقد تبنتها أحزاب يمين – وسط كثيرة؛ أما اليسار الديمقراطي فلم يقرر بعد إذا كان مع أم ضد. في إسرائيل من يدفع نحو ضريبة كهذه بنك إسرائيل بتأييد من اقتصاديي طاقة مهنيين".

ربما من المفيد هنا اقتباس المفكر التقدمي الأميركي نوعام تشومسكي كما ورد في كتاب "أزمة المناخ والصفقة الخضراء العالمية الجديدة: الاقتصاد السياسي لإنقاذ الكوكب"، وهو مؤلَّف مشترك له مع العالم السياسي سي جي بولكرينيو، والخبير الاقتصادي روبرت بولين، المناضل من أجل اقتصاد أخضر قائم على المساواة (ترجم فصلاً منه موقع "جدلية")، إذ قال في حوار مع بولين، في أيلول 2020، تم تضمينه في الكتاب المذكور: "لا هوادة في سعي الطبقات المجرمة وراء السلطة والربح، مهما كانت العواقب البشرية. وستكون هذه العواقب وخيمة إذا لم يتم التصدي لجهودها، وهزيمتها في الواقع، من قبل أولئك المعنيين بـ "بقاء البشرية ". ليس ثمة وقت لتصّنع كلمات في مجاملات في غير موضعها. إن "بقاء البشرية" مُعرّض للخطر في مسارنا الحالي"!

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات