نشرت صحيفة "إيكونوميست" الاقتصادية البريطانية تقريرا قالت فيه إن إسرائيل باتت الملعب الخلفي لحيتان مال، أو لمن يطلق عليهم "الطغمة المالية" من يهود العالم، الذين يجدون في إسرائيل ملجأ لهم للتهرب من الضرائب، كذلك ثمة بينهم من يبحث عن ملجأ أمني، وفق وصف المجلة بالنسبة لبعض الأثرياء اليهود. وتشير إلى أن منهم من يسعى إلى شراء سياسيين إسرائيليين. وفي المقابل نشرت مجلة "فوربس" قائمة أثرياء العالم، وضمت أكثر من 1500 ثري من أصحاب المليارات، 11% منهم من اليهود، بثروة إجمالية تجاوزت 812 مليار دولار، والغالبية الساحقة من الأثرياء اليهود في الولايات المتحدة الأميركية.
وقالت الصحيفة إن السلطات الإسرائيلية تمنح حيتان المال اليهود في العالم "استقبالا دافئا، رغم التخوفات من أنهم يدفقون أموالا على إسرائيل من أجل تبييض الأموال"، في إشارة إلى القانون الإسرائيلي القائم منذ 12 عاما، والذي يمنح "المهاجرين الجدد"، إعفاء ضريبيا على مصالحهم الاقتصادية في الخارج.
وأشارت إلى أن الكثير من حيتان المال اليهود في العالم يشترون قصورا، أو حتى بنايات ضخمة، ويحولونها إلى مقرهم الرسمي، بعشرات ملايين الدولارات للمبنى الواحد، رغم أن كل واحد من هؤلاء الأثرياء لا يمضي في إسرائيل على الأكثر ما مجموعه بضعة أسابيع سنويا. كما أن توغل حيتان المال أولئك في قطاع العقارات الإسرائيلي، ساهم هو أيضا في رفع أسعار البيوت في إسرائيل في السنوات الأخيرة.
وتقول الصحيفة إن حيتان المال يعرفون أن إسرائيل ليست المكان الملائم لجني الأرباح الضخمة لهم، قياسا بمشاريعهم الاقتصادية العالمية، ولكن أشارت إلى أن هناك أسباباً أخرى تدفعهم للجوء إلى إسرائيل، منها تبييض أموال، ولكن منهم أيضا من يسعى للبحث عن أمنه الشخصي، فمنهم كثيرون يتجولون في العالم مع حراس شخصيين، واجراءات حراسة مشددة حولهم، منها ما يصل إلى حد فحص كل ما يتناولونه من طعام وشراب، في إشارة إلى الأثرياء الروس، بزعم أن نزاع بعضهم مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أو مع مراكز قوى روسية أخرى، يجعلهم يتخوفون على أمنهم الشخصي.
وقالت الصحيفة إن بين هؤلاء الأثرياء من يبحثون عن مصالحهم بين السياسيين، واشتروا مرارا ويشترون سياسيين، ما أدى إلى فتح ملفات فساد ومنها ما وصل إلى حد المحاكمات والسجن.
دفيئة لمتهربي دفع الضرائب
وتقول الصحيفة إن عددا من كبار المسؤولين الإسرائيليين أعربوا عن تخوفهم من أن قانون الإعفاء الضريبي للمهاجرين الجدد خلق قنوات لتبييض أموال. وقد حاولت وزارة المالية الإسرائيلية، قبل أقل من شهرين، اقناع الحكومة بإلغاء الاعفاء الضريبي على المداخيل من مشاريع اقتصادية في الخارج، إلا أن وزير الهجرة والاستيعاب زئيف إلكين (الليكود) قطع الطريق أمام هذه المبادرة.
وكانت الكثير من التقارير الإسرائيلية قد تحدثت في السنوات الأخيرة عن أن إسرائيل تحوّلت إلى دفيئة لمتهربي دفع الضرائب في دولهم، وتقصد الأثرياء اليهود، الذين استفادوا من القانون الإسرائيلي، الذي تشير له "الإيكونوميست"، وقد بادر له وزير المالية في العام 2003، بنيامين نتنياهو، وكان ساريا لمدة خمس سنوات، ثم جرى تمديده في العام 2008 إلى عشر سنوات أخرى.
ويمنح هذا القانون المهاجرين اليهود إلى إسرائيل، وحتى الإسرائيليين الذين هاجروا قبل سنوات وعادوا إلى إسرائيل، إعفاء من دفع الضرائب على كل نشاطهم الاقتصادي في الخارج لمدة عشر سنوات، حتى وإن كان الأمر متعلقا ببيع عقارات وأعمال في الخارج وما شابه، وهذا أحد الأنظمة التي سنتها إسرائيل في السنوات الأخيرة، بحثا عما يسمى "الهجرة النوعية"، بمعنى استقدام مهاجرين يهود من ذوي الامكانيات المالية والعلمية.
وجعل هذا القانون الكثيرين من كبار المستثمرين من يهود العالم يرون في إسرائيل "دفيئة لمتهربي دفع الضرائب"، كما تقول المحللة الاقتصادية ميراف أرلوزورف، في مقال سابق لها في صحيفة "ذي ماركر". وأضافت: "ليس صعبا أن نفهم لماذا كل يهودي لديه أملاك في العالم ومعني بالتستر عليها كي لا يدفع الضرائب يقفز إلى الفرصة السانحة (إسرائيل)، وليس صعبا فهم لماذا يقوم يهود مستقيمون لا يخفون أموالا عن الضرائب (في دولهم) ولكنهم معنيون بتقليص حجمها، بالقفز هم أيضا على الفرصة السانحة".
وكان للبنوك الإسرائيلية الباع الأكبر في استيعاب متهربي دفع الضرائب، وبحسب تقارير إسرائيلية فإن الأثرياء اليهود الذين تلقوا قبل سنوات ضمانات بعدم الكشف عن حساباتهم، المسجلة تحت أسماء مستعارة، ولربما أيضا تحت أسماء شركات وهمية، يهددون بمقاضاة البنوك لخرقها الاتفاقيات، إلا أن تلك الاتفاقيات تتنافى مع القوانين والمواثيق الدولية، ما يجعل ادعاءاتهم ضعيفة.
وتكشفت في النصف الأول من هذا العام مسألة ملاحقة السلطات الأميركية لثلاثة بنوك إسرائيلية، أولها في الملاحقة البنك الثاني في إسرائيل، بنك ليئومي، بسبب تستره على متهربي دفع ضرائب أميركان يهود، في فروع البنك في الولايات المتحدة الأميركية وفي أوروبا، وانتهت الملاحقة بإبرام اتفاق يقضي بأن يدفع البنك غرامة بقيمة 270 مليون دولار. والبنكان الآخران هما "هبوعليم" أكبر البنوك الإسرائيلية، وبنك "مزراحي طفاحوت"، الرابع من حيث حجمه من بين البنوك الإسرائيلية.
وفي النصف الأول من العام الجاري 2015، كشف النقاب عن أن السلطات الإسرائيلية سمحت "لثري" أوكراني يدعى يوري بوريسوف بالدخول اليها، ومنحته تأشيرة دخول له ولعائلته لمدة ستة أشهر، على الرغم من أنه مطلوب للعدالة الأوكرانية والانتربول، لكونه متهما باختلاس 40 مليار دولار من أموال الدعم لأوكرانيا، وكما يبدو فإن مسألة إدخاله إلى إسرائيل مرتبطة بقضية الفساد الضخمة التي تتورط بها شخصيات من حزب "يسرائيل بيتينو" بزعامة أفيغدور ليبرمان.
كما اضطرت إسرائيل قبل عامين للرضوخ لطلب الانتربول الدولي، الذي داهم قبل فترة عدة بيوت فخمة في واحدة من ضواحي مدينة هرتسليا، التي يسكنها كبار الأثرياء في إسرائيل، وكان الهدف البحث عن أثرياء فرنسيين يهود متهمين بالتهرب من دفع ضرائب بقيمة 5 مليارات دولار، جاؤوا إلى إسرائيل "واختبأوا فيها".
11% من أثرياء العالم يهود
وكانت مجلة "فوربس"، قد نشرت في الشهر الماضي، أيلول، تقريرها السنوي بشأن أصحاب المليارات في العالم، بمعنى من له مليار دولار وما فوق. وتبين أن 11% من هؤلاء الأثرياء هم من اليهود في العالم، أي 167 ثريا من أصل ما يزيد عن 1500 ثري شملتهم القائمة، وبلغ مجموع ثرواتهم، بحسب ما ذكرته صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية التابعة لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، أكثر من 812 مليار دولار.
وفي مراجعة "المشهد الإسرائيلي" لقائمة الأثرياء اليهود الـ 167، تبين أن الأثرياء اليهود يشكلون 18% من أكبر مئة ثري، ويحافظون على هذه النسبة في المئة الثانية من أثرياء العالم. وغالبية الأثرياء اليهود، والثروة الأكبر من دون مقارنة، نجدهما في الولايات المتحدة، وفي المرتبة الثانية من حيث حجم الثروة جاءت روسيا، بينما حلت إسرائيل في المرتبة الثالثة من حيث عدد الأثرياء اليهود.
وحسب تلك القائمة، فإن 106 أثرياء بثروة إجمالية تفوق 545 مليار دولار، وأكبرهم ثراء هو لاري أليسون، وبلغ حجم ثروته في العام الجاري 2015 حوالي 43 مليار دولار. وقد حلّ خامسا في قائمة "فوربس"، محافظا على المرتبة ذاتها منذ العام 2014، رغم أن ثروته في العام الماضي كانت ما يزيد عن 51 مليار دولار. إلا أن أليسون الذي تتركز مشاريعه الأساسية في برامج الحاسوب والتقنيات العالية، ثروته الحالية ضعفا ما كانت عليه في العام 2009.
وحلّ ثانيا في قائمة اليهود، وفي المرتبة 13 في قائمة "فوربس" العامة، مايكل بلومبيرغ، رئيس بلدية نيويورك السابق، من العام 2001 وحتى العام 2013، وحجم ثروته بلغ 27 مليار دولار، ومشاريعه الأكبر في الاستثمارات المالية. أما في المرتبة الثالثة بين اليهود، والـ 15 في القائمة العامة، فكان شلدون إدلسون، الذي بلغت ثروته 5ر26 مليار دولار، وهو يميني عنصري متشدد، والصديق والممول الأكبر لبنيامين نتنياهو، ويصدر في إسرائيل صحيفة "يسرائيل هيوم" اليومية المجانية، المجنّدة كليا لدعم نتنياهو. وأساس مشاريع إدلسون في قطاع القمار ويملك شبكة كازينوهات.
ومن الأسماء البارزة من بين الأثرياء الأميركان اليهود لاري فيغ وسيرجي برين، وهما مؤسسا وصاحبا شركة غوغل، ولكل منهما 23 مليار دولار بفارق أقل للثاني. وحلّ فيغ في المرتبة 20 في قائمة "فوربس" العامة، وزميله برين حلّ في المرتبة 21. ومثلهما مارك تسوكربيرغ، مؤسس وصاحب شبكة الفيسبوك، الذي بلغت ثروته 3ر13 مليار دولار، وحلّ في المرتبة 66 في قائمة "فوربس" العامة.
ونجد أن في روسيا 12 ثريا يهوديا، بلغ مجموع ثروتهم نحو 82 مليار دولار، وأكثرهم ثراء ميخائيل فريدمان، الذي بلغت ثروته هذا العام 5ر16 مليار، وأغلب مشاريعه في قطاع النفط، وأيضا في قطاع البنوك. ويليه فيكتور فاكلسبيرغ، الذي تجاوزت ثروته 15 مليار دولار بقليل، المختص أكثر بقطاع النفط. وكان تقرير صدر في روسيا الاتحادية، في نهاية العام الماضي 2014، تضمن قائمة أكبر 200 ثري روسي، وتبين أن منهم 48 ثريا من ابناء الديانة اليهودية، في حين أن مجموع ثرواتهم 133 مليار دولار، بعد أن جرى تصنيف الأثرياء إلى قوميات وأديان، إذ أن في القائمة حسب النشر 22 قومية ومن أديان مختلفة. واعتبرت جهات حقوقية أن هذا النشر الأول من نوعه فيه عمليا "تحريض على الأجانب" وأولئك من غير الروس المقيمين في روسيا، وقال عضو في اللجنة الاستشارية في مجال حقوق الانسان، في مكتب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إن هذا "نشر نازي" قد يؤدي إلى مشاكل.
وتبين من المعطيات التي نشرتها أيضا الصحافة الإسرائيلية أنه في حين أن ثروة 48 ثريا من أبناء الديانة اليهودية الروس تساوي 133 مليار دولار، بمعدل 77ر2 مليار دولار للثري الواحد، فإن ثروة 89 روسيا تساوي 165 مليارا، بمعدل 85ر1 مليار دولار للثري الواحد.
أثرياء إسرائيل
وشملت قائمة "فوربس" العالمية 16 ثريا إسرائيليا يهوديا، من أصحاب مليار دولار وما فوق، وبلغ مجموع ثرواتهم 44 مليار دولار، إلا أن قائمة "فوربس" تختلف بقدر كبير عن قائمة أكبر 500 ثري التي تنشرها صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية التابعة لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية سنويا. وكانت القائمة الأخيرة قد نشرت في شهر حزيران الماضي، ومن بين الفوارق احتساب ثري فرنسي حصل على الجنسية الإسرائيلية، كثري إسرائيلي، بينما بقي في "فوربس" كثري فرنسي مع فارق كبير في تقدير الثروة، وغيره من الفوارق.
وبحسب "فوربس" فإن أكبر أثرياء إسرائيل هو عيدان عوفر، وقدرت ثروته بنحو 5ر6 مليار دولار، يليه شقيقه إيال عوفر بثروة بلغت 6 مليارات دولار، بينما قالت "ذي ماركر" إن ثروة عيدان 25ر3 مليار دولار. كذلك فإن الثري الإسرائيلي ستيف فيرطهايمر الذي حلّ ثانيا في "ذي ماركر" بثروة قدرت بنحو 25ر8 مليار دولار، ظهر متأخرا في قائمة "فوربس" مع 4ر4 مليار دولار. ووضعت الصحيفة الإسرائيلية في المرتبة الأولى الثري الفرنسي، من أصل مغربي، باتريك ديرهي، الذي حصل على الجنسية الإسرائيلية في العام الأخير، بثروة قدرت بنحو 5ر16 مليار دولار. إلا أن ديرهي ما زال يظهر في قائمة "فوربس" الحالية كثري فرنسي، مع ثروة بلغت 4ر6 مليار دولار.
وأشارت تقارير الثراء الإسرائيلية، في العامين الأخيرين، إلى ارتفاع حاد في ثراء الأثرياء، إذ أن ثروة الكبار الـ 500 ارتفعت من 37 مليار دولار في العام 2003، إلى 140 مليار دولار في العام الجاري 2015، أي ما نسبته 378%، ولكن من ناحية حقيقية فإن الزيادة هي بنسبة 330%، بعد أن أخرجنا من المجموع العام ثروة الثري الأكبر باتريك ديرهي التي بلغت 5ر16 مليار دولار، والثاني ياكير غباي الذي هو أيضا حصل على الجنسية في العام الأخير، وبلغت ثروته 6ر1مليار دولار.
ورأينا أن ثروة الكبار الخمسة الأوائل حوالي 38 مليار دولار، وهم يشكلون 27% من إجمالي الثروة. بينما ثروة الـ 14 الأوائل (بمن فيهم الخمسة) قرابة 62 مليار دولار، ونسبة 44% من إجمالي الثروة وثروة الـ 34 الكبار بلغت ما يزيد عن 91 مليار دولار، أي 65% من إجمالي الثروة.
أثرياء الدول الأخرى
وتبين القائمة وجود 6 أثرياء يهود في البرازيل، بثروة إجمالية 25ر25 مليار دولار.
وهناك عدد مماثل من الأثرياء في كندا بثروة إجمالية 3ر13 مليار دولار.
وفي بريطانيا خمسة أثرياء يهود بثروة إجمالية 34 مليار دولار.
وهناك ثلاثة أثرياء يهود في كل من: أوكرانيا (9ر7 مليار دولار) وأستراليا (10 مليارات دولار) وإمارة موناكو (5ر4 مليار دولار) وفرنسا (4ر27 مليار دولار)، إلا أنه كما ذكر فإن أحد أثرياء فرنسا ديرهي حصل على الجنسية الإسرائيلية.
كذلك في كندا ثريان يهوديان بثروة إجمالية 5ر3 مليار دولار، وفي هونغ كونغ ثري يهودي واحد يدعى مايكل خضوري- 5ر9 مليار دولار، وفي ألمانيا ثري يهوديّ واحد وتقدر ثروته بـ 9ر1 مليار دولار.
المصطلحات المستخدمة:
هرتسليا, هآرتس, يسرائيل هيوم, الليكود, بنيامين نتنياهو, زئيف إلكين, أفيغدور ليبرمان