المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

وجهة نظر إسرائيليةكانت الانتخابات الإسرائيلية في 28 كانون الثاني محورًا لمبادرتين مهمتين أحاديتي الجانب، إحداهما عربية، والأخرى إسرائيلية. وكلتاهما فشلتا في الظاهر. وفي الواقع فإن الانتخابات، في الجانب الإسرائيلي على الأقل، وفرت دواعي لتفاؤل حذر.

كانت المبادرة العربية محاولة من مصر لتحقيق هدنة فلسطينية من جانب واحد ثم السعي في سبيل توفير تجاوب إسرائيلي. لقد انتهت ثلاثة أشهر من المحادثات المتقطعة في القاهرة، اشترك فيها اثنا عشر فصيلا فلسطينيا، نهاية عقيمة في يوم الانتخابات بإسرائيل. في المحصلة رفضت حماس هدنة من طرف واحد، ورفضت وضع حد للعنف الموجه ضد إسرائيل في الضفة الغربية وقطاع غزة. ومما شحن الجو أكثر الخسائر الفلسطينية الكبيرة التي أدت إليها أعمال الجيش الإسرائيلي.

من المقرر أن تستأنف محادثات القاهرة في وقت لاحق من هذا الشهر. وليس بعيدا أن تسهم الاتصالات التي بادر إليها رئيس الوزراء الإسرائيلي أرئيل شارون مع القادة الفلسطينيين في نجاح محدود. الفرص ضئيلة، ولكن محادثات القاهرة أبرزت رغبة قوية من جانب شتى القادة الفلسطينيين، على اختلاف توجهاتهم، على المستوى المحلي أو الوطني، في ضبط الأمور وإنهاء العنف.

أما المبادرة الإسرائيلية لإعادة الانتشار من جانب واحد فحالة مختلفة جدا. لقد تصدّرها عمرم متسناع، زعيم حزب العمل الإسرائيلي، الذي خسر الانتخابات. ولكن قضية إعادة الانتشار الأحادية لم تخسر.

كان إيهود باراك، رئيس الوزراء آنذاك، أول من وضع هذه المسألة على الأجندة بشكل معلن عندما قال إن إخفاق عملية أوسلو،الذي تأكد في كمب ديفيد في تموز 2000، يجب أن يولد استعدادًا لدى الجمهور الإسرائيلي لقبول انسحاب إلى حدود مؤقتة ولإزالة المستوطنات المقامة خلفها من أجل إنقاذ إسرائيل من كارثة ديموغرافية إن هي استمرت في حكم أكثر من 3.5 ملايين فلسطيني حكما مباشرا أو غير مباشر. وفي السنتين اللاحقتين تبنى الفكرة عدد من المنظمات ومعاهد الأبحاث في إسرائيل يتصدرها مجلس السلام والأمن ومعهد فان لير. لقد ركزت موجة العمليات الانتحارية الفلسطينية الأنظار على فكرة سياج يقام على الخط الأخضر، أو قريبا منه، يكون حدا أمنيا جديدا. وفي أوائل عام 2002 أخذ المفهوم بمجمله – السياج وإعادة الانتشار وإزالة المستوطنات – يكسب تأييد أغلبية الجمهور الإسرائيلي كما أظهرت استطلاعات الرأي المتعاقبة.

صمم رئيس الوزراء شارون على الحفاظ على المستوطنات، بل وعلى توسيعها، وهي التي أسهمت كثيرا في خلق ورطة إسرائيل الأمنية والديموغرافية، ورفض فكرة إعادة الانتشار من جانب واحد، ولم يقبل على مشروع السياج إلا على مضض. ولكن متسناع قبل الفكرتين كلتيهما، وأعلن ترشيح نفسه لزعامة العمل. وفي غضون أشهر أجبر العمل على ترك حكومة الوحدة، وغدا زعيما له بدل فؤاد بن إليعيزر.

خسر متسناع الانتخابات خسارة مبينة. ولكن، ليس بسبب موضوع إعادة الانتشار من جانب واحد. لم يهاجم شارون قط النقطة الواردة في الحملة الانتخابية لمتسناع المتعلقة بانسحاب إسرائيل من قطاع غزة في غضون سنة، ذلك أنها ذات شعبية كبيرة. وأما هجوم متسناع على تلكؤ شارون في إنشاء السياج فقد حدا بشارون إلى التعهد بالإسراع في تنفيذ المشروع.

لكن متسناع شوّش رسالته الانتخابية تشويشا لا مزيد عليه إذ أيد أيضا تجديد التفاوض بلا شروط مع القيادة الفلسطينية الحالية – وهي فكرة ليست ذات شعبية أبدا في أوساط الجمهور – كما هاجم متسناع شارون بلا داع في موضوعات مثل القدرة على اتخاذ قرار حيث ينظر إليها في العادة على أنها نقاط قوة لشارون. وعلاوة على ذلك فقد كان تحصيل حاصل تقريبا ألا يتمكن متسناع من أن يصبح معروفا جيدا للجمهور بسرعة، وأن يعجز عن إزالة الأضرار التي لحقت بصورة حزب العمل بسبب أخطاء باراك التفاوضية، وبسبب سنتين قضاهما بن إليعيزر وبيرس وهما يبصمان بالموافقة على القرارات السياسية لشارون.

إن فوز شارون، واستعداد الرئيس المصري مبارك والقادة الفلسطينيين للالتقاء معه، وتوقعات بعض الأوساط بأن تكون للحرب القادمة ضد العراق آثار جانبية مؤثرة إقليميا، كل ذلك يزيد من التكهنات بأن شارون سينجح قريبا في إزاحة عرفات وفي تصدر عملية سلام حقيقية؛ لكن احتمال حدوث ذلك قريب من الصفر. فلا شارون ولا الرئيس الأميركي بوش يملك استراتيجية حقيقية للسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. كما أن عرفات لا يملك ذلك – على أن هذا لا يعني أن إخراجه من السلطة سيحسّن الوضع.

هذا يعيدنا إلى المبادرات الإسرائيلية والعربية الأحادية الجانب. إنها في الواقع الشيء الوحيد المتاح حاليا، وهي تستهدف أكثر موضوعين استعصاء: الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنات من جهة، والعنف الفلسطيني من جهة أخرى. على الاقل فهذه الأفكار، بكل ما فيها من نقاط ضعف أكيدة ومزالق، تقتضي إجماعا وتصميما سياسيا من طرف واحد فقط.

رغم مشكلاتها فإن الحملة الانتخابية لمتسناع وضعت بقوة إعادة الانتشار من جانب واحد وإزالة المستوطنات في مركز اهتمام الجمهور الإسرائيلي. وإذا كان للمعارضة البرلمانية الإسرائيلية أن تعي العبرة من هذه الهزيمة فسوف تركز الآن على هذا الموضوع فقط.

تم نشره في ©bitterlemons.org

يوسي ألفر مدير سابق لمركز جافي للدراسات الاستراتيجية بجامعة تل أبيب، وكبير مستشاري رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق إيهود باراك. عمل في الماضي في جهاز "الموساد".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات