أجمعت التقارير الاقتصادية الإسرائيلية الصادرة في الأيام القليلة الماضية، على أن الأسواق التجارية والملاهي، من مطاعم ومقاه، بدأت تشهد تراجعا حادا في حركة المستهلكين، وحتى أن الانهيار كان أكبر في عدد المجمّعات الضخمة في المدن الكبرى، مثل تل أبيب، والقدس الغربية. وقالت تقارير أخرى إنه توجد بوادر لإلغاء حجوزات سياحية كبيرة من العالم. ورغم ذلك فإن أسواق المال الإسرائيلية ما تزال تنشط بانضباط.
وقالت صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية الإسرائيلية إن بعض المجمّعات الكبيرة بدأت تتحدث عن تراجع كبير جدا في أعداد الزائرين. وقالت معطيات لشركة الأبحاث التجارية "رايس"، التي ترصد الحركة الشرائية في 3200 حانوت في مجمّعات تجارية في مختلف أنحاء البلاد، إنه منذ يوم 6 وحتى يوم 12 من الشهر الجاري، تراجعت المبيعات في هذه الحوانيت بنسبة 13%. وهي فترة لم تشتد فيها العمليات الفلسطينية، ولم تكن الأوضاع الأمنية بمستوى تدهورها لاحقا، ما يؤكد أن التراجع الحالي سيكون بنسب أعلى. وقال تقرير آخر إن شركات بطاقات الاعتماد أعلنت عن تراجع بنسبة 11% في المشتريات بواسطة البطاقات.
وقالت شبكات التسوق الغذائية إنها شهدت في الأيام الأخيرة ارتفاعا حادا جدا في المشتريات عبر الهاتف وشبكات الانترنت وإرسال المشتريات عبر موزعين.
وقال مسؤول في شبكة حوانيت كتب المطالعة "تسومت سفاريم" إن "وضع المبيعات كارثي"، وإن المبيعات وصلت إلى حضيض وبعض الحوانيت لم تكن فيها مبيعات إطلاقا. وقالت صحيفة "كالكاليست" الاقتصادية إن المجمّعات التجارية في القدس الغربية، تتحدث عن تراجع مبيعات بنسبة 20% في الأيام الأخيرة. ويقول أحد المسؤولين في هذه المجمّعات إنه في حال استمرار الوضع القائم، فإن المبيعات قد تنهار بنسبة 50%. ويضيف أنه بعد الساعة الخامسة مساء يبقى الناس في بيوتهم، وتنخفض بنسبة هائلة جدا أعداد الداخلين إلى المطاعم والمقاهي والملاهي الأخرى.
وبحسب التقارير الاقتصادية فإن قطاع السياحة يحاول صد موجة إلغاء حجوزات ضخمة جدا من السياحة الخارجية. وقالت شركات سياحية إسرائيلية إن أفواج سياحية بدأت تلغي منذ الآن حجوزات كانت معدّة للأيام القليلة المقبلة، في حين بدأت شركات سياحية من الخارج تستفسر عن الأوضاع، وسط مؤشرات إلى أنها تنوي إلغاء صفقات سياحية. وقد عانت إسرائيل من تراجع السياحة خلال الحرب على غزة في صيف العام الماضي 2014، وما تزال آثار تلك المرحلة ملموسة حتى اليوم. ويتخوف قطاع السياحة من أن تؤثر الهبّة الفلسطينية على السياحة بنسب أكبر من العام الماضي.
وتبين أنه في وسط الأسبوع الماضي، على سبيل المثال، قررت سفينة سياحية ضخمة تتجول في عدة دول من العالم، وفي حوض البحر الابيض المتوسط، إلغاء وصولها إلى إسرائيل قبل يوم من هذا الوصول، واتجهت إلى دول أخرى. وكان على متنها 3500 سائح، من بينهم المئات من الولايات المتحدة الأميركية.
وفي المقابل، تقول التقارير إن مبيعات أدوات ومواد الدفاع عن النفس سجلت ارتفاعا بنسبة 500%، في حين أعلن وزير المالية موشيه كحلون عن رصد ميزانية 6ر2 مليون دولار لتعزيز الحراسة في المجمّعات التجارية وفي المرافق العامة والأماكن التي تشهد حركة واسعة.
أما الأسواق المالية، فحتى مطلع الأسبوع الجاري كانت تتحرك بانضباط، والتراجعات والارتفاعات ظلت في حدود الحركة العادية، إلا أن محللين اقتصاديين قالوا للصحافة الإسرائيلية إن هذه الوضع ليس مضمونا، ففي حال استفحلت الأوضاع فإن كل الاحتمالات واردة، وحتى انهيار البورصات.
ويشهد الاقتصاد الإسرائيلي في السنوات الثلاث الأخيرة، بما فيها الحالية، وتيرة نمو ضعيفة تتراوح ما بين 5ر2% إلى 3%، وهي نسب أقرب إلى الركود، مع الأخذ بعين الاعتبار أن نسبة التكاثر السكاني 9ر1%. كما أن نسب التضخم المالي سجلت في العام الماضي، وفي الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي تراجعا (اقرأ خبرا منفصلا)، بمعنى "تضخم سلبي"، وهذا ناجم عن ضعف الحركة الشرائية، وتراجع الصادرات بالأساس.
كما فحصت التقارير الاقتصادية الأوضاع في أسواق المدن والبلدات العربية في إسرائيل، التي هي عادة أسواق استهلاكية ومطاعم، إذ تتحدث المدن الكبيرة أنها تشهد تراجعا حادة في حركة دخول اليهود اليها، ومرد هذا ليس فقط الأوضاع الأمنية، وإنما أيضا حملة التحريض التي يقودها ساسة إسرائيليون بارزون، وخاصة العنصري أفيغدور ليبرمان، الذي يدعو يوميا لمقاطعة الأسواق العربية.
محللون يتحفظون
مقابل العناوين الصارخة التي صدرت بها الصحف العامة، والاقتصادية الخاصة، على مدى أيام، لتحذر من انهيار اقتصادي على ضوء الهبّة الفلسطينية، هناك من حذّر من نشر حالة الهلع في إسرائيل، لأن هذا سينعكس على العالم.
ويقول المحلل الاقتصادي في صحيفة "يديعوت أحرونوت" سيفر بلوتسكر "حينما تنتشر السكاكين في الشوارع، فمن الطبيعي أن الناس تتخوف من التوجه إلى الأسواق. ولكن التجربة علّمت أن التخوفات لفترة قد يتغلب عليها الإسرائيليون. ورأينا كيف أن الأسواق والاقتصاد ينتعشان عندنا في موعد أقرب من المتوقع. إلا أن تضخيم الظاهرة ووصفها بكارثة قومية، سيجعل العمليات كارثة اقتصادية أيضا. أفلا نذكر الانتفاضة الثانية حينما كان يُقتل في الشهر الواحد 50 و60 وحتى مئة مواطنين؟".
ويتابع بلوتسكر كاتبا إن هذا التضخيم سيعرض إسرائيل في وسائل الإعلام العالمية كدولة هستيرية، غارقة بالدماء، ومحظور أن تطأ الأقدام أرضها وشوارعها. فالاقتصاد ضعيف أصلا، وفي هذه الحالة سيتدهور إلى حد الركود، إن لم تكن إلى درجة أزمة حقيقية. ويخطئ ويُضلل من يدعو الناس لاتباع العنف ردا على العمليات وأخذ القانون بأيد خاصة، فهذه دعوات ليست قانونية ولا أخلاقية، وليست ناجعة، وتخلف أضرارا تراكمية، لأن هدف العمليات هو زرع الخوف في الشارع، وكل من يساعد في تضخيم الوضع، يساعد عمليا في تحقيق الأهداف.
واستعرض بلوتسكر حالات سابقة شهدتها إسرائيل، وحذر قائلاً "إذا ما تحولت موجة العمليات إلى موجة هستيرية عامة، فإن انعكاساتها على المجتمع والاقتصاد ستكون هدّامة". ويعتمد بلوتسكر على ما شهدته الأسواق الإسرائيلية في ظل التصعيد العسكري الإسرائيلي في السنوات الأخيرة، إذ كان يتبع كل تصعيد كهذا حركة شرائية عالية جدا، وأحيانا كانت تسد العجز الذي كان خلال فترة التصعيد أو العدوان العسكري.
ويقول يوسي فانيتسكي، مسؤول قطاع التقنيات العالية في أكبر البنوك الإسرائيلية "هبوعليم"، إنه حتى الآن لم يشعر قطاع الصناعة بانعكاسات الأوضاع القائمة، "ولكن التخوف هو من استفحال الأوضاع، وحينها سيكون هناك تأثير أيضا على قطاع الصناعات، ومنها التقنيات العالية، وإن التأثير الأول سيكون على المستثمرين الجدد في إسرائيل، الذين لم يعايشوا في الماضي أوضاعا مشابهة، بخلاف عمن باتت لديهم تجربة، فهؤلاء لن يسارعوا إلى سحب استثماراتهم".
وتقول صحيفة "كالكاليست" إن استفحال الأوضاع الأمنية سيؤدي إلى تراجع كبير في أعداد الوفود الاقتصادية، وفي زيارات المستثمرين. وأشارت الصحيفة إلى التقرير السنوي الأخير لبنك إسرائيل المركزي، الذي خصص فصلا كاملا لتأثير المواجهات العسكرية على النشاط الاقتصادي، وحسب ذلك التقرير، فإن القطاع الذي يتلقى الضربة الأقسى من غيره هو قطاع السياحة، وهذا ما كان في كل المواجهات العسكرية السابقة في السنوات الأخيرة، لأن رد فعل السياح من العالم، يكون أسرع من غيرهم ويقررون بسرعة إلغاء الحجوزات، أو تقليص عدد أيام المكوث.
وتشهد هذه الفترة من كل سنة، بمعنى شهري تشرين الأول وتشرين الثاني، تدفقا كبيرا للسياحة الدينية المسيحية، إذ يتم استغلال ضعف موسم السياحة عالميا، وانخفاض أسعار الرحلات الجوية.
تذمـر مصانع المستوطنات
قال تقرير لموقع "واينت" على شبكة الانترنت إن مصانع ومشاغل المستوطنات التي تعتمد على الأيدي العاملة الفلسطينية أعلنت أنها على وشك "كارثة اقتصادية"، إذ أنه بضغط من المستوطنين على جيش الاحتلال، صدرت أوامر عسكرية تقضي بمنع العمال الفلسطينيين من دخول المناطق الصناعية الاستيطانية، ومن الدخول إلى إسرائيل رغم أن الجيش، وحسب التقرير ذاته، أوصى حكومته بإبقاء تصاريح العمل قائمة، منعا لتزايد الاحتقان في الشارع الفلسطيني.
وحسب المعطيات الإسرائيلية التي نشرها الموقع الاخباري ذاته، فحتى نشوب الهبّة الفلسطينية كان 120 ألف تصريح عمل بأيدي الفلسطينيين، 20 ألفا منها بأيدي تجار، و40 ألفا للعمل في المناطق الصناعية الاستيطانية وفي داخل المستوطنات، و60 ألف تصريح للعمل في إسرائيل.
ونقل "واينت" عن أصحاب مصانع قولهم إن وقف العمل لديهم لعدة أيام أعاق احترام طلبيات عمل وإنجاز صفقات، ما يعرّضهم لطلبات تعويض من زبائنهم، ووصل بعضهم إلى حد الحديث عن انهيار اقتصادي في حال لم يتم تغيير قرار جيش الاحتلال.